عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن اذينة ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( قال : ما تروي هذه الناصبة ؟ فقلت : جعلت فداك فيماذا ؟ فقال : في أذانهم وركوعهم وسجودهم ، فقلت : إنهم يقولون : إن ابي بن كعب رآه في النوم ، فقال : كذبوا فإن دين الله عز وجل أعز من أن يرى في النوم ، قال : فقال له سدير الصيرفي : جعلت فداك فأحدث لنا من ذلك ذكرا ، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : إن الله عز وجل لما عرج بنبيه (صلى الله عليه وآله) إلى سماواته السبع أما اوليهن فبارك عليه ، والثانية علمه فرضه فأنزل الله محملاً من نور فيه أربعـون نوعـاً من أنواع النور ،كانت محدقة بعرش الله تغشي أبصار الناظرين ، أما واحد منها فأصفر فمن أجل ذلك اصفرت الصفرة ، وواحد منها أحمر فمن أجل ذلك احمرت الحمرة ، وواحد منها أبيض فمن أجل ذلك ابيض البياض ، والباقي على ساير عدد الخلق من النور والالوان في ذلك المحمل حلق وسلاسل من فضة ، ثم عرج به إلى السماء فنفرت الملائكة إلى أطراف السماء وخرت سجداً و قالت : سبوح قدوس ما أشبه هذا النور بنور ربنا ، فقال جبرئيل (عليه السلام) : الله أكبر الله أكبر ، ثم فتحت أبواب السماء واجتمعت الملائكة فسلمت على النبي (صلى الله عليه وآله) أفواجاً وقالت : يا محمد كيف أخوك إذا نزلت فاقرأه السلام ، قال النبي (صلى الله عليه وآله) : أ فتعرفونه ؟ قالوا : وكيف لا نعرفه وقد أخذ ميثاقك وميثاقه منا وميثاق شيعته إلى يوم القيامة علينا ، وإنا لنتصفح وجوه شيعته في كل يوم وليلة خمساً - يعنون في كل وقت صلاة - وإنا لنصلي عليك وعليه .
[ قال : ] ثم زادني ربي أربعين نوعاً من أنواع النور لا يشبه النور الأول وزادني حلقاً وسلاسل وعرج بي إلى السماء الثانية ، فلما قربت من باب السماء الثانية نفرت الملائكة إلى أطراف السماء وخرت سجداً وقالت : سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، ما أشبه هذا النور بنور ربنا ، فقال جبرئيل (عليه السلام) : أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله . فاجتمعت الملائكة وقالت : يا جبرئيل من هذا معك ؟ قال : هذا محمد (صلى الله عليه وآله) ، قالوا : وقد بعث ؟ قال : نعم ، قال النبي (صلى الله عليه وآله) : فخرجوا إلي شبه المعانيق فسلموا علي وقالوا : اقرأ أخاك السلام ، قلت : أ تعرفونه ؟ قالوا : وكيف لا نعرفه وقد أخذ ميثاقك وميثاقه وميثاق شيعته إلى يوم القيامة علينا وإنا لنتصفح وجوه شيعته في كل يوم وليلة خمساً - يعنون في كل وقت صلاة - قال : ثم زادني ربي أربعين نوعاً من أنواع النور لا تشبه الأنوار الأولى ، ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فنفرت الملائكة وخرت سجداً وقالت : سبوح قدوس رب الملائكة والروح ما هذا النور الذي يشبه نـور ربنا ؟ فقـال جبرئيل (عليه السلام) : أشهد أن محمداً رسول الله ، أشهد أن محمداً رسول الله . فاجتمعت الملائكة وقالت : مرحباً بالأول ومرحباً بالآخر ومرحباً بالحاشر ومرحباً بالناشر محمد خير النبيين وعلي خير الوصيين . قال النبي (صلى الله عليه وآله) : ثم سلموا علي وسألوني عن أخي ، قلت : هو في الأرض أ فتعرفونه ؟ قالوا : وكيف لا نعرفه وقد نحج البيت المعمور كل سنة وعليه رق أبيض فيه اسم محمد واسم علي والحسن والحسين [ والأئمة ] (عليهم السلام) وشيعتهم إلى يوم القيامة ، وإنا لنبارك عليهم كل يوم وليلة خمساً - يعنون في وقت كل صلاة - ويمسحون رؤوسهم بأيديهم .
قال : ثم زادني ربي أربعين نوعاً من أنواع النور لا تشبه تلك الأنوار الأولى ، ثم عرج بي حتى انتهيت إلى السماء الرابعة فلم تقل الملائكة شيئاً وسمعت دوياً كأنه في الصدور ، فاجتمعت الملائكة ففتحت أبواب السماء وخرجت إلي شبه المعانيق فقـال جبرئيل (عليه السلام) : حي على الصلاة حي على الصلاة ، حي على الفلاح حي على الفلاح . فقالت الملائكة : صوتان مقرونان معروفان ، فقال جبرئيل (عليه السلام) : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة . فقـالت الملائكة : هي لشيعته إلى يوم القيامة ، ثم اجتمعت الملائكة وقالت : كيف تركت أخاك ؟ فقلت لهم : وتعرفونه ؟ قالوا : نعرفه وشيعته وهم نور حول عرش الله وإن في البيت المعمور لرقا من نور [ فيه كتاب من نور ] فيه اسم محمد وعلي والحسن والحسين والأئمة وشيعتهم إلى يوم القيامة ، لا يزيد فيهم رجل ولا ينقص منهم رجل وإنه لميثاقنا وإنه ليُقرأ علينا كل يوم جمعة ، ثم قيل لي : ارفع رأسك يا محمد ، فرفعت رأسي فإذا أطباق السمـاء قد خرقت والحجب قد رفعت ، ثم قال لي : طأطئ رأسك ، أنظر ما ترى ؟ فطأطأت رأسي فنظرت إلى بيت مثل بيتكم هذا وحرم مثل حرم هذا البيت لو ألقيت شيئاً من يدي لم يقع إلا عليه ، فقيل لي : يا محمد إن هذا الحرم وأنت الحرام ولكل مثل مثال ، ثم أوحى الله إلي : يا محمد ادنُ من صاد فاغسل مساجدك وطهرها وصل لربك فدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) من صاد وهو ماء يسيل من ساق العرش الأيمن ، فتلقى رسول الله (صلى الله عليه وآله) الماء بيده اليمنى فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمين ، ثم أوحى الله عز وجل إليه أن اغسل وجهك فإنك تنظر إلى عظمتي ، ثم اغسل ذراعيك اليمنى واليسرى فإنك تلقى بيدك كلامي ، ثم امسح رأسك بفضل ما بقي في يديك من الماء ورجليك إلى كعبيك فإني أبارك عليك وأوطيك موطئا لم يطأه أحد غيرك ، فهذا علة الأذان والوضوء .
