إصدارات أنصار الامـام المهـدي (ع) / العدد (185)
تقديم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً.
هذا هو الجزء الثاني من كتاب "مع العبد الصالح"، الذي جمع فيه الأخ أبو حسن بعض أجوبة السيد أحمد الحسن (ع) له ولغيره من الأنصار. وقد كلّفني بملاحظته من الناحية اللغوية، وإجراء ما يلزم من هذه الناحية، وبكتابة تقديم له.
الحق، إنّ لدي كلمات قليلة أقولها، كان شعور يتردد عليّ مع قراءة أجوبة السيد أحمد الحسن، أستطيع التعبير عنه بالتساؤل التالي: "كيف يمكن لمن يقرأ كلام السيد أحمد الحسن (ع) أن لا يُلاحظ كل هذا الصفاء والصدق الذي تطفو فوقه كلماته" ؟
حقاً إنه أمر محير أن تخطأ قلوب الناس هذا البيان العذب الذي لا تكدّره شائبة أبداً، والذي يدل بلا أدنى شك على أنّ صاحبه يغترف من بحر. فالمعاني بالنسبة له ملقاة على قارعة الطريق لا يتعبه ما يتعب غيره من بحثٍ عنها، ولا يزعجه ما يزعج الآخرين من صعوبة في تجليتها.
حتى الكلمات بالنسبة للسيد أحمد الحسن تبدو حاضرة، وفي المتناول دائماً، وكم تمنيت وأنا عاكف على تأدية الوظيفة التي كلفني بها أخي العزيز أبو حسن لو أني أخبره بأن لا داعي حقاً لمثل هذه الوظيفة التي ربما تفسد براءة الكلمات، وتسلبها حرارتها، وحميميتها. لاسيما وأن السيد (ع) يجيب أنصاره بمنطق الإخوة والصداقة، وبسياق الحديث المتواصل أخذاً ورداً، ومثل هذه الأجواء تفترض بالتأكيد عدم تكبيل السجية بمواضعات التنميق اللغوي والبلاغي، التي ربما يفرح بها الجهلة أمثالي.
بربكم هل تصورتم الإمام الصادق (ع) - مثلاً - وهو يحدث أصحابه، أو يكاتبهم، هل تتصورون أنه سيتكلّم بالطريقة التي يريدها النحاة، فيبدو بينهم غريباً عجيباً، وكأنه شخص سقط للتوّ من كتاب نحوٍ ضخم، أم يكلّمهم بمثل ما ينطقون به ؟
ختاماً أسأل الله عز وجل أن يفتح بصائرنا لتلقي وحيه عز وجل، ووحي أوليائه عليهم السلام، وأن يفتح بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين.
والحمد لله رب العالمين، وسلامٌ على المرسلين.
عبد الرزاق هاشم
4/ شوال / 1434 ه
المحطة الأُولى:
في رحاب الحسين (ع) وابنه المظلل بالسحاب
لماذا قتل الحسين (ع) ضمآناً مذبوحاً !!
السلام على الحسين، وعلى أهل بيت الحسين، وعلى عيال الحسين، وعلى أصحاب الحسين، ما بقي منادٍ ينادي بحاكمية الله في أرضه، والذي لا تخلو منه الأرض لحظة واحدة.
في ليلة العاشر من محرم الحرام، ذكر السيد أحمد الحسن (ع) جدّه الشهيد، المقتول عطشاً وذبحاً، والذي لم يغب عن باله يوماً، فقال:
[ أخبرك عن الحسين (ع) في هذه الليلة خيراً لك.
انظر إلى هاجر عندما وضعت إسماعيل ابنها على الأرض بعد أن وجدت نفسها غير قادرة على تحمّل أن يموت بين يديها عطشاً، وأخذت تسعى بين الصفا والمروة.
هل تصرّفها هذا تصرّف أُمٍ هائجة ولا تكاد تعقل كما يقولون ؟
أم أن تصرّفها هذا هو سبب نبع الماء عند إسماعيل ؟
وإذا كان سعيها بين الصفا والمروة السبب في نبع الماء، فلماذا يكون سعيها بين جبلين سبباً في أن ينبع الماء بقدرة الله وينجو ولدها ؟
الحقيقة، إنّ الجبلين كما بيّنت سابقاً ([1]) يمثّلان فاطمة وعلياً عليهما السلام، والسعي بينهما يعني التوسل بهما وبذريتهما أو الناتج منهما.
فكان سعيها سبباً أن تفضّل عليها الله، وكان أن فُدي إسماعيل بالحسين (ع).
انظر هذا هو الفداء الأول: الفداء من العطش. كان سيموت إسماعيل (ع) عطشاً، ففدي بالحسين (ع) ابن علي وفاطمة عليهما السلام، أو الصفا والمروة، اللذين سعت بينهما وتوسلت بهما هاجر.
الفداء الثاني: الفداء من الذبح وأنت تعرفه، وأيضاً فُدي إسماعيل بالحسين (ع). وذكره الله في القرآن فقال: ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ (الصافات: 107).
فداه من العطش ومن الذبح، ولهذا مات الحسين (ع) عطشاناً مذبوحاً.
لا يوجد شيء عبثي في دين الله، أو في حياة الأنبياء (ص) كما يصور من يجهل الحقيقة أنّ هاجر سعت بين الصفا والمروة لذهولها بسبب عطش ابنها وأنه شارف على الموت دون أن يكون لهذا السعي أي معنى ؟!!
لهذا فمن يذهب للحج وهو لا يفهم الحقائق وما يفعل، يصف الله حجه أنه مكاء وتصدية تماماً كالتصفيق والصفير، ﴿وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ (الأنفال: 35).
إنّ العمل الذي تعمله وأنت لا تفهم معناه ولا تعرف منه شيئاً لا يكون له قيمة.
﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾ (الفرقان: 44).
بربك ما فرق أن تركض بهيمة بين جبلين وأن يركض من لا يفقه شيئاً بين الصفا والمروة ؟
الأمر ليس أن يهرول أو يركض أو يسعى إنسان بين جبلين، بل لابد أن يفهم ماذا يفعل، ولماذا يفعل ؟
الذهاب للكعبة، والسعي بين الصفا والمروة، ... الخ من أفعال الحج، كلها متعلقة بعلي وبالحسين وبآل محمد (ع) ].
هل يُعاد ما جرى على الحسين (ع):
موضوع طالما شغل بالي، وأرّقني، هو السؤال 141 من كتاب المتشابهات، وهذا نص السؤال وجواب السيد أحمد الحسن (ع) عليه:
[ سؤال: ما معنى قوله تعالى: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾ ([2]) ؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
هما الحمرة المشرقية، والحمرة المغربية. تشير الحمرة المشرقية إلى دم علي (ع)، والحمرة المغربية إلى دم الحسين (ع)، هذا في الأئمة (ع).
أما في المهديين فتشير الحمرة المشرقية إلى دم أحد المهديين نظير علي (ع)، والحمرة المغربية تشير إلى دم أحد المهديين (ع) أيضاً نظير الحسين (ع) ([3]) ].
كنت أتساءل عن المهدي الذي يجري عليه ما جرى على جدّه الحسين (ع) ؟ وأنّه أيّ مهدي يكون، من بين المهديين الاثني عشر (ع) ؟ وكيف يحصل ذلك، وهل أنّ بعض من يشاركون في قتله هم ممّن كانوا قد آمنوا ونصروا أباه (أي المهدي الذي سبقه) ؟!
فقال (ع) مجيباً:
[ وفقك الله، هي رسالة كرسالة محمد (ص) وفيها ما فيها، فيها أيضاً أبو بكر وعمر، وفيها أبو ذر وعمار وسلمان ... إلخ، فيها كميل وميثم، وفيها زياد ابن أبيه، فيها وفيها ... رسالة وفقك الله ككلِّ رسالة.
اقرأ القرآن وأنت تعرف ما يجري اليوم وغداً.
اقرأ قصص الأنبياء والأئمة وأنت تعرف ما يجري اليوم وغداً.
ألم تقرأ قوله تعالى: ﴿قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ﴾ (الأحقاف: 9).
قصة الرسل تكاد تكون واحدة ومترابطة.
نعم، هناك اختلافات في أنّ هذا الأمر يُمضى هنا ولا يُمضى هناك، ولكن لا يعني أنه لا يحدث.
.............. ].
فأطبق الصمت عليّ عند سماعي ذلك، وسألت الله حسن العاقبة.
كان هذا في ليلة العاشر من محرم الحرام أيضاً.
* * *
ولأنّ مسلم بن عقيل (ع) ومضة من الحسين (ع)، ولمنزلته الكبيرة في قلب السيد أحمد الحسن (ع)، عطفت ذكره على ذكر الحسين (ع).
مسلم بن عقيل (ع) المقتول الوحيد المقهور:
عزّى السيد أحمد الحسن (ع) بعض أنصاره في يوم شهادة مسلم (ع)، فقال:
[ عظم الله أجوركم بشهادة مسلم بن عقيل.
مسلم بن عقيل، لا يجد أنصار يثبتون معه على الحق في الكوفة التي تدّعي مشايعة علي (ع)، الحمد لله إننا اليوم وجدنا من ينصر الحق ويثبت عليه ].
ثم إنه تناهى لسمعه (ع) أنّ أحد المعممين كان قد تعرض للدعوة الحقة، فقال وصدره مليئاً بالحزن:
[ يا للأسف، إنّ أكثر الناس لا زالوا مخدوعين بهؤلاء الجهلة ودينهم المبني على وجوب تقليد غير المعصوم الذي بنوه على أوهام وبلا دليل، بل فقط جهالات وتخبط عشواء، وقد بيناها لهم بكلِّ وضوح، ولو كان عندهم أيّ دين لراجعوا أنفسهم وارتدعوا عمّا هم عليه من ضلال.
اليوم قرأت ردّاً لأحد هؤلاء الذين لا يكادون يفقهون قولاً، ووالله لو سلّمت بيده معزتين لخفت أن يضيّعهما، فكيف يقبل منه الناس وكيف يتبعونه، انظر ماذا يقول ].
وفعلاً قرأت ما زوّدني به فرأيت أسطراً جوفاء، كانت مخصصة لشتم اليماني فقط، وما سواه كان حشواً فارغاً، اللهم إلا تخذيل الناس وبأيِّ صورة كانت عن نصرة اليماني. والرجل المقصود ليس من العلماء المعروفين، إنما ورث المنصب من أخيه بعد وفاته، أو بالأحرى ورث منه ما بنى به موقعيته.
نعود للسيد أحمد الحسن لنستمع منه ما يريد قوله بحق مسلم بن عقيل (ع):
[ مسلم بن عقيل لا يجد من ينصره في الكوفة، وأمثال هذا الذين لا يكادون يفقهون قولاً يجدون من ينصرهم ويتبعهم !!
سلام الله عليك يا مسلم. والله، منذ كنتُ صغيراً كانت مصيبته تؤلمني كثيراً، كنت أقول مع نفسي: الحسين وجد من ينصره ويواسيه ولكن مسلماً قتلوه وحيداً مخذولاً مقهوراً، مع هذا بكى في آخر لحظة من حياته؛ لأنه خاف أن يجري على الحسين (ع) ما جرى عليه، فلا يجد أحداً ينصره ويقتل وحيداً. لم يهتم مسلم بما كان يجري عليه، رغم عظم مصيبته، سلام الله عليه ].
* * *
ظهور آية جلية في السماء:
قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ ([4]).
قال الإمام الصادق (ع): (فأيّ آية في الآفاق غيرنا أراها الله أهل الآفاق .. فأيُّ آية أكبر منّا) ([5]).
ولا شك أنّ للآية الكريمة ارتباط بالقائم (ع):
عن أبي بصير، قال: (سئل أبو جعفر الباقر (ع) عن تفسير قول الله عز وجل: "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق"، فقال: يريهم في أنفسهم وفي الآفاق، وقوله: "حتى يتبين لهم أنه الحق" يعني بذلك خروج القائم هو الحق من الله عز وجل يراه هذا الخلق لابد منه) ([6]).
وفي هذا الصدد، قرأت توقيعاً للإمام المهدي (ع) كان قد بعث به إلى الشيخ المفيد (رحمه الله) يذكر فيه آيات تحصل في السماء ومثلها في الأرض بحلول شهر جمادي الأول عند اقتراب الظهور، ولكني لم أكن أعرف هل يقصد به زمننا هذا أم زمن الشيخ المفيد، على أنه (ع) يذكر فيه ظهوره بغتة وفجأة بعد الأحداث. وهذا نص التوقيع المشار إليه:
(ذكر كتاب ورد من الناحية المقدسة - حرسها الله ورعاها - في أيام بقيت من صفر، سنة عشر وأربعمائة على الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان قدس الله روحه ونور ضريحه، ذكر موصله أنه يحمله من ناحية متصلة بالحجاز، نسخته:
للأخ السديد، والولي الرشيد، الشيخ المفيد، أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان أدام الله إعزازه، من مستودع العهد المأخوذ على العباد.
بسم الله الرحمن الرحيم: أما بعد: سلام عليك أيها الولي المخلص في الدين، المخصوص فينا باليقين فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ونسأله الصلاة على سيدنا ومولانا ونبينا محمد وآله الطاهرين، ونعلمك - أدام الله توفيقك لنصرة الحق، وأجزل مثوبتك على نطقك عنا بالصدق - : أنه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة، وتكليفك ما تؤديه عنا إلى موالينا قبلك، أعزهم الله بطاعته، وكفاهم المهم برعايته لهم وحراسته، فقف أيدك الله بعونه على أعدائه المارقين من دينه على ما أذكره، وأعمل في تأديته إلى من تسكن إليه بما نرسمه إن شاء الله.
نحن وإن كنا ناوين ([7]) بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين، حسب الذي أراناه الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين، فإنا نحيط علما بأنبائكم، ولا يعزب عنا شئ من أخباركم، ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً، ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون. أنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء أو اصطلمكم الأعداء فاتقوا الله جل جلاله وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم يهلك فيها من حم أجله ويحمى عنها من أدرك أمله، وهي أمارة لأزوف حركتنا ومباثتكم بأمرنا ونهينا، والله متم نوره ولو كره المشركون.
اعتصموا بالتقية من شب نار الجاهلية، يحششها عصب أموية، يهول بها فرقة مهدية، أنا زعيم بنجاة من لم يرم فيها المواطن، وسلك في الطعن منها السبل المرضية، إذا حلّ جمادى الأولى من سنتكم هذه فاعتبروا بما يحدث فيه، واستيقظوا من رقدتكم لما يكون في الذي يليه. ستظهر لكم من السماء آية جلية، ومن الأرض مثلها بالسوية، ويحدث في أرض المشرق ما يحزن ويقلق، ويغلب من بعد على العراق طوائف عن الإسلام مراق، تضيق بسوء فعالهم على أهله الأرزاق، ثم تنفرج الغمة من بعد ببوار طاغوت من الأشرار، ثم يستر بهلاكه المتقون الأخيار، ويتفق لمريدي الحج من الآفاق ما يؤملونه منه على توفير عليه منهم واتفاق، ولنا في تيسير حجهم على الاختيار منهم والوفاق شأن يظهر على نظام واتساق. فليعمل كل امرئ منكم بما يقرب به من بمحبتنا، ويتجنّب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا، فإن أمرنا بغتة فجاءة حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة. والله يلهمكم الرشد، ويلطف لكم في التوفيق برحمته) ([8]).
فسألت السيد أحمد الحسن (ع) عن ذلك، فأجاب قائلاً:
[ ممكن أن يكون في هذا الزمان ما قاله في ذلك الزمان؛ لأنّ الكلام مقيّد بزمن الظهور، فإن كان الظهور في ذاك الزمان حصل في ذاك الزمان، وإن تأخّر الظهور تأخرت معه العلامات المرتبطة به. وأيضاً ليس ضرورياً أن تحصل، ففيها البداء ([9]). ولكن ما ينطبق في هذا الزمان يمكن الاستدلال به ].
* * *
عمامته السحاب:
هذه رؤيا قصّها (ع) عليّ يوماً، فقال:
[ قبل يومين رأيت رؤيا، نسأل الله أن تكون خيراً.
كنت أقف في مكان ودخل عليَّ جماعة يريدون شيئاً ما، أو ربما يبحثون عن الحق، لم أنتبه لهم من هم، ولكن انتبهت إلى أني كنت ألبس ملابس غامقة اللون أو سوداء، وكان على رأسي عمامة لونها أبيض مختلط بلون الماء، يعني كلون السحاب أو الغيوم، فانتبهت أنها كعمامة رسول الله السحاب أو هي نفسها، وانتهت الرؤيا ].
المحطة الثانية:
في العقيدة وما يلحق بها
تقسيم الصفات الإلهية:
المطالع لكتب العقائد لدى المسلمين يرى أنهم يقسّمون الصفات الإلهية إلى تقسيمات عدة، منها صفات الذات وصفات الفعل، ونحو ذلك.
عن هذا الموضوع سألته يوماً، فأجاب (ع):
[ عموماً، التقسيم يعتمد على جهة نظر وفهم الذي يقوم بالتقسيم، فحتى لو كان التقسيم صحيحاً لا يعني أنّ هذا التقسيم له فائدة، ربما يكون التقسيم بعض الأحيان أقرب للغو.
كما أنّ هناك أُموراً في كتبهم مردودة، ولكنك تعلم أني لا أحبُّ التعرض لهم بالأسماء إلا عند الضرورة.
فمثلاً: مسألة الصفات السلبية بمعنى نفي النقص عن ساحته، لا إشكال فيها، وهي مروية كما في دعاء الجوشن الكبير وفي القرآن. والصفات الكمالية بمعنى وصفه بالكمال المطلق، لا اشكال فيها أيضاً، وهي واردة في القرآن والأدعية. وأنت إذا تقرأ (كتاب التوحيد) تجد موضوعاً تعرّض لهذا الأمر وأين يكون التوحيد. والموضوع تماماً ينقض عقيدتهم برجوع الصفات السلبية للكمالية، تجد مثلاً: التوحيد في التسبيح، وأيضاً تجد: بيان كيف أنّ معرفتنا بصفاته إنما هي معرفة عجزنا عن معرفة صفاته، وأنّ غاية ما يمكن لنا معرفته هو صفات رسوله الأول ورسله من بعده.
هذه الأُمور مبيّنة في (كتاب التوحيد)، هي تماماً نقض لعقيدتهم بالصفات.
هذا إضافة إلى أنّ اسم (الله) نفسه هو صفة، وإنما هو الكمال المطلق الذي يتألّه له الخلق، وإنما تجلّى به وظهر به للخلق لحاجتهم وفقرهم.
ثم هل أنك تصف موجوداً بأنه قادر عند عدم وجود مقدور ؟ أصلاً هل يوجد موضوع للوصف ؟ موضوع الوصف غير موجود عند عدم وجود المقدور، هل تفهم قصدي ؟
طيب، هم طبعاً يقولون بهذا الأمر، أو على الأقل بعضهم يقول بهذا، الآن هل يوصف موجود بأنه إله عند عدم وجود من يأله إليه ؟ هل يُوصف موجود بأنه رب عند عدم وجود مربوب ؟
الآن، هو سبحانه تجلّى بالكمال المطلق (الله) ليأله له المألوهون، لولا وجود المألوهين لما ظهر لهم بالألوهية، الألوهية متعلقة بالمألوه، الربوبية متعلقة بالمربوب، أرجو ان يكون هذا واضحاً.
انظر، كلُّ موجود يظنّ الكمال هو ما يعرفه هو، نمل الصفا يظن أنّ لله زنامتين لأنها غاية الكمال عنده، والإنسان يظن أنّ غاية الكمال هو القدرة الكاملة، العلم الكامل، وهكذا. والسبب أنه يملك بعض القدرة وبعض العلم، فهو يظنّ أنّ "عالم"، "قادر" التي يتصورها هي غاية ما يمكن أن يصف به الله !
المطلوب منه أن يتحرّك باتجاه المعرفة إلى أن يعرف أنه عاجز عن المعرفة، وأنّ الكمال الذي واجهه به سبحانه إنما أراد منه سبحانه أن يوصله إلى هذه الحقيقة التي هي المعرفة الحقيقية، إنما واجهنا بالكمال المطلق ليوصلنا لحقيقة أننا عاجزون عن المعرفة، وبالتالي نعرف أنفسنا ونعرف الحقيقة التي أوجدتنا، نعرفها عندما نعرف عجزنا التام عن معرفتها، معرفة عجزنا هي معرفة الحقيقة. "من عرف نفسه عرف ربّه".
عموماً، هذه حقائق لا تُعرف بالكلام بل عندما يكون الإنسان فيها ].
* * *
أقسام التوحيد:
وعن تقسيمات التوحيد، سألته قائلاً:
علماء العقائد يقسّمون التوحيد إلى أقسام مثل: التوحيد في الذات والتوحيد في الصفات وفي العبادة، وبعضهم يوصل الأقسام إلى سبعة، فبالإضافة إلى الثلاثة أضاف (التوحيد في الأفعال والتشريع والاستعانة والحب).
وفي الاتجاه الآخر نلاحظ أنّ الوهابيين يجعلون للتوحيد قسمين وهما: التوحيد في الألوهية والتوحيد في العبادة. فهل لهذه التقسيمات صحة ؟
فأجاب (ع):
[ بالنسبة للتقسيم عموماً يعتمد على الأساس الذي يُعتمد للتقسيم، وقد تتحقق فائدة من التقسيم وقد يكون بعض الأحيان عبثياً غير مجدٍ، فمثلاً: تقسيم التوحيد إلى توحيد الذات وتوحيد الصفات، بمعنى أنه واحد أحد أي أنه واحد لا شريك له وأنّ ذاته أحدية وصفاته عين ذاته، لا إشكال فيه وهو صحيح وفيه فائدة، فعلى الإنسان أن يعتقد بأنّ الله واحد لا شريك له، وأيضاً بأنّ الله أحدٌ، صفاته عين ذاته. وكذا لو قيل: يجب توحيده في العبادة بمعنى أنّ العبادة التي هي الطاعة بالأصل لله وحده، وتكون طاعة غيره كطاعة أنبيائه ورسله فرعاً عن طاعته سبحانه وتعالى.
وبقية ما ذكرت وفقك الله لا يعدو القول إنّ كلّ شيء قائم به سبحانه، وكل حركة وسكنة في الخارج إنما عائدة له سبحانه وتعالى باعتبار أنها إن لم تكن منه مباشرة وكانت من عبد من عباده فهي بحوله وقوته سبحانه التي خوّلها لذلك العبد ].
* * *
الذات والكنه والحقيقة:
ورد في (كتاب التوحيد) التعبير عن الذات المقدسة أنها قبلة وحجاب وباب للكنه والحقيقة، وأنه سبحانه تجلّى بها لحاجة الخلق ولولاهم لما كان هناك شيء اسمه (ذات)، ولكن هل يصح لنا أن نقول: (إنّ الذات عين الكنه والحقيقة) أو (ظهور لها)، أو (هي هي وليست هي)، أو (هي شيء آخر غير الكنه والحقيقة) باعتبار انّ القبلة شيء وما ترشد إليه القبلة شيء آخر.
ورغم قلة الفهم، كنت قد سألت عن هذا.
فأجاب (ع) قائلاً:
[ الذات هي الكنه والحقيقة، والفرق بالنسبة لنا نحن وليس فرقاً حقيقياً، وهو فرق معرفي ].
* * *
اسم (الله) صفة لماذا ؟
واضح أنّ اسم (الله) صفة، ومعلوم أنّ كلّ صفة بحاجة إلى موصوف، والسؤال: هل الموصوف هو (الكنه والحقيقة)، والحال أنه غيب مطلق وسرٌ مكنون ؟
وعن هذا السؤال أجاب (ع):
[ نعم، صفة بالنسبة لنا نحن لنعرف من خلالها، فهو واجهنا بالذات (بالله) لحاجتنا نحن أن نتألّه إليه لسدِّ نقصنا فنعرف ].
* * *
ما حقيقة الترابط الشرعي بين الأُصول الخمسة !!
يعتقد علماء الشيعة العقائديين المتأخريين أن أُصول الدين خمسة، معترفين أن لا دليل شرعياً (آية أو رواية) عليها، ودليلهم على خماسيتها هو العقل.
ولكن بعض المتفلسفين أراد - زوراً - تصوير الارتباط الشرعي بين الأُصول الخمسة، فنقل أحد أدعية أهل البيت (ص) "اللهم عرفني نفسك ..."، وتبرع له بشرح من جيبه مبيناً أن الترابط بين الأُصول الخمسة شرعي بدلالة الدعاء على حدِّ زعمه !!
وعلى أي حال، هو أيضاً خصّص جانباً كبيراً من بحثه للطعن بأدلة الدعوة اليمانية الحقة، فعزمت على كتابة رد على تخرّصاته.
فسألت السيد أحمد الحسن (ع) عن ذلك، فقال:
[ وفقك الله، إذا كنت تريد أن تناقش مسألة الأُصول الخمسة، فهذا موضوع كبير وواسع، ولا أعتقد أنّ مناقشة الأُصول الخمسة التي ابتدعوا القول بأنها بهذه الصورة هي أصول الدين ينفعك كثيراً، فلو أنك تركّز على مناقشة ما قاله في رد أدلة الدعوة.
يعني أنظر الأُصول الخمسة ما هي، ولماذا وضعها العلامة ؟ ماذا قال فيها العلامة ؟ مختصر كلامه أنها أُصول تثبت عقلياً، الجامع بينها أنها أصول عقلية، ولهذا فهو جعلها أُصول الدين؛ لأنّ الدليل عليها هو العقل، فما معنى أن يأتي هذا ويجعل التلازم بينها أو العلاقة بينها ... الخ نقلية ؟ الكلام في أُصول عقلية، فموضع النقل هنا ثانوي في كل حال، بمعنى أنك حتى لو جئت بالنقل فلا قيمة له هنا؛ لأنّ الكلام في أُمور عقلية ونقاشها عقلي.
مسألة أُصول الدين والعقائد إن شاء الله سينشر كتاب بصددها، ونبيّن فيه الحق من الباطل بحول الله وقوته ].
* * *
الغرض من إرسال الرسل ؟
يطرح بعض من يعتلون أعواد المنابر أُموراً بعيدة كل البعد عن الحقيقة ودين الله، وبكل أسف فإنّ الناس تأخذ منهم العقائد أخذ المسلّمات.
تحدث أحدهم يوماً عن علّة إرسال الرسل، قائلاً:
(الغرض من بعثة النبي أو نصب الوصي وصول النظام، وهذا الغرض لا يمكن أن يتحقق ما لم يؤمن به المجتمع).
طبعاً، هو يريد بقوله هذا الطعن بأحقية دعوة يماني آل محمد (ع)، بحجة أنّ أكثر الناس لم يؤمنوا بدعوته ولم يتحقق وصول النظام، وبالتالي لم يتحقق الغرض من بعثته !!
ولا أدري لو أنّ هذا المنكوس كان في زمن نوح (ع) الذي ظلّ يدعو قومه 950 عاماً ليلاً ونهاراً، ولم يزدهم دعاؤه لهم إلا فراراً وعناداً، كما ينص القرآن، ومع هذا كانت حصيلة جهوده بضعة أنفار قلائل آمنوا به وركبوا معه السفينة ونجوا من الطوفان، والسؤال: ماذا سيكون موقف مدعي العلم هذا من نوح (ع) الذي لم يستطع إيصال النظام وبالتالي لم يتحقق الغرض من إرساله وفق تصوّر هذا المتفلسف ؟!
وعلى أي حال، عن مثل هذه الأقوال سألت السيد أحمد الحسن (ع)، فأجاب:
[ هو قال بنقض الغرض من الإرسال بكذا .... الخ وكلامه كلّه متناقض، والسؤال: ما هو الغرض الصحيح من إرسال الرسل ؟ هل هو حدّده بصورة صحيحة ؟
يعني ممكن نقول: الغرض هو إقامة الحجّة فقط.
وممكن نقول: تبليغ الخلق.
وممكن نقول: الغرض هو هداية الناس إلى الحق.
وممكن نقول: الغرض هو دخول الناس إلى الجنة.
وممكن نقول: الغرض هو معرفة الله.
وممكن وممكن ....
فأيها هو الغرض؟ ولماذا ؟
هو جاء إلى مسألة هم متخبّطون فيها أيّ تخبط وقفز عليها، فهل هو وعلماؤه يعرفون الغرض الصحيح من إرسال الرسل ؟
وليست المسألة أن يقول هذا هو الغرض فقط، بل لابد أن يرجّح لنا أنّ الغرض هذا وليس هذا، فإنّ أيّ قول سيقوله سنشكل عليه بقرآن وبحكمة وعقل.
هم أصلاً يقولون بقول باطل، هم يقولون بأنّ النبوة أو الرسالة واجبة لأنها لطف، واللطف واجب عليه سبحانه وتركه قبيح، إلى آخر أقوالهم.
ولسنا في موضع نقاش عقائدهم وفقك الله، لأنّ الأمر سيطول.
هم أصلاً نظرياتهم العقلية مردودة وغير صحيحة، وعقائدهم مبنية على نظريات عقلية مردودة وغير صحيحة، فالله يقول وهم يقولون، الله يقول: ﴿رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً﴾ (النساء: 165)، الله يقول هنا: علّة الإرسال قطع العذر وإن كان عذراً كاذباً من كذّاب، وهم يقولون: العلّة هي اللطف، وهو واجب عليه والإرسال واجب في كلِّ حال ... الخ.
طيب، الذين لم يرسل لهم الله، هل خالف الواجب في عدم الإرسال لهم ؟
هناك هنود حمر عاشوا مئات أو آلاف السنين في أمريكا ولم يرسل لهم وكانوا يعبدون أخشاباً وأحجاراً وأصناماً وطيوراً، هناك في غابات أفريقيا أقوام آلاف السنين لم يبعث لهم وهم وثنيون، هل خالف اللطف الواجب ؟
وهكذا، تجد كلامهم مبعثراً ويقولون إنه عقلي وعلمي، والمصيبة أنه يخالف القرآن ].
* * *
هل للمخلوق وجود قبل عالم الذر ؟
كنت أحياناً أتساءل في نفسي:
هل عالم الذر أوّل عوالم النزول وأول عوالم الامتحان، وبمعنى آخر: هل للمخلوق وجود قبل عالم الذر في قوس النزول ؟
وبالرغم من أني أعدت صيغة السؤال مرتين، ولكن لا زال الاضطراب يلفّ السؤال، بل يلفّني معه، فأجابني (ع) متفضلاً:
[ لكلِّ المخلوقات وجودٌ مقامي منذ خلق العقل والجهل، وترتبت المقامات بينهما، كلُّ مخلوق بحسب حاله. ثم خلق الله آدم (ع) وذريته في عالم الذر، وكلّ واحد منهم أخذ مقاماً بحسب حاله، أي بحسب سرعة إجابته، بحسب إلتفاته إلى نفسه وغفلته عن ربّه، أو بحسب إلتفاته إلى ربّه. نعم، سؤالك فيه اضطراب، ولكن هذه إجابة عن حال الخلق قبل الذرّ ومروراً بالذرّ ].
* * *
كتابٌ متشابهٌ وأُحكمت آياته !
قلتُ متسائلاً:
هناك آية في كتاب الله تقول إنّ الكتاب كلّه متشابه، وآية أُخرى تقول كلّه أُحكمت آياته، وآية ثالثة تقول فيه محكم ومتشابه، فما هو القول الفصل في بيانها ؟
فأجاب (ع):
[ أين هي الآيات ؟ أم أنّك تسأل كيف أنه (محكم) و(متشابه) و(محكم ومتشابه) في نفس الوقت ؟
الكتاب محكم عند الإمام، ومتشابه عند الناس، ومتشابه ومحكم عند شيعة الإمام؛ لأنهم يعرفون ويقبلون ما أحكمه الإمام.
هناك تفصيل عن الكتاب، وكيف يكون محكماً ومتشابهاً، ولماذا يكون محكماً ومتشابهاً تجده في (كتاب المتشابهات) ([10]) اقرأه، وإذا فهمته لا أظن أنك تحتاج أن تسأل كثيراً عن هذا الأمر، ولكني قبل فترة سمعت لأحد إخوتكم تكلّم في شرح هذا الأمر، فشرح بعض الأُمور بصورة خاطئة، أي أنه لم يكن ربما قد فهم الكلام في (المتشابهات) عن المحكم والمتشابه ].
وما تحسن الإشارة له عدة أُمور:
أولاً: إنّ للسؤال آداب لم أراعها في سؤالي، وللفائدة أقول الآن:
إنّ الآيات هي:
﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ﴾ ([11]).
﴿الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ ([12]).
﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ ([13]).
وبالرغم من عدم إحساني طرح السؤال، إلّا أني ظفرت بمرادي ورفع جهلي بحسن إجابته وتعليمه، فللّه درّه من أبٍ رحيم.
وثانياً: كان ينبغي لي أن أُحسن قراءة ما بيّنه في كتاب المتشابهات قبل طرح السؤال، وفي هذا درس للسائرين إلى الله بأن يتجنّبوا طرح أسئلة مجاب عنها من قبله، ولا أقل نخفف عن أمامنا بعض الجهد الملقى على عاتقه.
وثالثاً: إنّ علينا أن نحسن فهم مراد السيد أحمد الحسن في كتبه وبياناته، لئلّا نقوم بشرح بعض الأمور بصورة خاطئة كما حصل من قبل الأخ الأنصاري المشار إليه في كلامه (ع).
* * *
حاكمية الله والانتخابات في الدستور الإلهي:
أوصل السيد أحمد الحسن (ع) ذات مرة عبر بعض المؤمنين توجيهاً إلى بعض الأنصار في أحد الأماكن، مفاده: إنّ من يريد التصدي لإدارة العمل فعليه أن يرشح نفسه، والترشيح ممكن أن يكون من الشخص نفسه أو عبر ترشيح إخوته له.
أسرع البعض معلناً رفضه أن يكون مثل هذا التوجيه صادراً منه (ع) مشبّهاً هذا الصنيع بصنيع أبي بكر في سقيفة بني ساعدة، وكان للبعض الآخر رأي آخر.
وهذا نص جوابه (ع) في الموضوع بعد سماعه به:
[ بارك الله لكم وتقبّل الله أعمالكم، بالنسبة للانتخابات أعتقد واضح من كلامنا ومن القرآن أنها باطل باعتبارها تكفي لتشخيص الحاكم العام أو من يدير أُمور الناس، أما عندما يطلب الحاكم المنصّب من الله رأي الناس فيمن يحكمهم أو يشرّع لهم قوانين حركتهم العامة، فهذا أمر شرعي ومذكور في القرآن:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ (آل عمران: 159).
أي أنّ لخليفة الله أن يشاور الناس فيما يراه هو مناسباً، ومن ثمَّ له الرأي النهائي، فله أن يقبل مشورتهم أو يردها.
نظام حاكمية الله ليس كالنظام الدكتاتوي وليس كالنظام الديمقراطي، هو نظام خاص، وله تفاصيله وفقكم الله.
نحن عندما نشخّص الانتخابات والشورى على أنها باطلة، فواضح قصدنا: أنها محرمة باعتبارها وسيلة كافية لوحدها وباستقلالية لتشخيص الحاكم أو من يدير أُمور الناس، هذا أمر واضح.
أمّا الدولة أو الدول التي يديرها خليفة الله، فهي تحكم ضمن الدستور الإلهي المذكور في القرآن والتوراة وكتب وسيرة الأنبياء (ع).
وأنتم أعتقد ليس لكم معرفة تامة بهذا الدستور، فالمفروض أن تتعرّفوا على هذا.
والمفروض أن تتعرّفوا على هذا الدستور القرآني وبعدها تقولون هل هو صحيح أم لا، وهل هو شرعي أم لا ؟
عموماً، هناك قاعدة عامة: إنّ المعصوم له أن يعيّن دون مشورة الناس، وله أن يستشير الناس فيمن يعيّنه، وله أن يأخذ بمشورتهم، وله أن يردها، أو يقبل بعضها دون بعض، وله أن يشرع القوانين العامة ضمن حدود الشريعة، وله أن يستشير الناس بالتشريع القانوني الواقع في حدود الشريعة، وله أن يقبل مشورتهم، وله أن يردها، وله أن يقبل ببعضها.
وضمن الدستور الإلهي هناك مجالس استشارية ينتخب بعضها الشعب عموماً، وبعضها يُعيّنون تبعاً لوجاهتهم مثلاً: أساتذة الجامعات أو شيوخ العشائر ... الخ.
الدستور الإلهي وفقكم الله كبير وواسع، وأعتقد أنكم لا تعرفون الكثير ربما فيما يخص هذا الأمر، فتريثوا قبل أن تعترضوا في هذا الأمر أو تقدّموا رأياً غير صحيح.
من يعتقد أنّ أحمد الحسن لابد أن يحكم دولة إذا نصرنا الله فهو مخطئ، خليفة الله يمكن أن يشرف على الحكم ويكتفي فقط بما يجب أن يكون تحت يده مثل قرار الحرب والسلم، أما أنه يدير كل جزئية فهذا أمر له، وهو يعمل بأمر الله، فإن أمره الله أن يباشر الأمر بنفسه بكل تفاصيله باشره، وإن أمره الله أن يعيّن من يدير أُمور الناس فعل كذلك.
أسأل الله أن يوفقكم ويسدد خطاكم ].
* * *
كفى بالكتاب حجيجاً وخصيماً !
يحاول بعض الوهابيين تبرير مقولة صاحبهم (حسبنا كتاب الله)، التي أطلقها بوجه سيد الخلق (ص) عند إرادة كتابة الكتاب العاصم لأُمّته من الضلال وطلبه الصحيفة والدواة، بمقايسته بقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في خطبة له: (.. وكفى بالله منتقماً ونصيراً، وكفى بالكتاب حجيجاً وخصيماً ..).
وفي بيان الفارق بين القولين، وردّ احتجاج هؤلاء الجهلة، يقول (ع):
[ عمر قال قوله في مقابل سنّة الرسول (ص)، أي أنه قال (حسبنا كتاب الله) في مقام ردّ سنة الرسول وقول الرسول محمد (ص). أما قول الإمام علي (ع) فهو ليس هكذا، بل هو من باب مدح القرآن وتعظيم شأنه مقابل غيره، وليس لردِّ غيره كما فعل عمر ].
* * *
الطعن على كتاب الله من قبل المسيحيين !
يطعن المسيحيون بكتاب الله القرآن الكريم كثيراً، وعن هذا كان (ع) يقول:
[ المسيحيون لا ينظرون إلى حكمة القرآن والقانون العادل فيه وأنه أمر بالخير والمعروف، وهو أكيداً يدلّ على أنّ القرآن من الله وليس من الشيطان، بينما يجادلون في أنّ القرآن يخالف اللغة وإشكالات لا تنتهي وتبيّن أنّ صاحبها لا يطلب الوصول إلى شيء، الذي من الشيطان يدل عليه سفه قوله، قال أمير المؤمنين (ع): "اعرف الرسول بالرسالة"، الرسالة تدل على المرسل ومن أين هو. الكلام الحكيم والنظام الدقيق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الله، والكلام السفيه والعبث والأمر بالمنكر والنهي عن المعروف من الشيطان ].
* * *
التشريع بالقرآن ومشكلة التأويل !
قد يقال: إنّ التشريع بالقرآن الآن بالنسبة للمسلمين فيه مشكل التأويل وتعدد الوجوه، وأيضاً قد يؤثر اختلاف الزمن على اختلاف الأحكام، فكيف الحل ؟
وبكلِّ وضوح أنّ مثل هذا السائل أغفل العدل الآخر للقرآن بالمرة، والذي لا يفارقه مطلقاً بنص حديث الثقلين المعروف لدى جميع المسلمين.
ولذا كان (ع) يقول في إجابة السؤال:
[ التشريع يكون بالقرآن وسنة المعصوم الحالي أيضاً، المعصوم مشرّع في كلِّ زمان، وليس ضرورياً أنّ المعصوم الحالي يستنسخ الأحكام السابقة لهذا الزمان؛ لأنه مشرّع ويمكن أن ينسخ الأحكام السابقة له ].
* * *
هل ينسجم القانون الوضعي مع فطرة الإنسان ؟
يروق لبعض النافرين من الدين، ويبدو لي أنّ السبب أحياناً يكمن في رجاله، أن يصل بهم الحال إلى تقديس القانون الوضعي وادعاء صلاحيته المطلقة لقيادة المجتمع الانساني في شتى جوانبه، بخلاف القانون الديني.
لمثل هؤلاء كان (ع) يقول:
[ ضمن القانون الوضعي: هل حقوق المجتمع محفوظة، أم لا ؟ وكيف وازن القانون الوضعي بينها وبين حقوق الفرد ؟ وهل حقوق الله محفوظة ؟ وهل حقوق البيئة محفوظة ؟ وهل حقوق الحيوان محفوظة ؟ وهل حقوق النبات محفوظة ؟ وغيرها.
ثم كيف تمت الموازنة بين هذه الحقوق في القانون الوضعي، وهل يقولون إنها موازنة مثالية وعادلة، وكيف حكموا، وما هو ميزانهم للحكم ؟
الآن القانون الوضعي يرتكب أكبر جريمة في التاريخ بحق كل الإنسانية، وهي النتيجة التي وصلت لها الأرض من الاحتباس الحراري الذي يهدد بإبادة الجنس البشري ككل ! ].
* * *
هل تنكر نظرية الانفجار الكوني الخالق ؟
قال (ع) معلقاً على نظرية الانفجار الكوني وكونه سبباً لنشوء الخلق:
[ الانفجار العظيم، نظرية تثبت أنّ العالم الجسماني محدث، ونتج عن تكثف طاقة، وبالتالي فهي دلالة على وجود الخالق الأزلي ].
وأدعو الجميع إلى ترقّب صدور كتابه الموسوم بـ "وهم الإلحاد"، الذي قال (ع) عنه - بعد أن طرح عدة أسئلة تتعلق بالخالق والكون وطلب من علماء الدين الاجابة عنها -:
[ ... وفيما يخصني فهذه الأسئلة وأكثر منها بكثير أجبتها في كتاب "وهم الإلحاد"، وإن شاء الله سأقوم بنشره قريباً، والذي يحوي أيضاً على ما يمكن أن يسمّى مناظرة علمية مع بروفسور ريتشارد دوكنز الذي يعتبر من أكبر علماء الأحياء التطويرية المعاصرين، وبروفسور ستيفن هوكنج وهو من أكبر علماء الفيزياء النظرية والرياضيات التطبيقية ومتخصص في علم الكون وله نظرية مثبتة في اشعاع الثقوب السوداء ].
* * *
هل الأقانيم متمايزة ؟
يعتقد المسيحيون بالأقانيم الثلاثة، وهو أمر معروف عنهم.
وعن تمايز الأقانيم من عدمه، قال السيد أحمد الحسن (ع):
[ هم يقولون: الأقانيم متمايزة، لهذا أرسل أحدها الآخر، الآب أرسل الابن، والآب أرسل روح القدس، والابن أرسل روح القدس. هم قالوا بالتمايز لكون أحد الأقانيم أرسل الآخر، وهذا يُبيّن لك علّة القول بالتمايز عندهم ].
وعن ربط الاعتقاد بتمايز الأقانيم وبين التجسد، الذي يعتقدون به أيضاً، قال (ع):
[ الكلام في الأقانيم لا علاقة له بالتجسّد، فالتجسد عندهم موضوع آخر. التمايز بين الأقانيم عندهم قائم قبل التجسد، وأثناء التجسد، وبعد انتهاء التجسد ].
* * *
إنجيل برنابا:
عن إنجيل برنابا الذي يحتجّ بعض المسلمين بنصوصه، سمعته (ع) يقول:
[ وفقكم الله، إنجيل برنابا المتداول هو إنجيل مكذوب مائة بالمائة، ولا يمكن أن يحتج به مسلم على المسيحيين؛ لأنه باختصار لا يوجد له أيّ طريق أو سند تاريخي معتبر، فأين هي نسخة هذا الإنجيل القديمة التي طبع على أساسها، وما هو تاريخها، وأين وجدت، وهل تم تحليلها، ومن حللها، وماذا قال عنها ؟ من يريد أن يحتجّ بهذا الكتاب عليه أن يجيب هذه الأسئلة، وبعد أن يجيبها سيجد نفسه مفلساً من الدليل على أنّ هذا الكتاب يمثّل شيئاً يمكن الاحتجاج به على المسيحيين ].
ولمن يقارن بين إنجيل برنابا وإنجيل يهوذا، قال:
[ ما يسمى إنجيل برنابا، مجرد لعبة يخدع بها المتأسلمون أنفسهم، وإلا فهو لا قيمة تاريخية له، ولا يمكن أن يحتج به عاقل على المسيحيين، فكيف يحتج بكتاب لا أصل له ؟
أما إنجيل يهوذا، فهو إنجيل قديم، ووجد له أصل تاريخي ووثيقة تاريخية، وموثق بالفحص العلمي الدقيق ].
* * *
المحطة الثالثة:
ما يتعلق بأدلة الدعوة المباركة
النص وشهادة الله:
فاجئني السيد أحمد الحسن (ع) يوماً، فقال:
[ عندي سؤال لك، هو سؤال علمي وفقك الله.
الدليل على الحجة هو النص، أليس كذلك ؟
طيب، هل هذا الدليل لابد أن يكون مرافقاً للحجة منذ اليوم الأول، أي يكون مطروحاً منذ اليوم الأول، أم يجوز أن يتأخّر عن اليوم الأول لادّعاء الخليفة ؟
وهل يجب أن يكـون هذا النص حجــة على كلِّ الناس في نفس الوقـت الذي يُطـرح فيه، أم لا ؟
وكيف ينفع أن يحتج محمد (ص) على البوذي بالنص ؟
أو ما هو النص الذي يحتجّ به محمد (ص) على الهندوسي وعلى البوذي ؟
هذه أسئلة تخص قانون معرفة الحجة أو النص منه بالخصوص.
هل تجد إجابة لهذه الأسئلة ؟ ].
قلت: هل أُجيب بما أعرف من كلامك ؟
قال (ع): [ نعم ].
قلت: ما عرفته أنّ الله سبحانه وشهادته وسؤاله هو ما يعتمده الحجة في دعوته ابتداءً، وبه يؤمن عباد الله، والنص وإن كان موجوداً ولكن شهادة الله أرفع قدراً، والله أعلم.
فقال (ع): [ نعم، وهل شهادة الله ليست نصاً ؟ وهل نص غير الله أعظم من شهادة الله ونص الله ؟
نعم هي نص، لم أكتب قانون معرفة الحجة كاملاً فيما مضى رجاء أن يتصدّوا للمناظرة، ولكنهم كما يبدو لا يريدون المناظرة، ويكفيني ما صرّحوا به على الفضائيات من الاستهزاء بالرؤيا، والآن إن شاء الله سينزل كتاب (عقائد الإسلام) وفيه فضيحتهم وبيان جهلهم، مع أنهم لا يستحون !
فقبل أيام سمعت بالصدفة أحد معمميهم يرد على وهابي أشكل عليه بأنّ أصل الإمامة الذي تقولون به غير مذكور في القرآن كأصل ديني، فكان جوابه منقول من كتب الدعوة، قال له: نحن نقول إنّ الأئمة خلفاء الله في أرضه، وآدم أول خليفة لله، والله قال: إني جاعل ... الخ. هكذا دون حياء يأخذون من الدعوة عندما يناقشون مخالفيهم، وعندما يسألهم الناس عن الدعوة يكذبونها !!
أليس أخذهم من الدعوة ومن علومها دليل على حاجتهم لصاحب الدعوة وعلى استغنائه عنهم ؟ أليس هذا (أي العلم) من أدلة الامامة، وأن الإمام يُعرف بحاجة الكل له واستغنائه عن الناس ؟ حسبنا الله ونعم الوكيل، ما أصبرهم على النار ! ].
* * *
هل مجرد ادعاء الوصية دليل ؟
الوصية المقدسة، كتاب محمد (ص) العاصم لأُمته من الضلال، والذي شاء الله سبحانه أن يُحفظ من ادّعاء المبطلين، ليكون حجّة واضحة على صدق صاحب راية الحق والهدى في زمن الظهور، عند إذن الله لآل محمد (ع) بابتداء دعوتهم الإلهية الكبرى.
ولكن، بعض أدعياء العلم يحاولون صرف الناس عن هذا الدليل الإلهي العظيم، ويحملونهم على التشكيك به، بدعوى إمكانية احتجاج المبطلين بالوصية !!
وبالرغم من أنهم عاجزون عن تقديم مثال واحد، عبر مسيرة الإنسانية منذ يومها الأول، يبرّر لهم فعلهم هذا، نجد أنّ القرآن الكريم يكذّب زعمهم بوضوح.
وعن شكّهم هذا، كان (ع) يقول:
[ يقولون: كيف يكون مجرد ادعاء الوصية دليلاً ؟ في حين القرآن يقول إنه دليل، وقد ذكر أنّ عيسى أوصى وبشر بمحمد (ص) للاحتجاج على النصارى.
ألا يرون أنّ الله سبحانه اعتبر مجرد ادعاء محمد (ص) أنه هو من أوصى به عيسى حجّة ؟
وإلا لو لم يكن الأمر هو هذا، فما معنى ذكر الله سبحانه لوصية عيسى (ع) ؟
أليس أنه ذكرها للاحتجاج بها ؟ وهل ذكر أنّ وصية عيسى فيها شيء غير الاسم الأول ؟
إذن، القرآن يقرّر أنّ الوصية لا يدعيها إلّا صاحبها.
على كل حال، يفعل الله ما يريد، ولله أمر هو بالغه ].
* * *
احتجاج الأنبياء بالوصية:
وعن احتجاج الأنبياء (ع) بالوصية، سمعته (ع) ذات يوم يقول:
[ يقولون: هل موسى (ع) احتجَّ بالوصية ؟
كيف لم يحتج بالوصية وبنو إسرائيل كانوا ينتظرونه بسبب وصايا أنبيائهم به !
وكذا عيسى (ع)، وكذا محمد (ص)، ألم ينصّ القرآن بوضوح على الاحتجاج بالوصية ؟
القرآن واضح في أنهم (ع) كانوا موصى بهم، وكانوا يحتجون بالوصية، ويكفي أنّ القرآن وبوضوح احتجَّ بوصية الأنبياء (ع) وعيسى (ع) بمحمد (ص) ].
قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ ([14]).
* * *
هل مضمون الوصية معلوم سلفاً ؟
يزعم بعض من يدعي علماً أن لا حاجة إلى أن يوصي محمد (ص) عند الاحتضار، فحديث الثقلين أو الغدير مثلاً يغني عن كتابتها، ولما كان مضمونها معلوم سلفاً فلا حاجة إلى أن يكلّف نفسه بكتابتها !!
وكان جواب السيد أحمد الحسن (ع) لمثل هؤلاء المدعين هو التالي:
[ إنّ بعضهم يدّعون أنهم يعلمون ما في وصية رسول الله (ص) التي لم يكتبها حسب زعمهم، وبأنها مجرد تأكيد لبيعة الغدير ولحديث الثقلين المجمل، ولهذا فهو (ص) لم يهتم لكتابتها ولم يكتبها بعد حادثة الرزية بحسب زعمهم ولو للمساكين الذين يقبلونها كعمار وأبو ذر والمقداد، ولم يكتبها حتى لعلي (ع) لتصل لمن يقبلونها بعده لكي لا يضيع ويضل كلّ من في أصلاب الرجال وتعصم الأمة من الضلال.
ولا أدري من أين علموا أنّ الوصية مجرد تكرار أو تأكيد لحادثة الغدير أو غيرها من الحوادث والأقوال السابقة لرسول الله (ص) كحديث الثقلين المجمل، مع أنه (ص) نبي ورسول من الله والوحي مستمر له ورسالته لهداية الناس مستمرة حتى آخر لحظة من حياته، فهل أن الله أخبرهم مثلاً أنه لم يوحي لمحمد قبل احتضاره بيوم أو بشهر أو بشهرين شيئاً جديداً وتفاصيل جديدة تخصّ أحد الثقلين وهو الأوصياء من بعده وأسماء وصفات بعضهم بما يضمن عدم ضلال الأمة إلى يوم القيامة، مع أنّ هذا الأمر موافق للحكمة. وإذا لم يكن قد أوحى الله لهؤلاء المدعين شيئاً، فلماذا الجزم أنّ الوصية كانت مجرد تكرار لما سبق ولهذا كان الأفضل ترك كتابتها بعد رزية الخميس بحسب زعمهم ؟
هل هذا يعني أنّ عمر يقرر لرسول الله أنّ الأفضل عدم كتابة الوصية في يوم الخميس كما يزعم من اعتبروا أن اعتراض عمر على كتابة الكتاب كان بتوفيق وتسديد، وأنتم تقررون لرسول الله أنّ الأفضل عدم كتابة الوصية بعد يوم الخميس، ولا تُعدمون القش لإيقاد ناركم، فمن الرسول بربكم محمد بن عبد الله (ص)، أم عمر وجماعته، أم أنتم يا من تسميتم بالتشيع ؟ ].
ولم تفرغ سلّتهم من الإشكالات على كتاب محمد (ص) العاصم لأُمته من الضلال، فاخترع بعضهم إشكالاً مفاده: إما أن يكون موسى بن جعفر (ع) قد أوصى في سجنه قبل الوفاة لمن بعده وكتب وصيته، أو أنّ محمداً (ص) لم يكتب وصيته ؟!! ولمثل هذه السفاسف، كان (ع) يقول:
[ نحن أثبتنا وجوب الوصية عند الاحتضار وبالدليل، وهم الآن ليس لديهم دليل نقض، إذن ثبت دليلنا، وثبتت وصية رسول الله (ص) الوحيدة بحسب هذا الدليل على وجوب كتابتها.
أما الإشكال على وصية رسول الله (ص) بعدم وجود وصية عند الاحتضار لموسى بن جعفر (ع) مثلاً لكونه مسجوناً، فالله يقول: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ (البقرة: 286)، فالمريض لا يصوم، ومن يُعدم السبيل لا يُكلّف كتابة الوصية عند الاحتضار، فموسى بن جعفر لم يكن بوسعه والرسول (ص) ليس كذلك، بل كان كتابة الوصية بوسعه، فيجب عليه الكتابة.
هذا إضافة إلى أنّ وصايا وروايات الأئمة (ع) لم تصل كلّها، فقد ضاع كثير من أُصول الشيعة الروائية كما يعلم الجميع.
هذا إضافة إلى أنه لا يضرّ أن لا يكتب موسى بن جعفر (ع) وصيته عند الاحتضار؛ لأن وصية الرسول (ص) عاصمة للأُمة من الضلال إلى يوم القيامة، فلا يجب أن يوفر الله ظرفاً لموسى بن جعفر (ع) ليوصي عند الاحتضار، ولكن الله وفّر الوقت والفرصة والسعة لرسول الله (ص) عند الاحتضار ليوصي، وقد أوصى ونقلت الوصية ].
والآن، هل فرغت جعبتكم من الإشكالات على الوصية المقدسة، أم لا زالت !!
* * *
الوصية والنص المباشر:
يقول بعضهم: إنّ وصية رسول الله (ص) لا تكفي في إثبات أحقية المحتج بها، ولابد أن تكون الوصية من الإمام إلى الامام الذي بعده مباشرة ؟
ولمثل هؤلاء كان (ع) يقول:
[ إنّ علماء الشيعة يقولون: إنّ الوصية أو النص يكفي من الرسول، كما في كتاب (الباب الحادي عشر)، بشرح المقداد السيوري ([15])، فهناك نص فيه: إنّ النص من الرسول أو الإمام السابق يكفي.
فالوصية من الرسول تكفي، بالنصوص من عقائد حوزتهم.
إنّ هؤلاء لا يعتبرون، لا بقرآن ولا بروايات ولا بالمعصومين، هؤلاء لا يعتبرون إلّا بأقوال مراجعهم وفقهائهم وما يدرّس في حوزة النجف، بل وحتى ينكرونه لأجل أن يرضوا أهواءهم ].
وهذا قول العلامة الحلي:
(الإمام يجب أن يكون منصوصاً عليه؛ لأن العصمة من الأمور الباطنة التي لا يعلمها إلا الله تعالى فلابد من نص من يعلم عصمته عليه، أو ظهور معجزة على يده تدل على صدقه).
وعلّق عليه شارحه (المقداد السيوري) في (النافع يوم الحشر: ص100)، قائلاً:
(أقول : هذه إشارة إلى طريق تعيين الإمام، وقد حصل الاجماع على أنّ التنصيص من الله ورسوله وإمام سابق، سبب مستقل في تعيين الإمام (ع)، وإنما الخلاف في أنه هل يحصل تعيينه بسبب غير النص أم لا، فمنع أصحابنا الإمامية من ذلك مطلقاً وقالوا: لا طريق إلا النص ...).
* * *
رواية تبّر الله عمره:
أوضح السيد أحمد الحسن (ع) في كتابه (الوصية المقدسة الكتاب العاصم من الضلال)، أحد إصدارات الدعوة اليمانية المباركة، وهو منشور في الموقع الرسمي، أوضح (ع) بما لا يقبل الشك حجية الوصية المقدسة وصدق المحتج بها، قرآناً وسنّة وعقلاً.
وكان من ضمن ما جاء في الكتاب بيان لمعنى رواية: (تبّر الله عمره) بالنسبة للمدعي باطلاً.
وفي هذا قال (ع):
[ إني وجدت أنّ الأنصار غير واضح عندهم معنى رواية "تبّر الله عمره"، وأين موضعها. أسأل الله أن ينفعكم به لبيان الحق للمؤمنين، وأن يُعلي كعبكم ويظهر حجتكم على الظالمين ].
ولكلِّ من قرأ الكتاب، أقول:
إنّ الدليل العقلي الذي أوضحه السيد أحمد الحسن (ع) في كتابه، يثبت استحالة ادعاء النص التشخيصي لخليفة الله؛ لوضوح اللوازم الواجب تنزيه الله سبحانه عنها. ولكن ما فهمته ابتداءً من الدليل القرآني والروائي هو (مصروفية الجميع عن أصل ادّعاء النص التشخيصي) أو (اقتران هلاك المدعي الباطل بادعائه له).
وقد يُفهم من الشق الثاني إمكانية ادّعاء النص التشخيصي من قبل مدعٍ باطل مقروناً بهلاكه، فكيف توصّل هذا المدعي الباطل إليه إذن بعد صرف الجميع عنه واستحالة ذلك عقلاً ؟
هذا تساؤل خطر في بالي عند قراءتي للكلام، فأوضح (ع) قائلاً:
[ لا، ليس كذلك وفقك الله. النص القرآني والروائي أيضاً في نفس معنى الدليل العقلي، إنما هو بيان الحماية الإلهية للنص بهلاك المدعي، وليس المراد إمكان تحقق الادّعاء، تماماً كفرض المحال.
وعبارة: (أو على الأقل فإنّ ادعاءه لها مقرون بهلاكه قبل أن يظهر للناس)، هي فرض لأقصى ما يمكن أن يصل له الادّعاء، وليس معنى الفرض أنّ الأمر ممكن التحقق، ولكن نقول: لو تحقق هذا فلا يضر؛ لأنّ تحقق هذا الادّعاء إلى هذه المرحلة لا يضر بكون النص محمياً، فالحماية المهمة هي من أن يدعيه إنسان معلناً ادّعاءه لغيره، أما لو فرضنا أنه ادّعاه بينه وبين نفسه وأهلكه الله قبل أن يخرج ما في نفسه، فهذا الأمر لا يضر بكون النص محمياً. إنما الفرض لبيان معنى الحماية وتقريب الصورة وحدها إلى أبعد ما يمكن من التوضيح ].
وقد يبدو هذا غامض بالنسبة إلى من لم يقرأ الكتاب المشار إليه، لذا أنصح بقراءته ليتوضح جواب السيد (ع) هنا بشكل أكثر.
وإلى من يقول من الإخوة الأنصار: إنّ الأمر صار واضحاً حياء ربما، أنقل التالي:
بيَّن (ع) لي ذات يوم موضوعاً، ثم قال ما معناه: هل صار واضحاً ؟
ولما قلت: نعم واضح، قال:
[ أرجو أن لا تقول لشيء: واضح، وهو غير واضح، كما لا تستحي من الإشكال أبداً؛ لأنكم سيواجهكم مخالفيكم بالإشكال، فلابد أن تكونوا على معرفة تامة بما تطرحون، وفقكم الله وسدّد خطاكم ].
* * *
كتاب (الوصية المقدسة الكتاب العاصم من الضلال):
وبخصوص أهمية كتاب (الوصية المقدسة) الذي أخبرتكم عنه، قال (ع):
[ أرجو أن تعملوه كتيّباً صغيراً للجيب؛ لأنّ فيه بيان كيفية الاستدلال والاحتجاج بالوصية. كما أرجو أن تدّرسوه في الحوزة كمحاضرة أو محاضرتين، وكذا في حوزة النجف. وأيضاً يعملوه كتيّباً يوزع عندهم. وأيضاً لو ينشر في الجريدة لينتفع منه أكبر عدد من الناس، وحاولوا إيصاله للمؤمنين وللناس بأي وسيلة متاحة لكم لينتفعوا منه، جزاكم الله خيراً ].
وقال عن وصية جده محمد (ص) أيضاً:
[ النص موصوف أنه عاصم من الضلال، وقيد (أنه عاصم من الضلال) هو المهم، فلو لم يحفظه من وصفه بأنه عاصم من الضلال من ادّعاء المبطلين لكان كاذباً، أو لكان جاهلاً فوصفه بوصف ليس فيه، ولكان عاجزاً ... الخ، وحاشاه من كلِّ ذلك ].
* * *
ليبشر المدافعون عن وصية محمد(صلى الله عليه وآله):
ما يحزن في هذه الدنيا كثير، ومن ذلك الرؤيا المنذرة، خصوصاً إذا ما كان مضمونها ينذر بنحو خطير يتعلق بالعاقبة مثلاً.
قص أحد الأنصار يوماً على السيد أحمد الحسن (ع) رؤيا منذرة كان قد رآها به أحد الأنصار، وظاهرها أقلقه جداً. فلما سمع منه الرؤيا، أجابه قائلاً:
[ إن شاء الله يكون خيراً، ويعصمكم الله من الشيطان، وفقك الله وسدد خطاك.
لا يكون إلا الخير، وإن شاء الله أنت يقف لك الله الذي دافعت عن منهجه دائماً، ورسول الله (ص) الذي دافعت عن وصيته، ولن يكون إلا الخير، ورحمة الله واسعة.
ولكن الخوف من سوء العاقبة ينبغي أن لا يفارق أحداً حتى من علم من الله حسن خاتمته.
أسأل الله أن يرزقك حسن العاقبة، وأن تنصر كل خليفة لله في أرضه تعيش في زمانه، وفقك الله وسدد خطاك ].
* * *
كيف آمنت أُمّ موسى بموسى (ع) ؟
قال السيد أحمد الحسن (ع) في بيان ذلك:
[ في القرآن كيف آمنت أُمّ موسى (ع) بموسى ؟
أليست أُمّ موسى مكلّفة ؟
قال تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ (القصص: 7).
﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾.
هذه شهادة الله عندها لابنها موسى (ع)، وهي مكلّفة أن تؤمن بموسى (ع) كغيرها من المكلفين، فكيف آمنت به إلا من خلال الرؤيا التي هي وحي الله إليها ].
قال الشيخ المفيد (رحمه الله) عن كيفية الإيحاء إلى أُمّ موسى (ع):
(... فأما قولنا في المعجزات فهو كما قال الله تعالى: "وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين"، فضمن هذا القول تصحيح المنام إذ كان الوحي إليها في المنام ...) ([16]).
* * *
لماذا نهى يعقوب (ع) ابنه عن قصّ رؤياه ؟
قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ ([17]).
يقول السيد أحمد الحسن (ع) في بيان سبب نهي يعقوب (ع) ابنه يوسف (ع) عن أن يقصَّ رؤياه على إخوته:
[ الرؤيا اعتبرها يعقوب (ع) في القرآن دليل تشخيص لخليفة الله يوسف (ع)، وحذّره من قصّها على إخوته؛ لأنهم سيعرفون أنه خليفة الله ووصي يعقوب منها.
ومع هذا، هؤلاء الجهلة ينكرون ؟! لا أدري كيف يدّعون أنهم يؤمنون بالقرآن ؟!
لو كان العذر أنهم يجهلون التفسير، فقد بيّنا لهم، ولا يمكنهم الإنكار، فما بقي إلّا العناد ].
إذا اتضح هذا، أقول: ألا يستحي المستهزؤون بالرؤى كدليل يشخّص مصداق خليفة الله من أقوالهم التي يستخفون بها الناس ويحملونهم على جحود وحي الله وتكذيبه، وهل هم أطهر أو أكثر إيماناً من أُمّ موسى (ع)، أو أفهم بدين الله من نبي الله يعقوب (ع) ؟!!
هل يُخير الله لغير وليّه ؟
يصادفنا أثناء طرح دعوة الحق على الناس، أنّ بعضهم يتقبّل أدلة دعوة الحق شيئاً ما، بعد بيانها لهم بشكل تفصيلي بحيث لا يبقى لديهم عذر أو حجة يتحججون بها، ثم يستخيرون الله فيخير الله لهم بنصرة أحمد الحسن، ولكن ولأنّ نفسه تهوى شخصاّ آخر فيترك خيرة الله له ويعمد على البقاء في اتباع صاحبه، زاعماً أنّ الله خار له أيضاً باتباعه !!
بل صادفتني حالة: إنّ شخصاً كان يزعم أنه يستخير الله طول حياته ويعمل بخيرة الله له، وكان قد استخار سبع مرات على اتباع السيد أحمد الحسن (ع)، وظهرت له سورة يس وكانت جيدة جداً، ولكنه تردّد في العمل بها هذه المرة !!
حجّته في ذلك: إنه وبعد أن خرجت الاستخارة سبع مرات على أحمد الحسن جيدة، ذهب واستخار الله على اتباع غيره وأنه هو اليماني، فخرجت جيدة أيضاً !!
عن مثل هؤلاء سألت السيد أحمد الحسن، فأجاب (ع):
[ هؤلاء الأشخاص مساكين، فأنتم بيّنوا لهم الأدلة واحداً تلو الآخر، بيّنوا لهم كيف أنّ الوصية تكون حجة قطعية لمن يطلب الحق، ولا يعذر عند الله من يعرض عنها.
وأما صاحب الاستخارة وأمثاله، فهو طلب أن يخبره الله عن أحمد الحسن فأخبره الله، فشكّ بكلام الله وأعرض عن كلام الله وطلب هواه، فاستخار على غيره؛ لأنّ هذا يوافق هواه، فوكله الله إلى نفسه. فاستخارته على غير من خار الله له باتباعه هي استخارة للشيطان وليست استخارة الله، فهو قد استخار الله وكلّمه الله وأجابه بكتابه القرآن، فأعرض عن كلام الله وطلب هواه وما تهواه نفسه الأمّارة بالسوء.
من يستخير الله ويخبره الله ويشهد له بكتابه أنّ أحمد الحسن حق، كيف يكفر بإخبار الله له وبشهادته !! وماذا بعد كل هذا غير جهنم التي يطلبها وينتظرها بهذا الإعراض ؟!
أيعقل أنه يسأل الله، ثم لما لم يعجبه الجواب عاد وسأل وأجابه الله، وعاد، وأجابه الله، وكرّر ذلك سبع مرات، فلما وجد الأمر لا ينفعه؛ لأنّ هذا طريق ذات الشوكة والقلة، ذهب إلى أن يستخير هل أن فلاناً هو اليماني ؟!!
طيب هل جواب الله وشهادته لعبة (والعياذ بالله) عندما لا يعجبه الجواب يذهب ليسأل عن فلان ؟ هل يستهزؤون بالله، هل يُلام الله لما يوكله إلى نفسه ولما تطلبه نفسه وهواه، وماذا ينتظر غير جهنم بفعله هذا !!
وإذا كانت الأدلة لا تنفعهم، وجواب الله لا ينفعهم، فماذا ينفعهم ؟
حسبنا الله ونعم الوكيل ].
* * *
هل عرض أحمد الحسن المعجزة على المراجع !
قد يتوهم البعض - وحتى بعض المؤمنين ربما - أنّ السيد أحمد الحسن (ع) عرض المعجزة ابتداءً على المراجع، وترك أمر تحديدها إليهم، وأما هو فدوره أنه ينفّذ ما يقترحون ويطلبون !!
هكذا قد يظنّ البعض. ولكن الحقيقة هي ما يوضحه السيد أحمد الحسن (ع) بقوله:
[ بالنسبة لقضية المعجزة، التي عرضنا على بعض المراجع أن يوثّقوا طلبهم لها، وأنّ الحجة يُعرف بها، ببيان رسمي منهم.
يجب الانتباه أنهم هم من طلبها ابتداءً، والاستجابة كانت لبيان أنهم إما كذابون وغير جادّين وإنما يريدون تضليل الناس، وهذا يتبيّن بعد أن خاطبناهم رسمياً وهم لا يستجيبون. وإما إن استجابوا وكتبوا بياناً رسمياً ووثقوا طلبهم، فهم بهذا يبيّنون أنهم جهلة؛ لأنهم حصروا طريق معرفة الحجة بالمعجز، بينما هو ليس الطريق الوحيد، بل هو طريق مختلف فيه.
المراجع ووكلاؤهم قالوا للناس: لا نؤمن إلا أن يأتينا بالمعجزة، فكانت الاستجابة من أحمد الحسن لطلبهم وأن يوثقوا طلبهم لبيان أمرين:
أولاً: إنهم كذابون، ويتبيّن كذبهم إن لم يكتبوا طلبهم وينشروه بين الناس.