ثم أوحى الله عز وجل إليه : يا محمد استقبل الحجر الأسود وكبرني على عدد حجبي فمن أجل ذلك صار التكبير سبعاً ؛ لأن الحجب سبع فافتتح عند انقطاع الحجب ، فمن أجل ذلك صار الافتتاح سنة والحجب متطابقة بينهن بحار النور وذلك النور الذي أنزله الله على محمد (صلى الله عليه وآله) ، فمن أجل ذلك صار الافتتاح ثلاث مرات لافتتاح الحجب ثلاث مرات ، فصار التكبير سبعاً والافتتاح ثلاثاً ، فلما فرغ من التكبير والافتتاح أوحى الله إليه سمِّ باسمي فمن أجل ذلك جعل بسم الله الرحمن الرحيم في أول السورة ، ثم أوحى الله إليه أن احمدني ، فلما قال : الحمد لله رب العالمين ، قال النبي في نفسه شكراً ، فأوحى الله عز وجل إليه قطعت حمدي فسم باسمي فمن أجل ذلك جعل في الحمد الرحمن الرحيم مرتين ، فلما بلغ ولا الضالين قال النبي (صلى الله عليه وآله) : الحمد لله رب العالمين شكراً ، فأوحى الله إليه قطعت ذكري فسم باسمي فمن أجل ذلك جعل بسم الله الرحمن الرحيم في أول السورة ثم أوحى الله عز وجل إليه : اقرأ يا محمد نسبة ربك تبارك وتعالى : ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾ .
ثم أمسك عنه الوحي فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : الواحد الأحد الصمد ، فأوحى الله إليه : لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، ثم أمسك عنه الوحي فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : كذلك الله كذلك [ الله ] ربنا ، فلما قال ذلك أوحى الله إليه : اركع لربك يا محمد ، فركع فأوحى الله إليه وهو راكع قل : سبحان ربي العظيم ففعل ذلك ثلاثاً ، ثم أوحى الله إليه : أن ارفع رأسك يا محمد ، ففعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقام منتصباً فأوحى الله عز وجل إليه : أن اسجد لربك يا محمد ، فخر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ساجداً ، فأوحى الله عز وجل إليه قل : سبحان ربي الأعلى ، ففعل ذلك ثلاثاً ، ثم أوحى الله إليه : استو جالساً يا محمد ، ففعل فلما رفع رأسه من سجوده واستوى جالساً نظر إلى عظمته تجلت له فخر ساجداً من تلقاء نفسه لا لأمر أُمر به فسبح أيضا ثلاثاً ، فأوحى الله إليه : انتصب قائماً ، ففعل فلم ير ما كان رأى من العظمة فمن أجل ذلك صارت الصلاة ركعة وسجدتين .
ثم أوحى الله عز وجل إليه : اقرأ بالحمد لله ، فقرأها مثل ما قرأ أولاً ، ثم أوحى الله عز وجل : إليه اقرأ إنا أنزلناه فإنها نسبتك ونسبة أهل بيتك إلى يوم القيامة ، وفعل في الركوع مثل ما فعل في المرة الأولى ثم سجد سجدة واحدة ، ثم أوحى الله إليه : ارفع رأسك يا محمد ثبتك ربك ، فلما ذهب ليقوم قيل : يا محمد اجلس ، فجلس فأوحى الله إليه يا محمد إذا ما أنعمت عليك فسمِّ باسمي فأُلهم أن قال : بسم الله وبالله ولا إله إلا الله والأسماء الحسنى كلها لله ، ثم أوحى الله إليه : يا محمد صل على نفسك وعلى أهل بيتك ، فقال : صلى الله علي وعلى أهل بيتي ، وقد فعل ، ثم التفت فإذا بصفوف من الملائكة والمرسلين والنبيين فقيل : يا محمد سلم عليهم ، فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فأوحى الله إليه : أن السلام والتحية والرحمة والبركات أنت وذريتك .
ثم أوحى الله إليه أن لا يلتفت يساراً وأول آية سمعها بعد قل هو الله أحد وإنا أنزلناه آية أصحاب اليمين و أصحاب الشمال فمن أجل ذلك كان السلام واحدة تجاه القبلة ، ومن أجل ذلك كان التكبير في السجود شكراً وقوله : سمع الله لمن حمده لأن النبي (صلى الله عليه وآله) سمع ضجة الملائكة بالتسبيح والتحميد والتهليل ، فمن أجل ذلك قال : سمع الله لمن حمده ، ومن أجل ذلك صارت الركعتان الأوليان كلما أحدث فيهما حدثا كان على صاحبهما إعادتهما فهذا الفرض الأول في صلاة الزوال يعني صلاة الظهر ) ([1]).
( ....... فلما رفع رأسه من سجوده واستوى جالساً نظر إلى عظمته تجلت له فخر ساجداً من تلقاء نفسه لا لأمر أُمر به ....... ) :
هذه الكلمات تبين بوضوح ملازمة السجود الحقيقي للمعرفة .
( ... ثم اجتمعت الملائكة وقالت كيف : تركت أخاك ؟ فقلت لهم : وتعرفونه ؟ قالوا : نعرفه وشيعته وهم نور حول عرش الله وإن في البيت المعمور لرقا من نور [ فيه كتاب من نور ] فيه اسم محمد وعلي والحسن والحسين والأئمة وشيعتهم إلى يوم القيامة لا يزيد فيهم رجل ولا ينقص منهم رجل وإنه لميثاقنا وإنه ليُقرأ علينا كل يوم جمعة .... ) :
وشيعة علي هنا الذين لا يزيد فيهم رجل ولا ينقص منهم رجل هم الأئمة والمهديون حجج الله من ولد علي (عليه السلام) ، فهم النور الذي حول العرش وأسماؤهم مكتوبة في رق من نور وموضوعة في البيت المعمور الذي هو قبلة الملائكة ، والذي ورد في الروايات أن الكعبة إنما هي صورة له صورت للناس في الأرض ، وكون هذه الأسماء أي أسماء الأئمة والمهديين هي ميثاق الملائكة ، ويقرأ عليهم كل يوم جمعة يبين بوضوح تام أن هذه الأسماء متعلقة بسجودهم وباستغفارهم عن اعتراضهم عندما أمروا بالسجود ، بل وبحسب العلاقة بين البيت المعمور والكعبة وبحسب هذه الرواية المباركة تعرف أن السجود إلى الكعبة إنما لعلة وجود نور هذه الأسماء فيها ، والذي أشار له بوضوح تام ولادة علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الكعبة ووضع الحجر الذي أودع العهد والميثاق في ركنها .
( .... ثم أوحى الله عز وجل إليه : يا محمد استقبل الحجر الأسود وكبرنـي على عدد حجبي ، فمن أجل ذلك صار التكبير سبعاً لأن الحجب سبع ...... ) :
التكبيرات السبع في الصلاة معروفة للمؤمنين وهي تكبيرة الإحرام وست تكبيرات تفتتح بها الصلاة .
أما كون الحجر الأسود بالخصوص من الكعبة هو الذي أمر الله محمداً (صلى الله عليه وآله) باستقباله فلأن الحجر يشير إلى المهدي ، و المهدي أو يوسف آل محمد هو قبلة محمد (صلى الله عليه وآله) وآل محمد (عليهم السلام) ، فكلهم قد بشروا به وشاركوا في تهيئة الطريق لإقامة دولة العدل الإلهي التي سيقيمها المهدي .