ثانياً: إنهم جهلة ويخالفون الأصل العقائدي وهو أنّ الحجة يُعرف بالنص، وأما كونه يمكن أن يُعرف بالمعجزة فهو مختلف فيه، فكيف جعل المراجع الطريق الوحيد لمعرفة الحجة هو إظهار المعجزة ؟!
هذا ردٌّ على بعض من يكذبون ويقولون إنّ أحمد الحسن جاء وعرض على المراجع ابتداءً طلب أيّ معجزة ].
* * *
حجيّة المهديين (عليهم السلام):
يحاول البعض التشكيك بحجية المهديين صلوات الله عليهم أجمعين ووجوب طاعتهم، من خلال التشكيك بإمامتهم، بحجة أنّ الإمام الصادق (ع) نفى إمامتهم !!
والرواية: (عن أبي بصير، قال: قلت للصادق جعفر بن محمد (ع): يا ابن رسول الله إني سمعت من أبيك (ع) أنه قال: يكون بعد القائم اثنا عشر إماماً، فقال الصادق (ع): إنما قال: اثنا عشر مهدياً، ولم يقل: اثني عشر إماماً، ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا) ([18]).
وبالرغم من أنّ الكثير من كتب الدعوة اليمانية المباركة تعرضت لهذه الشبهة وأجابت عليها بكل وضوح، وأنّ الإمام الصادق (ع) في الرواية ليس بصدد نفي إمامة المهديين (ص)، إنما كان بصدد تصحيح قول أبيه الباقر (ع) لأبي بصير الناقل للخبر، وأما هل أنّ لهم مقام الإمامة أم لا فقد تكفلته روايات عديدة وبيّنت أنهم أئمة أيضاً.
كما أنّ مرتبة الإمامة التي نالها إبراهيم (ع) بنص الكتاب الكريم لم تمنع اتصافه بالتشيع لخير الخلق بعد رسول الله (ص)، بنص الروايات الشريفة.
وعلى كل حال، الأجوبة عديدة وواضحة ومنشورة في كتب الدعوة اليمانية المباركة، لكن لننظر إلى إجابة السيد أحمد الحسن (ع) لمثل هؤلاء، ومن وجه آخر، يقول:
[ مسألة نقض إمامة المهديين لا تنقض حجيتهم (أي كونهم حججاً لله سبحانه)، يعني ليس ضرورياً أن يكون الحجة إماماً، فلو أنهم أرادوا نفي الإمامة عنهم فهذا لن ينفعهم بنفي القدر الذي يلزم به العباد طاعتهم وهو أنهم حجج الله، فيونس (ع) حجة الله وليس إماماً، فهل لا تجب طاعته ؟ ومثله زكريا ويحيى عليهما السلام، فهم حجج الله وليسوا أئمة، فهل لا تجب طاعتهم ؟ الإمامة مقام.
وبالرغم من أنّ هناك أدلة كثيرة تثبت إمامة المهديين، ولكن أردت أن أُبيّن لك شيئاً وهو: إنّ هؤلاء جهلة؛ لأنهم يعتقدون أنّ نفي الإمامة عن شخص ينفي كونه حجة الله، بينما هذا غير صحيح، فممكن أن تثبت أن شخصاً هو حجة الله وخليفة الله ويجب طاعته مثل آدم ويونس ويحيى وزكريا (ع) ولكنهم ليسوا أئمة.
هؤلاء جهلة لا يعرفون شيئاً، فيعتقدون أنّ الحجة المعصوم لابد أن يكون إماماً، ولهذا هم يحاولون نفي الإمامة عن المهديين، وإلا لو كانوا يعرفون وملتفتين إلى أنّ كون الإنسان حجة الله وخليفة الله لا يلزم بالضرورة أن يكون إماماً لما تعرّضوا لنفي إمامة المهديين، لأنهم كانوا سيعرفون أنّ نفيهم لإمامة المهديين لن ينفعهم في نفي حجيتهم التي أثبتتها روايات نصت على أنهم حجج الله بعد الأئمة وأوصياء الرسول بعد الأئمة، وبالتالي لو كانوا يفقهون شيئاً لما تعرّضوا لهذا الأمر.
ومقدار الحاجة كما هو واضح، هو إثبات أنهم حجج الله، فإذا ثبت أنهم حجج الله انتهى الأمر، فالنقاش في كونهم أئمة أي لهم مقام الإمامة أم لا، هذا زائد عن المطلوب ].
* * *
الخروج في رواية اليماني !
قال الإمام الباقر (ع): (... خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن ناواهم، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإنّ رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) ([19]).
يفترض البعض أنّ نصرة اليماني مشروطة بالخروج للقتال، وأما قبل ذلك فلا وجوب لطاعته فضلاً عن نصرته، هذا ما يزعمه البعض.
وبرغم أنّ رواية اليماني تبيّن أنّ اليماني خليفة وحجة إلهي، والخليفة الإلهي طاعته ونصرته واجبة من أول لحظة يبتدئ فيها دعوته، وهو ما أوضحه السيد أحمد الحسن (ع) وأنصاره في كتب كثيرة، ولكنه (ع) لا يفتأ أن يلفت نظر طلاب الحق إلى خطأ هذا الفهم لرواية اليماني بصيغة السؤال أيضاً، يقول:
[ الرواية فيها أنّ اليماني صاحب راية، أي قائد جيش، وفيها أيضاً إذا خرج فيجب النهوض له أي القتال معه، فهل يعقل أنّ شخصاً يقاتل مع قائد وهو لم يبايعه من قبل ويؤمن به ؟ ].
كما أنّ البعض يفهم من الرواية أنّ الثلاثة أي (اليماني والخراساني والسفياني)، يبتدؤون دعوتهم ويظهرون في يوم واحد؛ لأنهم يخرجون في يوم واحد بحسب نص الرواية.
وواضح أن لا ملازمة بين وحدة زمن خروجهم للقتال وبين وحدة ابتداء دعوتهم الناس للانضواء تحت راياتهم، والتي تسبق الخروج للقتال بكل تأكيد.
وكان (ع) يقول لمثل هذا السائل:
[ هل تظن أنهم يظهرون ويجهزون جيوش ويتقاتلون بجيوش جرارة خلال أربع وعشرين ساعة مثلاً ؟ هل العقل يقبل هذا الفهم ؟ ].
* * *
فإذا رأيتموه فبايعوه !
عن رسول الله (ص) وهو يحثُّ المسلمين على نصرة المهدي (ع)، أنه قال: (.. فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج فإنه خليفة الله المهدي)، وهذا المعنى ورد عند الشيعة والسنة.
وعلى ضوء هذه الرواية، يشترط البعض رؤية المهدي بالعين قبل بيعته والإيمان به، ولا بيعة للمهدي بنظرهم قبل الرؤية بالعين واللقاء به، ويعتقدون أنّ هذا الشرط يفرضه لفظ "رأيتموه" في الحديث.
وعن جواب هذا التساؤل، قال السيد أحمد الحسن (ع):
[ إذا رآه بعض يكفي في تحقق "رأيتموه"، وإلّا هل يعقل مثلاً أن لا يبايع سبعة مليارات إنسان على الأرض حجة الله حتى يرونه مواجهة فرداً فرداً ؟ وكم سيحتاج هذا من الوقت؛ مائة مئتين ثلاث مائة سنة، أم أكثر ؟ ].
* * *
الإرسال من ايليا:
لم تكن قضية الإرسال من نبي الله إيليا (ع) واضحة عندي، لذا سألت:
بمراجعة ما موجود في كتاب وصي ورسول الإمام المهدي (ع) في التوراة والإنجيل والقرآن وكذلك رسالة الهداية، مسألة الإرسال من عيسى (ع) واضحة، ولكن قد تبدو مسألة الإرسال من إيليا ليست كذلك ؟
فقال (ع):
[ هل تقصد نصّاً من التوراة ؟ مسألة أنّ إيليا مرفوع وهم ينتظرونه مسألة لا إشكال فيها.
والإرسال المقصود هو أنّ إرسال الإمام المهدي (ع) هو إرسال منهم.
وبالنسبة للمسلمين، نقول لهم باختصار: إنّ إيليا وعيسى عليهما السلام تابعان للإمام المهدي (ع)، فعندما يرسل هو يكونون هم أيضاً مرسلين لمن يرسله الإمام المهدي (ع)؛ باعتبار أنهما تابعان له، وأعوان له ].
* * *
المحطة الرابعة:
ما يتعلق بالمخالفين للدعوة الحقة وعقائدهم
عقائد مبتدعة لشيعة المراجع !!
فاجأنا الدهر بثلة من الجهلة، ويتحدثون بالعقيدة، فيا لها من مصيبة، فالمعصوم عندهم يعرف بأُمور أهمها: رميه للسباع وعدم أكلها له، طبع قدمه بالحجر الصلب، تحدثه بكل لغة، ليس له ظل أينما مشى، .... الخ.
يصورون هذا قانوناً يُعرف به المعصوم، فهذه هي خصاله التي يتصف بها على الداوم، وليس على سبيل المعجز الذي قد يحصل وقد لا يحصل وفق مشيئته سبحانه.
وأما شهادة الله لخليفته بصدقه، وكتاب رسول الله (ص) العاصم لأُمته من الضلال على حد قوله، وعلم المعصوم وإحكامه لمتشابه دين الله من ألفه إلى يائه، وأما أقوال كبار علماء الشيعة العاملين الواضحة في أنّ النص والعلم أساس معرفة المعصوم وبه امتازت الشيعة عن غيرها من الفرق، فهذا كلّه لا قيمة له بنظر هؤلاء الأدعياء !!
وعن الموقف من هذه العقائد المبتدعة، قال السيد أحمد الحسن (ع):
[ على الأنصار أن يعرفوا أنّ العقائد لا تؤخذ من أيّ رواية وإن عارضت الواقع.
يأتيهم بعض المعممين الجهلة ويقولون لهم: هذه رواية تقول إنّ المعصوم له خصال وصفات: ليس له ظل، ويؤثر قدمه بالحجر، ويعرف كل اللغات، وذلك ليس معجزة وقتية ممكن أن تأتي وممكن لا بإذن الله، بل خصال وصفات ثابتة لخليفة الله. هكذا يقولون.
وهذا باطل، ويناقض الواقع بوضوح، ولا يقول به إلا أبله.
وإلّا فلو كلّ رواية تؤخذ منها عقيدة، فهل هم يعتقدون أنّ المعصومين (ع) لم يحملوا في الأرحام بناءً على بعض الروايات أيضاً ؟!
ما أُريد أن يعرفه الأنصار قاعدة، هي: إنّ العقيدة لا تؤخذ من روايات هكذا اعتباطاً، وأيضاً: لا يقول الأنصار نحن نقبل كل رواية. هذه الكلمة باطلة، ومن يقولها باطل لا فرق بينه وبين من يردون روايات آل محمد بالهوى. فمن يقبل روايات الغلاة وروايات باطلة لا فرق بينه وبين من يردّ روايات محقة لآل محمد (ع).
ثم إنّ الاعتقاد بتحلّي المعصوم بهذه الصفات (لا ظل له، يؤثر قدمه بالحجر، يتكلم كل اللغات) على الدوام، هل يوجد عالم عقائد شيعي يقول بهذه العقيدة ؟ هذا هو السؤال الذي يوجّه لمن يدعي أنّ هذه هي صفات المعصوم.
هم في الحقيقة يأتون بمجرد روايات آحاد متروكة لا يعتقد بها علماء العقائد، فكيف اعتقدوا بها وعلى أي أساس تمّ ذلك وهو أمر عقائدي خطير ؟!
وبالنتيجة، إذا لم تكن عقيدتهم صحيحة سيكونون من المحاربين للمهدي (ع) بهذه العقيدة الباطلة، فلابد أولاً أن يثبتوا هذه العقائد بالدليل المقبول حسب منهجهم وهو الدليل القطعي، أي روايات متواترة أو قرآن صريح أو دليل عقلي صحيح. وهم لا يملكون أي شيء من هذا، بل إنّ علماءهم يردون هذه الروايات وهي غير قابلة للاعتقاد بها، بل وتوجد روايات ضدها تماماً، والواقع ضدها أيضاً.
فإذا كان من صفات موسى (ع) - مثلاً - أنّ قدمه تؤثر بالحجر، فما حاجته إذن للعصا وغيرها ؟ أليس قدمه أثّرت بالحجر في قصر فرعون على قولهم، فماذا يفعل بالمعجزات ؟!
ثم الأئمة (ع)، هل كان من سيرتهم أنهم (وحاشاهم) يخرّبون أرضيات بيوت الناس بأقدامهم نتيجة طبع أقدامهم بالحجر، كما يصوّره هؤلاء ؟! والله هذه تفاهات لا تستحق الرد أصلاً، يعني كيف تكون صفة الإمام أنّ قدمه تؤثر بالحجر على الدوام ؟ هل هو (بلدوزر) يمشي ويخرّب بيوت الناس والشوارع ؟ ما هذه التفاهات ؟!
إنّ هؤلاء المعممين الجهلة بعقائدهم الباطلة هذه يمهّدون من الآن لقتل الإمام المهدي (ع)؛ لأنه إذا جاء غداً وصلّى في مسجد الكوفة ولم تؤثر قدمه بأرضية مسجد الكوفة وتخربها، سيقولون للناس هذا ليس هو الإمام المهدي (ع)، فهم لا يريدون إلا مهدياً لما يمشي في مسجد الكوفة من الباب إلى المنبر فإنه يكسِّر أرضية المسجد بقدمه التي تؤثر بالأرضية، وعلى الناس أن تبدّل الأرضية كل أُسبوع كحد أقصى، وهو بدوره يكسِّرها؛ لأنهم يقولون إنّ هذه صفة للإمام ؟!!
وهكذا، هم بهذه السفاسف يستخفون الناس كما استخفّ فرعون (لعنه الله) قومه، ومع الأسف فإنّ الأنصار لا يتعبون أنفسهم على الأقل بالقراءة والتفكير قليلاً لردّ هؤلاء السفهاء.
من يأتيكم يقول إنها صفات ثابتة للمعصوم على الدوام، وليست معجزة تحصل مرّة وربما لا تحصل وربما تحصل مع حجة ولا تحصل مع غيره مثلها مثل عصا موسى، فعليه أن يقدم دليلاً قطعياً، وهو كما بينت: إما روايات متواترة أو قرآن قطعي الدلالة أو دليل عقلي قطعي. وهذه كلها غير موجودة عندهم.
افهموا وركّزوا فيما أقول لكم، المطلوب من هؤلاء السفهاء دليل قطعي على أنها صفة ملازمة للحجة وليس أنها حدثت مع حجة من حجج الله مرة، فالفرق شاسع.
هؤلاء مجموعات من الجهلة، ولابد أن يعرف الأنصار كيف يتعاملون معهم.
والمفروض بالأنصار عندما يأتونهم بهذه الروايات لا يتعاملون معها بتسامح؛ لأنها ليست روايات ملاحم ولا روايات فقه، إنما هي روايات عقيدة، والعقيدة لا تثبت إلا بدليل قطعي.
ليقدّم خصمكم الدليل من منهجه على عقيدته، وبعدها يكون الكلام: هل تتوفر هذه الصفات بخليفة الله الموجود، أم لا ؟
أنتم وفقكم الله لابد أن تغلقوا الثغرات التي عند بقية الأنصار بالرد على إشكالات المخالفين، فلابد أن يتحصّن الأنصار بالنسبة للإشكالات الموجودة الآن لنبدأ بالجديد ].
وعن أخذ العقائد من أي رواية كيفما كان، واتصاف المعصوم بالصفات المشار إليها أعلاه، كما يروق لبعض المهرجين فعله، سعياً منهم لرد الدعوة اليمانية المباركة بعد أن أحاطت أدلتها بأعناقهم، قال (ع):
[ هناك رواية تقول إنّ الأئمة (ع) لا يحملون بالأرحام ويولدون من الفخذ الأيمن، فهل يعتقد بها هؤلاء أيضاً ؟ أم إنّ المسألة صارت عندهم بالهوى ؟ مَنْ من علماء العقائد عند الشيعة يقول بأنّ هذه عقائد ؟ هل أيّ رواية تؤخذ منها عقيدة عندهم ؟!
فلا علماء الشيعة هذه عقيدتهم، ولا نحن هذه عقيدتنا، فهم من أين أتوا بهذه العقائد ؟ ].
وقال (ع) أيضاً:
[ يقولون: إنّ من صفات المعصوم لا ظل له، ولا يؤثر بالأرض الرخوة ويؤثر بالحجر، وما دامت هذه صفاته فنحن نريد أن نعرفه بها ؟
أسألوهم:
هل فقط جسم المعصوم ليس له ظل، أم ملابسه أيضاً ليس لها ظل، أي أنه كلما بدل ملابسه فإنّ الملابس التي يلبسها ليس لها ظل ؟!!
وهل لا يؤثر فقط قدمه بالرمل ويؤثر بالحجر، أم أنّ نعل الإمام أيضاً لا يؤثر بالرمل ويؤثر بالحجر ؟!!
وإذا كانت هذه الأُمور صفات للإمام ملازمة له دائماً كما يقولون وليست معجزات وقتية، فهل مثلاً طبع قدمه بالحجر يشمل بيوت الناس والأماكن العامة التي يدخلها الإمام وأرضها مفروشة بالحجر، أم لا ؟!!
وهل كلما دخل الإمام إلى بيت يُخرّب أرضيته بطبع أقدامه بالحجر ويضطر أهل الدار لتبديل أرضية البيت، وهل يعوضهم الإمام عن تخريبه لدارهم، أم لا ؟!! أم أنّ أرضيات بيوت الناس المكسوة بالحجر مستثناة من هذه الصفة التي يتصف بها الإمام ؟!! يعني تحصل معجزة عكسية وهي أنّ الإمام تتبدّل صفته الملازمة له فلا يطبع قدمه بالحجر في بيوت الناس.
والآن، إذا خالف ظاهر الروايات ظاهر القرآن الواضح ماذا نفعل ؟ أليس إمّا ترد الروايات أو تؤوّل ؟ أليس الأئمة أمروا بالعرض على القرآن وترك ما خالفه؛ لأنهم لا يقولون ما يخالف القرآن؟
طيب، الحجج أو خلفاء الله بشر يشاركون الآخرين بالصفات الجسمانية الانسانية، وليس لهم صفات خاصة بحسب القرآن ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾ (الكهف: 110).
وهل الحجة قبل أن يرتقي بعمله وإخلاصه ترافقه هذه الصفات الاعجازية، أم لا ؟
فإن قالوا: لا، نقضوا غزلهم وانتهى الأمر وتبيّن أنها معجزات وقتية قد تحدث وقد لا تحدث، وليست صفات جسمانية ملازمة للحجة في كلِّ حال وزمان.
وإن قالوا: نعم هي مرافقة له قبل أن يُمتحن في هذه الدنيا ويثبت إخلاصه ويرتقي إلى مقام يؤهّله للرسالة بعد أن حُجب بالجسد في هذا العالم، وأنه يؤثر قدمه بالحجر على الدوام وليس له ظل على الدوام باعتبارها صفات جسمانية ملازمة.
إذن فأين الامتحان لهذا الإنسان وهو مفضّل بآيات معجزة ملازمة له على الدوام ؟!!
ثم هل من العدالة أن يُعطى هذا الحجة الذي رافقته المعجزات ابتداءً الأجر والثواب كالمؤمن الذي يمتحن بالشهوات ولا ترافقه المعجزات ابتداءً كما رافقت الحجة، هذا فضلاً عن أن يُفضّل عليه ؟ أين عدالة الله إذن ؟ كيف تكون العدالة بين الخلق في دخول الامتحان إذا كانوا يدخلون وأحدهم بيده الإجابات وزيادة، والآخر ليس عنده الإجابات فقط الأسئلة وعليه أن يجد الإجابات بنفسه، والمصيبة إنّ الذي فضّل أن بيده الاجابات يُعطى أجراً أعظم من المسكين الذي ظُلم ولم تعطَ له الإجابات ؟!
في الحقيقة، إنّ هذه العقائد تكشف عن خواء عقول من يعتقدون بها، بل وعن عدم إيمانهم بالقرآن وبعدالة الله سبحانه وتعالى ].
* * *
أدعياء علم أعماهم الحسد !!
بصبص بعضهم بذيله أخيراً، وصار يتحدّث عن الدعوة اليمانية الحقة عبر بعض الفضائيات المأجورة، وقد بحّت أصوات أنصار الإمام المهدي (ع) سنين وهم يدعونهم إلى سلسلة مناظرات علمية ومحترمة تنكشف من خلالها الحقيقة إلى الناس، ولا زالت الدعوة قائمة، ولكنهم يرفضون كل مرة وكعادتهم بلا سبب وجيه، كتكذيبهم للدعوة المباركة بلا دليل أيضاً، وكإيجاب تقليد غير المعصوم الذي صوّروه عقيدة للناس وبلا دليل كذلك.
وعن حال هؤلاء وأساليهم، يحدثنا السيد أحمد الحسن (ع):
[ هم كما يقول الشاعر:
في ظلمة الليل والآساد خادرة ... يبصبص الهر من قدامها الذنبا
فهم يخافون من مناظرة الأنصار؛ لأنهم يُفضحون، فلا يجدون إلّا تغييب الأنصار في السجون، واستخدام أساليب أسلافهم مع الأنبياء والأوصياء وأنصارهم، ومن ثمَّ بعدها يخرجون لتضليل عامة الناس.
ولكنهم لو كانوا يعقلون، لعلموا أنّ نتيجتهم خسارة الدنيا والآخرة كما حصل مع أسلافهم الذين حاربوا الأنبياء والأوصياء بنفس هذه الأساليب.
هم سيبقون هكذا يسلكون هذا السبيل، فهم لا يمكنهم مناظرة الأنصار مناظرة منظّمة ومنهجية؛ لأنّ فضيحتهم وبيان جهلهم سيكون على رؤوس الاشهاد. سيبقون يبصبصون بأذيالهم في ظلمة الليل لتضليل الناس.
وإلا فلو قلت لهم: تعالوا لمناظرة منهجية بحلقات تبدأ بمناقشة عقيدة المهديين، ثم ننتقل للحلقة الثانية نناقش فيها منهج معرفة الحجة، ومن ثمَّ الحلقة الثالثة تكون بتطبيق المنهج على المصداق الآن أحمد الحسن، لن يجيبوكم؛ لأنهم يعلمون أنّ هزيمتهم وفضيحتهم حتمية، أو يؤمنون بما تؤمنون به.
لهذا دائماً يحاولون عندما يناقشونكم أن يكون موضوع النقاش فرعياً وبعيداً وجدلياً ... الخ، يبتعدون عن النقاش العلمي المنهجي.
هم سبحان الله أعماهم الحسد.
قبل سنوات كنت أرى أحدهم في إحدى القنوات، وكان يلتقي به مذيع، وكلاهما ضد الدعوة ومحارب لها، والمذيع كان مستنسخاً أوراقاً من أحد كتبي، فقرأ شيئاً منها، ثم قال لصاحبه: يبدو أنّ الرجل عالم أو فقيه، كانت كلمة بهذا المعنى، يقصد أنه عنده شيء من العلم يضلل به الناس هذا ما كان يقصده.
ولكن صاحبه الشيخ لشدة ما أعماه الحسد حتى هذه أنكرها، بحيث انتفض على المذيع وقال له: "لالالا..."، كررها عدة مرات، "ليس لديه أيّ علم، لا يعرف شيء، لا يفهم شيء، إنسان عامي لا يعرف أبسط الأُمور"، كانت هذه تقريباً تعبيراته ].
* * *
يزعم بعضهم أنه لا يعرف علم المنطق !
يهرج البعض (وهو من المحسوبين على الشيوخ) أن أحمد الحسن لم يعرف علم المنطق. هذا، والحوزة العلمية عندهم تقبل بين طلبتها حتى من لم يتخرج من الدراسة الابتدائية، والدراسة فيها على مراحل متعددة كما هو معلوم، وبالنسبة للمنطق فإنه يُدرّس في مطلع الدراسة الحوزوية وتحديداً في السنة الأُولى منها، وهذا يعني أنّ من لم يتوفق لإنهاء الابتدائية يمكنه استيعابه وفهمه فضلاً عمّن سواه.
وعلى أي حال، سمعت من السيد أحمد الحسن (ع) في رد مثل هذا الكذب:
[ طيب أحمد الحسن خريج كلية هندسة مدنية، فهل هناك شخص عاقل ممكن أن يُصدّق أنّ مهندساً مدنياً لا يستطيع فهم المنطق، بينما يستطيع فهم المنطق خريج الابتدائية ؟! هل هؤلاء لديهم ذرة عقل ؟ حتى كذب لا يعرفوا كيف يكذبون ؟ على الأقل كانوا رتّبوا كذبتهم بصورة يمكن أن تُعقل ].
* * *
أسئلة طرحها عليهم للنقاش ولا من مجيب كالعادة !!
أوليسوا هم علماء ؟
ويقولون لأتباعهم: إنّ أحمد الحسن رجل عامي ولا يعرف حتى أبسط الأُمور ؟
إذن، أجيبوا أسئلته، ولا أقول ردّوا على كتبه التي قاربت الخمسين إصداراً في شتى جوانب المعرفة الدينية، وهي منشورة بأجمعها في موقع دعوته الرسمي، ويمكنكم تحميلها وقراءتها مجاناً !
سأنقل دعوته لكم لإجابة أسئلته التي طرحها في صفحته الرسمية في الفايسبوك منذ أشهر، فلماذا تلوذون بالفرار أو تكتفون بالصمت أمام من لا يعرف أبسط الأمور !!
علماً، إنّ الأسئلة التي سنقرأها الآن هي في مواضيع لها تمام الصلة بشبهات الملحدين وإبطالها وإثبات وجود الله، وهو موضوع في غاية الأهمية كما هو معلوم، وهذا نصّ دعوته لهم:
[ سأحاول أن أطرح مواضيع علمية مرتبطة بالخلق وبإثبات وجود إله أو عدمه.
هذه المواضيع العلمية مهمة، وما أجده في الساحة العلمية أنّ الإلحاد منتصر علمياً وبفارق كبير جداً على من يدعون تمثيل الأديان، فهؤلاء الذين يسمونهم علماء سواء المسلمين الشيعة والسنة والوهابية أم المسيحيين أم اليهود يردون على مواضيع علمية دون فهم ما يطرحه علماء علم الأحياء التطوري وغيرهم أصلاً، فهم كمن أساء سمعاً فأساء إجابة، ولهذا فقد كتبت كتاباً هو مكتمل الآن تقريباً وناقشت فيه أهم النظريات العلمية المثبتة تجريبياً أو رياضياً ونظرياً، وإن شاء الله سوف أنشره عندما أجد أنّ هناك من هم مؤهلين معرفياً لفهم ما كتبت؛ لأنه يحتاج اطلاعاً لا بأس به على علوم مثل: الجيولوجيا التاريخية (أو تاريخ الأرض) والتاريخ القديم، والاركيولوجي (علم الآثار)، وعلم الأحياء التطوري، والفيزياء النظرية، والكوزمولوجي (علم الكون)، والانثروبولوجي، وعلم الهندسة الجينية، والطب، والفلسفة، وغيرها.
أسئلة للنقاش:
ما هي آراء علماء الشيعة، السنة، الوهابية، والمسيحيين بنظريتي النشوء والارتقاء أو كما يعرفها عامة الناس بنظرية التطور أو نظرية دارون ؟
وما هو رد منكرها العلمي عليها ؟
وما هو طريق إثبات وجود إله ضمن حدود الحياة الأرضية لمن يقبلون نظرية التطور ؟
ما هو رأيهم بنظرية الجينة الأنانية ؟
ما هو رأيهم بنظرية الأغشية أو نظرية أم ووجود أكثر من أربعة أبعاد في هذا الكون، أحد عشر بعداً حتى الآن ؟
ما هو رأيهم بما طرحه بروفسور ستيفن هوكنج أخيراً عن أصل الكون وبدايته وأن نظرية أم ونظرية الكم كافيتان لتفسير ظهور الكون من العدم ؟
ما هو رأيهم بما يقوله علماء الفيزياء بأنّ مجموع الطاقة الموجبة والطاقة السالبة في الكون المادي يساوي صفر ؟
متى عاش آدم في هذه الأرض ؟ ولا أريد منهم تاريخاً دقيقاً، بل اجمالياً أي مثلاً يقولون عشرات آلاف أو مئات آلاف أو ملايين السنين.
أين وقع طوفان نوح ؟
متى وقع طوفان نوح ؟ ولا أريد منهم تاريخاً دقيقاً، بل اجمالياً أي مثلاً يقولون عشرات آلاف أو مئات آلاف أو ملايين السنين.
وكيف وقع، وكيف كان الموج كالجبال كما ذكر في القرآن ؟
هل شمل الطوفان كل الأرض ؟
هل هلك كل الأحياء على الأرض بطوفان نوح ؟
وإذا كان جوابهم أنه شمل كل الأرض وهلكت كل الكائنات الحية أو على الأقل الحيوانات على الأرض، فما هو تعليلهم لوجود حيوانات الجزر المعزولة فيها فقط مثل جرابيات استراليا وحيوان الفوساfossa في مدغشقر وكثير غيرها ؟
هذه الأسئلة العلمية مرتبطة بإثبات أو إنكار وجود الله، ولهذا فعلى من يدعون تمثيل الأديان إجابتها كلها بأجوبة متوافقة مع العلم الحديث، وليس أجوبة روائية أو نصوص دينية ظنية الصدور أو الدلالة ومتعارضة مع الواقع المثبت علمياً بشكل قاطع، كحقائق التاريخ الجيولوجي للأرض وما تحتويه طبقاتها، فهكذا نصوص دينية؛ إما أنها غير صحيحة، أو أن تؤوّل؛ لأنها تعارض حقائق علمية ثابتة.
إذن، المطلوب من فقهاء الأديان إجابات علمية على الأسئلة أعلاه، وأعتقد أنهم عاجزون تماماً عن طرح أي إجابة علمية ذات قيمة، بل كل ما اطلعت عليه وجدته عبارة عن فهم خاطئ للمسائل العلمية وردهم على فهمهم الخاطئ، أي أنهم مثلاً يفرضون أنّ نظرية التطور تقول كذا ويردون على هذا القول، ويعتبرون أنفسهم قد ردوا على نظرية التطور، في حين أنهم يردون على قولهم وفهمهم الخاطئ لنظرية التطور وليس على ما تقوله نظرية التطور حقيقة.
ما أعتقده أنّ هذه المرحلة التي نعيشها اليوم وما هو مطروح في هذه المواضيع العلمية المرتبطة ارتباطاً مباشراً بالدين وبإثبات وجود الله سبحانه أكبر بكثير من هؤلاء الذين يدعون أنهم علماء الأديان،
وكتابات وأقوال فقهاء الشيعة والسنة والمسيحيين التي اطلعت عليها هي كتابات وأقوال ساذجة صالحة للتسويق المحلي فقط، ولخداع بعض اتباعهم المخدرين والراضين بالجهل لا أكثر، ولا يمكن أن تقنع ردودهم شخصاً مطلعاً بشكل جيد على علم الأحياء التطويري وعلم الجينات والفيزياء مثلاً، بل سينظر لهم على أنهم سذّج وجهال وكذابون لا أكثر.
وإن شاء الله، سأناقش لكم بعض أقوالهم وكتاباتهم في هذه الصفحة لتطلعوا بأنفسكم على مستواهم العلمي وما يحسنون، وستعلمون لماذا هم لا يجدون طريقاً علمياً لمواجهة أحمد الحسن، فيلجئون إلى الكذب والافتراء أو الاستعانة بقوات عسكرية موالية لهم للهجوم على مكتب أحمد الحسن في النجف، أو الهجوم على بيت أحمد الحسن بقوات عسكرية ضخمة، فالسبب الآن سيتوضح لكم بجلاء وهو أن وجود أحمد الحسن ظاهراً بين الناس يفضحهم ويبين جهلهم.
وسأريكم إن شاء الله في هذه الصفحة خواءهم العلمي والفكري.
وما أتمناه من المتعلمين هو أن يتعبوا أنفسهم قليلاً معي ويتعلموا ويقرؤوا، فوالله إنه يؤلمنا أن يقعوا ضحية لماكر يستغل جهلهم بمسألة علمية أو دينية معينة فيبعدهم عن الحق كما هو حاصل اليوم عندما خدعهم فقهاء الضلال بكذبة وجوب تقليد غير المعصوم.
ومن يتبنى رأياً معيناً من آرائهم فليأتِ به هنا، وإن شاء الله سأطلع على ما يكتب وأتفاعل معه في كتاباتي.
وفيما يخصني فهذه الأسئلة وأكثر منها بكثير أجبتها في كتاب "وهم الإلحاد"، وإن شاء الله سأقوم بنشره قريباً، والذي يحوي أيضاً على ما يمكن أن يسمّى مناظرة علمية مع بروفسور ريتشارد دوكنز الذي يعتبر من أكبر علماء الأحياء التطويرية المعاصرين، وبروفسور ستيفن هوكنج وهو من أكبر علماء الفيزياء النظرية والرياضيات التطبيقية ومتخصص في علم الكون وله نظرية مثبتة في اشعاع الثقوب السوداء.
أنتظر رد المراجع على هذه الأسئلة كلها لتبدأ مناظرة بيني وبينهم فيها إذا كانوا رافضين للمواضيع التي طرحتها عليهم سابقاً، وأقترح عليهم أن يستعينوا بأساتذة جامعيين لفهم هذه المواضيع والمصطلحات لكي لا يتعبوني في المناظرة ].
أين إجاباتكم، ولا أقل دفاعكم عن دين الله أمام شبهات الملحدين ؟
حتى متى يستمر مسلسل خداع الناس المساكين !!
والآن، يضيف السيد أحمد الحسن (ع) سؤالاً جديداً يطرحه عليكم، عسى أن يخترق حجب الصمت، فينتفض أحدكم لإجابته، يقول:
[ لدي سؤال لهم ولا أعتقد أنهم يستطيعون إجابته، وهو أول سؤال يمكن أن يتبادر لذهن الإنسان إذا طلبت منه الإيمان: أين خلق الله الخلق ؟
فليأخذوا عشر سنوات وبعضهم لبعض ظهير، وليأتونا بإجابة هذا السؤال.
كل إجاباتهم لن تخرج عن أمرين: إما سينزلقون إلى تعدد اللاهوت المطلق كالوهابية، أو سيعجزون عن البيان.
الحقيقة، إني لم أجد أحداً منهم إلى الآن أجاب هذا السؤال، أو تعرّض له غير الوهابية الذين يقولون: إنّ الله خلق الخلق خارجاً عن الذات، وهذا يعني تعدد القدماء حتماً؛ لأنّ هذا الخارج لا يخلو إما حادث أو قديم، فإذا كان قديماً تعدد اللاهوت، واذا كان هذا الخارج حادثاً فأين خُلق وهكذا يتسلسل، وينتهي الأمر بتعدد اللاهوت المطلق.