وهذا جواب أحد الأسئلة التي وردت عن طريق الأنترنت وفيه تفصيل عن الحجر الأسود وارتباطه بالمهدي أو القائم :
س / من هذا الرجل ؟
السلام على يماني آل محمد ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً
في عام 1424هـ قمت بأداء مناسك الحج وكانت الحجة الثانية لي ولله الحمد ومعي زوجتي ، وكنا مع أحد حملات الحج المشهورة في الأحساء ، وكان لنا عبر وقصص في تلك الحجة المباركة ، فعندما كانت ليلة عرفه حصلت حادثة لنساء الحملة فسمعوا ليلة عرفه بعد أعمال تلك الليلة صيحة قوية ( صراخاً قوياً ) تكرر مرتين أيقظ النائمة من نومها ، والغريب أن بعض الجالسين من النساء لم يسمعوا تلك الصيحة ، فهذه الصيحة أرعبت النساء وأخافتهم ولم يعرفوا من أين هذا الصوت .
والقصة الثانية والأهم هي : عندما دخلت أنا وزوجتي الحرم لطواف الحج شاهدت زحاماً شديداً وخشيت أن لا أستطيع تطويف زوجتي طواف الحج ، وقال لنا المرشد الديني للحمله : عندما تشاهدون زحاماً قولوا : يا عليم يا عظيم ينفك الزحام ، حيث جربت هذا الذكر في طواف العمرة ولاحظت الزحام ينفك – عموماً - قلت مرة واحدة : يا عليم يا عظيم ، وإذا برجل يأتي فوراً من بين الركن والمقام ويشق صفوف الحجيج بعد انتهائي من الذكر ، وكأنه آتٍ لنا من طوافه أو قبل أن ينهي طوافه حيث لم يعبر الركن والمقام ، واستقبلنا مخصوص والكعبة خلفه ولم يكن في طريقه لنا أحد من الحجيج ، وقال لي : تعال خلفي أطوفكما وذهبت خلفه مع زوجتي وطوفنا طواف الحج ولم نشعر بأي زحام أو ضيق ، وكان يقرأ أدعية وأذكار ومن بينها دعاء كميل وأنا أكثر الصلاة على محمد وآل محمد وأقول في نفسي : ربما يكون هذا المهدي محمد بن الحسن (عليه السلام) ولكن أقول : من أنا حتى يخرج لي المهدي ويطوفني ؟ وفي أثناء الشوط الأول من الطواف كانت زوجتي خلفي وقال لي : دع زوجتك أمامك ، وأمرتها أن تكون أمامي وخلفه أي وسطنا وهو قصد أن يعلمني كيف أحافظ على زوجتي أثناء الطواف .
وعند وصولنا إلى الحجر الأسود يشير إليه بيمينه ويقول : الله أكبر ، وعندما انتهينا من الشوط السابع بعد مقام إبراهيم (عليه السلام) قلت له : أريد أن أطوف طواف النساء معك ، فقال لي : إن شاء الله ، وكأنه يودعني وقابلني بوجهه وهو يمشي عني إلى الوراء وكأنه أزاح تلك الآلاف من الناس وهو يمشي إلى الخلف ، واتسع له المكان ومضى ، وكأن الحجيج بحر وهو موجة قوية أزاحت مياه البحر .
أما أوصاف هذا الرجل : فهو غائر العينين ، مشرف الحاجبين ، طويل نحيف ، أسمر اللون ، شعره أسود طويل ، والغريب أنه يلبس لباساً أخضر فاتحاً يوم طواف الحج وعلى رأسه غطاء نسميه نحن بالخليجي الطاقية . سؤالي : من هو هذا الرجل ؟ هل هو يماني آل محمد (عليهم السلام) ؟ ومن أنا حتى يأتي يماني آل محمد (عليه السلام) ويطوفني ؟ أم هو الخضر بما أنه لابس لباساً أخضر ، أم أنه من أنصار الإمام المهدي محمد بن الحسن (عليه السلام) ؟؟؟
وسألت أحد طلبة الحوزة وقال : إنه الإمام (عليه السلام) ، وسألت أحد المؤمنين ، وقال : ربما يكون الخضر (عليه السلام) أو أحد أعوان الإمام (عليه السلام) .
سمعت قصة حصلت لأحد الأنصار وقصها عليّ ووصفه لي وهي نفس الصفات التي رأيتها ولو رأيت الرجل الذي طوفني بعد هذه السنين عرفته من بين مليون رجل .
والسلام على يماني آل محمد ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً
مسلم أنصاري 40 سنة
الأحساء – السعودية
تحصيل ثانوي
ج/ بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً
إعلم أن الله ذاكر من ذكره ويعطي الكثير بالقليل وأنت ذكرته سبحانه في بيته بإخلاص فذكرك وأعانك ويسر أمرك ، أسأل الله أن يوفقك دائماً للإخلاص له سبحانه والعمل لما يرضيه ، أما عبد الله الذي أعانك فهو أعانك بحول الله وقوته ، وعندما أمره الله أن يعينك فالفضل كله لله سبحانه ، فاشكر الله سبحانه وتعالى الذي منَّ عليك بهذا ولو أن الله أمره أن يخبرك باسمه لأخبرك . أما إن هذا العبد عندما كان يصل الحجر يقول : الله أكبر فهذا تكليفه هو ، أما أنت وغيرك من الناس فتكليفكم أن تقولوا عند وصول الحجر : ( اللَّهُمَّ أَمَانَتِي أَدَّيْتُهَا وَ مِيثَاقِي تَعَاهَدْتُهُ لِتَشْهَدَ لِي بِالْمُوَافَاةِ اللَّهُمَّ تَصْدِيقاً بِكِتَابِكَ وَعَلَى سُنَّةِ نَبِيِّكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وأن علياً والأئمة من ولده حجج الله وأن المهدي والمهديين من ولده حجج الله – وتعدهم الى حجة الله في زمانك - آمَنْتُ بِاللَّهِ وَكَفَرْتُ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَبِاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَعِبَادَةِ الشَّيْطَانِ وَعِبَادَةِ كُلِّ نِدٍّ يُدْعَى مِنْ دُونِ اللَّهِ ) .
ودين الله كله يكاد يكون مسألة واحدة فتح بها خلق الإنسان الأرضي ذكرها تعالى بقوله : ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ ، والقرآن كله في الفاتحة والفاتحة في البسملة والبسملة في الباء والباء في النقطة والنقطة علي (عليه السلام) ، قال أمير المؤمنين : ( أنا النقطة ) ، وماذا كان أمير المؤمنين علي (عليه السلام) غير أنه خليفة الله في أرضه ؟!
إذن ، فالنقطة والباء والبسملة والفاتحة والقرآن والدين كله هو خليفة الله في أرضه ، والقرآن والدين كله هو العهد والميثاق الذي أُخذ على العباد بإطاعة خلفاء الله وأودعه الله في حجر الأساس أو الحجر الأسود أو حجر الزاوية أو الحجر المقتطع من محمد (صلى الله عليه وآله) لهدم حاكمية الشيطان والطاغوت ، وقد ذكر هذا الحجر في الكتب السماوية وفي الروايات ، وقريش عندما اختلفوا فيمن يحمل الحجر كانوا يعلمون أن هذا الحجر يشير إلى أمر عظيم ولهذا اختلفوا فيمن يحمله ، وكانت مشيئة الله أن محمداً (صلى الله عليه وآله) هو من حمل الحجر ووضعه في مكانه لتتم آية الله ، وإشارته سبحانه إن قائم الحق والعبد الذي أودعه الله العهد والميثاق الذي يشير له هذا الحجر سيخرج من محمد (صلى الله عليه وآله) الذي حمل الحجر .
عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ : ( إِنَّ قُرَيْشاً فِي الْجَاهِلِيَّةِ هَدَمُوا الْبَيْتَ فَلَمَّا أَرَادُوا بِنَاءَهُ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ وَأُلْقِيَ فِي رُوعِهِمُ الرُّعْبُ حَتَّى قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَيَأْتِي كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِأَطْيَبِ مَالِهِ وَلَا تَأْتُوا بِمَالٍ اكْتَسَبْتُمُوهُ مِنْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ أَوْ حَرَامٍ فَفَعَلُوا فَخُلِّيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بِنَائِهِ فَبَنَوْهُ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى مَوْضِعِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَتَشَاجَرُوا فِيهِ أَيُّهُمْ يَضَعُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فِي مَوْضِعِهِ حَتَّى كَادَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ شَرٌّ فَحَكَّمُوا أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) فَلَمَّا أَتَاهُمْ أَمَرَ بِثَوْبٍ فَبَسَطَ ثُمَّ وَضَعَ الْحَجَرَ فِي وَسَطِهِ ثُمَّ أَخَذَتِ الْقَبَائِلُ بِجَوَانِبِ الثَّوْبِ فَرَفَعُوهُ ثُمَّ تَنَاوَلَهُ (صلى الله عليه وآله) فَوَضَعَهُ فِي مَوْضِعِهِ فَخَصَّهُ اللَّهُ بِهِ ) ([2]).
فمحمد (صلى الله عليه وآله) حمل الحجر الأسود وهذه إشارة أن القائم وحامل الخطيئة وحامل الراية السوداء التي تشير إليها سيخرج من محمد (صلى الله عليه وآله) ، وأيضاً محمد (صلى الله عليه وآله) هو من يحمله في صلبه ؛ لأنه مستودع في فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) ولذا يكون حامل الخطيئة الحقيقي هو رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) .
أما اللون الأسود الذي شاء الله أن يكتسي به هذا الحجر فهو يشير إلى ذنوب العباد ويذكرهم بخطاياهم لعلهم يتوبون ويستغفرون وهم في بيت الله ، وهو نفسه لون رايات قائم الحق ، قائم آل محمد السوداء ، فالرايات السود تشير إلى الحجر والحجر يشير إليها وكلاهما يشيران بلونهما الأسود إلى خطيئة نقض العهد والميثاق المأخوذ على الخلق في الذر ، وأيضاً يشيران إلى ما يتحمله من عناء حامل هذه الخطيئة - وحامل الراية السوداء التي تشير إلى الخطيئة - العبد الذي أوكل بكتاب العهد والميثاق ، وهو الحجر الأسود وهو قائم آل محمد .
والحجر مرتبط بمسألة الفداء الموجودة في الدين الإلهي وعلى طول المسيرة المباركة لهذا الدين فدين الله واحد ؛ لأنه من عند واحد ، والفداء قد ظهر في الإسـلام بأجلى صوره في الحسـين (عليه السلام) ، وقبل الإسلام تجد الفداء في الحنيفية دين إبراهيم (عليه السلام) بإسماعيل ، وتجده أيضاً بعبد الله والد الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) ، وأيضاً تجده في اليهودية دين موسى (عليه السلام) بيحيى بن زكريا (عليه السلام) ، وتجده في النصرانية بالمصلوب ، وبغض النظر عن كون النصارى يتوهمون أن المصلوب هو عيسى (عليه السلام) نفسه ، فإنهم يعتقدون بأن المصلوب هو حامل الخطيئة ومعتقداتهم وإن كان فيها تحريف ولكن هذا لا يعني أنها جميعاً جاءت من فراغ تام وليس لها أي أصل في دين الله سبحانه حرفت عنه ، بل كثير من العقائد المنحرفة في الحقيقة هي تستند إلى أصل ديني أخذه علماء الضلال غير العاملين وحرفوه وبنوا عليه عقيدة فاسدة ، فقضية كون الرسل يتحملون بعض خطايا أممهم ليسيروا بالأمة ككل إلى الله موجودة في دين الله ولم تأتِ من فراغ ، ويمكنك مراجعة نصوص التوراة مثلاً للإطلاع على تحمل موسى (عليه السلام) عناءً إضافياً لما يقترفه قومه من الخطايا ، ورسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) تحمل خطايا المؤمنين قال تعالى : ﴿ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً ﴾ ([3]).
وتفسيرها في الظاهر : أنه تحمل خطايا أمته وغفرها الله له ، عن عمر بن يزيد بياع السابري قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : ( قول الله في كتابه ﴿ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ ﴾ ، قال : ما كان له من ذنب و لا هم بذنب و لكن الله حمله ذنوب شيعته ثم غفرها له ) ([4]).
وتحمل الرسل لخطايا أممهم لا يعني أنهم يتحملون خطيئة نقض العهد والميثاق عن منكري خلفاء الله الذين يموتون على هذا الإنكار ، بل هم يتحملون خطيئة من غفل عن تذكر العهد والميثاق ، ونقضه مدة من الزمن في هذه الحياة الدنيا ، كما أن تحملهم لخطايا أممهم لا يعني أنهم يصبحون أصحاب خطيئة عوضا عن أممهم ، بل معناه ... أنهم يتحملون أثقالاً إضافية وعناءً إضافياً في تبليغ رسالاتهم في هذه الدنيا للناس ، وهذا طبعا بإرادتهم هم ؛ لأنهم هم من يطلب هذا ، فالأب الرحيم بأبنائه يتحمل نتائج أخطائهم في كثير من الأحيان ، وإن كانت تسبب له عناءً ومشقة وربما الآلام والقتل في سبيل الله ، كما هو الحال في الحسين (عليه السلام) ، وذلك ؛ لأن الأب يرجو صلاح أبنائه في النهاية ، وربما كثيرون لا يتذكرون العهد حتى يراق دم أبيهم ولي الله فيكون سبباً لتذكرهم العهد والميثاق ، ولهذا تجد الحسين (عليه السلام) الذي شاء الله أن يجعله سبباً لتذكر عدد كبير من الخلق قد ترك الحج وأقبل يحث الخطى إلى مكان ذبحه (عليه السلام) .
أما علاقة الحجر بخطيئة آدم (عليه السلام) فهذا أمر قد تكفل الأئمة (عليهم السلام) بيانه وإن كان ربما خفي فيما مضى على الناس لعلة أرادها الله سبحانه ، بل وعلاقة الحجر بخطايا الخلق أيضاً قد تكفلوا بيانه وقد بين هذا الأمر رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) بأوضح بيان بالعمل - عندما قبَّل الحجر - ولكنه بيان لمن لهم قلوب ويعون أفعال محمد (صلى الله عليه وآله) الحكيم الذي يعمل الحكمة ، لا كعمر بن الخطاب الذي يصرح إنه لا يفهم لماذا رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) قبَّل الحجر ؟! ويصرح أن نفسه وحقيقته لا تتقبل تقبيل الحجر ولكنه يفعله فقط لأنه رأى رسول الله محمداً (صلى الله عليه وآله) يفعل ذلك أمام الآلاف المسلمين ، ولا يمكنه مخالفة محمد (صلى الله عليه وآله) لأنه يدعي أنه خليفته ، فهو يسفه فعل محمد (صلى الله عليه وآله) ويستن به مجبراً فأي مكر هذا ، روى البخاري ومسلم وأحمد : ( أن عمر جاء إلى الحجر فقبله وقال : إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول اللة صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ) .