الجواب الثاني المحتمل: إنه خلق الخلق في الذات، وهذا يعني أنّ الذات صارت محلاً للحوادث، وهو يعني حدوثها ونقض اللاهوت المطلق.
أما الأمر الثالث: فهو لا في الذات ولا خارج عنه، وهذا الكلام ليس جواباً.
حسب معرفتي، هذه المسألة يهربون منها، نعم وجدت لبعض الوهابيين جواباً أنّ الخلق خارج الذات، والوهابية كما هو معلوم دينهم كلّه مقلوب ولا يهمهم أن يتعدد اللاهوت.
ومثل هذه الأسئلة لدي مئات يعجزون عن إجابتها.
بعضهم يقول: نريد مناظرة أحمد الحسن بعد أن أهدروا دمه وحرّضوا الدولة على قتله، يناظرون في ماذا، والكتب موجودة بين أيديهم وهم عاجزون عن ردها فليردّوا على ما في كتبي وإن وجدت أنّ ما يكتبون يستحق الرد سأرد بنفسي، وبعض سفهائهم تكلّموا في الفضائيات وبيّنوا ما لديهم من إشكالات ساذجة على الدعوة ورد عليهم الأنصار بتسجيلات فيديوية ومقالات منشورة على اليوتيوب والفيس بوك وغيرها من وسائل النشر والتواصل على الإنترنت، وقد تبيّن مستواهم وأنّ إشكلاتهم خاوية بلا قيمة، وتبيّن أنهم يجهلون أبسط الأٌمور العلمية، فبماذا يناظر هؤلاء الجهلة أحمد الحسن ؟! ها هم طرحوا ما عندهم في فضائياتهم وردّ عليهم الأنصار وبيّنوا جهلهم وكذبهم وخوائهم.
يعني لو سألتهم مثلاً: أين كان طوفان نوح، وما هي الأزواج التي حملها معه ؟ هل يستطيعون الإجابة بعلم له قيمة ويطابق الواقع ولا يكونون مضحكة لعلماء الأحياء والجيولوجيا ؟ هؤلاء جهلة عموماً ].
والآن، هل سيجيب من يسمّون أنفسهم علماء هذه الأسئلة، بدل الاكتفاء بحمل الناس على رفض دعوة يماني آل محمد، ومن قالوا (ص) عنه أنه الوحيد الذي يجيب عن العظائم إذا سألتموه عنها !!
* * *
قتل أسلافهم أبي الحسين (ع) فهل انتهى الأمر ؟
في بلد يدّعي المسؤولون فيه أنّ فيه حرية تعبير، ويعيش فيه الجميع بما فيهم الأقليات الدينية براحة، اعتقل أحد الأنصار، كان مريضاً وكبيراً في السن، جريمته بنظر السجانين أنه آمن بالدعوة اليمانية المباركة !!
كان عزيزاً على السيد أحمد الحسن (ع)، حتى إني سمعته يقول عنه وعن سجّانيه:
[ إنّ ما يفعلونه ظلم عظيم، وسيخسرون كلَّ شيء بسببه ].
على أي حال، كلّف السيد أحمد الحسن (ع) بعض الإخوة بمتابعة موضوعه وبذل السعي والاتصال ببعض المنصفين للإفراج عنه، وأنه قد تم اعتقاله ظلماً وعدواناً وبدون أيّ ذنب فعله، ولكن قوبل سعي الساعين باستهزاء وسخرية وضحك من قبل .......، إلا أنّ رحمة الله قريب من المحسنين، وفرّج الله عنه بفضله ورحمته سبحانه.
انتهى الأمر والحمد لله، إلّا أنّ حافظتي لا زالت تختزن بعض كلماته (ع)، التي سيسطرها الزمن عاراً يلفّ وجوه المعاندين، إذ يقول عن أذاهم له ولأنصاره:
[ نحن ربما نصبر كثيراً، وربما كثيراً جداً، ولكن نتيجة عداء أيِّ أحد لنا ربما تكون أسوأ شيء لمن يعادينا سواء دنيوياً أم أُخروياً.
قتل أسلافهم أبي الحسين (ع) في صحراء، فهل انتهى الأمر، أم أنّ الله أخزاهم في الدنيا والآخرة ؟
فوالله، لو أنّ أحمد الحسن وحيداً، قتلوه في صحراء، وأخفوا جثته، لكانت نتيجتهم خزي الدنيا والآخرة ولو بعد حين إن كان أحمد الحسن من الله، فما أجهلهم، هل هم عميان إلى هذه الدرجة ؟!
فبعد الذي فعلوه في محرم عام 1429 ه قتلوا ومثّلوا وحرقوا الجثث وسجنوا، وأرهبوا كل من تطاله أيديهم، ولكن كلّ الذي فعلوه لم يطمس دعوة الحق. استخدموا إمكانات دول، جيوش دول، وإعلام دول لطمس دعوة الحق، وللقضاء على أحمد الحسن وعشرات معه، ولكن كانت النتيجة أنهم لم يتمكّنوا بل فضحوا، أليست هذه آية لهم لو كانوا يعقلون !! ].
* * *
وكان ما وعد، فهل تنفعهم عقيدة تقليد غير المعصوم شيئاً !
عن المكان الذي كنت أُحدثكم عنه، والذي قال السيد أحمد الحسن (ع) عنه: (إنهم سيخسرون كل شيء بسبب تصرفاتهم مع الأنصار)، كانت الأوضاع هادئة، وإذا بها تنفجر وتضطرب بشكل مفاجئ على جميع المستويات، لا أبالغ إن قلت: إنهم يعانون ويأنّون إلى وقت كتابة هذه الأسطر.
فعادت بي الذاكرة إلى بعض قوله (ع):
[ فليضحكوا الآن حتى يسقطوا على ظهورهم على الدعوة المهدوية كما قال قائلهم، أليس قال: إنّ بعض الدعوات المهدوية مضحكة، ويقصد دعوة الحق، إذن فليضحك حتى يسقط على ظهره، وليبقى متمسكاً بالهراء الذي يعتقدون به ويفرضون على الناس المخدوعين الاعتقاد به، وهو عقيدة وجوب تقليد غير المعصوم، فلا آية ولا رواية قطعية الصدور والدلالة بأيديهم تدل على عقيدتهم، ولا دليل عقلي إلّا كذبة ومغالطة رجوع الجاهل إلى العالم، مع أنّ هذه القاعدة العقلية لا تنطبق عليهم بحال، فهم مجرد ظانّين، فمن أين جاءوا بوجوب الرجوع إلى الظان في دين الله ؟ هذا على فرض أنّ ما لديهم ظنون، مع أنّ ما لديهم في أكثر الأحيان لا يتعدى الجهالات والأوهام كأحكام التلقيح الصناعي والصلاة في القطب وغيرها.
كل هذا ويضحكون من دعوة الحق، والله لا أدري على ماذا يضحكون وهذا هو حالهم ؟! هل أبقينا شيئاً بأيديهم لم نسقطه، وهل في أيدنا شيء تمكنوا من إسقاطه ! ربما يضحكون فرحاً بدوام خداع المساكين الذين يتبعونهم.
على كل حال، فليضحكوا كثيراً اليوم فسيطول بكاؤهم غداً، بل لن تكون له نهاية إن استمروا على حالهم المخزي هذا ].
وبمناسبة ذكر عقيدة تقليد غير المعصوم، هذا قوله (ع) عن بعض المروّجين لهذه العقيدة من على المنابر والفضائيات:
[ الآن هذا ........ وجماعته عجيب أمرهم، لا يخافون الله ولا يخافون حساب الله. تبيّن لهم أنّ عقيدة وجوب تقليد غير المعصوم بدعة ولا دليل عليها لا عقلياً ولا نقلياً، فكيف يدعون الناس لهذه العقيدة ؟ يفعلون كما فعلت قريش أول الزمان، أخذتهم العزة بالإثم.
وأما الناس، فهم للأسف لا يميزون حتى بين استنباط الحكم الفقهي وبين عقيدة وجوب تقليد غير المعصوم التي يدعيها مراجعهم ].
وأما عن مغالطة (رجوع الجاهل إلى العالم)، التي يتشبّثون بها زاعمين أنها دليل كاف على إيجاب رجوع الناس اليهم، قال (ع) أيضاً:
[ عندهم دليل عقلي وهو: رجوع الجاهل إلى العالم، ويضربون له مثال رجوع المريض للطبيب، ويعتبرون هذا دليلاً على وجوب تقليدهم، وهذا منقوض لأنّ الكلام هنا في الدين وعاقبة الإنسان الأبدية، فالأمر لا يحتمل أن يكون العالم الذي يرجع له يخطأ في أُمور الدين ولو بنسبة واحد بالمائة؛ لأنّ خطأه يعني الهلاك الأبدي لمن يتبعه.
فالطبيب العادي غير المعصوم يمكن أن يخطأ في تشخيص المرض، ويمكن أن يخطأ في العلاج، ولذا أبسط العمليات الجراحية فيها نسبة موت أو فشل، وهذا أمر غير ممكن أن يكون في الدين وفي عاقبة الإنسان الأبدية؛ لأنه سيكون هلاكاً أبدياً.
علماً، إنّ هذه القاعدة لا إشكال فيها، ولكن العالم فيها هو فقط المعصوم، وبالتالي فهي دليل على تقليد المعصوم والحجة فقط، فهم ظانّون، ولا يجب الرجوع للظانّ في غير الدين، فكيف أوجبوا الرجوع للظانّ في أمور الدين ].
* * *
دليلهم على النيابة العامة !
استكمالاً لما سبق، فإنّ من يراجع كلمات بعضهم في موضوع النيابة العامة عن الإمام المهدي (ع) المزعومة، يجد قلة حياء بشكل مفضوح جداً، والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هو دليل النيابة العامة عن الإمام ؟
عن هذا الأمر كان (ع) يقول:
[ يعني بحسب ما أرى، دليلهم كما يقولون بالعراقي: (سويناها وصارت)، هكذا بلا دليل، عملوا هذا الأمر وادّعوا هذا الادعاء، وإلا فما الدليل ؟
أليس هذا أمراً عقائدياً خطيراً ويحتاج إلى دليل قطعي بحسب قواعدهم، فكيف بلا حتى رائحة دليل خاضوا في هذا الأمر العظيم، والحال أنه لا توجد حتى رواية واحدة مسندة ومتنها يدلّ على هذا الأمر، فما أجرأهم على الله ].
فسألته عن توقيع الامام المهدي (ع) الذي ارجع فيه شيعته الى رواة الحديث، فقال (ع):
[ التوقيع في زمن النيابة الخاصة وهو فيها، فما علاقته بالنيابة العامة التي يقولون بها.
مع الأسف، الناس المساكين مخطوفون، وما يجري على شيعة آل محمد (ع) أنهم اختطفتهم عصابة لا فرق بينها وبين أصحاب السقيفة ].
* * *
يختلقون رؤى، فما هو غرضهم !!
الرؤى كلمات الله، هذا ما نطقت به روايات عديدة.
لكن البعض وصلت به الجرأة - من أجل رد دعوة الحق - إلى أن يكذب ويختلق رؤى، غرضه منها إبعاد الناس عن الإيمان بدعوة الحق والتشويش عليهم، شاهدت ذلك بنفسي مراراً.
فما هو هدفهم من هذه المحاولة اليائسة والبائسة في نفس الوقت ؟!
يقول السيد أحمد الحسن (ع) في بيان الهدف من فعلة جنود إبليس (لعنه الله) هذه:
[ محاولة بائسة:
﴿بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ﴾ (الأنبياء: 5)، هذا القول يكرّره الذين يكفرون بملكوت السماوات، ويكذبون رسل الله في كل زمان، يكررونه مع كل رسالة، ومن محاولاتهم البائسة لإثبات أنّ رؤى المؤمنين ما هي إلا أضغاث أحلام هو الكذب على الله وافتراء رؤى: ﴿وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ (الأنعام: 93)، هو أمر عند الله عظيم ولكنه هين عند هؤلاء المنكوسين، فهم بكلِّ سهولة يقومون بتأليف رؤى مكذوبة ضد خليفة الله في زمانهم في محاولة بائسة للطعن بشهادة الله أمام المؤمنين، وفي نفس الوقت هم يقولون إنهم لا يعتقدون بالرؤيا وبأنها دليل تشخيص لخليفة الله في أرضه، وهذا يكشف كذبتهم ومحاولتهم للفرار من إلزامهم بآلاف الرؤى التي رآها الناس والواضحة في تشخيص خليفة الله، والذين يمتنع تواطئهم على الكذب، ورؤاهم موافقة لنص خليفة الله السابق.
وأيضاً: هم عندما يكذبون ويؤلفون رؤى لا يلتفتون أنّ هذا الأمر أصبح كشفه بسيطاً جداً بعد آدم (ع)؛ حيث إنّ هناك نصّاً من خليفة سابق وهو نص إلهي، فنص الله على خليفته بالرؤيا حتماً مطابق له ولا يخالفه، وبالتالي فكلّ من يؤلف رؤيا كذباً وزوراً مخالفة لنص الخليفة السابق يتبيّن أنه كاذب على الله.
وعموماً، هم يريدون الوصول إلى نتيجة من الكذب، وهي الطعن في الرؤيا بالقول: إنّ رؤاهم (المكذوبة) تنقض رؤى المؤمنين (الصادقة) فتسقط حجية رؤى المؤمنين، أي أنهم يحاولون أو يريدون الطعن في ملكوت السماوات من خلال الافتراء على ملكوت السماوات، أي بطريقة غاية في الخبث والشيطنة فهم يريدون أن يقولوا: إنّ الأخبار التي أتت من ملكوت السماوات متضاربة وبالتالي تتساقط، وهذا يعني أنهم يعتقدون ببطلان الرؤى من رأس وأنها لا قيمة لها ولا حجية لها أصلاً، فالذي يعتقد أنّ الرؤى من ملكوت السماوات وأنها كلام الله يعلم قطعاً ويقيناً أنها تصبّ في اتجاه واحد وتشير لحقيقة واحدة؛ لأنها كلمات الله، وبالتالي فلا تضارب بينها حقيقة.
نعم، هناك تضارب بين رؤى حقيقية وأكاذيب وأوهام وسفاهات شيطانية تبدأ بالطعن برؤى المؤمنين ثم الطعن بملكوت السماوات، وأخيراً تنتهي بتكذيب القرآن القائل: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ ....................... قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (العنكبوت: 50 - 52)، بل وتكذيب الواقع الذي نقله التاريخ من شهادة الله لمن آمنوا بعيسى (ع) وبمحمد (ص) وبعلي (ع) وبالحسن وبالحسين عليهما السلام ووو..... ].
هل توضح الأمر الآن، وتبيّن الهدف من فعلتهم الخبيثة ؟
وهذا نص آخر له (ع)، يوضح كيفية تمييز الكاذب في رؤياه، يقول:
[ ماذا يريد أن يقول من يدعي أنه رأى رؤيا لا تؤيّد أحمد الحسن ؟! مع أنّ هناك آلاف الرؤى لأناس من بلاد مختلفة ومن عقائد مختلفة رأوا أنّ أحمد الحسن حق ؟ ماذا يريد أن يقول ؟
يريد أن يقول: إنّ الملكوت متناقض ! يريد أن يضرب ملكوت السماوات ؟
وإذا كان الملكوت بيد الله، فهناك إذن صادق وهناك كاذب، والأمر في تمييزهما واضح، وهو أنّ من رأى رؤيا موافقة لوصية الرسول (ص) فهو الصادق، ومن يكذب ويقص رؤيا ضد وصية الرسول (ص) فهو كذاب ].
وأيضاً: عن مثل هؤلاء الكذبة الذين يبثّون بين الناس كذبهم باختلاق رؤى، في ذات الوقت الذي يصرحون علناً بعدائهم لأحمد الحسن ودعوته، سمعته (ع) يقول:
[ هذه المسألة لا تنتهي عندهم، هم أهون شيء عندهم الكذب، وأهون منه القسم، القسم الكاذب عندهم سهل جداً. فالذي يقول إنه رأى رؤيا ضد أحمد الحسن أين يريد أن يصل ؟ هل يريد معارضة آلاف الرؤى التي تؤيد أحمد الحسن ورآها ناس لا علاقة لهم بأحمد الحسن، ومن بلاد مختلفة، ومن عقائد مختلفة ؟! هل معقول تُعارَض رؤاهم برؤيا مدعاة لشخص هو عدو لأحمد الحسن باعترافه هو ؟! فكيف يمكن أن يعتبر رؤياه المخترعة تعارض رؤى أُناس لا مصلحة لهم مع أحمد الحسن ولا علاقة لهم به ولم يكونوا يؤمنون به، اللهم إلا إذا كان لديه هدف واحد وهو أنه يريد أن يقول بأنّ الملكوت لا قيمة له والرؤى لا قيمة لها !!
هؤلاء، إبليس لا يستطيع أن يصل إلى ما وصلوا إليه !
هذا الذي يكذب على الله في الرؤيا يُبعث يوم القيامة مع مسيلمة وسجاح؛ لأنه مثلهم كاذب على الله، فمن الطبيعي جداً أن تجده يقسم بالله كاذباً لأنه أصلاً كذّب على الله.
إن شاء الله يكون خيراً، ولكن فقط انتبهوا أنّ هؤلاء أسوأ من ابن العاص فتوقّعوا منهم أكثر منه ].
* * *
هذه بعض أفعالهم مع الحق وصاحبه !
أرسل أحد السائلين رسالة إلى السيد أحمد الحسن (ع)، طلب منه أن يبين حاله وأحقيته، وكان مما قال فيها: (.. وأما اِن كنت ممن يطلبون الدنيا بحرث الآخرة فلا ربحت تجارتك وما كنت منتصراً. فاصدقني القول فالموت ليس بيني وبينه حجاب مستور، وإني لا أريد أن ألقى ربي بوجه أسود حين يسألني عن القيام مع من قام بالحق داعياً فلا أجد جواباً لأني خذلت الحق وأهله).
ومما جاء في جواب السيد أحمد الحسن (ع) له:
[ .. واعلم وفقك الله أني احتججت بوصية رسول الله محمد (ص) التي وصفها بأنها عاصمة من الضلال، وقد أثبتنا صحة صدورها، وأثبتنا حتمية انطباقها على مدعيها ليتحقق الغرض منها ... ومخالفنا إضافة إلى أنه ليس لديه دليل شرعي ولا عقلي على ما يدعيه من عقيدة وجوب تقليد غير المعصوم فهو عاجز عن رد الدليل القطعي الذي أتيت به، فلا حجة أمام الله لمن يتبع باطلهم الذي يقدمونه بلا دليل شرعي ولا عقلي ويترك حقنا وديننا الإلهي الحق دين الأنبياء ومحمد وآل محمد (ع) الذي قدمنا عليه دليلاً شرعياً قطعياً.
ومن يسمون أنفسهم آيات ومراجع هربوا من مواجهتي ومناظرتي مباشرة، وقد كنت في النجف في حي النصر وكان بابي مفتوحاً ليلاً ونهاراً، وأستقبل أي شخص، وقد قدمت لهم عرضاً للمناظرة المباشرة وأعلنت عن استعدادي للمناظرة في أي مكان يختارونه هم حتى وإن كان مكاتبهم وانتظرت سنوات دون نتيجة !
ثم لما وجدوا أنهم عاجزون أخذوا يحركون القوات الموالية لهم لمحاولة اغتيالي أو اعتقالي وهجموا على مكتب الدعوة قرب الإمام علي (ع)، واعتقلوا مجموعة من المؤمنين بدون ذنب فقط لأن المراجع افتضح جهلهم وعجزهم عن مواجهة العلم الذي طرحه أحمد الحسن، ففعلوا كل هذا ليهربوا من المناظرة العلنية؛ لأنها كانت ستبين خواءهم العقائدي وكذبة دينهم المرجعي المبني على عقيدة وجوب تقليد غير المعصوم.
ولما اضطروني بقوة السلاح إلى الاعتزال في بيتي في أطراف النجف لم أغلق باب المناظرة، بل فتحت باباً آخر، وهو مفتوح لهم إلى هذا اليوم، حيث قمت بنشر العقيدة الحق في كتب وطلبت منهم الرد عليها وإجراء مناظرة كتابية، ولكنهم أيضاً أحجموا إلى يومك هذا كما ترى.
وأخيراً صدر قبل أيام (كتاب الوصية المقدسة)، وفيه جوابان بيّنت فيهما صدور الوصية وقطعية دلالتها على مصداقها عندما يدعيها، فلنترك كل ما مضى وليردوا على هذين الجوابين، وأنا أدعوهم أن يردوا رداً علمياً له قيمة، وليستعين مراجع النجف بمراجع قم وليردوا ولتبدأ مناظرة كتابية بيني وبينهم، وأنا أقول لك مقدماً: إنهم لن يردوا؛ لأنهم أصلاً حرضوا قوات للهجوم على المكتب وإغلاقه وعلى داري في النجف، والسبب الوحيد فقط هو ليهربوا من المناظرة، فكيف انتظر منهم اليوم أن يردوا، اللهم هناك سبيل وحيد ربما يأتي بنتيجة وهو أن تحثوهم وتضطروهم أنتم إلى الرد.
وإذا كانوا لا يريدون المناظرة في الجوابين المتقدمين وفيما نعتقده نحن، فلتبدأ مناظرة كتابية بيني وبينهم في عقيدتهم في وجوب تقليد غير المعصوم.
أما صغارهم من خطباء ومدعي الاجتهاد وما شابه، فقد تعبت ألسنة وأقلام شيوخ أنصار الإمام المهدي وهم يطلبون من هؤلاء المناظرة العلنية على الفضائيات لتتبين العقيدة الحق للناس، وهم يتهرّبون وكل مرة يخرجون بحجة لتبرير هروبهم من مناظرة أنصار الإمام المهدي (ع).
وليتهم هربوا من مناظرة الأنصار وصمتوا، لا بل أخذوا يكذبون لخداع الناس.
فمثلاً: الكوراني والمركز التابع للسيستاني يقولون: إن اسم أحد آبائي (كاطع)، ويكرر الاسم في الفضائيات ويقول: (ابن كويطع). وهذا ينمّ عن خفة الرجل، وإلا فكيف يصدر من رجل معمم وكبير بالعمر هذا الكذب وبهذا السلوك المبتذل.
مع أنّ اسمي في السجّلات الرسمية في العراق هو أحمد اسماعيل صالح حسين سلمان، ولا يوجد اي اسم كاطع أو قاطع، فمن أين جاء الكوراني باسم كاطع ؟
هذه إذن كذبة من سلسلة كذبات مركز السيستاني والكوراني، ومحاولة رخيصة منهم للكذب على الناس وخداعهم والتنابز بالألقاب، كأنهم لم يقرأوا القرآن وهو ينهى عن هذا الخلق السيء حتى وإن كان اللقب صحيحاً، فكيف وأنا لا يوجد في آبائي اسم (قاطع) وليس هذا لقبي أبداً ؟
أعتقد أنّ الكذب وهذه التصرفات لا تليق بصبي أهوج وهم كبار في السن ولحاهم بيضاء ويرتدون العمائم فمشين أن يكونوا بهذه الخفة ويصدر منهم الكذب والافتراء والتنابز بالألقاب بهذه الصورة الفجة.
قال تعالى: ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (الحجرات: 11). وفي (وسائلالشيعة: ج21 ص400 باب كراهة ذكر اللقب والكنية اللذين يكرههما صاحبهما أو يحتمل كراهته لهما): عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَبَّادٍ عَنْ عَمِّهِ عَنِ الرِّضَا (ع): (أَنَّهُ أَنْشَدَ ثَلَاثَ أَبْيَاتٍ مِنَ الشِّعْرِ وَذَكَرَهَا قَالَ وَقَلِيلًا مَا كَانَ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا قَالَ لِعِرَاقِيٍّ لَكُمْ قُلْتُ أَنْشَدَنِيهِ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ لِنَفْسِهِ فَقَالَ هَاتِ اسْمَهُ وَدَعْ عَنْكَ هَذَا إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ وَلَعَلَّ الرَّجُلَ يَكْرَهُ هَذَا).
ولكن هل انتهى الأمر هنا ؟ لا.
فقد قال الكوراني: إن أحمد الحسن صهيوني، ودليله على هذا الاتهام أنّ أحمد الحسن يدافع عن النجمة السداسية ويقول إنها من مواريث الأنبياء.
ومع أنّ النجمة السداسية وجدت في الآثار السومرية وهي أقدم حضارة عرفتها الأرض، وقبل أن يولد موسى بن عمران (ع)، وقبل أن يوجد شيء اسمه اليهود، ولكن الكوراني يصر على أنّ النجمة السداسية من مختصات الصهاينة فقط لا غير، ومن يدافع عنها أو يبين حقيقتها ويقول إنها من مواريث الأنبياء فهو صهيوني.
إذن، فعلى طريقة الكوراني في الاستدلال فإنّ حوزة النجف وحكومة العراق الحالية وحكومة محافظة كربلاء الحالية وإدارة متحف الإمام الحسين (ع) في كربلاء كلهم يتهمهم الكوراني أنهم صهاينة؛ لأنه تم استنساخ صندوق فاطمة الزهراء عليها السلام المزين بنجمة سداسية كبيرة والموجود في متحف في تركيا، ووضعت النسخة في متحف الإمام الحسين (ع) في كربلاء في العراق وبعلم حوزة النجف، بل الكوراني بقياسه هذا يتهم الرسول محمداً وفاطمة الزهراء أنهم صهاينة؛ حيث إنّ فاطمة عليها السلام كانت تضع هذا الصندوق المنسوب لها وعليه النجمة السداسية في بيتها المفتوح على مسجد رسول الله محمد (ص) في المدينة المنورة، اي أن النجمة السداسية كانت موجودة في المسجد النبوي.
فكما ترى أصلحك الله، أنهم يردون على دعوة الحق بالكذب والافتراء، وكل عاقل يحكم أن الذي يضطر للكذب متعمداً للرد على دعوة مخالفه فهو يقر بفعله هذا أنه عاجز عن الرد العلمي، لهذا اختار طريق الكذب ].
* * *
وهذا قولهم عن الوصية المقدسة !
أكمل السيد أحمد الحسن (ع) عرض بعض أقوال المعاندين للحق لمن سأله، فقال:
[ أيضاً: من أكاذيبهم أنهم يقولون للناس: إنّ رواة الوصية مجهولون، وبهذا فالوصية ضعيفة السند. ومع أننا أثبتنا لهم صحة صدور الوصية بالتواتر والقرائن وفصّل لهم الأنصار هذا الأمر وبيّنوا أنّ الوصية لا تدخل في التقسيم الرباعي لتوصف بالضعف، ومع أنّ علم الرجال الذي يتبجّحون به كذبة كبيرة يخدعون بها الناس، فهم أصلاً لا توجد عندهم مادة رجالية معتبرة وكافية، ولكن تنزّلاً معهم ولكي لا تمرّ كذبتهم على الناس المظلومين المخدوعين، فقد بيّنا لهم أنّ الوصية سندها صحيح، وأنه يكفي شهادة الشيخ الطوسي (رحمه الله) لرواتها بأنهم من الخاصة أي الشيعة الامامية، وأنتم تعتمدون على قول الطوسي في الرجال فما عدا مما بدا، لماذا أصبح قول الطوسي في الرجال هنا لا قيمة له عندكم، أم أنّ الهوى صرعكم وما عادت الحقيقة تعنيكم بشيء ؟!
وعموماً، هذا سؤال وجّه لي قبل فترة، وأجبت عليه وأنقل لك السؤال وجوابه:
(س/ الأخ جعفر الشبيب يسأل عن معنى قول الإمام (ع) في أنّ رواية الوصية وصلت بسند صحيح. أبو زينب
ج/ بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلّم تسليماً
قبل الجواب، لابد من التنبيه أنّ الحجة لا يحتاج لمناهج وضعية منحرفة عن الحق ليثبت الحق، وإنما رحمة بالناس يحتج على بعض المنحرفين بمنهجهم ويناقشه ويبيّن وهنه والقول الصحيح من السقيم ويلزمهم لعلهم يرجعون إلى الحق.
الرواية إذا كان رواتها شيعة عدولاً أو صادقين فهي صحيحة السند عندهم.
إذن، لصحة السند يكفي أن نثبت أنّ:
1. الرواة شيعة.
2. صادقون.
ويكفي لثبوت أنّ رواة الوصية شيعة أنّ الشيخ الطوسي روى الوصية ضمن روايات الخاصة، أي أنّ الشيخ الطوسي يعتبر رواتها من الخاصة (الشيعة)، فقد قال الطوسي في الغيبة: (فأما ما روي من جهة الخاصة فأكثر من أن يحصى، غير أنا نذكر طرفاً منها ....) الغيبة: ص137، ثم بعد سرد روايات الخاصة ومنها الوصية علّق قائلاً: (أما الذي يدل على صحتها فإنّ الشيعة يروونها على وجه التواتر خلفاً عن سلف وطريقة تصحيح ذلك موجودة في كتب الإمامية في النصوص على أمير المؤمنين (ع) والطريقة واحدة) الغيبة: ص156 - 157.
ويمكن مراجعة كتاب (انتصاراً للوصية) للشيخ ناظم حفظه الله في إثبات أنّ رواة الوصية شيعة بالتفصيل.
أما الحكم بصدق الرواة أفراداً - ونحن يكفينا الصدق - فلا نحتاج فيه غير أنه لم يثبت بدليل شرعي أنّ أحدهم مقدوح فيه، فالمؤمن صادق فيما يقول حتى يثبت كذبه بدليل شرعي.
فهم لا يقولون إنّ المؤمن كاذب حتى يثبت صدقه، ومن يقول هذا فكلامه يعني أنه يفسق أتباعه ويعتبرهم كذابين حتى يثبت كل فرد منهم صدقه بدليل ؟!
أما من يقول منهم: إنّ المؤمن مجهول الحال ظاهراً حتى يثبت صدقه، ويريدون أنه لا يعرف حاله الظاهري صادقاً أو كاذباً إلا بدليل شرعي. فقولهم هذا مخالف للقرآن ولمنهج الرسول وسماعه من المؤمنين وتصديقه للمؤمنين دون أن يفحص عن أكثر من إيمانهم، والآية القرآنية التي تبيّن سيرة الرسول في هذا الأمر واضحة جلية قال تعالى: ﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (التوبة: 61)، أي أن المعترضين على فعل رسول الله محمد (ص) قولهم كقول هؤلاء بمجهولية حال المؤمن وعدم الاعتماد على قوله حتى يثبت أنه صادق بدليل، فهم ينتقدون الرسول محمداً (ص) لسماعه وتصديقه كلام أي مؤمن ﴿وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، أي أنّ محمداً (ص) يسمع لكل مؤمن ويصدقه فيما يقول ولا يقول إنّ المؤمن مجهول الحال أو كاذب حتى يثبت صدقه، بل عند الرسول - كما في الآية - المؤمن صادق حتى يثبت كذبه ﴿قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، ﴿وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾: أي يصدق المؤمنين.
وهذا الحكم القرآني بصدق المؤمن ظاهراً وليس بمجهولية حاله كما يدعون يكفينا؛ حيث إنّ رواة الوصية شيعة مؤمنون، والمؤمن صادق ظاهراً كما في القرآن، وبهذا فرواة الوصية شيعة صادقون ظاهراً، وهذا يثبت صحة سندها لمن يلتزمون بمسألة السند وتصحيحه ويعتمدون ويعولون عليها، أما مسألة باطن المؤمن وكونه صادقاً أو كاذباً على الحقيقة فهذه مسألة لم يكلّف الله بها الناس ولا يعلمها غير رب الأرباب العالم بالبواطن ومن يشاء أن يعلمه.
أعتقد ما تقدم كافياً، ولكن للزيادة أضيف أنّ قولهم بأنّ المؤمن كاذب ظاهراً حتى يثبت صدقه أو مجهول الحال ظاهراً حتى يثبت صدقه، مخالف لسماحة شريعة الإسلام، ويلزم منه تعطيل المحاكم الشرعية والقضاء والإيقاعات والعقود في كثير من الأحيان؛ حيث لا تستطيع التوصل إلى شاهد على الزواج والطلاق والمرافعات إلا بشق الأنفس، هذا إن حصل تسامح في شرط ثبوت العدالة والصدق عندهم وإلا فلا تثبت عدالة أحد إلا عند الفاحص والمدقق نفسه بناءً على قولهم بأنّ العدالة والصدق لا تثبت إلا بالفحص والتدقيق، فالفاحص والمدقق نفسه يحتاج من يشهد له بالعدالة والصدق لتقبل شهادته عند غيره بحق شخص آخر، وهكذا فالأمر يتسلسل ويبطل، فلا يمكن أن تثبت بهذا الطريق عدالة أحد إلا من شهد له حجة من حجج الله ثبتت حجيته بالدليل أو تثبت للفاحص نفسه فقط، ولا يمكن أن يفحص القاضي الشرعي عدالة كل الناس بنفسه، إذن تعطلت الشهادة عند القضاة في الإسلام.
إذن، فقولهم بمجهولية حال المؤمن يجعل من العسير تحصيل الشهادات في المحاكم وما شابه من قضايا العقود والإيقاعات، فقولهم باطل ومخالف لسيرة الرسول محمد (ص) والأئمة (ع) وللإسلام وسماحته وللقرآن ويسر أحكامه.
وأضيف: إنّ قولهم بمجهولية حال المؤمن يلزم منه عدم الاعتماد على سوق المؤمنين فضلاً عن سوق المسلمين، بينما الروايات اعتبرت الاعتماد على سوق المسلمين جائزاً، وفقهاؤهم يفتون بهذا.
أي أن الروايات عن الأئمة (ع) اعتبرت المسلم صادقاً في قوله بذكاة السمك والذبائح وما شابه، فما بالك بالمؤمن ؟!!
إذن، فالصحيح أن نحكم بصدق المؤمن حتى يأتي دليل قطعي على كذبه.
أما من يصرون بعد هذا البيان على أنّ المؤمن مجهول الحال أو فاسق حتى تثبت عدالته أو صدقه فهذا شأنهم وهو عناد وتحكّم بلا دليل، بل الدليل قائم على أنّ المؤمن صادق ويصدق في قوله. وليسمع أتباعهم قولهم وليعرفوا أنهم فسقة ونكرات مجهولو الحال وغير صادقين عند فقهاء الضلال حتى وإن أثبتوا أنهم مؤمنون؛ حيث يُلزمهم فقهاء الضلال أن يثبت كل فرد منهم عدالته والتي لا يمكن ثبوتها على طريقتهم بدليل منطقي صحيح، حيث لو قالوا تثبت عدالة الشخص بشهادة عدول أو عدلين له فهؤلاء العدول يحتاجون لشهادة أيضاً وهكذا يتسلسل الأمر ويبطل.
وفوق كل ما تقدم، فهؤلاء الذين يتبجحون بعلم الرجال ليس لديهم مادة رجالية أصلاً في الجرح والتعديل تغطي عدداً معتداً به من صحابة محمد وآل محمد (ع) ليحق لهم أن يتكلموا في الجرح والتعديل، فهم أصلاً فاقدون لمادة الجرح والتعديل المعتد بها حيث هناك مئات الآلاف من صحابة الرسول والأئمة (ع) وليس لديهم في كتب رجال المتقدمين سوى ذكر عدد قليل جداً من هؤلاء، وإذا كان الحال هذا فأي رواية لا تعجب بعضهم ولا توافق أهواءهم يمكنهم ردها بسهولة بحجة أنّ هذا الراوي مجهول الحال أو لم يذكر في كتب رجال المتقدمين، في حين أن الأكثرية لم يذكروا، وفي حين أنّ الحقيقة التي لا يعلمها عامة الناس: أنّ هؤلاء أصلاً ليس لديهم مادة توثيق معتد بها منطقياً يتحاكمون لها. ومن يريد التفصيل أكثر يمكنه الرجوع إلى ما فصّله شيخ ناظم حفظه الله في هذا الأمر. والحمد لله رب العالمين).
إذن، وفقك الله:
نحن: أثبتنا حجتنا بالدليل الشرعي والعقلي وهي منشورة في الكتب وآخرها كتاب الوصية المقدسة، ولا يوجد عندهم رد غير الكذب وغير حرفة العاجز وهي الطعن في سند الوصية المتواترة والمقرونة وفوق هذا فإنّ سندها قد صحّحه الطوسي بوصفه رجالها بأنهم خاصة، وهم وكل العلماء المتأخرين عيال على أقوال الطوسي في الرجال، وليس لهم رد قول الطوسي في الرجال بناءً على قول المتأخرين وإلا لنسف حتى الفتات الذي بين أيديهم ويسمّونه علم رجال، فحقيقة قول المتأخرين في الرجال إنه والعدم سواء طالما أنه مجرد قول خالٍ من الدليل الشرعي.
هم: عاجزون عن إعطاء دليل شرعي أو عقلي على عقيدة التقليد عندهم والتي يبنون عليها دينهم المرجعي، فلا توجد عندهم آية قرآنية محكمة الدلالة ولا رواية قطعية الصدور قطعية الدلالة، ولا يوجد عندهم دليل عقلي تام، فقاعدة وجوب الرجوع إلى العالم التي يقدمونها لا تنطبق عليهم؛ لأنهم في أحسن أحوالهم يقدمون ظنّاً فهم ظانون، والحقيقة إنهم في بعض الأحيان لا يقدمون غير أوهام مثل أحكام الصلاة في المناطق القريبة من القطب، بل إنّ بعض هؤلاء الذين يسمون أنفسهم مراجع لا يفهمون ما يقال لهم، ففي حين أننا نطالبهم بدليل على عقيدتهم في وجوب تقليد غير المعصوم، نجدهم يقدمون دليلهم على أنه الرجوع إلى المتخصص ! وهذا القول في أحسن أحواله يعني الجواز وليس الوجوب، وحتى الجواز فيه نقاش. ومعنى تقديمهم هذا القول كدليل عقلي أنهم إما لا يفهمون ما نقول لهم، أو أنهم يقرّون بأنّ عقيدتهم بدعة وباطلة وبلا دليل وتنازلوا عن عقيدة الوجوب بعد أن بيّنا بطلانها لهم إلى عقيدة الجواز أو الاستحباب، وإذا كان الأمر كذلك فعليهم أن يعلنوا تنازلهم عن عقيدتهم الباطلة وانتقالهم من الوجوب إلى الجواز لكي ننقل نقاشنا معهم إلى هذا المقام ونناقش عقيدتهم الجديدة.
بربك كيف لعاقل يخاف الآخرة أن يترك هذه الحقيقة التي يقدمها له أحمد الحسن، ويتمسك بأوهام وجهالات يقدمها من يسمّون أنفسهم مراجع ؟ والله، أنا أشفق على حال هؤلاء الذين يسمون أنفسهم مراجع وما هم فيه من ضعف وركة وعجز عن الدفاع عن عقيدتهم التي انهارت بفضل الله وتوفيقه لنا، وأدعوهم أن يراجعوا أنفسهم، فكلنا للموت سائرون وسنسأل ويُسألون، ولا أعتقد أنّ المناصب والزعامة الدينية تستحق كل هذا العناء، وأن يبيعوا لأجلها آخرتهم ويختاروا طريق الضلال عن علم ويضلّلون الناس ويبوؤوا بغضب الله ونقمته. فليتقوا الله في الناس المساكين الذين يضلونهم ويبعدونهم عن الحق بأكاذيب وأوهام لا حقيقة لها ولا دليل عليها مثل كذبة عقيدتهم في وجوب تقليد غير المعصوم ].
* * *
المحطة الخامسة:
شيء من سيرته (ع) مع أنصاره والناس
أنتم كفيتموني مؤنتهم !
هذه كلمة للسيد احمد الحسن (ع)، يشهد فيها لأنصاره الذين يبيّنون حقّه للناس، ويلاقون في سبيل ذلك شتّى صنوف الأذى من الكثير منهم، كالاستهزاء والسخرية والسب، وما شابه:
[ أعانكم الله على هؤلاء، والله أنا لم أواجهم، أنتم كفيتموني مؤنتهم، ولكن - والله - أحياناً أجلس أبكي على ما حصل مع علي (ع)، وأمثال هؤلاء الذين يواجهوكم اليوم يتقافزون فوق رأسه، يقولون له: كم شعرة بلحيتي، ومن هذه التوافه ].
* * *
ليكن كلّ واحد منكم أُمّة !
سأنقل الآن كلمة للسيد أحمد الحسن (ع) لأنصاره الكرام.
أما قصّتها: فهي أنّ أحد الأنصار كان قد تأخّر في إيمانه بدعوة الحق المباركة، فكتب إلى السيد أحمد الحسن (ع) يعتذر عن تأخّره في نصرته وتلبية دعوته، ويرجوه متوسلاً بأُمّه فاطمة الزهراء عليها السلام أن يدعو له ولأهل بيته، وأنهم إن كانوا من الأشقياء أن يمحو الله اسمهم من سجل الأشقياء ويكتبه في سجل السعداء ببركة محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.
ولما كانت إجابة السيد (ع) عامة باعتقاده، ارتأى بثّها لجميع المؤمنين عسى وأن تصادف قلباً واعياً لها، ويكون كما يريد حجة الله وخليفته.
وهذا نص كلامه (ع):
[ بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
وصلّى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلّم تسليماً
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسأل الله أن يوفقكم لكلِّ خير ويجنبكم كلّ شر، وما قدري أنا العبد المسكين الراجي مغفرة ورحمة ربه لأقول إنّ هذا سعيد وذاك شقي.
جئت لأشهد للحق ولأُبيّن طريق الحق، جئت لأُنقض هيكل الباطل وأبني بحول الله وقوته وبمعونة المؤمنين به سبحانه هيكل الحق، بل أنا علامة من علامات الطريق، فإيّاكم أن تنشغلوا بالعلامة، وتغفلوا عن الغاية والغرض، فغايتكم الوصول وغرضكم المعرفة، بل أرجو من الله ومنكم أيها السادة الأبرار أن تكونوا أنتم كذلك علامات في طريق الله، وبمنزلة الأدلة في الفلوات، هداة إلى الحق، إلى الله سبحانه ترشدون من ضلّوا الطريق.
كونوا على يقين كامل أنّ الله سبحانه معكم دائماً، اخلصوا لله سبحانه، وكلّ واحد منكم ليحمل الحق وحده لا يرى معه إلا الله، وليقاتل الباطل كلّه باليقين، هكذا ليكن كلّ واحد منكم أُمّة.
إيّاكم أن تتّكلوا على أحد، إيّاكم أن تتكلوا على أحمد الحسن العبد الذي يموت، بل ليكن توكلكم على الربِّ الذي لا يموت ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ (إبراهيم: 12)، فنعم الربُّ ربكم؛ لأنه الكريم الذي يعطي نفسه للمتقين الموقنين المخلصين، جاهدوا في الله واعملوا أن تكونوا كذلك؛ ليستيقظ بكم النيام ويحيى الموتى، وليرى بكم العمي ويسمع الصم، ليكن كلّ واحد منكم على يقين كامل أنه لو حمل الحق وحده وقاتل الباطل وحده لانتصر بالله وحده.
فهنيئاً لكم جهادكم مع الحق سبحانه، وهنيئاً لكم محاربتكم للباطل.
والحمد لله الذي مَنَّ عليَّ وعرّفني وجمعني بكم أيها السادة الكرام البررة، إنّ فضل الله عليَّ عظيم، وأملي أنّ الكرام أنصار الحق يتفضّلون عليَّ بدعائهم.
والحمد لله الذي لم يجعلني جباراً شقياً.
واستغفر الله لي ولكم.
المذنب المقصر
أحمد الحسن
20 / ذي الحجة / 1428 هـ. ق ].
* * *
من يظن أنه قطّع حباله مع الدنيا:
نقول عن الدنيا دائماً إنها دار سراب ووهم، ولكن بالرغم من إدراكنا هذه الحقيقة، أو لا أقل سماعنا عنها من خلال النصوص الدينية الكثيرة، لا زالت الحبال موثوقة بها، ولكن قد يخطر في بال بعضنا أنه بدأ يقطّع بعضاً منها.
سألت السيد أحمد الحسن (ع) عن ذلك ذات مرة، فقال:
[ الإنسان دائماً يبقى يجاهد نفسه وهواه والدنيا وزخرفها والشيطان حتى آخر لحظة من حياته. من يقول إنه قطّع حباله مع الدنيا فهو كاذب، وقد ابتلي بأمر عظيم يقيّده في الظلمة، وهو العجب. فلابد للإنسان دائماً أن يبقى يلوم نفسه ويعتبر نفسه مقصراً وظالماً ومذنباً، نحن نعمل ولكن لا نقيّم عملنا، يوجد من يُقيّم أعمالنا، يوجد من يُدين ].
ولكن هل يعني هذا أنّ الانسان يبقى مهبطاً رأسه دائماً، أو يمكنه أن ينظر علامة الرضا في وجه من يُدين ويُقيّم الأعمال ؟
هذا ما خطر في بالي، فسألته عنه، فأجاب (ع):
[ هذا أمر يرجع لمن يُدين، فهو إن شاء بشّر، وإن شاء لا؛ لعلمه بالنفوس وما يصلحها، أي ربما يخبرك أنّك قد أحسنت فيصيبك العجب، فهو أعلم بما يصلحك، قال تعالى: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (يونس: 64) ].
* * *
نصيحته إلى كلّ من يتصدّى للمناظرة من الأنصار:
هذا نصّ نصيحة السيد أحمد الحسن (ع) إلى كلِّ من يتصدى للمناظرة وبيان الحق للناس من أنصاره الكرام:
[ إلى ....... وإلى كل من يتصدّى للمناظرات من أنصار الإمام المهدي (ع) حفظهم الله
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلّم تسليماً كثيراً
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرجو منك أن تتوكل على الله توكلاً حقيقياً بكلِّ قلبك، ولا تعتمد على فهمك، بل أخلص لله سبحانه وتعالى حتى لا ترى نفسك بل تراه هو سبحانه، هو فقط، عندها تجعل الله ينطق على لسانك ويقول ما يريد بك ويظهر حقه من خلالك.
إيّاك أن تغتر أو أن تظن بنفسك الظنون ﴿لَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ (لقمان: 18)، فمن أنت، ومن أين مبدأك، وإلى أين منتهاك ؟ أنت إن ذكرت نفسك وغفلت عن ربك فأنت ظلمة ومبدأك منيّ ومنتهاك جثة لولا أنها تدفن لتمنّى من تعيش معهم اليوم أنك لم تكن، وإن ذكرت ربّك وكنت من الذاكرين في كل حال وآن فأنت نور وروح قدسية تتمسّح بها الملائكة وتتبرّك بالدنوّ والاقتراب منها؛ حيث إن مبدأك ومنتهاك هو الله سبحانه وتعالى علواً كبيراً، فانظر في أمرك وتدبّر حالك واختر من تريد أن تكون.
الله سبحانه وتعالى يحبّكم، ولهذا فإن غفلتم عن ذكره وظننتم أنكم قادرون ومنتصرون بأنفسكم وبقدرتكم فإنه لن يترككم للشيطان ليستحوذ عليكم، بل يذكّركم وينبّهكم كما ذكّر من كان قبلكم ونبّههم بالهزيمة والانكسار أمام الأعداء والكفار، وها أنتم تذكرون أُحد وحُنيناً عندما ظنّ المسلمون أنهم قادرون على النصر بأنفسهم وغفلوا عن ذكر الله فرحمهم الله وذكّرهم به سبحانه، عندما جعلهم يذوقون طعم الانكسار والهزيمة، وهذا لأنّ النصر الحقيقي هو الانتصار على النفس والإخلاص لله سبحانه وتعالى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ﴾ (التوبة : 25).
فإيّاك أن تفرح بنصر حقّقته، اللهم إلا إن كان فرحك لانتصار دين الله وليس لنفسك وبنفسك، وتذكّر قوله تعالى: ﴿لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ (القصص: 76)، وقوله تعالى: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ (الحديد: 23).
واعلموا سددكم الله، أنّ من أراد شيئاً أعدّ له عدته، فكونوا جميعاً كالبنيان المرصوص وأعدوا العدة، وهيّئوا أنفسكم بالعلم والعمل الجادّ والإخلاص لله سبحانه وتعالى، وعليكم بالطهارة والصلاة والدعاء وفقكم الله وسددكم ونصركم نصراً عزيزاً، على الأقل اغتسلوا قبل كل مناظرة ومنازلة غسل التوبة لتبرزوا وقد خرجتم من ذنوبكم، وصلّوا بعد كلِّ مناظرة ركعتي شكر لله سبحانه وتعالى ليرحمكم الله ويزيدكم من فضله ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ (إبراهيم: 7). ويا لها من نعمة أن تكونوا عباداً شاكرين قد مدحكم الله في الملأ الأعلى ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ (سبأ: 13).
المذنب المقصر
أحمد الحسن
رمضان المبارك 1431 هـ ق ].
* * *
رثاؤه لأنصاره الشهداء:
كان السيد أحمد الحسن (ع) قد رثى أنصاره الشهداء ممّن قتل ظلماً وجوراً في عام 2008، والذين كانت لدمائهم الزكية أبلغ الأثر في انتشار دعوة الحق وبلوغها أقصى نقاط المعمورة، وهذا نصُّ بيانه فيهم، أعلى الله مقامهم:
[ بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
وصلّى الله على محمد وآل محمد الائمة والمهديين وسلّم تسليماً
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب: 23).
السلام على الشهداء السعداء.
السلام على أحبّاء الله وأحبّاء رسوله.
السلام على من صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
السلام على من شهدوا أن لا إله الا الله بدمائهم الطاهرة المقدسة.
أشهد أنّكم في علّيين، مع خيرة الله من خلقه، أحياء ترزقون.
أشهد أنّكم الأُمة الوسط والشهداء على الناس ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾.
أشهد أنّكم الشفعاء المشفعون.
وأشهد أنّ دماءكم الطاهرة التي سالت سرٌّ من أسرار الله، وآية من آيات هذا العالم، تعرفها الملائكة، ومفتاح دولة العدل الإلهي، فسلامٌ عليكم يوم ولدتم ويوم استشهدتم ويوم تبعثون.
أمّا حزني عليكم فلا ينقطع لا والله أبداً بعد يومكم هذا حتى انتقل إلى جواركم، وأما عبرتي ودمعي فسيظل جارياً عليكم ما دمت حياً، لقد والله تركتم في قلب أحمد الحسن ألماً وجرحاً عميقاً لن يشفى حتى ألقاكم في داركم الكريمة التي انتقلتم لها، فسلام عليكم يا أحباء أحمد الحسن وروحه وقلبه .
السلام على الجرحى والأسرى المظلومين، إن شاء الله سيكون شفاء جروحكم وفكّ أسركم عاجلاً وآية ورحمة بالمؤمنين من ربّ العالمين، ونقمة على الكافرين عبيد أمريكا وعبيد السفياني والدجال لعنهم الله وأخزاهم في الدنيا والآخرة .
السلام على عوائل المؤمنين التي فقدت أحباءها، وخصوصاً الأمهات الثواكل، أرجو أن تسامحن أحمد الحسن، فوالله أهون عليَّ أن يقتلني هؤلاء الطواغيت عبيد الأعور الدجال أمريكا ألف قتلة من أن يمسّ أحد من الأنصار الأطهار بأذىً، ولا أقول إلا أننا لم نخلق للدنيا لنطلب الخلود أو طول البقاء فيها، وخير الناس من عرف المآل وتزوّد للترحال، ولا أعرف من تزود خيراً من هؤلاء الأطهار، فهم والله عباد متقون، وعلماء عارفون، وقد ختم الله لهم بالخير كله وهو الشهادة الحقيقية التي لا ينالها إلا نبي أو وصي أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان.
﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ (الزمر: 69).
فسلام الله عليهم ما دامت السماوات والأرض.
إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وسيعلم الذين ظلموا آل محمد أيّ منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين.
أحمد الحسن
محرم الحرام / 1429 هـ . ق ].
أنصاره المغيّبون في السجون لا يغيبون عن باله !
لا زال العشرات من أنصار الإمام المهدي (ع) مغيّبين في قعر السجون وظلم المطامير، ومنذ سنين، وإذا كان إخوتهم الأنصار يهدأ لهم بال ويطيب لهم عيش، فليس إلى قلب السيد أحمد الحسن (ع) سبيل من ذلك أبداً.
وهذا بعض ذكره لهم عند ربّه الكريم في شهر رجب الأصبّ:
[ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن شاء الله تكونون بخير وعافية.
إذا ممكن أن توصلوا خبراً للأنصار أن يصوموا أيام: (13 و14 و15)، ويعملوا عمل أُم داود لفرج أسرى الأنصار وفقكم الله ].
* * *
دور المرأة في نصرة الحق:
سألت إحدى الأخوات المؤمنات عن تكليف النساء في نصرة الحق في هذا الوقت (وقت السؤال كان منذ سنين)، وما حدود التقية، وكيفية التعامل مع الذين يظهرون لنا العداء.
ولأن في الجواب دروساً وعبراً ممكن أن ينتفع بها الجميع، وخصوصاً الأخوات المؤمنات، أنقل جواب السيد أحمد الحسن (ع) على السؤال:
[ بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
وصلّى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً
المرأة المؤمنة كالرجل المؤمن، فهي تصلي وتصوم وتعمل فيما يرضي ربها سبحانه تماماً كالمؤمن إلا في بعض التفاصيل والخصوصيات، فهي مكلفة بمعرفة دينها وتبليغ الناس وتعريفهم بالحق في حدود وسعها ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ (البقرة: 286).
فلا تقصّروا في تبليغ الناس وقول الحق سواء كان التبليغ وجهاً لوجه أم من خلال وسائل الإعلام المتاحة لكم كالانترنت، وكما يفعل كثير من إخوتكم الأنصار بنشر المقالات في الصحف التي تنشر على الانترنت ويطالعها الناس في معظم دول العالم، والتي كان لها أثر كبير وكانت سبباً في إيمان بعض الناس ومن دول مختلفة.
أيضاً بإمكان النساء المؤمنات تنظيم أنفسهن للعمل بما يسعهن وإقامة مجالس العزاء بمناسبات مصائب آل محمد (ع) وتعريف الناس بالحق وبيان الباطل وفضح أهل الباطل، لقد كان دور زينب عليها السلام بعد واقعة كربلاء دوراً عظيماً في بيان الحق وفضح الباطل، أسأل الله أن يوفقكن للوقوف بوجه طغاة هذا الزمان كما وقفت زينب عليها السلام لفضح أهل الباطل وتعريتهم وبيان جرائمهم وطغيانهم وجحودهم.
أما التقية، فهي أن يحافظ المؤمن على حياته لينصر الحق، وليس أن يحافظ على حياته فقط لأجل الحفاظ عليها، فخذلان الحق ليس من التقية في شيء، وأسأل الله أن يفتح لكُنّ الأسباب وييسر الأمور لتنصرن الحق ويظهر على أيديكن وبألسنتكن الحق، ويجعلكن تسرن على خطى الصالحات فاطمة عليها السلام وزينب عليها السلام وخديجة عليها السلام ومريم عليها السلام والمرأة المؤمنة الصالحة امرأة فرعون التي اختارت بيتاً عند الله على زخرف الدنيا ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ (التحريم: 11)، ووقفت تقارع الطاغوت وتدافع عن الحق حتى ذهبت إلى ربها راضية مرضية مجاهدة وشجاعة قد ذكرها الله في أفضل كتاب أنزله وهو القرآن، إنّ هذا لهو الفضل العظيم و﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾ (الصافات: 61).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ].
نتيجة الفرقة قتل حجة الله !!
نافذة من نوافذ إيصال الحق للناس كانت مفتوحة، فدبّ الخلاف بين العاملين فيها من المؤمنين، ما أدّى إلى فتح نافذة أُخرى مع بقاء الأُولى، ثم التفت بعضهم إلى أنّ فعلهم الذي أقدموا عليه ربما لا يكون مقبولاً عند خليفة الله.
فأبدى بعضهم استعداده لغلق النافذة الجديدة، إن كان مراد السيد (ع) ذلك.
فكان جوابه (ع):
[ لماذا يغلقوه ؟ هو عمل جيد، وبارك الله بهم وبعملهم، أسأل الله أن يوفقهم ويرزقهم خير الآخرة والدنيا.
وأما الخلافات فقد قلت مراراً: إنّ إصلاح ذات بينكم من أفضل الأعمال، ويرضي الله ورسوله، ولكن ماذا بيدي ؟ وهل جيش علي (ع) سمعوا منه ليسمع الجميع منّي اليوم !
المهم أن يعملوا وينجوا بأنفسهم، بالنسبة لحجج الله هذا ما يهمهم، وهو أن ينجو الناس بأنفسهم ويتجنبوا جهنم، فهم يحاولون إصلاح ذات بين المؤمنين ولكن لا ينفّروا أحداً عن الحق ولو بكلمة تؤذيه، وحتى لو كانت نتيجة الفرقة هي قتل حجة الله كما حصل مع علي (ع) ].
إنّ هذا المقطع من كلامه، علينا أن نتأمله مراراً، وأعتقد أنه ليس بحاجة إلى تعليق، أسأل الله أن يحفظ آل محمد (ع) بحفظه، ويوحّد كلمة المؤمنين دائماً وأبداً.
وعن الإصلاح والسعي لإنقاذ الناس بما فيهم المؤمنين عند الفتن، نقرأ قوله (ع) التالي:
[ الشيطان عموماً يحاول إضلال من يستطيع، ولكن نحن نحاول قدر الإمكان الإصلاح.
أسألوا أخوتكم كم حاولت مع حيدر مشتت وأتباعه بكل وسيلة لأهديهم إلى الحق ؟
عموماً، نحن دائماً نحاول قدر الإمكان الخروج بأقل خسارة في الفتن، وأن لا نعطي للشيطان أيّ غنيمة إن أمكن ].
* * *
إلى من لا يتحمّل من مؤمن ازعاج !
كان أحد الإخوة المؤمنين يتواجد في أحد ساحات العمل في دعوة الحق، فافتقده السيد أحمد الحسن (ع) يوماً وسأل عنه، فأجبته بأنّ الأخ أخبرني بسبب انصرافه.
وكان سبب انصرافه أنّ أحد الإخوة المؤمنين نصحه، وربما كانت نصيحته ثقيلة عليه نوعاً ما، فعزم بعدها على عدم الحضور والتواجد.
فلما عرف (ع) بذلك، قال:
[ أرجو أن تخبره أن يتواجد، ويتحمّل إخوته، ويقبل منهم النصيحة، ولا يكن من المتكبرين. الحسين (ع) قَبِلَ أن تدوس حيوانات على صدره، وأنتم لا تتحمّلون إزعاجاً من مؤمن، من تواضع لله رفعه الله.
قل له أن يستعيذ من الشيطان، ويتواجد للعمل، ويتحمّل إزعاج من يزعجه من المؤمنين، أو نصيحة من ينصحه ].
* * *
كيفية التعامل مع المشكوك بهم:
يعاني بعض الإخوة الأنصار من مشكلة، ملخصها: إنّ بعض من يدعي الإيمان بدعوة الحق قد تصدر منه بعض التصرفات التي تجعله مثار شك وريب، خصوصاً وأنّ المؤمنين بالدعوة اليمانية الحقة قد لاقوا من الناس ما لاقوا، ما يعطيهم - ربما - العذر بشكّهم.
سألته ذات يوم عن كيفية التعامل مع مثل هذه الجماعات التي لا يُميَّز الصادق منها من المغرض، وبعضهم ربما ساهم باعتقال الإخوة المؤمنين والتحقيق معهم.
فأجاب (ع) قائلاً:
[ دائماً أقول للأنصار: إنّ كلَّ من يقول إنّي مؤمن تعاملوا معه على أنه مؤمن، وله عليكم حقوق المؤمن، ولكن في نفس الوقت كونوا حذرين ].
* * *
لا يوفق لمجلس الحسين (ع) كل أحد !!
يحثُّ السيد أحمد الحسن (ع) أنصاره على إقامة مجالس العزاء بمناسبة شهادة سيد الشهداء وأهل بيته وصحبه الطاهرين (ص)، فأحيى بعض الأنصار في أحد الأماكن أيام عاشوراء الأليمة، ولكنهم - وبحضور أطفالهم - لم يبلغ عددهم خمسة عشر شخصاً.
فاشتكى أحدهم قلة الحاضرين في مجلس الحسين (ع)، في حين أنّ مجالس الصادين عن دعوة الحق لا يكاد يحصى عدد الحاضرين فيها.
فأجابه (ع) قائلاً:
[ وهل كان مع الحسين الآلاف ليحضر مجلسه الحقيقي الآلاف ؟
هذا أمر عظيم لا يوفق له أي أحد، ومن يوفق له فمن قال إنه يثبت عليه !!
قبل سنوات هددناهم بسلطان مبين في حال فضّلوا ما في أيديهم على الحق حكاماً وعلماء دين، وربما كثير منهم ضحكوا أن يطالبهم من ليس بيده شيء أن يتنازلوا عمّا في أيديهم بكرامتهم، ولكن الحكام اليوم تنازلوا وهم أذلة خاسئين وخسروا الدنيا والآخرة وليس فقط الدنيا، وإن شاء الله يوم هؤلاء الضالين قريب وسترون يومهم الذي يوعدون.
كما في يوم انسحب من أُولئك كل من كان يحيط بهم من سفراء ووزراء ... الخ، ستجدون هؤلاء في يوم أذلة خاسئين يهينهم من كانوا يعدونه لحرب آل محمد.
قبل سنة تقريباً رأيت رؤيا بـ ...... كأنه مؤمن بالدعوة.
ربما سيهدم الجدار المحيط بهؤلاء الضالين من حيث لا يعلمون، وإذا ما هدم ستهتدي الناس إن شاء الله ].
* * *
أهمية الدراسة في الحوزة المهدوية:
ربما تشغل أُمور الدعوة الأخرى أو شؤون الحياة المختلفة بعضنا عن حضور الدرس في الحوزة المهدوية المباركة، سواء الميدانية منها أو الانترنتية، وكنت في الحقيقة في حيرة من أمري بين حضور درس الحوزة أو الانشغال بأُمور العمل الأُخرى.
فكان رأيه (ع) التالي:
[ الدرس مهم جداً وفقك الله، أن تهيئوا المؤمنين أمر مهم جداً، أما العمل الميداني فبالممكن. ويمكنك بعض الأحيان أن تترك محاضرة أو تجمع محاضرتين في يوم واحد مثلاً إذا كان عندك عمل، يعني يمكنك ترتيب وضعك والجمع إن شاء الله.
لو كان بيدي لشاركتكم في التدريس في الحوزة وفقك الله، فهو أمر مهم جداً، وإن شاء الله ثوابه عظيم؛ لأنه عبارة عن تحصين عقائدي لدولة الحق إن شاء الله ].
* * *
تأويل رؤيا:
رأى أحد الأنصار رؤيا، ملخصها: كأنّ كبير قوم في بلد ما أُنزعت عمامته البيضاء وجُرّد منها وأُلبست لأحد الأنصار، ولما وضعت على رأسه قام بتعديلها وترتيبها من خلال نظره بالمرآة، وأُمّه تنظر إليه، وكان فيها وسخ قليل في الأطراف التي لامست الجبهة، انتهت.
فقصّها على السيد أحمد الحسن (ع)، فقال في تأويلها:
[ العمامة في الرؤيا ترمز لأُمور؛ منها: العلم الذي يملكه الشخص والمعرفة، وأيضاً: ترمز للملك والحكم الدنيوي، فالعمائم تيجان العرب، أي تيجان ملوكهم. والرجل لا أظن أنّ عنده الكثير من العلم، فعمامته ترمز لملكه الدنيوي، وإن شاء الله يكون خيراً.
وكونها بيضاء؛ لأنه حكم باسم رسول الله وباسم الدين وباسم الله. البياض يرمز للعدل والوسخ يرمز للظلم، فالشريعة بقدر ما مسّوها كانت ظالمة، أي أنها بيضاء نقية في الأصل ولكنهم يشوبونها بالظلم من مسّهم لها بالتشريع الباطل والتنفيذ الباطل.
هذا ملخّص معنى الرؤيا، وأسأل الله لك العافية في الدين والدنيا ].
* * *
رفقاً بسيدكم !!
بعث بعض الإخوة المسؤولين عن رفع الأسئلة إلى السيد أحمد الحسن (ع) سؤالاً، وكان السؤال فيه أُمور شخصية تعود لأحد الأنصار، فنقل لي جواب السيد (ع) له، وأنا بدوري أنقله هنا لكلِّ المؤمنين، عسى وأن يكون ذلك لنا عظة وعبرة.
[ هذا أمر راجع له وفقك الله، أرجو أن تكون الأسئلة ضمن الحدود: فقهية، عقائدية، قرآنية. أما الأُمور الخاصة فهذه أُمور كل شخص يمكنه أن يقرّر لنفسه ما يناسبه، فأرجوا منكم قبل أن تقبلوا نقل سؤال أن تتفكروا، جزاكم الله خيراً ].
* * *
اهتمامه بهداية الناس ومحبته لهم:
يوصي السيد أحمد الحسن (ع) أنصاره دائماً بتبليغ الناس والتعامل معهم برحمة ودعوتهم بحكمة إلى الحق والطريق المستقيم، والسعي لهدايتهم بأي صورة ممكنة وبكلِّ وسيلة متاحة.
قال (ع) عن تبليغ الناس، وإيصال الحق لهم:
[ التبليغ يجب أن يستمر وبشكل جيد وفقكم الله، ولا داعي للتلكأ، ولكن أيضاً لا تنسوا الحذر، الحذر الذي يجعل العمل يدوم ويجنّبكم شرّ شياطين الإنس والجن أخزاهم الله ].
وكان (ع) بنفسه يبلّغ الناس بنفسه، يقول:
[ بالنسبة للتبليغ قلت لكم مراراً أن تبلغوا ولكن بحذر، والحذر لا يعني ترك التبليغ، لقد كنت أوزع بعض البيانات بيدي على الناس في الزيارات، ولكن لابد أن تحذروا ليستمر العمل، يعني لا يكون عملاً بصورة متهورة، وأيضاً لا تتركوا العمل بحجة الحذر فليكن عملكم منظماً وبحساب ].
وقال أيضاً:
[ نسأل الله أن يهدي الناس ويصلح حالهم، لا تتركوا تبليغ الناس بالحق وبنفس الوقت ليكن التبليغ بترتيب وفقكم الله، والذي يشاء الله له الهداية يهتدي إن شاء الله ].
بل كان (ع) يهتم حتى بكيفية تقديم المادة العلمية لهم، المتكفلة طرح أدلة الدعوة المباركة، من أجل مساعدتهم في قبول الحق.
في يوم قال لأحد الأنصار:
[ طلبت من إخوتكم أن يوزّعوا كراساً في الزيارة الشعبانية، فقال أحدهم: إنهم رتّبوا منشوراً فيه بيان اليماني وبعض أدلة الدعوة، ومن خلال هذا الكلام يتضح أنه منشور مشتت؛ لأن بيان اليماني لا ينفع في التبليغ المختصر، فلا ينفع أن يكون في كراس للتبيلغ، أرجو إذا كان لديك كراس للتبليغ تعطيه لهم أو تجمع لهم كراساً مختصراً للتبليغ وفقك الله، تطرح الدعوة فيه مع بعض الروايات، ويكون صغيراً بحيث لا يكون مكلفاً ومختصراً أي شخص يمكنه أن يقرأه، إضافة الى ذلك تضع فيه عناوين الانترنت ومكاتب الصحيفة ... الخ ].
وذات يوم طلب (ع) أن تُعمل بحوث مقارنة، عساها تسهم في تعريف الناس بالحق، قال:
[ أسأل الله أن يوفقكم ويسدد خطاكم، فقط لو توفر لديك وقت أن تعمل سلسلة محاضرات في بيان العلوم التي جاءت في كتب "النبوة الخاتمة" و"التوحيد" و"المتشابهات" وغيرها. وهذه المحاضرات تسجل لكي تنشر في العراق مثلاً وفقك الله ليعرف الناس الحق والعلم والفرق بين الحق والباطل، يعني تكون سلسلة مدروسة لكي يتم نشرها في العراق إن شاء الله، توكل على الله وسيرى الله عملكم وإخلاصكم ويسدد خطاكم ].
وكان يوصي كثيراً بالناس المخدوعين والمغرر بهم من قبل بعض قطاع الطرق، يقول (ع):
[ الناس بسطاء وفقكم الله، هؤلاء الذين تريدون مخاطبتهم لا يكادون يعرفون شيئاً عن الدعوة والأدلة، فبعض الجهلة يستهزأ بالرؤيا وهم يضحكون معه، وهم لا يعرفون أنهم يضحكون من إبراهيم ويعقوب ويوسف وغيرهم من أنبياء الله ].
وعن تبليغ طلبة العلم بالخصوص، قال (ع):
[ عموماً وفقكم الله، أنتم أيضاً حاولوا تبليغ طلبة العلم، ربما يصلح الله حال بعضهم، حسب ما قال لي أحد إخوتكم: إنّ في حوزة النجف عدداً لا بأس به آمنوا الآن.
رأيت رؤيا قبل أيام:
كنت أرى شيخاً أعرفه، وهو ذو علم ومعروف في الحوزة، كان جالساً يعطي درساً لمجموعة شيوخ في مسجد في الحوزة في النجف، وأحد الشيوخ كأنه طرح الدعوة في الدرس، وكأنّ هذا الشيخ الذي طرح الدعوة آمن بالدعوة وخرج من الدرس، فرأيت الاستاذ كأنه مؤمن أو متعاطف بقوة مع الدعوة، ولكنه حذر من ردّة فعل الحوزة أو شيء من هذا القبيل، كأن الاستاذ طأطأ رأسه ولم يقل شيئاً، ولكن كأنه في داخله مؤمناً أو يميل للإيمان. انتهت الرؤيا.