وروى أحمد بسنده عن سويد بن غفلة قال : ( رأيت عمر يقبل الحجر ويقول : إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولكني رأيت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم بك حفياً ) .
فعمر بن الخطاب عندما قبل الحجر صرح بأنه كاره لهذا الفعل ومنكر له ومستخف بهذا الحجر وكونه الشاهد على العباد بالوفاء بالعهد والميثاق المأخوذ عليهم في الذر ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴾ ([5]).
وهذه إشارة جلية لمن لهم قلوب يفقهون بها ، بأن عمر بن الخطاب منكر للعهد والميثاق المأخوذ ولذا فنفسه تشمئز من الحجرالشاهد ، وبالتالي يحاول عمر إنكار كون الحجر شاهداً حقيقياً ، فيخاطب عمر بن الخطاب الحجر الشاهد والحجـر الأساس والحجر الأسـود بقوله : ( إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ) ، وبما أن الناس الذين كانوا يحيطون بعمر في هذا الموقف قد رأوا رسول الله محمداً (صلى الله عليه وآله) حفياً بهذا الحجر شديد الاهتمام به ويقبل هذا الحجر ويسجد عليه ، بل هم أنفسهم قد ورثوا عن حنيفية إبراهيم (عليه السلام) تقديس هذا الحجر والاهتمام به ، لذا تدارك عمر قوله بفعله فقبل الحجر ولكن بعد ماذا ؟! بعد أن سفه عمر تقبيل الحجر الأسود بأنه حجر لا يضر ولا ينفع ، وبالتالي فلا حكمة في تقبيله ، وبالتالي فإن عمر بقوله وفعله أراد أن يهمش الحجر الأسود وينفي كونه شاهداً ، ويجعل تقبيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) للحجر وسجوده عليه أمراً مبهماً غير مفهوم خالياً من الحكمة ، والحقيقة أنه لو كان الحجر الأسود لا يضر ولا ينفع لكان فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) - وحاشاه - خالياً من الحكمة ولا يمكن أن يكون فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) له معنى وحكيماً إن لم يكن هذا الحجر يضر وينفع بإذن الله وبحوله وقوته سبحانه . إذن فمشيئة الله أن يظهر ما يبطنه عمر من موقف تجاه الحجر أو العبد الموكل بالعهد والميثاق أو قائم آل محمد ، وسبحان الله لا يضمر الإنسان سوءاً إلا أظهره الله في فلتات لسانه .
وقد تكفل رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) بيان أهمية الحجر الأسود وفضله بأقواله وأفعاله ، ويكفي أن تعرف أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبله وسجد عليه ولم يسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) على جزء من الكعبة غير الحجر الأسود ، وبلغ عظيم هذا الأمر وأهميته أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : ( استلموا الركن ، فإنه يمين الله في خلقه ، يصافح بها خلقه ، مصافحة العبد أو الدخيل ، ويشهد لمن استلمه بالموافاة ) ([6]).
والمراد بالركن أي الحجر الأسود ؛ لأنه موضوع فيه ، وتابع الأئمـة (عليهم السلام) نهج رسـول الله (صلى الله عليه وآله) في بيان أهمية الحجر بأقوالهم وأفعالهم ، فبينوا أن الحجر هو حامل كتاب العهـد والميثاق ، وإن آدم قد بكى أربعين يوماً ونصب مجلساً للبكاء بقرب الحجر ليكفر عن خطيئته في نقض العهد ﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ﴾ ([7]).
وإن الحجر كان درة بيضاء تضيء ولكنه في الأرض تحول للسواد بسبب خطايا العباد ، فهذه الكلمات والأفعال المباركة التي كرروها مرات أمام أصحابهم كلها تأكيد وبيان لأهمية الحجر الأسود ، ولعلاقة الحجر بالخطيئة الأولى بل والخطايا على طول مسيرة الإنسانية في هذه الأرض .
عَنْ بُكَيْرِ بْنِ أَعْيَنَ قَالَ :سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) : ( لِأَيِّ عِلَّةٍ وَضَعَ اللَّهُ الْحَجَرَ فِي الرُّكْنِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَلَمْ يُوضَعْ فِي غَيْرِهِ ، وَلِأَيِّ عِلَّةٍ تُقَبَّلُ ، وَلِأَيِّ عِلَّةٍ أُخْرِجَ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَلِأَيِّ عِلَّةٍ وُضِعَ مِيثَاقُ الْعِبَادِ وَالْعَهْدُ فِيهِ وَلَمْ يُوضَعْ فِي غَيْرِهِ ، وَكَيْفَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ تُخْبِرُنِي جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ فَإِنَّ تَفَكُّرِي فِيهِ لَعَجَبٌ . قَالَ : فَقَالَ : سَأَلْتَ وَأَعْضَلْتَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَاسْتَقْصَيْتَ فَافْهَمِ الْجَوَابَ وَفَرِّغْ قَلْبَكَ وَأَصْغِ سَمْعَكَ أُخْبِرْكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَضَعَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَهِيَ جَوْهَرَةٌ أُخْرِجَتْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى آدَمَ (عليه السلام) ، فَوُضِعَتْ فِي ذَلِكَ الرُّكْنِ لِعِلَّةِ الْمِيثَاقِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَخَذَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ حِينَ أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَفِي ذَلِكَ الْمَكَانِ تَرَاءَى لَهُمْ ، وَمِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ يَهْبِطُ الطَّيْرُ عَلَى الْقَائِـمِ (عليه السلام) ، فَأَوَّلُ مَنْ يُبَايِعُهُ ذَلِكَ الطَّائِرُ وَهُوَ وَاللَّهِ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) ، وَإِلَى ذَلِكَ الْمَقَامِ يُسْنِدُ الْقَائِمُ ظَهْرَهُ وَهُوَ الْحُجَّةُ وَالدَّلِيلُ عَلَى الْقَائِمِ وَهُوَ الشَّاهِدُ لِمَنْ وَافَاهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَالشَّاهِدُ عَلَى مَنْ أَدَّى إِلَيْهِ الْمِيثَاقَ وَالْعَهْدَ الَّذِي أَخَذَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْعِبَادِ ، وَأَمَّا الْقُبْلَةُ وَالِاسْتِلَامُ فَلِعِلَّةِ الْعَهْدِ تَجْدِيداً لِذَلِكَ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ ، وَتَجْدِيداً لِلْبَيْعَةِ لِيُؤَدُّوا إِلَيْهِ الْعَهْدَ الَّذِي أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي الْمِيثَاقِ ، فَيَأْتُوهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَيُؤَدُّوا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْعَهْدَ وَالْأَمَانَةَ اللَّذَيْنِ أُخِذَا عَلَيْهِمْ ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ أَمَانَتِي أَدَّيْتُهَا وَمِيثَاقِي تَعَاهَدْتُهُ لِتَشْهَدَ لِي بِالْمُوَافَاةِ ؟ وَوَاللَّهِ مَا يُؤَدِّي ذَلِكَ أَحَدٌ غَيْرُ شِيعَتِنَا وَلَا حَفِظَ ذَلِكَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ أَحَدٌ غَيْرُ شِيعَتِنَا ، وَإِنَّهُمْ لَيَأْتُوهُ فَيَعْرِفُهُمْ وَيُصَدِّقُهُمْ ، وَيَأْتِيهِ غَيْرُهُمْ فَيُنْكِرُهُمْ وَيُكَذِّبُهُمْ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْ ذَلِكَ غَيْرُكُمْ ، فَلَكُمْ وَاللَّهِ يَشْهَدُ وَعَلَيْهِمْ وَاللَّهِ يَشْهَدُ بِالْخَفْرِ وَالْجُحُودِ وَالْكُفْرِ ، وَهُوَ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَجِيءُ وَلَهُ لِسَانٌ نَاطِقٌ وَعَيْنَانِ فِي صُورَتِهِ الْأُولَى يَعْرِفُهُ الْخَلْقُ وَلَا يُنْكِرُهُ ، يَشْهَدُ لِمَنْ وَافَاهُ وَجَدَّدَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ عِنْدَهُ بِحِفْظِ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَيَشْهَدُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَنْكَرَ وَجَحَدَ وَنَسِيَ الْمِيثَاقَ بِالْكُفْرِ وَالْإِنْكَارِ ، فَأَمَّا عِلَّةُ مَا أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنَ الْجَنَّةِ فَهَلْ تَدْرِي مَا كَانَ الْحَجَرُ ؟ قُلْتُ : لَا ، قَالَ : كَانَ مَلَكاً مِنْ عُظَمَاءِ الْمَلَائِكَةِ عِنْدَ اللَّهِ ، فَلَمَّا أَخَذَ اللَّهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْمِيثَاقَ كَانَ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ وَأَقَرَّ ذَلِكَ الْمَلَكُ ، فَاتَّخَذَهُ اللَّهُ أَمِيناً عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ فَأَلْقَمَهُ الْمِيثَاقَ وَأَوْدَعَهُ عِنْدَهُ وَاسْتَعْبَدَ الْخَلْقَ أَنْ يُجَدِّدُوا عِنْدَهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ الْإِقْرَارَ بِالْمِيثَاقِ وَالْعَهْدِ الَّذِي أَخَذَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعَ آدَمَ فِي الْجَنَّةِ يُذَكِّرُهُ الْمِيثَاقَ وَيُجَدِّدُ عِنْدَهُ الْإِقْرَارَ فِي كُلِّ سَنَةٍ ، فَلَمَّا عَصَى آدَمُ وَأُخْرِجَ مِنَ الْجَنَّةِ أَنْسَاهُ اللَّهُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ الَّذِي أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى وُلْدِهِ لِمُحَمَّدٍ وَلِوَصِيِّهِ (عليه السلام) وَجَعَلَهُ تَائِهاً حَيْرَانَ ، فَلَمَّا تَابَ اللَّهُ عَلَى آدَمَ حَوَّلَ ذَلِكَ الْمَلَكَ فِي صُورَةِ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ فَرَمَاهُ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى آدَمَ (عليه السلام) وَهُوَ بِأَرْضِ الْهِنْدِ ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ آنَسَ إِلَيْهِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَنَّهُ جَوْهَرَةٌ وَأَنْطَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَـالَ لَهُ : يَا آدَمُ أَ تَعْرِفُنِي ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : أَجَلْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْكَ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاكَ ذِكْرَ رَبِّكَ ، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى صُورَتِهِ الَّتِي كَانَ مَعَ آدَمَ فِي الْجَنَّةِ ، فَقَالَ لآِدَمَ : أَيْنَ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ ؟ فَوَثَبَ إِلَيْهِ آدَمُ وَذَكَرَ الْمِيثَاقَ وَبَكَى وَخَضَعَ لَهُ وَقَبَّلَهُ وَجَدَّدَ الْإِقْرَارَ بِالْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ ، ثُمَّ حَوَّلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى جَوْهَرَةِ الْحَجَرِ دُرَّةً بَيْضَاءَ صَافِيَةً تُضِيءُ فَحَمَلَهُ آدَمُ (عليه السلام) عَلَى عَاتِقِهِ إِجْلَالًا لَهُ وَتَعْظِيماً ، فَكَانَ إِذَا أَعْيَا حَمَلَهُ عَنْهُ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) حَتَّى وَافَى بِهِ مَكَّةَ ، فَمَا زَالَ يَأْنَسُ بِهِ بِمَكَّةَ وَيُجَدِّدُ الْإِقْرَارَ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا بَنَى الْكَعْبَةَ وَضَعَ الْحَجَرَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حِينَ أَخَذَ الْمِيثَاقَ مِنْ وُلْدِ آدَمَ أَخَذَهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَفِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَلْقَمَ الْمَلَكَ الْمِيثَاقَ ، وَلِذَلِكَ وَضَعَ فِي ذَلِكَ الرُّكْنِ وَنَحَّى آدَمَ مِنْ مَكَانِ الْبَيْتِ إِلَى الصَّفَا وَحَوَّاءَ إِلَى الْمَرْوَةِ ، وَوَضَعَ الْحَجَرَ فِي ذَلِكَ الرُّكْنِ فَلَمَّا نَظَرَ آدَمُ مِنَ الصَّفَا وَقَدْ وُضِعَ الْحَجَرُ فِي الرُّكْنِ كَبَّرَ اللَّهَ وَهَلَّلَهُ وَمَجَّدَهُ ، فَلِذَلِكَ جَرَتِ السُّنَّةُ بِالتَّكْبِيرِ وَاسْتِقْبَالِ الرُّكْنِ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ مِنَ الصَّفَا ، فَإِنَّ اللَّهَ أَوْدَعَهُ الْمِيثَاقَ وَالْعَهْدَ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاقَ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَلِمُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) بِالنُّبُوَّةِ وَلِعَلِيٍّ (عليه السلام) بِالْوَصِيَّةِ اصْطَكَّتْ فَرَائِصُ الْمَلَائِكَةِ ، فَأَوَّلُ مَنْ أَسْرَعَ إِلَى الْإِقْرَارِ ذَلِكَ الْمَلَكُ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَشَدُّ حُبّاً لِمُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) مِنْهُ ، وَلِذَلِكَ اخْتَارَهُ اللَّهُ مِنْ بَيْنِهِمْ وَأَلْقَمَهُ الْمِيثَاقَ وَهُوَ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ لِسَانٌ نَاطِقٌ وَعَيْنٌ نَاظِرَةٌ يَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ وَافَاهُ إِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ وَحَفِظَ الْمِيثَاقَ ) ([8]).
ورسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) دخل بيت الله فبدأ بالحجر وختم بالحجر ، وأمر أصحابه أن يكون آخر عهدهم بالبيت استلام الحجر ، بل ويستحب أن يستلم الحجر في كل طواف ، ومس الحجر يسبب غفران الذنوب وحط الخطايا ، بل وسجد رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) على الحجر الأسود ووضع جبهته عليه بعد أن قبَّله ، فماذا يمكن أن تفهم من هذا غير أن الحجر هو أهم ما في البيت .
( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) : ( ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) الْحَجَّ فَكَتَبَ إِلَى مَنْ بَلَغَهُ كِتَابُهُ مِمَّنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) يُرِيدُ الْحَجَّ يُؤْذِنُهُمْ بِذَلِكَ لِيَحُجَّ مَنْ أَطَاقَ الْحَجَّ ............................................ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ وَذَكَرَ ابْنُ سِنَانٍ أَنَّهُ بَابُ بَنِي شَيْبَةَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى أَبِيهِ إِبْرَاهِـيمَ ثُمَّ أَتَى الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ ، فَلَمَّا طَافَ بِالْبَيْتِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ مَقَامِ إِبْرَاهِـيمَ (عليه السلام) وَدَخَلَ زَمْزَمَ فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْماً نَافِعاً وَرِزْقاً وَاسِعاً وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَسُقْمٍ ، فَجَعَلَ يَقُولُ ذَلِكَ وَهُوَ مُسْتَقْبِلُ الْكَعْبَةِ ، ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : لِيَكُنْ آخِرُ عَهْدِكُمْ بِالْكَعْبَةِ اسْتِلَامَ الْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّفَا ) ([9]).
وروى البهيقي عن ابن عباس ، قال : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد على الحجر ) .
ولابد من الالتفات إلى أمر مهم جداً وهو أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد سن ركعتي الطواف عند مقام إبراهيم ، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) يصلون عند مقام إبراهيم (عليه السلام) والذي يقف في صلاته عند مقام إبراهيم (عليه السلام) يكون الحجر الأسود بين يديه وفي قبلته ، وهذا يبين بوضوح تام انطباق هذه الآية على قائم آل محمد أو يوسف آل محمد أو الحجر الأسود ﴿ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ﴾ ([10]).
وقد بينت سابقاً ما معنى هذا السجود عندما بينت تأويل هذه الآية في الإمام المهدي (عليه السلام) ، ولكن السجود هنا عند تأويله في القائم يكون لفاطمة والسر المستودع فيها معاً ، تماماً كما أن السجود للكعبة والحجر الأسود المودع فيها ، فيكون هنا الشمس محمداً (صلى الله عليه وآله) والقمر علياً (عليه السلام) والأحد عشر كوكبا هم الأئمة (عليهم السلام) من ولد علي (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) وهم : ( الحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن ومحمد ) ، وسجودهم بمعنى أنهم يمهدون للقائم ولإقامة العدل وإنصاف المظلوم ، وبالخصوص أخذ حق صاحبة المظلومية الأولى والأعظم منذ خلق الله الخلق وإلى أن تقوم الساعة .
أما سجود بقية الخلق ممن فرض عليهم أن يسجدوا إلى الكعبة وبالتالي إلى الحجر الأسود فهو بمثابة إشارة واضحـة وبيان أنهم بأجمعهم يمهدون للقائم سواء شاءوا أم أبوا ، قال تعالى : ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴾ ([11]).
فالكل يمهد للوارث أو القائم شاءوا أم أبوا ، فالشمس والقمر والنجوم يمهدون للقائم ، وأيضاً من حق عليه العذاب يمهد للقائم وكل بحسبه ، فحركة الخلق ومسيرتهم العامة هي تمهيد للقائم الذي ينصف المظلومين ، وإن كان أكثر الخلق يجهلون هذا ، تماماً كطوافهم بالكعبة والحجر الأسود المودع فيها مع أنهم لا يكادون يفقهون شيئاً من طوافهم .
أما في الأديان السابقة فقد ذكر الحجر أيضاً في التوراة والإنجيل :
( قال لهم يسوع أما قرأتم قط في الكتب الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية ومن قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى الأمة التي تعمل أثماره ومن سقط عليه هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه ) ([12]).
فالحجر الذي تكلم عنه عيسى (عليه السلام) هو في أمة أخرى غير الأمة التي كان يخاطبها ، فالملكوت ينزع من الأمـة التي كان يخاطبها عيسى (عليه السلام) وهم بنو إسرائـيل والذين آمنوا بعيسى (عليه السلام) - لأنه كان يخاطب بهذا الكلام تلاميذه المؤمنين به وغيرهم من بقية الناس - ويعطى للأمة المرتبطة بالحجر التي تعمل أثمار الملكوت ، فكلام عيسى (عليه السلام) واضح كل الوضوح أنه في بيان فضل حجر الزاوية ، وإن الملكوت سينزع في النهاية ممن يدعون اتباع عيسى ، ويعطى لأمة الحجر وهم أمة محمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله) ، فعيسى (عليه السلام) ربط بحكمة بين الحجر وبين الأمة التي تعطى الملكوت في النهاية .
وأيضاً قابل هذه الأمة ببني إسرائيل ومن يدعون اتباعـه وبين أنهم لن يناولوا الملكوت في النهايـة ، فعيسى (عليه السلام) جعل الحجر علة إعطاء الملكوت لأمة أخرى غير الأمة التي تدعي اتباع موسى (عليه السلام) وعيسى (عليه السلام) ، أي إن من يشهد لهم الحجر بأداء العهد والميثاق ومن ينصرونه هم من سيرثون الملكوت ، سواء كان في هذه الأرض بإقامة حاكمية الله أم في السماوات عندما يكشف الله لهم عن ملكوته ويجعلهم ينظرون فيه أم في النهاية عندما يسكنهم الله الجنان في الملكوت .
ومن يريد أن يفسر هذا الكلام بصورة أخرى ويقول أن عيسى أراد بهذا الكلام نفسه ويصر على هذا القول فإنه يغالط ولا يطلب معرفة الحقيقة ، وإلا فليقرأ أصل القول وهو لداود (عليه السلام) في المزامير ، فأيضاً يمكن أن يقول اليهود إن داود قصد نفسه وهكذا لا ينتهي الجدل ، ولكن الحقيقة إن داود (عليه السلام) وعيسى (عليه السلام) أرادوا المخلص الذي يأتي باسم الرب في آخر الزمان ، وقد بشر به عيسى (عليه السلام) في مواضع أخرى في الإنجيل وسماه المعزي والعبد الحكيم ، وهنا سماه حجر الزاوية فيكون السؤال : من هو الذي عرف أو يمكن أن يعرف بأنه حجر الزاوية ؟ هل إن داود أو عيسى عليهما السلام عُرفوا بأنهم حجر الزاوية في بيت الرب ؟ أو ذكروا في موضع آخر على أنهم حجر الزاوية في بيت الرب ؟ وهل هناك حجر موضوع في زاوية بيت الرب أو الهيكل عند اليهود والنصارى يدل على داود أو عيسى عليهما السلام ؟
الحقيقة إن هذا غير موجود ولكنه موجود في الأمة الأخرى من ولد إبراهيم (عليه السلام) ، وفي بيت الرب الذي بناه إبراهيم (عليه السلام) وإسماعيل (عليه السلام) ابنه ، وموجود في الزاوية وبالذات الزاوية التي اسمها الركن العراقي ([13])، وكل هذه الأمور تشير إلى أمر واحد هو المخلص الذي يأتي في آخر الزمان أو الذي أشار إليه داود في المزامير أنه حجر الزاوية والآتي باسم الرب .