ربما بعض المعممين يهتدون، فلا تتركوا تبليغهم وإيصال الحق لهم لعلهم يهتدون ].
ثم إنّ من علامات الصلاح أحياناً، أنك تصادف إنساناً تبيّن له الحق، فيجيبك أنه من يكون ليتوفق لنصرة آل محمد !! فلا يظن بنفسه خيراً، ومثل هؤلاء كثير وفقهم الله لنصرة خلفائه في أرضه.
لمثل هؤلاء كان يعلّمنا السيد أحمد الحسن (ع) أن نتعامل معهم بالطريقة التي يوضحها بقوله:
[ هؤلاء أُناس بسطاء، بيّنوا لهم كيف أنّ هناك أُناساً أصبحوا من أولياء الله كوهب وهو لم يُسلم إلا فترة قصيرة، هؤلاء بحاجة إلى أن يفهموا أنّ هناك أناساً أصبحوا أولياء لله ومن المقربين بمجرد أن التحقوا بخلفاء الله، بينما فشل في الالتحاق بخلفاء الله علماء الدين، كما حصل مع عيسى (ع). فهناك زناة وجنود طاغوت لا يعرفون الدين التحقوا بعيسى وأصبحوا من أولياء الله، بينما فشل علماء اليهود وكبار المتدينين ولم ينصروا عيسى (ع)، بيان هذه الأُمور لهم تنفعهم أيضاً ].
وكان (ع) يعلّم أنصاره كيفية الاحتجاج الصحيح، وغايته من ذلك السعي لهداية الخلق، فكان يقول:
[ أنت تعطيه الدليل الثابت من القرآن والسنة الثابتة، وهو ينتقل إلى الإشكال على الدليل، يعني لا يوجد عنده دليل نقض، بل فقط إشكال، والانتقال إلى الإشكال على الدليل دون إيراد دليل نقض يعني أنّ الدليل ألزمه الحجة وتعذّر عليه ردّه فانتقل إلى الاشكال عليه فقط. والإشكالات تُرد ولكنها لا تنته، تماماً كإشكالات المسيحيين اليوم على القرآن وعلى محمد (ص)، وكإشكالات السنة على الأئمة (ع) ... الخ ].
ومع هذا، كان (ع) يعلّمنا إجابة إشكالاتهم ويوصينا بذلك أيضاً، رحمة بهم ولكي لا تبقى لهم أي حجة وعذر أبداً.
وبالنسبة لأنصاره:
فقد كان رؤوفاً بهم جميعاً، رحيماً بالمساكين، عطوفاً باليتامى.
وكان يوصي بالاهتمام كثيراً بمن يذنب ويتوب من المؤمنين، فكان يقول عن أحد الإخوة الذي حاله ما وصفت:
[ إذا أبدى ندمه فاحتضنوه واهتموا به كثيراً وفقكم الله، فالتائب يحبّه الله، فأحبّوه وفقكم الله واهتموا به كثيراً، لعلّ الله يرحمه برحمته ].
وكان من سيرته أنه يتابع أنصاره في كل مكان، ويسأل عنهم كثيراً، بل إذا ما تناهى لسمعه أنّ هناك أنصاراً من لغات شتى قد آمنوا بالحق، كان يقول:
[ الذين يؤمنون بالحق اعملوا على تعليمهم وتثقيفهم وتقوية عقيدتهم وتوفير الكتب الاستدلالية وبلغتهم ].
* * *
سيرته مع المال:
يقول أحد الإخوة المكلّفين بإدارة بيت المال في أحد الأماكن، كانت تصل إلى بيت المال أموال، منها حقوق واجبة، ومنها تبرعات لدعم دعوة الحق، ومنها ما هو بعنوان هدايا للسيد أحمد الحسن (ع) من قبل بعض الأنصار.
يقول: فوالله ما رأيته يوماً أخذ شيئاً منها، أو حتى مسك شيئاً منها بيده. وكنت لما أسأله عن الموجود تحت يدي منها، وعن إذا كان هو (ع) ينقصه شيء، فكان يقول:
[ لست بحاجة شيء غير دعائكم وفقك الله، ولا داعي أن تُبقي شيئاً وفقك الله، أي شيء تصرّف به وأعطه للأنصار المحتاجين، أو لدعم الدعوة إن شاء الله، أسأل الله أن يفتح لكم وبكم بفضله ومنّه ].
ومن سيرته (ع) أنه كان قد خصّص لعوائل الأيتام والأرامل والفقراء والمحتاجين عطاءً من بيت المال، رغم قلة الإمكانيات والموارد، التي منعت الدعوة الإلهية حتى من فتح نافذة إعلامية كبيرة كقناة تلفزيونية مثلاً يستطيع الأنصار من خلالها إيصال الحق إلى الناس، وقلة ذات اليد هذه تدعو المسؤولين عن بيت المال أحياناً إلى أن يقتطعوا من رواتب هؤلاء المستضعفين رغم بساطة الراتب أصلاً، وكان يقول (ع):
[ وفقكم الله، أنتم رتبوا أُموركم بحسب ما يتوفر من المال، إن شاء الله يوسع الله عليكم، ولكن لو كان هناك شحّ في المال فقلّلوا الرواتب ليكفيكم ما عندكم، وهكذا سيّروا الأُمور ].
* * *
ماتت وهي تبكي على الأولاد !
كنت مسافراً إلى إحدى المدن للقاء بعض الأنصار برفقة أحد المؤمنين، وسمعت بخبر وفاة والدة السيد أحمد الحسن (ع) (رحمها الله)، ثم بعد مدة قمت بتعزيته قائلاً:
(إنا لله وإنا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا آل محمد حقهم أي منقلب بنقلوب.
عظم الله لكم الأجر بشهادة الطاهرة المظلومة وانتقالها إلى جوار رحمة ربها محتسبة مقهورة. أحسن الله لكم العزاء، ولا حول ولا قوة إلا بالله ].
فأجاب (ع):
[ عظم الله أجوركم وتقبل الله أعمالكم، جزاكم الله خير جزاء المحسنيين.
قبل أيام من وفاتها رأيت رؤيا أفزعتني وأيقظتني، أوّلتها بوفاتها.
وقبل أسبوعين من وفاتها رأت العلوية رؤيا: أن هناك تابوت وكنت أنا وولدي والعلوية نصلّي عليه من ثلاثة أركان، وكان فيه شيء عظيم ومهم.
العلوية أيضاً رأت رؤيا قبل يومين من وفاة الوالدة: أنها كانت متوفية ومسجّاة وكنا أنا والعلوية بقربها وحملناها.
عام 2006 عندما خرجنا من البيت الذي كانت فيه الوالدة (رحمها الله)، ولم نتمكن من العودة بسبب شدة طلب الظالمين، رأيت رؤيا وأنا في النجف في البيت الأخير الذي هجم عليه الظالمون واضطرونا للخروج،
رأيت رؤيا: إني كنت أقف في مكان ما، ورأيت أنه حدث انفجار كبير كأنه نووي بحيث مات خلق كثير جداً، يعني ربما مات نصف الناس أو بعض الأماكن خليت من البشر. وبعد هذا وقفت وكنت ألبس ملابس عسكرية، وأحمل راية كبيرة ومهمة جداً، وكنت أسير شمالاً رغم أني كنت في منتصف العراق، وكنت أتجه إلى بيت والدي (رحمه الله) الذي كنت أعيش فيه مع والدتي (رحمها الله)، وعندما اقتربت للبيت من بعيد رأيت الأرض كلها خضراء وجميلة جداً، ورأيت أبناء أخي الأكبر، ثم رأيت ابنة أخي فقالت لي من بعيد: كلنا بخير فقط عمّة زينب ماتت !
بعدها رأيت أختي أيضاً من بعيد، فخاطبتني وقالت: ماتت وهي تبكي على الأولاد، كانت تتمنّى أن تراهم ولو لحظة !
أنا عندما سمعت، لم أتمكن من السير، فانحنيت على الأرض وجلست أبكي وقلت: فماذا بقي، وكنت أسمع دوياً عظيماً في السماوات السبع كأن الملائكة كانت تبكي، وانتهت الرؤيا.
هذه الرؤيا قديمة وقصصتها لعدد من الأنصار سابقاً.
فقط متألم أنها لم ترَ الأطفال، مع أنها ربتهم، وأشعر بالألم أني أيضاً أبعدتهم عنها، ولكن لو أبقيتهم بقربها لقتلوهم ].
* * *
هل أحمد الحسن طالب دنيا!
هذا مقطع مما بيّنه السيد أحمد الحسن (ع) لسائل وقّع اسمه باسم فراس الوادي:
[ ...... أما قولك وفقك الله: (واما اِن كنت ممن يطلبون الدنيا بحرث الآخرة فلا ربحت تجارتك وما كنت منتصراً).
نعم، صدقت لو كنت أنا ممن يطلبون الدنيا، ولكن كيف أطلب الدنيا مثلاً ؟
ولا أظن أنّ من يطلب الجاه يسلك سبيلاً كالذي سلكته، فأنا قبل الدعوة منعزل، والآن أكثر انعزالاً ومشرّد في أرض الله أنا وعيالي كما فعل الطواغيت بآبائي الأئمة (ع)، ولي بهم أُسوة حسنة، فالحق لا يبقي لصاحبه خليلاً غير الله سبحانه.
ومن أحبّ الناس إلى قلبي أُمي التي لم أُفارقها يوماً قبل هذه الدعوة، اضطررت أن أفارقها حتى ماتت وأنا بعيد عنها ولم أودعها، فهل من يطلب الدنيا يذهب إلى هكذا طريق صعب موحش ويتجرع الألم والغصص ؟!
ولا أظن أنّ من يطلب المال يضع بيت مال للمؤمنين في كل بلد، ومنظومة حسابات ومواضع صرف معروفة بحيث كل مبلغ يدخل لبيت المال يسجّل وكل مبلغ يخرج يسجل، والوكلاء المأذونون لقبض الخمس معروفون مثل سيد حسن الحمامي وشيخ صادق المحمدي، وهم لا يرسلونه لي ولا هم يأخذونه لأنفسهم، بل يُسلّم لبيت المال وبيت المال يوزعه على الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل وطلبة العلم وغيرهم وحتى من غير المؤمنين بالدعوة،
ولا أملك أي أموال شخصية فائضة عن حاجة المعيشة اليومية وأجار السكن الذي استر به عائلتي. نعم، كل ما ملكته هو قطعة أرض زراعية صغيرة أشتريتها في أطراف النجف لأسكن فيها، وبنيت فيها بيتاً صغيراً جداً مواساة للفقراء، وقلت ما دمت أنا أعيش في العراق فأعيش كما يعيش الفقراء فيه، وربما تدور الأيام وترون هذا البيت في يوم من الأيام. والمال الذي اشتريتها به جزء منه أهداه لي اخي الأكبر مني حفظه الله، والجزء الثاني اقترضته من أحد أصحابي وهو أيضاً من المؤمنين بدعوة الحق، وهو الشيخ أبو محمد الزيادي حفظه الله، وسددته من وارد الأرض بعد زراعتها، وعندما سلّم لي المال الشيخ أبو محمد بحضور بعض الأنصار كان مختوماً على الأوراق المالية كلمة فدك، وأُهدي لي في نفس اليوم كتاب الغيبة مختوماً عليه كلمة فدك، فقلت: سبحان الله آيات يتبع بعضها بعضاً، وهذا الأمر شهده مجموعة من الأنصار حفظهم الله، منهم: الشيخ أبو محمد الزيادي وشيخ أبو حسن الزيادي والشيخ أبو حسين حفظهم الله.
وعلى كل حال، هذه الأرض خرجت منها في عام 2007 أنا وزوجتي وأطفالي قبل ساعات من هجوم قوات عسكرية موالية للمرجعية عليها وبتحريض من المرجعية، ولما لم يجدوني استولوا عليها ووضعوا فيها حرساً، وبعد فترة تركوها، وما أشبهها بفدك، وما أشبه فعلتهم القبيحة بما فعله من هجموا على دار أُمي الزهراء عليها السلام.
ولم أعرف عن هذه الأرض شيئاً منذ عام 2007 إلا قبل أيام حيث سعى أحد المؤمنين وهو الشيخ أبو حسن وبعض شيوخ عشائر النجف جزاهم الله خيراً لاسترجاعها، والحمد لله الذي جعل لي أُسوة بأُمي فاطمة الزهراء عليها السلام وبأبي امير المؤمنين علي (ع): (بلى ؟ كانت في أيدينا فدك من كلّ ما أظلّته السّماء، فشحّت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس قوم آخرين، ونعم الحكم الله. وما أصنع بفدك وغير فدك والنّفس مظانّها في غد جدث ؟ تنقطع في ظلمته آثارها وتغيب أخبارها، وحفرة لو زيد في فسحتها وأوسعت يدا حافرها لأضغطها الحجر والمدر، وسدّ فرجها التّراب المتراكم، وإنّما هي نفسي أروضها بالتّقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق).
ربما يطلب بعضهم الدنيا بسد شهوته الجنسية وأنا متزوج من زوجة واحدة فقط قبل الدعوة وهي أُم اطفالي لم أعرف غيرها في حياتي لا بزواج دائم ولا منقطع فأين طلب الدنيا في هذا ؟!
أنا وأعوذ بالله من الأنا إلى اليوم عندما أكون مع بعض الأنصار ونحتاج إلى طهي طعام أقوم بالطهي، وعندما نحتاج من يغسل الأواني أنا أغسلها بيدي، رغم أنهم يتمنّون أن يخدموني، ولكني أتشرف بخدمتهم، فهل هكذا يتصرف طالب الدنيا ؟!
وأنا وأعوذ بالله من الأنا أشتري حاجات بيتي من السوق بنفسي، ليس لدي حماية مسلحة ولا غير مسلحة، والحمد لله الذي آمنني ولم يجعلني مضطراً لها.
لا أقبل أن يقبّل يدي أحد، ولا أمد يدي ليقبلها الناس كما يفعل المراجع وبعض وكلائهم.
هذه كلها حقائق اطلع عليها الأنصار سابقاً، والآن هناك من الأنصار من هو قريب مني ويطلع عليها، أي أنها ليست أموراً مخفية، بل شوهدت ومشاهدة من عدد من الناس في الماضي والحاضر.
فأين هي الدنيا التي أطلبها ؟! وكيف طلبتها، وبأي شيء طلبتها أصلحك الله ؟!
في الروايات لا تقبل يد أحد إلا يد نبي أو وصي، فهل من المعقول أنّ هؤلاء الذين لا هم أنبياء ولا أوصياء ويقدمون أيديهم ليقبلها الناس يطلبون الآخرة، وأحمد الحسن الذي رغم كونه وصياً يرفض أن يقبّل يده أحد من الناس يطلب الدنيا ؟!
والله، لا أقول ما أنصفتم أحمد الحسن، بل ما أنصفتم عقولكم إن كنتم هكذا تفكرون وتحكمون.
أرحموا أنفسكم يرحمكم الله، فهؤلاء الذين يفرضون عليكم وجوب التقليد تجار دجاج وعقارات متبعون للشهوات، وليسوا طلاب آخرة ولا علاقة لهم بالآخرة، وأنتم تعلمون هذا ورأيتموهم في العراق بأنفسكم، وأنتم في الخارج ترون أنهم يرسلون لكم أبناءهم لجمع الخمس والأموال وقضاء فترة من المتعة في الغرب بحجة التبليغ، ليتكم تسألونهم: لماذا لا يرسلون غير أبنائهم من بقية طلبة حوزة النجف إلى دول الغرب ؟ لماذا مكاتبهم يديرها أبناؤهم والأموال يتصرفون بها كيفما يشاءون دون رقيب أو نظام أو حسابات ومراقبة ؟!
أرحموا أنفسكم يرحمكم الله، واستخدموا عقولكم للتمييز ومعرفة الحقيقة، فطلاب الدنيا تعرفونهم من تصرفاتهم وسلوكهم وأفعالهم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحمد الحسن
ذو الحجة 1433 هـ ].
فسلام الله عليك أيها العبد الصالح، وعلى آبائك الطاهرين وأبنائك المهديين، وشيعتكم المنتجبين.
أسأل الله أن ينصرك نصراً عزيزاً، ويمكّن لك في أرضه.
والحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً كثيراً.
الهوامش
[1]. المتشابهات: ج4 سؤال رقم 156، للسيد أحمد الحسن (ع).
[2]. الرحمن: 17.
[3]. عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله: "رب المشرقين ورب المغربين"، قال: (المشرقين رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع) والمغربين الحسن والحسين، وفي أمثالهما تجري) تفسير القمي: ج2 ص344.
[4]. فصّلت: 53.
[5]. كامل الزيارات: ص543.
[6]. الغيبة للنعماني: ص277.
[7]. في أكثر المصادر: (ثاوين)، وفي بعضها: (نائين).
[8]. الاحتجاج: ج2 ص324.
[9]. عن داود بن أبي القاسم، قال: (كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلام فجرى ذكر السفياني وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم، فقلت لأبي جعفر (ع): هل يبدو لله في المحتوم ؟ قال: نعم، قلنا له: فنخاف أن يبدو لله في القائم، قال: القائم من الميعاد) الغيبة للنعماني: ص314.
[10]. المتشابهات: ج1 سؤال رقم 19.
[11]. الزمر: 23.
[12]. هود: 1.
[13]. آل عمران: 7.
[14]. الصف: 6.
[15]. ألّف الشيخ الطوسي (رحمه الله) كتابا أسماه (مصباح المتهجد)، وجعله على عشرة أبواب، ثم قدّم عليه العلامة الحلي شروحات وأضاف عليه باباً أسماه (الباب الحادي عشر)، وقام المقداد السيوري (ت: 826 ه) بشرحه، وهو من أهم الشروحات تقريباً.
[16]. الفصول المختارة: ص130.
[17]. يوسف: 4 - 5.
[18]. كمال الدين وتمام النعمة: ص358.
[19]. الغيبة للنعماني: ص262.
مع العبد الصالح عليه السلام
( الجزء الثاني )
إعداد
أبو حسن
الطبعة الأولى
1434 هـ - 2013 م
لمعرفة المزيد حول دعوة السيد أحمد الحسن (ع)
يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي:
www.almahdyoon.org
تقديم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً.
هذا هو الجزء الثاني من كتاب "مع العبد الصالح"، الذي جمع فيه الأخ أبو حسن بعض أجوبة السيد أحمد الحسن (ع) له ولغيره من الأنصار. وقد كلّفني بملاحظته من الناحية اللغوية، وإجراء ما يلزم من هذه الناحية، وبكتابة تقديم له.
الحق، إنّ لدي كلمات قليلة أقولها، كان شعور يتردد عليّ مع قراءة أجوبة السيد أحمد الحسن، أستطيع التعبير عنه بالتساؤل التالي: "كيف يمكن لمن يقرأ كلام السيد أحمد الحسن (ع) أن لا يُلاحظ كل هذا الصفاء والصدق الذي تطفو فوقه كلماته" ؟
حقاً إنه أمر محير أن تخطأ قلوب الناس هذا البيان العذب الذي لا تكدّره شائبة أبداً، والذي يدل بلا أدنى شك على أنّ صاحبه يغترف من بحر. فالمعاني بالنسبة له ملقاة على قارعة الطريق لا يتعبه ما يتعب غيره من بحثٍ عنها، ولا يزعجه ما يزعج الآخرين من صعوبة في تجليتها.
حتى الكلمات بالنسبة للسيد أحمد الحسن تبدو حاضرة، وفي المتناول دائماً، وكم تمنيت وأنا عاكف على تأدية الوظيفة التي كلفني بها أخي العزيز أبو حسن لو أني أخبره بأن لا داعي حقاً لمثل هذه الوظيفة التي ربما تفسد براءة الكلمات، وتسلبها حرارتها، وحميميتها. لاسيما وأن السيد (ع) يجيب أنصاره بمنطق الإخوة والصداقة، وبسياق الحديث المتواصل أخذاً ورداً، ومثل هذه الأجواء تفترض بالتأكيد عدم تكبيل السجية بمواضعات التنميق اللغوي والبلاغي، التي ربما يفرح بها الجهلة أمثالي.
بربكم هل تصورتم الإمام الصادق (ع) - مثلاً - وهو يحدث أصحابه، أو يكاتبهم، هل تتصورون أنه سيتكلّم بالطريقة التي يريدها النحاة، فيبدو بينهم غريباً عجيباً، وكأنه شخص سقط للتوّ من كتاب نحوٍ ضخم، أم يكلّمهم بمثل ما ينطقون به ؟
ختاماً أسأل الله عز وجل أن يفتح بصائرنا لتلقي وحيه عز وجل، ووحي أوليائه عليهم السلام، وأن يفتح بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين.
والحمد لله رب العالمين، وسلامٌ على المرسلين.
عبد الرزاق هاشم
4/ شوال / 1434 ه
المحطة الأُولى:
في رحاب الحسين (ع) وابنه المظلل بالسحاب
لماذا قتل الحسين (ع) ضمآناً مذبوحاً !!
السلام على الحسين، وعلى أهل بيت الحسين، وعلى عيال الحسين، وعلى أصحاب الحسين، ما بقي منادٍ ينادي بحاكمية الله في أرضه، والذي لا تخلو منه الأرض لحظة واحدة.
في ليلة العاشر من محرم الحرام، ذكر السيد أحمد الحسن (ع) جدّه الشهيد، المقتول عطشاً وذبحاً، والذي لم يغب عن باله يوماً، فقال:
[ أخبرك عن الحسين (ع) في هذه الليلة خيراً لك.
انظر إلى هاجر عندما وضعت إسماعيل ابنها على الأرض بعد أن وجدت نفسها غير قادرة على تحمّل أن يموت بين يديها عطشاً، وأخذت تسعى بين الصفا والمروة.
هل تصرّفها هذا تصرّف أُمٍ هائجة ولا تكاد تعقل كما يقولون ؟
أم أن تصرّفها هذا هو سبب نبع الماء عند إسماعيل ؟
وإذا كان سعيها بين الصفا والمروة السبب في نبع الماء، فلماذا يكون سعيها بين جبلين سبباً في أن ينبع الماء بقدرة الله وينجو ولدها ؟
الحقيقة، إنّ الجبلين كما بيّنت سابقاً ([1]) يمثّلان فاطمة وعلياً عليهما السلام، والسعي بينهما يعني التوسل بهما وبذريتهما أو الناتج منهما.
فكان سعيها سبباً أن تفضّل عليها الله، وكان أن فُدي إسماعيل بالحسين (ع).
انظر هذا هو الفداء الأول: الفداء من العطش. كان سيموت إسماعيل (ع) عطشاً، ففدي بالحسين (ع) ابن علي وفاطمة عليهما السلام، أو الصفا والمروة، اللذين سعت بينهما وتوسلت بهما هاجر.
الفداء الثاني: الفداء من الذبح وأنت تعرفه، وأيضاً فُدي إسماعيل بالحسين (ع). وذكره الله في القرآن فقال: ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ (الصافات: 107).
فداه من العطش ومن الذبح، ولهذا مات الحسين (ع) عطشاناً مذبوحاً.
لا يوجد شيء عبثي في دين الله، أو في حياة الأنبياء (ص) كما يصور من يجهل الحقيقة أنّ هاجر سعت بين الصفا والمروة لذهولها بسبب عطش ابنها وأنه شارف على الموت دون أن يكون لهذا السعي أي معنى ؟!!
لهذا فمن يذهب للحج وهو لا يفهم الحقائق وما يفعل، يصف الله حجه أنه مكاء وتصدية تماماً كالتصفيق والصفير، ﴿وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ (الأنفال: 35).
إنّ العمل الذي تعمله وأنت لا تفهم معناه ولا تعرف منه شيئاً لا يكون له قيمة.
﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾ (الفرقان: 44).
بربك ما فرق أن تركض بهيمة بين جبلين وأن يركض من لا يفقه شيئاً بين الصفا والمروة ؟
الأمر ليس أن يهرول أو يركض أو يسعى إنسان بين جبلين، بل لابد أن يفهم ماذا يفعل، ولماذا يفعل ؟
الذهاب للكعبة، والسعي بين الصفا والمروة، ... الخ من أفعال الحج، كلها متعلقة بعلي وبالحسين وبآل محمد (ع) ].
هل يُعاد ما جرى على الحسين (ع):
موضوع طالما شغل بالي، وأرّقني، هو السؤال 141 من كتاب المتشابهات، وهذا نص السؤال وجواب السيد أحمد الحسن (ع) عليه:
[ سؤال: ما معنى قوله تعالى: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾ ([2]) ؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
هما الحمرة المشرقية، والحمرة المغربية. تشير الحمرة المشرقية إلى دم علي (ع)، والحمرة المغربية إلى دم الحسين (ع)، هذا في الأئمة (ع).
أما في المهديين فتشير الحمرة المشرقية إلى دم أحد المهديين نظير علي (ع)، والحمرة المغربية تشير إلى دم أحد المهديين (ع) أيضاً نظير الحسين (ع) ([3]) ].
كنت أتساءل عن المهدي الذي يجري عليه ما جرى على جدّه الحسين (ع) ؟ وأنّه أيّ مهدي يكون، من بين المهديين الاثني عشر (ع) ؟ وكيف يحصل ذلك، وهل أنّ بعض من يشاركون في قتله هم ممّن كانوا قد آمنوا ونصروا أباه (أي المهدي الذي سبقه) ؟!
فقال (ع) مجيباً:
[ وفقك الله، هي رسالة كرسالة محمد (ص) وفيها ما فيها، فيها أيضاً أبو بكر وعمر، وفيها أبو ذر وعمار وسلمان ... إلخ، فيها كميل وميثم، وفيها زياد ابن أبيه، فيها وفيها ... رسالة وفقك الله ككلِّ رسالة.
اقرأ القرآن وأنت تعرف ما يجري اليوم وغداً.
اقرأ قصص الأنبياء والأئمة وأنت تعرف ما يجري اليوم وغداً.
ألم تقرأ قوله تعالى: ﴿قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ﴾ (الأحقاف: 9).
قصة الرسل تكاد تكون واحدة ومترابطة.
نعم، هناك اختلافات في أنّ هذا الأمر يُمضى هنا ولا يُمضى هناك، ولكن لا يعني أنه لا يحدث.
.............. ].
فأطبق الصمت عليّ عند سماعي ذلك، وسألت الله حسن العاقبة.
كان هذا في ليلة العاشر من محرم الحرام أيضاً.
* * *
ولأنّ مسلم بن عقيل (ع) ومضة من الحسين (ع)، ولمنزلته الكبيرة في قلب السيد أحمد الحسن (ع)، عطفت ذكره على ذكر الحسين (ع).
مسلم بن عقيل (ع) المقتول الوحيد المقهور:
عزّى السيد أحمد الحسن (ع) بعض أنصاره في يوم شهادة مسلم (ع)، فقال:
[ عظم الله أجوركم بشهادة مسلم بن عقيل.
مسلم بن عقيل، لا يجد أنصار يثبتون معه على الحق في الكوفة التي تدّعي مشايعة علي (ع)، الحمد لله إننا اليوم وجدنا من ينصر الحق ويثبت عليه ].
ثم إنه تناهى لسمعه (ع) أنّ أحد المعممين كان قد تعرض للدعوة الحقة، فقال وصدره مليئاً بالحزن:
[ يا للأسف، إنّ أكثر الناس لا زالوا مخدوعين بهؤلاء الجهلة ودينهم المبني على وجوب تقليد غير المعصوم الذي بنوه على أوهام وبلا دليل، بل فقط جهالات وتخبط عشواء، وقد بيناها لهم بكلِّ وضوح، ولو كان عندهم أيّ دين لراجعوا أنفسهم وارتدعوا عمّا هم عليه من ضلال.
اليوم قرأت ردّاً لأحد هؤلاء الذين لا يكادون يفقهون قولاً، ووالله لو سلّمت بيده معزتين لخفت أن يضيّعهما، فكيف يقبل منه الناس وكيف يتبعونه، انظر ماذا يقول ].
وفعلاً قرأت ما زوّدني به فرأيت أسطراً جوفاء، كانت مخصصة لشتم اليماني فقط، وما سواه كان حشواً فارغاً، اللهم إلا تخذيل الناس وبأيِّ صورة كانت عن نصرة اليماني. والرجل المقصود ليس من العلماء المعروفين، إنما ورث المنصب من أخيه بعد وفاته، أو بالأحرى ورث منه ما بنى به موقعيته.
نعود للسيد أحمد الحسن لنستمع منه ما يريد قوله بحق مسلم بن عقيل (ع):
[ مسلم بن عقيل لا يجد من ينصره في الكوفة، وأمثال هذا الذين لا يكادون يفقهون قولاً يجدون من ينصرهم ويتبعهم !!
سلام الله عليك يا مسلم. والله، منذ كنتُ صغيراً كانت مصيبته تؤلمني كثيراً، كنت أقول مع نفسي: الحسين وجد من ينصره ويواسيه ولكن مسلماً قتلوه وحيداً مخذولاً مقهوراً، مع هذا بكى في آخر لحظة من حياته؛ لأنه خاف أن يجري على الحسين (ع) ما جرى عليه، فلا يجد أحداً ينصره ويقتل وحيداً. لم يهتم مسلم بما كان يجري عليه، رغم عظم مصيبته، سلام الله عليه ].
* * *
ظهور آية جلية في السماء:
قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ ([4]).
قال الإمام الصادق (ع): (فأيّ آية في الآفاق غيرنا أراها الله أهل الآفاق .. فأيُّ آية أكبر منّا) ([5]).
ولا شك أنّ للآية الكريمة ارتباط بالقائم (ع):
عن أبي بصير، قال: (سئل أبو جعفر الباقر (ع) عن تفسير قول الله عز وجل: "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق"، فقال: يريهم في أنفسهم وفي الآفاق، وقوله: "حتى يتبين لهم أنه الحق" يعني بذلك خروج القائم هو الحق من الله عز وجل يراه هذا الخلق لابد منه) ([6]).
وفي هذا الصدد، قرأت توقيعاً للإمام المهدي (ع) كان قد بعث به إلى الشيخ المفيد (رحمه الله) يذكر فيه آيات تحصل في السماء ومثلها في الأرض بحلول شهر جمادي الأول عند اقتراب الظهور، ولكني لم أكن أعرف هل يقصد به زمننا هذا أم زمن الشيخ المفيد، على أنه (ع) يذكر فيه ظهوره بغتة وفجأة بعد الأحداث. وهذا نص التوقيع المشار إليه:
(ذكر كتاب ورد من الناحية المقدسة - حرسها الله ورعاها - في أيام بقيت من صفر، سنة عشر وأربعمائة على الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان قدس الله روحه ونور ضريحه، ذكر موصله أنه يحمله من ناحية متصلة بالحجاز، نسخته:
للأخ السديد، والولي الرشيد، الشيخ المفيد، أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان أدام الله إعزازه، من مستودع العهد المأخوذ على العباد.
بسم الله الرحمن الرحيم: أما بعد: سلام عليك أيها الولي المخلص في الدين، المخصوص فينا باليقين فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ونسأله الصلاة على سيدنا ومولانا ونبينا محمد وآله الطاهرين، ونعلمك - أدام الله توفيقك لنصرة الحق، وأجزل مثوبتك على نطقك عنا بالصدق - : أنه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة، وتكليفك ما تؤديه عنا إلى موالينا قبلك، أعزهم الله بطاعته، وكفاهم المهم برعايته لهم وحراسته، فقف أيدك الله بعونه على أعدائه المارقين من دينه على ما أذكره، وأعمل في تأديته إلى من تسكن إليه بما نرسمه إن شاء الله.
نحن وإن كنا ناوين ([7]) بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين، حسب الذي أراناه الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين، فإنا نحيط علما بأنبائكم، ولا يعزب عنا شئ من أخباركم، ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً، ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون. أنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء أو اصطلمكم الأعداء فاتقوا الله جل جلاله وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم يهلك فيها من حم أجله ويحمى عنها من أدرك أمله، وهي أمارة لأزوف حركتنا ومباثتكم بأمرنا ونهينا، والله متم نوره ولو كره المشركون.
اعتصموا بالتقية من شب نار الجاهلية، يحششها عصب أموية، يهول بها فرقة مهدية، أنا زعيم بنجاة من لم يرم فيها المواطن، وسلك في الطعن منها السبل المرضية، إذا حلّ جمادى الأولى من سنتكم هذه فاعتبروا بما يحدث فيه، واستيقظوا من رقدتكم لما يكون في الذي يليه. ستظهر لكم من السماء آية جلية، ومن الأرض مثلها بالسوية، ويحدث في أرض المشرق ما يحزن ويقلق، ويغلب من بعد على العراق طوائف عن الإسلام مراق، تضيق بسوء فعالهم على أهله الأرزاق، ثم تنفرج الغمة من بعد ببوار طاغوت من الأشرار، ثم يستر بهلاكه المتقون الأخيار، ويتفق لمريدي الحج من الآفاق ما يؤملونه منه على توفير عليه منهم واتفاق، ولنا في تيسير حجهم على الاختيار منهم والوفاق شأن يظهر على نظام واتساق. فليعمل كل امرئ منكم بما يقرب به من بمحبتنا، ويتجنّب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا، فإن أمرنا بغتة فجاءة حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة. والله يلهمكم الرشد، ويلطف لكم في التوفيق برحمته) ([8]).
فسألت السيد أحمد الحسن (ع) عن ذلك، فأجاب قائلاً:
[ ممكن أن يكون في هذا الزمان ما قاله في ذلك الزمان؛ لأنّ الكلام مقيّد بزمن الظهور، فإن كان الظهور في ذاك الزمان حصل في ذاك الزمان، وإن تأخّر الظهور تأخرت معه العلامات المرتبطة به. وأيضاً ليس ضرورياً أن تحصل، ففيها البداء ([9]). ولكن ما ينطبق في هذا الزمان يمكن الاستدلال به ].
* * *
عمامته السحاب:
هذه رؤيا قصّها (ع) عليّ يوماً، فقال:
[ قبل يومين رأيت رؤيا، نسأل الله أن تكون خيراً.
كنت أقف في مكان ودخل عليَّ جماعة يريدون شيئاً ما، أو ربما يبحثون عن الحق، لم أنتبه لهم من هم، ولكن انتبهت إلى أني كنت ألبس ملابس غامقة اللون أو سوداء، وكان على رأسي عمامة لونها أبيض مختلط بلون الماء، يعني كلون السحاب أو الغيوم، فانتبهت أنها كعمامة رسول الله السحاب أو هي نفسها، وانتهت الرؤيا ].
المحطة الثانية:
في العقيدة وما يلحق بها
تقسيم الصفات الإلهية:
المطالع لكتب العقائد لدى المسلمين يرى أنهم يقسّمون الصفات الإلهية إلى تقسيمات عدة، منها صفات الذات وصفات الفعل، ونحو ذلك.
عن هذا الموضوع سألته يوماً، فأجاب (ع):
[ عموماً، التقسيم يعتمد على جهة نظر وفهم الذي يقوم بالتقسيم، فحتى لو كان التقسيم صحيحاً لا يعني أنّ هذا التقسيم له فائدة، ربما يكون التقسيم بعض الأحيان أقرب للغو.
كما أنّ هناك أُموراً في كتبهم مردودة، ولكنك تعلم أني لا أحبُّ التعرض لهم بالأسماء إلا عند الضرورة.
فمثلاً: مسألة الصفات السلبية بمعنى نفي النقص عن ساحته، لا إشكال فيها، وهي مروية كما في دعاء الجوشن الكبير وفي القرآن. والصفات الكمالية بمعنى وصفه بالكمال المطلق، لا اشكال فيها أيضاً، وهي واردة في القرآن والأدعية. وأنت إذا تقرأ (كتاب التوحيد) تجد موضوعاً تعرّض لهذا الأمر وأين يكون التوحيد. والموضوع تماماً ينقض عقيدتهم برجوع الصفات السلبية للكمالية، تجد مثلاً: التوحيد في التسبيح، وأيضاً تجد: بيان كيف أنّ معرفتنا بصفاته إنما هي معرفة عجزنا عن معرفة صفاته، وأنّ غاية ما يمكن لنا معرفته هو صفات رسوله الأول ورسله من بعده.
هذه الأُمور مبيّنة في (كتاب التوحيد)، هي تماماً نقض لعقيدتهم بالصفات.
هذا إضافة إلى أنّ اسم (الله) نفسه هو صفة، وإنما هو الكمال المطلق الذي يتألّه له الخلق، وإنما تجلّى به وظهر به للخلق لحاجتهم وفقرهم.
ثم هل أنك تصف موجوداً بأنه قادر عند عدم وجود مقدور ؟ أصلاً هل يوجد موضوع للوصف ؟ موضوع الوصف غير موجود عند عدم وجود المقدور، هل تفهم قصدي ؟
طيب، هم طبعاً يقولون بهذا الأمر، أو على الأقل بعضهم يقول بهذا، الآن هل يوصف موجود بأنه إله عند عدم وجود من يأله إليه ؟ هل يُوصف موجود بأنه رب عند عدم وجود مربوب ؟
الآن، هو سبحانه تجلّى بالكمال المطلق (الله) ليأله له المألوهون، لولا وجود المألوهين لما ظهر لهم بالألوهية، الألوهية متعلقة بالمألوه، الربوبية متعلقة بالمربوب، أرجو ان يكون هذا واضحاً.
انظر، كلُّ موجود يظنّ الكمال هو ما يعرفه هو، نمل الصفا يظن أنّ لله زنامتين لأنها غاية الكمال عنده، والإنسان يظن أنّ غاية الكمال هو القدرة الكاملة، العلم الكامل، وهكذا. والسبب أنه يملك بعض القدرة وبعض العلم، فهو يظنّ أنّ "عالم"، "قادر" التي يتصورها هي غاية ما يمكن أن يصف به الله !
المطلوب منه أن يتحرّك باتجاه المعرفة إلى أن يعرف أنه عاجز عن المعرفة، وأنّ الكمال الذي واجهه به سبحانه إنما أراد منه سبحانه أن يوصله إلى هذه الحقيقة التي هي المعرفة الحقيقية، إنما واجهنا بالكمال المطلق ليوصلنا لحقيقة أننا عاجزون عن المعرفة، وبالتالي نعرف أنفسنا ونعرف الحقيقة التي أوجدتنا، نعرفها عندما نعرف عجزنا التام عن معرفتها، معرفة عجزنا هي معرفة الحقيقة. "من عرف نفسه عرف ربّه".
عموماً، هذه حقائق لا تُعرف بالكلام بل عندما يكون الإنسان فيها ].
* * *
أقسام التوحيد:
وعن تقسيمات التوحيد، سألته قائلاً:
علماء العقائد يقسّمون التوحيد إلى أقسام مثل: التوحيد في الذات والتوحيد في الصفات وفي العبادة، وبعضهم يوصل الأقسام إلى سبعة، فبالإضافة إلى الثلاثة أضاف (التوحيد في الأفعال والتشريع والاستعانة والحب).
وفي الاتجاه الآخر نلاحظ أنّ الوهابيين يجعلون للتوحيد قسمين وهما: التوحيد في الألوهية والتوحيد في العبادة. فهل لهذه التقسيمات صحة ؟
فأجاب (ع):
[ بالنسبة للتقسيم عموماً يعتمد على الأساس الذي يُعتمد للتقسيم، وقد تتحقق فائدة من التقسيم وقد يكون بعض الأحيان عبثياً غير مجدٍ، فمثلاً: تقسيم التوحيد إلى توحيد الذات وتوحيد الصفات، بمعنى أنه واحد أحد أي أنه واحد لا شريك له وأنّ ذاته أحدية وصفاته عين ذاته، لا إشكال فيه وهو صحيح وفيه فائدة، فعلى الإنسان أن يعتقد بأنّ الله واحد لا شريك له، وأيضاً بأنّ الله أحدٌ، صفاته عين ذاته. وكذا لو قيل: يجب توحيده في العبادة بمعنى أنّ العبادة التي هي الطاعة بالأصل لله وحده، وتكون طاعة غيره كطاعة أنبيائه ورسله فرعاً عن طاعته سبحانه وتعالى.
وبقية ما ذكرت وفقك الله لا يعدو القول إنّ كلّ شيء قائم به سبحانه، وكل حركة وسكنة في الخارج إنما عائدة له سبحانه وتعالى باعتبار أنها إن لم تكن منه مباشرة وكانت من عبد من عباده فهي بحوله وقوته سبحانه التي خوّلها لذلك العبد ].
* * *
الذات والكنه والحقيقة:
ورد في (كتاب التوحيد) التعبير عن الذات المقدسة أنها قبلة وحجاب وباب للكنه والحقيقة، وأنه سبحانه تجلّى بها لحاجة الخلق ولولاهم لما كان هناك شيء اسمه (ذات)، ولكن هل يصح لنا أن نقول: (إنّ الذات عين الكنه والحقيقة) أو (ظهور لها)، أو (هي هي وليست هي)، أو (هي شيء آخر غير الكنه والحقيقة) باعتبار انّ القبلة شيء وما ترشد إليه القبلة شيء آخر.
ورغم قلة الفهم، كنت قد سألت عن هذا.
فأجاب (ع) قائلاً:
[ الذات هي الكنه والحقيقة، والفرق بالنسبة لنا نحن وليس فرقاً حقيقياً، وهو فرق معرفي ].
* * *
اسم (الله) صفة لماذا ؟
واضح أنّ اسم (الله) صفة، ومعلوم أنّ كلّ صفة بحاجة إلى موصوف، والسؤال: هل الموصوف هو (الكنه والحقيقة)، والحال أنه غيب مطلق وسرٌ مكنون ؟
وعن هذا السؤال أجاب (ع):
[ نعم، صفة بالنسبة لنا نحن لنعرف من خلالها، فهو واجهنا بالذات (بالله) لحاجتنا نحن أن نتألّه إليه لسدِّ نقصنا فنعرف ].
* * *
ما حقيقة الترابط الشرعي بين الأُصول الخمسة !!
يعتقد علماء الشيعة العقائديين المتأخريين أن أُصول الدين خمسة، معترفين أن لا دليل شرعياً (آية أو رواية) عليها، ودليلهم على خماسيتها هو العقل.
ولكن بعض المتفلسفين أراد - زوراً - تصوير الارتباط الشرعي بين الأُصول الخمسة، فنقل أحد أدعية أهل البيت (ص) "اللهم عرفني نفسك ..."، وتبرع له بشرح من جيبه مبيناً أن الترابط بين الأُصول الخمسة شرعي بدلالة الدعاء على حدِّ زعمه !!
وعلى أي حال، هو أيضاً خصّص جانباً كبيراً من بحثه للطعن بأدلة الدعوة اليمانية الحقة، فعزمت على كتابة رد على تخرّصاته.
فسألت السيد أحمد الحسن (ع) عن ذلك، فقال:
[ وفقك الله، إذا كنت تريد أن تناقش مسألة الأُصول الخمسة، فهذا موضوع كبير وواسع، ولا أعتقد أنّ مناقشة الأُصول الخمسة التي ابتدعوا القول بأنها بهذه الصورة هي أصول الدين ينفعك كثيراً، فلو أنك تركّز على مناقشة ما قاله في رد أدلة الدعوة.
يعني أنظر الأُصول الخمسة ما هي، ولماذا وضعها العلامة ؟ ماذا قال فيها العلامة ؟ مختصر كلامه أنها أُصول تثبت عقلياً، الجامع بينها أنها أصول عقلية، ولهذا فهو جعلها أُصول الدين؛ لأنّ الدليل عليها هو العقل، فما معنى أن يأتي هذا ويجعل التلازم بينها أو العلاقة بينها ... الخ نقلية ؟ الكلام في أُصول عقلية، فموضع النقل هنا ثانوي في كل حال، بمعنى أنك حتى لو جئت بالنقل فلا قيمة له هنا؛ لأنّ الكلام في أُمور عقلية ونقاشها عقلي.
مسألة أُصول الدين والعقائد إن شاء الله سينشر كتاب بصددها، ونبيّن فيه الحق من الباطل بحول الله وقوته ].
* * *
الغرض من إرسال الرسل ؟
يطرح بعض من يعتلون أعواد المنابر أُموراً بعيدة كل البعد عن الحقيقة ودين الله، وبكل أسف فإنّ الناس تأخذ منهم العقائد أخذ المسلّمات.
تحدث أحدهم يوماً عن علّة إرسال الرسل، قائلاً:
(الغرض من بعثة النبي أو نصب الوصي وصول النظام، وهذا الغرض لا يمكن أن يتحقق ما لم يؤمن به المجتمع).
طبعاً، هو يريد بقوله هذا الطعن بأحقية دعوة يماني آل محمد (ع)، بحجة أنّ أكثر الناس لم يؤمنوا بدعوته ولم يتحقق وصول النظام، وبالتالي لم يتحقق الغرض من بعثته !!
ولا أدري لو أنّ هذا المنكوس كان في زمن نوح (ع) الذي ظلّ يدعو قومه 950 عاماً ليلاً ونهاراً، ولم يزدهم دعاؤه لهم إلا فراراً وعناداً، كما ينص القرآن، ومع هذا كانت حصيلة جهوده بضعة أنفار قلائل آمنوا به وركبوا معه السفينة ونجوا من الطوفان، والسؤال: ماذا سيكون موقف مدعي العلم هذا من نوح (ع) الذي لم يستطع إيصال النظام وبالتالي لم يتحقق الغرض من إرساله وفق تصوّر هذا المتفلسف ؟!
وعلى أي حال، عن مثل هذه الأقوال سألت السيد أحمد الحسن (ع)، فأجاب:
[ هو قال بنقض الغرض من الإرسال بكذا .... الخ وكلامه كلّه متناقض، والسؤال: ما هو الغرض الصحيح من إرسال الرسل ؟ هل هو حدّده بصورة صحيحة ؟
يعني ممكن نقول: الغرض هو إقامة الحجّة فقط.
وممكن نقول: تبليغ الخلق.
وممكن نقول: الغرض هو هداية الناس إلى الحق.
وممكن نقول: الغرض هو دخول الناس إلى الجنة.
وممكن نقول: الغرض هو معرفة الله.
وممكن وممكن ....
فأيها هو الغرض؟ ولماذا ؟
هو جاء إلى مسألة هم متخبّطون فيها أيّ تخبط وقفز عليها، فهل هو وعلماؤه يعرفون الغرض الصحيح من إرسال الرسل ؟
وليست المسألة أن يقول هذا هو الغرض فقط، بل لابد أن يرجّح لنا أنّ الغرض هذا وليس هذا، فإنّ أيّ قول سيقوله سنشكل عليه بقرآن وبحكمة وعقل.
هم أصلاً يقولون بقول باطل، هم يقولون بأنّ النبوة أو الرسالة واجبة لأنها لطف، واللطف واجب عليه سبحانه وتركه قبيح، إلى آخر أقوالهم.
ولسنا في موضع نقاش عقائدهم وفقك الله، لأنّ الأمر سيطول.
هم أصلاً نظرياتهم العقلية مردودة وغير صحيحة، وعقائدهم مبنية على نظريات عقلية مردودة وغير صحيحة، فالله يقول وهم يقولون، الله يقول: ﴿رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً﴾ (النساء: 165)، الله يقول هنا: علّة الإرسال قطع العذر وإن كان عذراً كاذباً من كذّاب، وهم يقولون: العلّة هي اللطف، وهو واجب عليه والإرسال واجب في كلِّ حال ... الخ.
طيب، الذين لم يرسل لهم الله، هل خالف الواجب في عدم الإرسال لهم ؟
هناك هنود حمر عاشوا مئات أو آلاف السنين في أمريكا ولم يرسل لهم وكانوا يعبدون أخشاباً وأحجاراً وأصناماً وطيوراً، هناك في غابات أفريقيا أقوام آلاف السنين لم يبعث لهم وهم وثنيون، هل خالف اللطف الواجب ؟
وهكذا، تجد كلامهم مبعثراً ويقولون إنه عقلي وعلمي، والمصيبة أنه يخالف القرآن ].
* * *
هل للمخلوق وجود قبل عالم الذر ؟
كنت أحياناً أتساءل في نفسي:
هل عالم الذر أوّل عوالم النزول وأول عوالم الامتحان، وبمعنى آخر: هل للمخلوق وجود قبل عالم الذر في قوس النزول ؟
وبالرغم من أني أعدت صيغة السؤال مرتين، ولكن لا زال الاضطراب يلفّ السؤال، بل يلفّني معه، فأجابني (ع) متفضلاً:
[ لكلِّ المخلوقات وجودٌ مقامي منذ خلق العقل والجهل، وترتبت المقامات بينهما، كلُّ مخلوق بحسب حاله. ثم خلق الله آدم (ع) وذريته في عالم الذر، وكلّ واحد منهم أخذ مقاماً بحسب حاله، أي بحسب سرعة إجابته، بحسب إلتفاته إلى نفسه وغفلته عن ربّه، أو بحسب إلتفاته إلى ربّه. نعم، سؤالك فيه اضطراب، ولكن هذه إجابة عن حال الخلق قبل الذرّ ومروراً بالذرّ ].
* * *
كتابٌ متشابهٌ وأُحكمت آياته !
قلتُ متسائلاً:
هناك آية في كتاب الله تقول إنّ الكتاب كلّه متشابه، وآية أُخرى تقول كلّه أُحكمت آياته، وآية ثالثة تقول فيه محكم ومتشابه، فما هو القول الفصل في بيانها ؟
فأجاب (ع):
[ أين هي الآيات ؟ أم أنّك تسأل كيف أنه (محكم) و(متشابه) و(محكم ومتشابه) في نفس الوقت ؟
الكتاب محكم عند الإمام، ومتشابه عند الناس، ومتشابه ومحكم عند شيعة الإمام؛ لأنهم يعرفون ويقبلون ما أحكمه الإمام.
هناك تفصيل عن الكتاب، وكيف يكون محكماً ومتشابهاً، ولماذا يكون محكماً ومتشابهاً تجده في (كتاب المتشابهات) ([10]) اقرأه، وإذا فهمته لا أظن أنك تحتاج أن تسأل كثيراً عن هذا الأمر، ولكني قبل فترة سمعت لأحد إخوتكم تكلّم في شرح هذا الأمر، فشرح بعض الأُمور بصورة خاطئة، أي أنه لم يكن ربما قد فهم الكلام في (المتشابهات) عن المحكم والمتشابه ].
وما تحسن الإشارة له عدة أُمور:
أولاً: إنّ للسؤال آداب لم أراعها في سؤالي، وللفائدة أقول الآن:
إنّ الآيات هي:
﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ﴾ ([11]).
﴿الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ ([12]).
﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ ([13]).
وبالرغم من عدم إحساني طرح السؤال، إلّا أني ظفرت بمرادي ورفع جهلي بحسن إجابته وتعليمه، فللّه درّه من أبٍ رحيم.
وثانياً: كان ينبغي لي أن أُحسن قراءة ما بيّنه في كتاب المتشابهات قبل طرح السؤال، وفي هذا درس للسائرين إلى الله بأن يتجنّبوا طرح أسئلة مجاب عنها من قبله، ولا أقل نخفف عن أمامنا بعض الجهد الملقى على عاتقه.
وثالثاً: إنّ علينا أن نحسن فهم مراد السيد أحمد الحسن في كتبه وبياناته، لئلّا نقوم بشرح بعض الأمور بصورة خاطئة كما حصل من قبل الأخ الأنصاري المشار إليه في كلامه (ع).
* * *
حاكمية الله والانتخابات في الدستور الإلهي:
أوصل السيد أحمد الحسن (ع) ذات مرة عبر بعض المؤمنين توجيهاً إلى بعض الأنصار في أحد الأماكن، مفاده: إنّ من يريد التصدي لإدارة العمل فعليه أن يرشح نفسه، والترشيح ممكن أن يكون من الشخص نفسه أو عبر ترشيح إخوته له.
أسرع البعض معلناً رفضه أن يكون مثل هذا التوجيه صادراً منه (ع) مشبّهاً هذا الصنيع بصنيع أبي بكر في سقيفة بني ساعدة، وكان للبعض الآخر رأي آخر.
وهذا نص جوابه (ع) في الموضوع بعد سماعه به:
[ بارك الله لكم وتقبّل الله أعمالكم، بالنسبة للانتخابات أعتقد واضح من كلامنا ومن القرآن أنها باطل باعتبارها تكفي لتشخيص الحاكم العام أو من يدير أُمور الناس، أما عندما يطلب الحاكم المنصّب من الله رأي الناس فيمن يحكمهم أو يشرّع لهم قوانين حركتهم العامة، فهذا أمر شرعي ومذكور في القرآن:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ (آل عمران: 159).
أي أنّ لخليفة الله أن يشاور الناس فيما يراه هو مناسباً، ومن ثمَّ له الرأي النهائي، فله أن يقبل مشورتهم أو يردها.
نظام حاكمية الله ليس كالنظام الدكتاتوي وليس كالنظام الديمقراطي، هو نظام خاص، وله تفاصيله وفقكم الله.
نحن عندما نشخّص الانتخابات والشورى على أنها باطلة، فواضح قصدنا: أنها محرمة باعتبارها وسيلة كافية لوحدها وباستقلالية لتشخيص الحاكم أو من يدير أُمور الناس، هذا أمر واضح.
أمّا الدولة أو الدول التي يديرها خليفة الله، فهي تحكم ضمن الدستور الإلهي المذكور في القرآن والتوراة وكتب وسيرة الأنبياء (ع).
وأنتم أعتقد ليس لكم معرفة تامة بهذا الدستور، فالمفروض أن تتعرّفوا على هذا.
والمفروض أن تتعرّفوا على هذا الدستور القرآني وبعدها تقولون هل هو صحيح أم لا، وهل هو شرعي أم لا ؟
عموماً، هناك قاعدة عامة: إنّ المعصوم له أن يعيّن دون مشورة الناس، وله أن يستشير الناس فيمن يعيّنه، وله أن يأخذ بمشورتهم، وله أن يردها، أو يقبل بعضها دون بعض، وله أن يشرع القوانين العامة ضمن حدود الشريعة، وله أن يستشير الناس بالتشريع القانوني الواقع في حدود الشريعة، وله أن يقبل مشورتهم، وله أن يردها، وله أن يقبل ببعضها.
وضمن الدستور الإلهي هناك مجالس استشارية ينتخب بعضها الشعب عموماً، وبعضها يُعيّنون تبعاً لوجاهتهم مثلاً: أساتذة الجامعات أو شيوخ العشائر ... الخ.
الدستور الإلهي وفقكم الله كبير وواسع، وأعتقد أنكم لا تعرفون الكثير ربما فيما يخص هذا الأمر، فتريثوا قبل أن تعترضوا في هذا الأمر أو تقدّموا رأياً غير صحيح.
من يعتقد أنّ أحمد الحسن لابد أن يحكم دولة إذا نصرنا الله فهو مخطئ، خليفة الله يمكن أن يشرف على الحكم ويكتفي فقط بما يجب أن يكون تحت يده مثل قرار الحرب والسلم، أما أنه يدير كل جزئية فهذا أمر له، وهو يعمل بأمر الله، فإن أمره الله أن يباشر الأمر بنفسه بكل تفاصيله باشره، وإن أمره الله أن يعيّن من يدير أُمور الناس فعل كذلك.
أسأل الله أن يوفقكم ويسدد خطاكم ].
* * *
كفى بالكتاب حجيجاً وخصيماً !
يحاول بعض الوهابيين تبرير مقولة صاحبهم (حسبنا كتاب الله)، التي أطلقها بوجه سيد الخلق (ص) عند إرادة كتابة الكتاب العاصم لأُمّته من الضلال وطلبه الصحيفة والدواة، بمقايسته بقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في خطبة له: (.. وكفى بالله منتقماً ونصيراً، وكفى بالكتاب حجيجاً وخصيماً ..).
وفي بيان الفارق بين القولين، وردّ احتجاج هؤلاء الجهلة، يقول (ع):
[ عمر قال قوله في مقابل سنّة الرسول (ص)، أي أنه قال (حسبنا كتاب الله) في مقام ردّ سنة الرسول وقول الرسول محمد (ص). أما قول الإمام علي (ع) فهو ليس هكذا، بل هو من باب مدح القرآن وتعظيم شأنه مقابل غيره، وليس لردِّ غيره كما فعل عمر ].
* * *
الطعن على كتاب الله من قبل المسيحيين !
يطعن المسيحيون بكتاب الله القرآن الكريم كثيراً، وعن هذا كان (ع) يقول:
[ المسيحيون لا ينظرون إلى حكمة القرآن والقانون العادل فيه وأنه أمر بالخير والمعروف، وهو أكيداً يدلّ على أنّ القرآن من الله وليس من الشيطان، بينما يجادلون في أنّ القرآن يخالف اللغة وإشكالات لا تنتهي وتبيّن أنّ صاحبها لا يطلب الوصول إلى شيء، الذي من الشيطان يدل عليه سفه قوله، قال أمير المؤمنين (ع): "اعرف الرسول بالرسالة"، الرسالة تدل على المرسل ومن أين هو. الكلام الحكيم والنظام الدقيق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الله، والكلام السفيه والعبث والأمر بالمنكر والنهي عن المعروف من الشيطان ].
* * *
التشريع بالقرآن ومشكلة التأويل !
قد يقال: إنّ التشريع بالقرآن الآن بالنسبة للمسلمين فيه مشكل التأويل وتعدد الوجوه، وأيضاً قد يؤثر اختلاف الزمن على اختلاف الأحكام، فكيف الحل ؟
وبكلِّ وضوح أنّ مثل هذا السائل أغفل العدل الآخر للقرآن بالمرة، والذي لا يفارقه مطلقاً بنص حديث الثقلين المعروف لدى جميع المسلمين.
ولذا كان (ع) يقول في إجابة السؤال:
[ التشريع يكون بالقرآن وسنة المعصوم الحالي أيضاً، المعصوم مشرّع في كلِّ زمان، وليس ضرورياً أنّ المعصوم الحالي يستنسخ الأحكام السابقة لهذا الزمان؛ لأنه مشرّع ويمكن أن ينسخ الأحكام السابقة له ].
* * *
هل ينسجم القانون الوضعي مع فطرة الإنسان ؟
يروق لبعض النافرين من الدين، ويبدو لي أنّ السبب أحياناً يكمن في رجاله، أن يصل بهم الحال إلى تقديس القانون الوضعي وادعاء صلاحيته المطلقة لقيادة المجتمع الانساني في شتى جوانبه، بخلاف القانون الديني.
لمثل هؤلاء كان (ع) يقول:
[ ضمن القانون الوضعي: هل حقوق المجتمع محفوظة، أم لا ؟ وكيف وازن القانون الوضعي بينها وبين حقوق الفرد ؟ وهل حقوق الله محفوظة ؟ وهل حقوق البيئة محفوظة ؟ وهل حقوق الحيوان محفوظة ؟ وهل حقوق النبات محفوظة ؟ وغيرها.
ثم كيف تمت الموازنة بين هذه الحقوق في القانون الوضعي، وهل يقولون إنها موازنة مثالية وعادلة، وكيف حكموا، وما هو ميزانهم للحكم ؟
الآن القانون الوضعي يرتكب أكبر جريمة في التاريخ بحق كل الإنسانية، وهي النتيجة التي وصلت لها الأرض من الاحتباس الحراري الذي يهدد بإبادة الجنس البشري ككل ! ].
* * *
هل تنكر نظرية الانفجار الكوني الخالق ؟
قال (ع) معلقاً على نظرية الانفجار الكوني وكونه سبباً لنشوء الخلق:
[ الانفجار العظيم، نظرية تثبت أنّ العالم الجسماني محدث، ونتج عن تكثف طاقة، وبالتالي فهي دلالة على وجود الخالق الأزلي ].
وأدعو الجميع إلى ترقّب صدور كتابه الموسوم بـ "وهم الإلحاد"، الذي قال (ع) عنه - بعد أن طرح عدة أسئلة تتعلق بالخالق والكون وطلب من علماء الدين الاجابة عنها -:
[ ... وفيما يخصني فهذه الأسئلة وأكثر منها بكثير أجبتها في كتاب "وهم الإلحاد"، وإن شاء الله سأقوم بنشره قريباً، والذي يحوي أيضاً على ما يمكن أن يسمّى مناظرة علمية مع بروفسور ريتشارد دوكنز الذي يعتبر من أكبر علماء الأحياء التطويرية المعاصرين، وبروفسور ستيفن هوكنج وهو من أكبر علماء الفيزياء النظرية والرياضيات التطبيقية ومتخصص في علم الكون وله نظرية مثبتة في اشعاع الثقوب السوداء ].
* * *
هل الأقانيم متمايزة ؟
يعتقد المسيحيون بالأقانيم الثلاثة، وهو أمر معروف عنهم.
وعن تمايز الأقانيم من عدمه، قال السيد أحمد الحسن (ع):
[ هم يقولون: الأقانيم متمايزة، لهذا أرسل أحدها الآخر، الآب أرسل الابن، والآب أرسل روح القدس، والابن أرسل روح القدس. هم قالوا بالتمايز لكون أحد الأقانيم أرسل الآخر، وهذا يُبيّن لك علّة القول بالتمايز عندهم ].
وعن ربط الاعتقاد بتمايز الأقانيم وبين التجسد، الذي يعتقدون به أيضاً، قال (ع):
[ الكلام في الأقانيم لا علاقة له بالتجسّد، فالتجسد عندهم موضوع آخر. التمايز بين الأقانيم عندهم قائم قبل التجسد، وأثناء التجسد، وبعد انتهاء التجسد ].
* * *
إنجيل برنابا:
عن إنجيل برنابا الذي يحتجّ بعض المسلمين بنصوصه، سمعته (ع) يقول:
[ وفقكم الله، إنجيل برنابا المتداول هو إنجيل مكذوب مائة بالمائة، ولا يمكن أن يحتج به مسلم على المسيحيين؛ لأنه باختصار لا يوجد له أيّ طريق أو سند تاريخي معتبر، فأين هي نسخة هذا الإنجيل القديمة التي طبع على أساسها، وما هو تاريخها، وأين وجدت، وهل تم تحليلها، ومن حللها، وماذا قال عنها ؟ من يريد أن يحتجّ بهذا الكتاب عليه أن يجيب هذه الأسئلة، وبعد أن يجيبها سيجد نفسه مفلساً من الدليل على أنّ هذا الكتاب يمثّل شيئاً يمكن الاحتجاج به على المسيحيين ].
ولمن يقارن بين إنجيل برنابا وإنجيل يهوذا، قال:
[ ما يسمى إنجيل برنابا، مجرد لعبة يخدع بها المتأسلمون أنفسهم، وإلا فهو لا قيمة تاريخية له، ولا يمكن أن يحتج به عاقل على المسيحيين، فكيف يحتج بكتاب لا أصل له ؟
أما إنجيل يهوذا، فهو إنجيل قديم، ووجد له أصل تاريخي ووثيقة تاريخية، وموثق بالفحص العلمي الدقيق ].
* * *
المحطة الثالثة:
ما يتعلق بأدلة الدعوة المباركة
النص وشهادة الله:
فاجئني السيد أحمد الحسن (ع) يوماً، فقال:
[ عندي سؤال لك، هو سؤال علمي وفقك الله.
الدليل على الحجة هو النص، أليس كذلك ؟
طيب، هل هذا الدليل لابد أن يكون مرافقاً للحجة منذ اليوم الأول، أي يكون مطروحاً منذ اليوم الأول، أم يجوز أن يتأخّر عن اليوم الأول لادّعاء الخليفة ؟
وهل يجب أن يكـون هذا النص حجــة على كلِّ الناس في نفس الوقـت الذي يُطـرح فيه، أم لا ؟
وكيف ينفع أن يحتج محمد (ص) على البوذي بالنص ؟
أو ما هو النص الذي يحتجّ به محمد (ص) على الهندوسي وعلى البوذي ؟
هذه أسئلة تخص قانون معرفة الحجة أو النص منه بالخصوص.
هل تجد إجابة لهذه الأسئلة ؟ ].
قلت: هل أُجيب بما أعرف من كلامك ؟
قال (ع): [ نعم ].
قلت: ما عرفته أنّ الله سبحانه وشهادته وسؤاله هو ما يعتمده الحجة في دعوته ابتداءً، وبه يؤمن عباد الله، والنص وإن كان موجوداً ولكن شهادة الله أرفع قدراً، والله أعلم.
فقال (ع): [ نعم، وهل شهادة الله ليست نصاً ؟ وهل نص غير الله أعظم من شهادة الله ونص الله ؟
نعم هي نص، لم أكتب قانون معرفة الحجة كاملاً فيما مضى رجاء أن يتصدّوا للمناظرة، ولكنهم كما يبدو لا يريدون المناظرة، ويكفيني ما صرّحوا به على الفضائيات من الاستهزاء بالرؤيا، والآن إن شاء الله سينزل كتاب (عقائد الإسلام) وفيه فضيحتهم وبيان جهلهم، مع أنهم لا يستحون !
فقبل أيام سمعت بالصدفة أحد معمميهم يرد على وهابي أشكل عليه بأنّ أصل الإمامة الذي تقولون به غير مذكور في القرآن كأصل ديني، فكان جوابه منقول من كتب الدعوة، قال له: نحن نقول إنّ الأئمة خلفاء الله في أرضه، وآدم أول خليفة لله، والله قال: إني جاعل ... الخ. هكذا دون حياء يأخذون من الدعوة عندما يناقشون مخالفيهم، وعندما يسألهم الناس عن الدعوة يكذبونها !!
أليس أخذهم من الدعوة ومن علومها دليل على حاجتهم لصاحب الدعوة وعلى استغنائه عنهم ؟ أليس هذا (أي العلم) من أدلة الامامة، وأن الإمام يُعرف بحاجة الكل له واستغنائه عن الناس ؟ حسبنا الله ونعم الوكيل، ما أصبرهم على النار ! ].
* * *
هل مجرد ادعاء الوصية دليل ؟
الوصية المقدسة، كتاب محمد (ص) العاصم لأُمته من الضلال، والذي شاء الله سبحانه أن يُحفظ من ادّعاء المبطلين، ليكون حجّة واضحة على صدق صاحب راية الحق والهدى في زمن الظهور، عند إذن الله لآل محمد (ع) بابتداء دعوتهم الإلهية الكبرى.
ولكن، بعض أدعياء العلم يحاولون صرف الناس عن هذا الدليل الإلهي العظيم، ويحملونهم على التشكيك به، بدعوى إمكانية احتجاج المبطلين بالوصية !!
وبالرغم من أنهم عاجزون عن تقديم مثال واحد، عبر مسيرة الإنسانية منذ يومها الأول، يبرّر لهم فعلهم هذا، نجد أنّ القرآن الكريم يكذّب زعمهم بوضوح.
وعن شكّهم هذا، كان (ع) يقول:
[ يقولون: كيف يكون مجرد ادعاء الوصية دليلاً ؟ في حين القرآن يقول إنه دليل، وقد ذكر أنّ عيسى أوصى وبشر بمحمد (ص) للاحتجاج على النصارى.
ألا يرون أنّ الله سبحانه اعتبر مجرد ادعاء محمد (ص) أنه هو من أوصى به عيسى حجّة ؟
وإلا لو لم يكن الأمر هو هذا، فما معنى ذكر الله سبحانه لوصية عيسى (ع) ؟
أليس أنه ذكرها للاحتجاج بها ؟ وهل ذكر أنّ وصية عيسى فيها شيء غير الاسم الأول ؟
إذن، القرآن يقرّر أنّ الوصية لا يدعيها إلّا صاحبها.
على كل حال، يفعل الله ما يريد، ولله أمر هو بالغه ].
* * *
احتجاج الأنبياء بالوصية:
وعن احتجاج الأنبياء (ع) بالوصية، سمعته (ع) ذات يوم يقول:
[ يقولون: هل موسى (ع) احتجَّ بالوصية ؟
كيف لم يحتج بالوصية وبنو إسرائيل كانوا ينتظرونه بسبب وصايا أنبيائهم به !
وكذا عيسى (ع)، وكذا محمد (ص)، ألم ينصّ القرآن بوضوح على الاحتجاج بالوصية ؟
القرآن واضح في أنهم (ع) كانوا موصى بهم، وكانوا يحتجون بالوصية، ويكفي أنّ القرآن وبوضوح احتجَّ بوصية الأنبياء (ع) وعيسى (ع) بمحمد (ص) ].
قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ ([14]).
* * *
هل مضمون الوصية معلوم سلفاً ؟
يزعم بعض من يدعي علماً أن لا حاجة إلى أن يوصي محمد (ص) عند الاحتضار، فحديث الثقلين أو الغدير مثلاً يغني عن كتابتها، ولما كان مضمونها معلوم سلفاً فلا حاجة إلى أن يكلّف نفسه بكتابتها !!
وكان جواب السيد أحمد الحسن (ع) لمثل هؤلاء المدعين هو التالي:
[ إنّ بعضهم يدّعون أنهم يعلمون ما في وصية رسول الله (ص) التي لم يكتبها حسب زعمهم، وبأنها مجرد تأكيد لبيعة الغدير ولحديث الثقلين المجمل، ولهذا فهو (ص) لم يهتم لكتابتها ولم يكتبها بعد حادثة الرزية بحسب زعمهم ولو للمساكين الذين يقبلونها كعمار وأبو ذر والمقداد، ولم يكتبها حتى لعلي (ع) لتصل لمن يقبلونها بعده لكي لا يضيع ويضل كلّ من في أصلاب الرجال وتعصم الأمة من الضلال.