( ............... 19 افتحوا لي أبواب البر . أدخل فيها وأحمد الرب . 20 هذا الباب للرب . الصديقون يدخلون فيه . 21 أحمدك لأنك استجبت لي وصرت لي خلاصاً . 22 الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية . 23 من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا 24 هذا هو اليوم الذي صنعه الرب . نبتهج ونفرح فيه . 25 آه يا رب خلص . آه يا رب أنقذ . 26 مبارك الآتي باسم الرب . باركناكم من بيت الرب ......... ) ([14]).
وللتأكيد أكثر على أن المراد بحجر الزاوية في التوراة وفي الإنجيل هو المخلص الذي يأتي في آخر الزمان وفي العراق وهو قائم الحق ، أورد هذه الرؤيا التي رأها ملك العراق في زمن دانيال النبي (عليه السلام) وفسرها دانيال النبي (عليه السلام) وهي تكاد لا تحتاج إلى توضيح :
وهذا قول دانيال النبي (عليه السلام) لملك العراق ، وهو يخبره برؤياه وتفسيرها كما في التوراة الموجود : ( ...............31 أنت أيها الملك كنت تنظر وإذا بتمثال عظيم هذا التمثال العظيم البهي جدا وقف قبالتك ومنظره هائل . 32 رأس هذا التمثال من ذهب جيد . صدره وذراعاه من فضة . بطنه وفخذاه من نحاس . 33 ساقاه من حديد . قدماه بعضهما من حديد والبعض من خزف . 34 كنت تنظر إلى أن قطع حجر بغير يدين فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما . 35 فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معا وصارت كعصافة البيدر في الصيف فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان . أما الحجر الذي ضرب التمثال فصار جبلا كبيرا وملأ الأرض كلها . 36 هذا هو الحلم . فنخبر بتعبيره قدام الملك 37 أنت أيها الملك ملك ملوك لأن إله السموات أعطاك مملكة واقتدارا وسلطانا وفخرا . 38 وحيثما يسكن بنو البشر ووحوش البر وطيور السماء دفعها ليدك وسلطك عليها جميعها . فأنت هذا الرأس من ذهب . 39 وبعدك تقوم مملكة أخرى أصغر منك ومملكة ثالثة أخرى من نحاس فتتسلط على كل الأرض . 40 وتكون مملكة رابعة صلبة كالحديد لأن الحديد يدق ويسحق كل شئ وكالحديد الذي يكسر تسحق وتكسر كل هؤلاء . 41 وبما رأيت القدمين والأصابع بعضها من خزف والبعض من حديد فالمملكة تكون منقسمة ويكون فيها قوة الحديد من حيث إنك رأيت الحديد مختلطا بخزف الطين . 42 وأصابع القدمين بعضها من حديد والبعض من خزف فبعض المملكة يكون قويا والبعض قصما . 43 وبما رأيت الحديد مختلطا بخزف الطين فإنهم يختلطون بنسل الناس ولكن لا يتلاصق هذا بذاك كما أن الحديد لا يختلط بالخزف . 44 وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبدا وملكها لا يترك لشعب آخر وتسحق وتفني كل هذه الممالك وهي تثبت إلى الأبد . 45 لأنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل لا بيدين فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب . الله العظيم قد عرَّف الملك ما سيأتي بعد هذا . الحلم حق وتعبيره يقين ) ([15]).
إذن فالحجر أو المخلص الذي ينقض هيكل الباطل وحكم الطاغوت والشيطان على هذه الأرض ويكون في ملكه نشر الحق والعدل في الأرض يأتي في آخر الزمان ، ويأتي في العراق كما هو واضح في رؤيا دانيال ، وهو الحجر الذي ينسف الصنم أو حكم الطاغوت والأنا ، بينما لا عيسى (عليه السلام) ولا داود (عليه السلام) أرسلوا في العراق وفي آخر الزمان فلا يمكن أن يكون أي منهما هو حجر الزاوية المذكور ، بل تبين بوضوح من كل ما تقدم أن حجر الزاوية في اليهودية والنصرانية هو نفسه الحجر الأسود الموضوع في زاوية بيت الله الحرام في مكة .
فالحجر الأسود الموضوع في ركن بيت الله والذي هو تجلٍ ورمز للموكل بالعهد والميثاق ، هو نفسه حجر الزاوية الذي ذكره داود وعيسى عليهما السلام ، وهو نفسه الحجر الذي يهدم حكومة الطاغوت في سفر دانيال (عليه السلام) ، وهو نفسه قائم آل محمد أو المهدي الأول الذي يأتي في آخر الزمان كما روي عن رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
[1]- الكافي – الشيخ الكليني : ج3 ص482 – 486.
[2]- الكافي : ج4 ص217.
[3]- الفتح : 2.
[4]- تفسير القمي : ج2 ص314.
[5]- الاعراف : 172.
[6]- المحاسن : ج1 ص65.
[7]- طـه : 115.
[8] - الكافي : ج4 ص 184 – 186،علل الشرائع : ج2 ص429 – 431.
[9]- الكافي : ج4 ص249.
[10]- يوسف : 4.
[11]- الحج : 18.
[12]- إنجيل متى : الاصحاح الحادي والعشرون .
[13]- للكعبة أربعة أركان : ركن شرقي ويسمى الركن العراقي ، وأيضاً يعرف بركن الحجر الأسود ، وركن شمالي ويسمى الركن الشامي ، وركن غربي ويسمى الركن الغربي ، وركن جنوبي ويسمى الركن اليماني . ويطلق على الركنين الذين على جانبي باب الكعبة أي الركن العراقي والركن الشامي اسم ( العراقيان ) ، ويطلق على الركن الشامي والركن الغربي : الشاميان ، ويطلق على الركن اليماني والركن العراقي الذي فيه الحجر الأسـود : اليمانيان . ويبدأ الطواف في الحج من الركن العراقي الذي فيه الحجر الأسود ، بحيث تكون الكعبة على يسار الشخص ، ويتوجه نحو الركن الشامي ثم الغربي ثم اليماني ثم عندما يبلغ الركن العراقي يكون قد أتم شوطاً من الطواف ... وهكذا .ومن ذلك نعرف أن الركن الذي فيه الحجر الأسود يسمى بالركن العراقي وركن الحجر الأسود وباليماني ، وأيضاً بالشرقي لأنه واقع إلى جهة الشرق .ولكن الآن الوهابيون وأمثالهم ... خصوا الركن الشامي باسم الركن العراقي .. وأطلقوا على الركن العراقي الذي فيه الحجر الأسود اسم (الركن) أو ( ركن الحجر الأسود ) ، وأطلقوا اسم ( الشامي ) على الركن المغربي ، وبقى الركن اليماني على اسمه بدون تغيير.أي انهم رفعوا اسم ( الركن العراقي ) من ركن الحجر الأسود .. وخصوه بالركن الشامي ، ولكن كلام العلماء القدماء وغيرهم يشهد على ان ركن الحجر الأسود يسمى بـ ( الركن العراقي ) ،
0 تعليق على موضوع "الحجر الاسود الجزء الاول"
الإبتساماتإخفاء