ولا أدري من أين علموا أنّ الوصية مجرد تكرار أو تأكيد لحادثة الغدير أو غيرها من الحوادث والأقوال السابقة لرسول الله (ص) كحديث الثقلين المجمل، مع أنه (ص) نبي ورسول من الله والوحي مستمر له ورسالته لهداية الناس مستمرة حتى آخر لحظة من حياته، فهل أن الله أخبرهم مثلاً أنه لم يوحي لمحمد قبل احتضاره بيوم أو بشهر أو بشهرين شيئاً جديداً وتفاصيل جديدة تخصّ أحد الثقلين وهو الأوصياء من بعده وأسماء وصفات بعضهم بما يضمن عدم ضلال الأمة إلى يوم القيامة، مع أنّ هذا الأمر موافق للحكمة. وإذا لم يكن قد أوحى الله لهؤلاء المدعين شيئاً، فلماذا الجزم أنّ الوصية كانت مجرد تكرار لما سبق ولهذا كان الأفضل ترك كتابتها بعد رزية الخميس بحسب زعمهم ؟
هل هذا يعني أنّ عمر يقرر لرسول الله أنّ الأفضل عدم كتابة الوصية في يوم الخميس كما يزعم من اعتبروا أن اعتراض عمر على كتابة الكتاب كان بتوفيق وتسديد، وأنتم تقررون لرسول الله أنّ الأفضل عدم كتابة الوصية بعد يوم الخميس، ولا تُعدمون القش لإيقاد ناركم، فمن الرسول بربكم محمد بن عبد الله (ص)، أم عمر وجماعته، أم أنتم يا من تسميتم بالتشيع ؟ ].
ولم تفرغ سلّتهم من الإشكالات على كتاب محمد (ص) العاصم لأُمته من الضلال، فاخترع بعضهم إشكالاً مفاده: إما أن يكون موسى بن جعفر (ع) قد أوصى في سجنه قبل الوفاة لمن بعده وكتب وصيته، أو أنّ محمداً (ص) لم يكتب وصيته ؟!! ولمثل هذه السفاسف، كان (ع) يقول:
[ نحن أثبتنا وجوب الوصية عند الاحتضار وبالدليل، وهم الآن ليس لديهم دليل نقض، إذن ثبت دليلنا، وثبتت وصية رسول الله (ص) الوحيدة بحسب هذا الدليل على وجوب كتابتها.
أما الإشكال على وصية رسول الله (ص) بعدم وجود وصية عند الاحتضار لموسى بن جعفر (ع) مثلاً لكونه مسجوناً، فالله يقول: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ (البقرة: 286)، فالمريض لا يصوم، ومن يُعدم السبيل لا يُكلّف كتابة الوصية عند الاحتضار، فموسى بن جعفر لم يكن بوسعه والرسول (ص) ليس كذلك، بل كان كتابة الوصية بوسعه، فيجب عليه الكتابة.
هذا إضافة إلى أنّ وصايا وروايات الأئمة (ع) لم تصل كلّها، فقد ضاع كثير من أُصول الشيعة الروائية كما يعلم الجميع.
هذا إضافة إلى أنه لا يضرّ أن لا يكتب موسى بن جعفر (ع) وصيته عند الاحتضار؛ لأن وصية الرسول (ص) عاصمة للأُمة من الضلال إلى يوم القيامة، فلا يجب أن يوفر الله ظرفاً لموسى بن جعفر (ع) ليوصي عند الاحتضار، ولكن الله وفّر الوقت والفرصة والسعة لرسول الله (ص) عند الاحتضار ليوصي، وقد أوصى ونقلت الوصية ].
والآن، هل فرغت جعبتكم من الإشكالات على الوصية المقدسة، أم لا زالت !!
* * *
الوصية والنص المباشر:
يقول بعضهم: إنّ وصية رسول الله (ص) لا تكفي في إثبات أحقية المحتج بها، ولابد أن تكون الوصية من الإمام إلى الامام الذي بعده مباشرة ؟
ولمثل هؤلاء كان (ع) يقول:
[ إنّ علماء الشيعة يقولون: إنّ الوصية أو النص يكفي من الرسول، كما في كتاب (الباب الحادي عشر)، بشرح المقداد السيوري ([15])، فهناك نص فيه: إنّ النص من الرسول أو الإمام السابق يكفي.
فالوصية من الرسول تكفي، بالنصوص من عقائد حوزتهم.
إنّ هؤلاء لا يعتبرون، لا بقرآن ولا بروايات ولا بالمعصومين، هؤلاء لا يعتبرون إلّا بأقوال مراجعهم وفقهائهم وما يدرّس في حوزة النجف، بل وحتى ينكرونه لأجل أن يرضوا أهواءهم ].
وهذا قول العلامة الحلي:
(الإمام يجب أن يكون منصوصاً عليه؛ لأن العصمة من الأمور الباطنة التي لا يعلمها إلا الله تعالى فلابد من نص من يعلم عصمته عليه، أو ظهور معجزة على يده تدل على صدقه).
وعلّق عليه شارحه (المقداد السيوري) في (النافع يوم الحشر: ص100)، قائلاً:
(أقول : هذه إشارة إلى طريق تعيين الإمام، وقد حصل الاجماع على أنّ التنصيص من الله ورسوله وإمام سابق، سبب مستقل في تعيين الإمام (ع)، وإنما الخلاف في أنه هل يحصل تعيينه بسبب غير النص أم لا، فمنع أصحابنا الإمامية من ذلك مطلقاً وقالوا: لا طريق إلا النص ...).
* * *
رواية تبّر الله عمره:
أوضح السيد أحمد الحسن (ع) في كتابه (الوصية المقدسة الكتاب العاصم من الضلال)، أحد إصدارات الدعوة اليمانية المباركة، وهو منشور في الموقع الرسمي، أوضح (ع) بما لا يقبل الشك حجية الوصية المقدسة وصدق المحتج بها، قرآناً وسنّة وعقلاً.
وكان من ضمن ما جاء في الكتاب بيان لمعنى رواية: (تبّر الله عمره) بالنسبة للمدعي باطلاً.
وفي هذا قال (ع):
[ إني وجدت أنّ الأنصار غير واضح عندهم معنى رواية "تبّر الله عمره"، وأين موضعها. أسأل الله أن ينفعكم به لبيان الحق للمؤمنين، وأن يُعلي كعبكم ويظهر حجتكم على الظالمين ].
ولكلِّ من قرأ الكتاب، أقول:
إنّ الدليل العقلي الذي أوضحه السيد أحمد الحسن (ع) في كتابه، يثبت استحالة ادعاء النص التشخيصي لخليفة الله؛ لوضوح اللوازم الواجب تنزيه الله سبحانه عنها. ولكن ما فهمته ابتداءً من الدليل القرآني والروائي هو (مصروفية الجميع عن أصل ادّعاء النص التشخيصي) أو (اقتران هلاك المدعي الباطل بادعائه له).
وقد يُفهم من الشق الثاني إمكانية ادّعاء النص التشخيصي من قبل مدعٍ باطل مقروناً بهلاكه، فكيف توصّل هذا المدعي الباطل إليه إذن بعد صرف الجميع عنه واستحالة ذلك عقلاً ؟
هذا تساؤل خطر في بالي عند قراءتي للكلام، فأوضح (ع) قائلاً:
[ لا، ليس كذلك وفقك الله. النص القرآني والروائي أيضاً في نفس معنى الدليل العقلي، إنما هو بيان الحماية الإلهية للنص بهلاك المدعي، وليس المراد إمكان تحقق الادّعاء، تماماً كفرض المحال.
وعبارة: (أو على الأقل فإنّ ادعاءه لها مقرون بهلاكه قبل أن يظهر للناس)، هي فرض لأقصى ما يمكن أن يصل له الادّعاء، وليس معنى الفرض أنّ الأمر ممكن التحقق، ولكن نقول: لو تحقق هذا فلا يضر؛ لأنّ تحقق هذا الادّعاء إلى هذه المرحلة لا يضر بكون النص محمياً، فالحماية المهمة هي من أن يدعيه إنسان معلناً ادّعاءه لغيره، أما لو فرضنا أنه ادّعاه بينه وبين نفسه وأهلكه الله قبل أن يخرج ما في نفسه، فهذا الأمر لا يضر بكون النص محمياً. إنما الفرض لبيان معنى الحماية وتقريب الصورة وحدها إلى أبعد ما يمكن من التوضيح ].
وقد يبدو هذا غامض بالنسبة إلى من لم يقرأ الكتاب المشار إليه، لذا أنصح بقراءته ليتوضح جواب السيد (ع) هنا بشكل أكثر.
وإلى من يقول من الإخوة الأنصار: إنّ الأمر صار واضحاً حياء ربما، أنقل التالي:
بيَّن (ع) لي ذات يوم موضوعاً، ثم قال ما معناه: هل صار واضحاً ؟
ولما قلت: نعم واضح، قال:
[ أرجو أن لا تقول لشيء: واضح، وهو غير واضح، كما لا تستحي من الإشكال أبداً؛ لأنكم سيواجهكم مخالفيكم بالإشكال، فلابد أن تكونوا على معرفة تامة بما تطرحون، وفقكم الله وسدّد خطاكم ].
* * *
كتاب (الوصية المقدسة الكتاب العاصم من الضلال):
وبخصوص أهمية كتاب (الوصية المقدسة) الذي أخبرتكم عنه، قال (ع):
[ أرجو أن تعملوه كتيّباً صغيراً للجيب؛ لأنّ فيه بيان كيفية الاستدلال والاحتجاج بالوصية. كما أرجو أن تدّرسوه في الحوزة كمحاضرة أو محاضرتين، وكذا في حوزة النجف. وأيضاً يعملوه كتيّباً يوزع عندهم. وأيضاً لو ينشر في الجريدة لينتفع منه أكبر عدد من الناس، وحاولوا إيصاله للمؤمنين وللناس بأي وسيلة متاحة لكم لينتفعوا منه، جزاكم الله خيراً ].
وقال عن وصية جده محمد (ص) أيضاً:
[ النص موصوف أنه عاصم من الضلال، وقيد (أنه عاصم من الضلال) هو المهم، فلو لم يحفظه من وصفه بأنه عاصم من الضلال من ادّعاء المبطلين لكان كاذباً، أو لكان جاهلاً فوصفه بوصف ليس فيه، ولكان عاجزاً ... الخ، وحاشاه من كلِّ ذلك ].
* * *
ليبشر المدافعون عن وصية محمد(صلى الله عليه وآله):
ما يحزن في هذه الدنيا كثير، ومن ذلك الرؤيا المنذرة، خصوصاً إذا ما كان مضمونها ينذر بنحو خطير يتعلق بالعاقبة مثلاً.
قص أحد الأنصار يوماً على السيد أحمد الحسن (ع) رؤيا منذرة كان قد رآها به أحد الأنصار، وظاهرها أقلقه جداً. فلما سمع منه الرؤيا، أجابه قائلاً:
[ إن شاء الله يكون خيراً، ويعصمكم الله من الشيطان، وفقك الله وسدد خطاك.
لا يكون إلا الخير، وإن شاء الله أنت يقف لك الله الذي دافعت عن منهجه دائماً، ورسول الله (ص) الذي دافعت عن وصيته، ولن يكون إلا الخير، ورحمة الله واسعة.
ولكن الخوف من سوء العاقبة ينبغي أن لا يفارق أحداً حتى من علم من الله حسن خاتمته.
أسأل الله أن يرزقك حسن العاقبة، وأن تنصر كل خليفة لله في أرضه تعيش في زمانه، وفقك الله وسدد خطاك ].
* * *
كيف آمنت أُمّ موسى بموسى (ع) ؟
قال السيد أحمد الحسن (ع) في بيان ذلك:
[ في القرآن كيف آمنت أُمّ موسى (ع) بموسى ؟
أليست أُمّ موسى مكلّفة ؟
قال تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ (القصص: 7).
﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾.
هذه شهادة الله عندها لابنها موسى (ع)، وهي مكلّفة أن تؤمن بموسى (ع) كغيرها من المكلفين، فكيف آمنت به إلا من خلال الرؤيا التي هي وحي الله إليها ].
قال الشيخ المفيد (رحمه الله) عن كيفية الإيحاء إلى أُمّ موسى (ع):
(... فأما قولنا في المعجزات فهو كما قال الله تعالى: "وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين"، فضمن هذا القول تصحيح المنام إذ كان الوحي إليها في المنام ...) ([16]).
* * *
لماذا نهى يعقوب (ع) ابنه عن قصّ رؤياه ؟
قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ ([17]).
يقول السيد أحمد الحسن (ع) في بيان سبب نهي يعقوب (ع) ابنه يوسف (ع) عن أن يقصَّ رؤياه على إخوته:
[ الرؤيا اعتبرها يعقوب (ع) في القرآن دليل تشخيص لخليفة الله يوسف (ع)، وحذّره من قصّها على إخوته؛ لأنهم سيعرفون أنه خليفة الله ووصي يعقوب منها.
ومع هذا، هؤلاء الجهلة ينكرون ؟! لا أدري كيف يدّعون أنهم يؤمنون بالقرآن ؟!
لو كان العذر أنهم يجهلون التفسير، فقد بيّنا لهم، ولا يمكنهم الإنكار، فما بقي إلّا العناد ].
إذا اتضح هذا، أقول: ألا يستحي المستهزؤون بالرؤى كدليل يشخّص مصداق خليفة الله من أقوالهم التي يستخفون بها الناس ويحملونهم على جحود وحي الله وتكذيبه، وهل هم أطهر أو أكثر إيماناً من أُمّ موسى (ع)، أو أفهم بدين الله من نبي الله يعقوب (ع) ؟!!
هل يُخير الله لغير وليّه ؟
يصادفنا أثناء طرح دعوة الحق على الناس، أنّ بعضهم يتقبّل أدلة دعوة الحق شيئاً ما، بعد بيانها لهم بشكل تفصيلي بحيث لا يبقى لديهم عذر أو حجة يتحججون بها، ثم يستخيرون الله فيخير الله لهم بنصرة أحمد الحسن، ولكن ولأنّ نفسه تهوى شخصاّ آخر فيترك خيرة الله له ويعمد على البقاء في اتباع صاحبه، زاعماً أنّ الله خار له أيضاً باتباعه !!
بل صادفتني حالة: إنّ شخصاً كان يزعم أنه يستخير الله طول حياته ويعمل بخيرة الله له، وكان قد استخار سبع مرات على اتباع السيد أحمد الحسن (ع)، وظهرت له سورة يس وكانت جيدة جداً، ولكنه تردّد في العمل بها هذه المرة !!
حجّته في ذلك: إنه وبعد أن خرجت الاستخارة سبع مرات على أحمد الحسن جيدة، ذهب واستخار الله على اتباع غيره وأنه هو اليماني، فخرجت جيدة أيضاً !!
عن مثل هؤلاء سألت السيد أحمد الحسن، فأجاب (ع):
[ هؤلاء الأشخاص مساكين، فأنتم بيّنوا لهم الأدلة واحداً تلو الآخر، بيّنوا لهم كيف أنّ الوصية تكون حجة قطعية لمن يطلب الحق، ولا يعذر عند الله من يعرض عنها.
وأما صاحب الاستخارة وأمثاله، فهو طلب أن يخبره الله عن أحمد الحسن فأخبره الله، فشكّ بكلام الله وأعرض عن كلام الله وطلب هواه، فاستخار على غيره؛ لأنّ هذا يوافق هواه، فوكله الله إلى نفسه. فاستخارته على غير من خار الله له باتباعه هي استخارة للشيطان وليست استخارة الله، فهو قد استخار الله وكلّمه الله وأجابه بكتابه القرآن، فأعرض عن كلام الله وطلب هواه وما تهواه نفسه الأمّارة بالسوء.
من يستخير الله ويخبره الله ويشهد له بكتابه أنّ أحمد الحسن حق، كيف يكفر بإخبار الله له وبشهادته !! وماذا بعد كل هذا غير جهنم التي يطلبها وينتظرها بهذا الإعراض ؟!
أيعقل أنه يسأل الله، ثم لما لم يعجبه الجواب عاد وسأل وأجابه الله، وعاد، وأجابه الله، وكرّر ذلك سبع مرات، فلما وجد الأمر لا ينفعه؛ لأنّ هذا طريق ذات الشوكة والقلة، ذهب إلى أن يستخير هل أن فلاناً هو اليماني ؟!!
طيب هل جواب الله وشهادته لعبة (والعياذ بالله) عندما لا يعجبه الجواب يذهب ليسأل عن فلان ؟ هل يستهزؤون بالله، هل يُلام الله لما يوكله إلى نفسه ولما تطلبه نفسه وهواه، وماذا ينتظر غير جهنم بفعله هذا !!
وإذا كانت الأدلة لا تنفعهم، وجواب الله لا ينفعهم، فماذا ينفعهم ؟
حسبنا الله ونعم الوكيل ].
* * *
هل عرض أحمد الحسن المعجزة على المراجع !
قد يتوهم البعض - وحتى بعض المؤمنين ربما - أنّ السيد أحمد الحسن (ع) عرض المعجزة ابتداءً على المراجع، وترك أمر تحديدها إليهم، وأما هو فدوره أنه ينفّذ ما يقترحون ويطلبون !!
هكذا قد يظنّ البعض. ولكن الحقيقة هي ما يوضحه السيد أحمد الحسن (ع) بقوله:
[ بالنسبة لقضية المعجزة، التي عرضنا على بعض المراجع أن يوثّقوا طلبهم لها، وأنّ الحجة يُعرف بها، ببيان رسمي منهم.
يجب الانتباه أنهم هم من طلبها ابتداءً، والاستجابة كانت لبيان أنهم إما كذابون وغير جادّين وإنما يريدون تضليل الناس، وهذا يتبيّن بعد أن خاطبناهم رسمياً وهم لا يستجيبون. وإما إن استجابوا وكتبوا بياناً رسمياً ووثقوا طلبهم، فهم بهذا يبيّنون أنهم جهلة؛ لأنهم حصروا طريق معرفة الحجة بالمعجز، بينما هو ليس الطريق الوحيد، بل هو طريق مختلف فيه.
المراجع ووكلاؤهم قالوا للناس: لا نؤمن إلا أن يأتينا بالمعجزة، فكانت الاستجابة من أحمد الحسن لطلبهم وأن يوثقوا طلبهم لبيان أمرين:
أولاً: إنهم كذابون، ويتبيّن كذبهم إن لم يكتبوا طلبهم وينشروه بين الناس.
ثانياً: إنهم جهلة ويخالفون الأصل العقائدي وهو أنّ الحجة يُعرف بالنص، وأما كونه يمكن أن يُعرف بالمعجزة فهو مختلف فيه، فكيف جعل المراجع الطريق الوحيد لمعرفة الحجة هو إظهار المعجزة ؟!
هذا ردٌّ على بعض من يكذبون ويقولون إنّ أحمد الحسن جاء وعرض على المراجع ابتداءً طلب أيّ معجزة ].
* * *
حجيّة المهديين (عليهم السلام):
يحاول البعض التشكيك بحجية المهديين صلوات الله عليهم أجمعين ووجوب طاعتهم، من خلال التشكيك بإمامتهم، بحجة أنّ الإمام الصادق (ع) نفى إمامتهم !!
والرواية: (عن أبي بصير، قال: قلت للصادق جعفر بن محمد (ع): يا ابن رسول الله إني سمعت من أبيك (ع) أنه قال: يكون بعد القائم اثنا عشر إماماً، فقال الصادق (ع): إنما قال: اثنا عشر مهدياً، ولم يقل: اثني عشر إماماً، ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا) ([18]).
وبالرغم من أنّ الكثير من كتب الدعوة اليمانية المباركة تعرضت لهذه الشبهة وأجابت عليها بكل وضوح، وأنّ الإمام الصادق (ع) في الرواية ليس بصدد نفي إمامة المهديين (ص)، إنما كان بصدد تصحيح قول أبيه الباقر (ع) لأبي بصير الناقل للخبر، وأما هل أنّ لهم مقام الإمامة أم لا فقد تكفلته روايات عديدة وبيّنت أنهم أئمة أيضاً.
كما أنّ مرتبة الإمامة التي نالها إبراهيم (ع) بنص الكتاب الكريم لم تمنع اتصافه بالتشيع لخير الخلق بعد رسول الله (ص)، بنص الروايات الشريفة.
وعلى كل حال، الأجوبة عديدة وواضحة ومنشورة في كتب الدعوة اليمانية المباركة، لكن لننظر إلى إجابة السيد أحمد الحسن (ع) لمثل هؤلاء، ومن وجه آخر، يقول:
[ مسألة نقض إمامة المهديين لا تنقض حجيتهم (أي كونهم حججاً لله سبحانه)، يعني ليس ضرورياً أن يكون الحجة إماماً، فلو أنهم أرادوا نفي الإمامة عنهم فهذا لن ينفعهم بنفي القدر الذي يلزم به العباد طاعتهم وهو أنهم حجج الله، فيونس (ع) حجة الله وليس إماماً، فهل لا تجب طاعته ؟ ومثله زكريا ويحيى عليهما السلام، فهم حجج الله وليسوا أئمة، فهل لا تجب طاعتهم ؟ الإمامة مقام.
وبالرغم من أنّ هناك أدلة كثيرة تثبت إمامة المهديين، ولكن أردت أن أُبيّن لك شيئاً وهو: إنّ هؤلاء جهلة؛ لأنهم يعتقدون أنّ نفي الإمامة عن شخص ينفي كونه حجة الله، بينما هذا غير صحيح، فممكن أن تثبت أن شخصاً هو حجة الله وخليفة الله ويجب طاعته مثل آدم ويونس ويحيى وزكريا (ع) ولكنهم ليسوا أئمة.
هؤلاء جهلة لا يعرفون شيئاً، فيعتقدون أنّ الحجة المعصوم لابد أن يكون إماماً، ولهذا هم يحاولون نفي الإمامة عن المهديين، وإلا لو كانوا يعرفون وملتفتين إلى أنّ كون الإنسان حجة الله وخليفة الله لا يلزم بالضرورة أن يكون إماماً لما تعرّضوا لنفي إمامة المهديين، لأنهم كانوا سيعرفون أنّ نفيهم لإمامة المهديين لن ينفعهم في نفي حجيتهم التي أثبتتها روايات نصت على أنهم حجج الله بعد الأئمة وأوصياء الرسول بعد الأئمة، وبالتالي لو كانوا يفقهون شيئاً لما تعرّضوا لهذا الأمر.
ومقدار الحاجة كما هو واضح، هو إثبات أنهم حجج الله، فإذا ثبت أنهم حجج الله انتهى الأمر، فالنقاش في كونهم أئمة أي لهم مقام الإمامة أم لا، هذا زائد عن المطلوب ].
* * *
الخروج في رواية اليماني !
قال الإمام الباقر (ع): (... خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن ناواهم، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإنّ رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) ([19]).
يفترض البعض أنّ نصرة اليماني مشروطة بالخروج للقتال، وأما قبل ذلك فلا وجوب لطاعته فضلاً عن نصرته، هذا ما يزعمه البعض.
وبرغم أنّ رواية اليماني تبيّن أنّ اليماني خليفة وحجة إلهي، والخليفة الإلهي طاعته ونصرته واجبة من أول لحظة يبتدئ فيها دعوته، وهو ما أوضحه السيد أحمد الحسن (ع) وأنصاره في كتب كثيرة، ولكنه (ع) لا يفتأ أن يلفت نظر طلاب الحق إلى خطأ هذا الفهم لرواية اليماني بصيغة السؤال أيضاً، يقول:
[ الرواية فيها أنّ اليماني صاحب راية، أي قائد جيش، وفيها أيضاً إذا خرج فيجب النهوض له أي القتال معه، فهل يعقل أنّ شخصاً يقاتل مع قائد وهو لم يبايعه من قبل ويؤمن به ؟ ].
كما أنّ البعض يفهم من الرواية أنّ الثلاثة أي (اليماني والخراساني والسفياني)، يبتدؤون دعوتهم ويظهرون في يوم واحد؛ لأنهم يخرجون في يوم واحد بحسب نص الرواية.
وواضح أن لا ملازمة بين وحدة زمن خروجهم للقتال وبين وحدة ابتداء دعوتهم الناس للانضواء تحت راياتهم، والتي تسبق الخروج للقتال بكل تأكيد.
وكان (ع) يقول لمثل هذا السائل:
[ هل تظن أنهم يظهرون ويجهزون جيوش ويتقاتلون بجيوش جرارة خلال أربع وعشرين ساعة مثلاً ؟ هل العقل يقبل هذا الفهم ؟ ].
* * *
فإذا رأيتموه فبايعوه !
عن رسول الله (ص) وهو يحثُّ المسلمين على نصرة المهدي (ع)، أنه قال: (.. فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج فإنه خليفة الله المهدي)، وهذا المعنى ورد عند الشيعة والسنة.
وعلى ضوء هذه الرواية، يشترط البعض رؤية المهدي بالعين قبل بيعته والإيمان به، ولا بيعة للمهدي بنظرهم قبل الرؤية بالعين واللقاء به، ويعتقدون أنّ هذا الشرط يفرضه لفظ "رأيتموه" في الحديث.
وعن جواب هذا التساؤل، قال السيد أحمد الحسن (ع):
[ إذا رآه بعض يكفي في تحقق "رأيتموه"، وإلّا هل يعقل مثلاً أن لا يبايع سبعة مليارات إنسان على الأرض حجة الله حتى يرونه مواجهة فرداً فرداً ؟ وكم سيحتاج هذا من الوقت؛ مائة مئتين ثلاث مائة سنة، أم أكثر ؟ ].
* * *
الإرسال من ايليا:
لم تكن قضية الإرسال من نبي الله إيليا (ع) واضحة عندي، لذا سألت:
بمراجعة ما موجود في كتاب وصي ورسول الإمام المهدي (ع) في التوراة والإنجيل والقرآن وكذلك رسالة الهداية، مسألة الإرسال من عيسى (ع) واضحة، ولكن قد تبدو مسألة الإرسال من إيليا ليست كذلك ؟
فقال (ع):
[ هل تقصد نصّاً من التوراة ؟ مسألة أنّ إيليا مرفوع وهم ينتظرونه مسألة لا إشكال فيها.
والإرسال المقصود هو أنّ إرسال الإمام المهدي (ع) هو إرسال منهم.
وبالنسبة للمسلمين، نقول لهم باختصار: إنّ إيليا وعيسى عليهما السلام تابعان للإمام المهدي (ع)، فعندما يرسل هو يكونون هم أيضاً مرسلين لمن يرسله الإمام المهدي (ع)؛ باعتبار أنهما تابعان له، وأعوان له ].
* * *
المحطة الرابعة:
ما يتعلق بالمخالفين للدعوة الحقة وعقائدهم
عقائد مبتدعة لشيعة المراجع !!
فاجأنا الدهر بثلة من الجهلة، ويتحدثون بالعقيدة، فيا لها من مصيبة، فالمعصوم عندهم يعرف بأُمور أهمها: رميه للسباع وعدم أكلها له، طبع قدمه بالحجر الصلب، تحدثه بكل لغة، ليس له ظل أينما مشى، .... الخ.
يصورون هذا قانوناً يُعرف به المعصوم، فهذه هي خصاله التي يتصف بها على الداوم، وليس على سبيل المعجز الذي قد يحصل وقد لا يحصل وفق مشيئته سبحانه.
وأما شهادة الله لخليفته بصدقه، وكتاب رسول الله (ص) العاصم لأُمته من الضلال على حد قوله، وعلم المعصوم وإحكامه لمتشابه دين الله من ألفه إلى يائه، وأما أقوال كبار علماء الشيعة العاملين الواضحة في أنّ النص والعلم أساس معرفة المعصوم وبه امتازت الشيعة عن غيرها من الفرق، فهذا كلّه لا قيمة له بنظر هؤلاء الأدعياء !!
وعن الموقف من هذه العقائد المبتدعة، قال السيد أحمد الحسن (ع):
[ على الأنصار أن يعرفوا أنّ العقائد لا تؤخذ من أيّ رواية وإن عارضت الواقع.
يأتيهم بعض المعممين الجهلة ويقولون لهم: هذه رواية تقول إنّ المعصوم له خصال وصفات: ليس له ظل، ويؤثر قدمه بالحجر، ويعرف كل اللغات، وذلك ليس معجزة وقتية ممكن أن تأتي وممكن لا بإذن الله، بل خصال وصفات ثابتة لخليفة الله. هكذا يقولون.
وهذا باطل، ويناقض الواقع بوضوح، ولا يقول به إلا أبله.
وإلّا فلو كلّ رواية تؤخذ منها عقيدة، فهل هم يعتقدون أنّ المعصومين (ع) لم يحملوا في الأرحام بناءً على بعض الروايات أيضاً ؟!
ما أُريد أن يعرفه الأنصار قاعدة، هي: إنّ العقيدة لا تؤخذ من روايات هكذا اعتباطاً، وأيضاً: لا يقول الأنصار نحن نقبل كل رواية. هذه الكلمة باطلة، ومن يقولها باطل لا فرق بينه وبين من يردون روايات آل محمد بالهوى. فمن يقبل روايات الغلاة وروايات باطلة لا فرق بينه وبين من يردّ روايات محقة لآل محمد (ع).
ثم إنّ الاعتقاد بتحلّي المعصوم بهذه الصفات (لا ظل له، يؤثر قدمه بالحجر، يتكلم كل اللغات) على الدوام، هل يوجد عالم عقائد شيعي يقول بهذه العقيدة ؟ هذا هو السؤال الذي يوجّه لمن يدعي أنّ هذه هي صفات المعصوم.
هم في الحقيقة يأتون بمجرد روايات آحاد متروكة لا يعتقد بها علماء العقائد، فكيف اعتقدوا بها وعلى أي أساس تمّ ذلك وهو أمر عقائدي خطير ؟!
وبالنتيجة، إذا لم تكن عقيدتهم صحيحة سيكونون من المحاربين للمهدي (ع) بهذه العقيدة الباطلة، فلابد أولاً أن يثبتوا هذه العقائد بالدليل المقبول حسب منهجهم وهو الدليل القطعي، أي روايات متواترة أو قرآن صريح أو دليل عقلي صحيح. وهم لا يملكون أي شيء من هذا، بل إنّ علماءهم يردون هذه الروايات وهي غير قابلة للاعتقاد بها، بل وتوجد روايات ضدها تماماً، والواقع ضدها أيضاً.
فإذا كان من صفات موسى (ع) - مثلاً - أنّ قدمه تؤثر بالحجر، فما حاجته إذن للعصا وغيرها ؟ أليس قدمه أثّرت بالحجر في قصر فرعون على قولهم، فماذا يفعل بالمعجزات ؟!
ثم الأئمة (ع)، هل كان من سيرتهم أنهم (وحاشاهم) يخرّبون أرضيات بيوت الناس بأقدامهم نتيجة طبع أقدامهم بالحجر، كما يصوّره هؤلاء ؟! والله هذه تفاهات لا تستحق الرد أصلاً، يعني كيف تكون صفة الإمام أنّ قدمه تؤثر بالحجر على الدوام ؟ هل هو (بلدوزر) يمشي ويخرّب بيوت الناس والشوارع ؟ ما هذه التفاهات ؟!
إنّ هؤلاء المعممين الجهلة بعقائدهم الباطلة هذه يمهّدون من الآن لقتل الإمام المهدي (ع)؛ لأنه إذا جاء غداً وصلّى في مسجد الكوفة ولم تؤثر قدمه بأرضية مسجد الكوفة وتخربها، سيقولون للناس هذا ليس هو الإمام المهدي (ع)، فهم لا يريدون إلا مهدياً لما يمشي في مسجد الكوفة من الباب إلى المنبر فإنه يكسِّر أرضية المسجد بقدمه التي تؤثر بالأرضية، وعلى الناس أن تبدّل الأرضية كل أُسبوع كحد أقصى، وهو بدوره يكسِّرها؛ لأنهم يقولون إنّ هذه صفة للإمام ؟!!
وهكذا، هم بهذه السفاسف يستخفون الناس كما استخفّ فرعون (لعنه الله) قومه، ومع الأسف فإنّ الأنصار لا يتعبون أنفسهم على الأقل بالقراءة والتفكير قليلاً لردّ هؤلاء السفهاء.
من يأتيكم يقول إنها صفات ثابتة للمعصوم على الدوام، وليست معجزة تحصل مرّة وربما لا تحصل وربما تحصل مع حجة ولا تحصل مع غيره مثلها مثل عصا موسى، فعليه أن يقدم دليلاً قطعياً، وهو كما بينت: إما روايات متواترة أو قرآن قطعي الدلالة أو دليل عقلي قطعي. وهذه كلها غير موجودة عندهم.
افهموا وركّزوا فيما أقول لكم، المطلوب من هؤلاء السفهاء دليل قطعي على أنها صفة ملازمة للحجة وليس أنها حدثت مع حجة من حجج الله مرة، فالفرق شاسع.
هؤلاء مجموعات من الجهلة، ولابد أن يعرف الأنصار كيف يتعاملون معهم.
والمفروض بالأنصار عندما يأتونهم بهذه الروايات لا يتعاملون معها بتسامح؛ لأنها ليست روايات ملاحم ولا روايات فقه، إنما هي روايات عقيدة، والعقيدة لا تثبت إلا بدليل قطعي.
ليقدّم خصمكم الدليل من منهجه على عقيدته، وبعدها يكون الكلام: هل تتوفر هذه الصفات بخليفة الله الموجود، أم لا ؟
أنتم وفقكم الله لابد أن تغلقوا الثغرات التي عند بقية الأنصار بالرد على إشكالات المخالفين، فلابد أن يتحصّن الأنصار بالنسبة للإشكالات الموجودة الآن لنبدأ بالجديد ].
وعن أخذ العقائد من أي رواية كيفما كان، واتصاف المعصوم بالصفات المشار إليها أعلاه، كما يروق لبعض المهرجين فعله، سعياً منهم لرد الدعوة اليمانية المباركة بعد أن أحاطت أدلتها بأعناقهم، قال (ع):
[ هناك رواية تقول إنّ الأئمة (ع) لا يحملون بالأرحام ويولدون من الفخذ الأيمن، فهل يعتقد بها هؤلاء أيضاً ؟ أم إنّ المسألة صارت عندهم بالهوى ؟ مَنْ من علماء العقائد عند الشيعة يقول بأنّ هذه عقائد ؟ هل أيّ رواية تؤخذ منها عقيدة عندهم ؟!
فلا علماء الشيعة هذه عقيدتهم، ولا نحن هذه عقيدتنا، فهم من أين أتوا بهذه العقائد ؟ ].
وقال (ع) أيضاً:
[ يقولون: إنّ من صفات المعصوم لا ظل له، ولا يؤثر بالأرض الرخوة ويؤثر بالحجر، وما دامت هذه صفاته فنحن نريد أن نعرفه بها ؟
أسألوهم:
هل فقط جسم المعصوم ليس له ظل، أم ملابسه أيضاً ليس لها ظل، أي أنه كلما بدل ملابسه فإنّ الملابس التي يلبسها ليس لها ظل ؟!!
وهل لا يؤثر فقط قدمه بالرمل ويؤثر بالحجر، أم أنّ نعل الإمام أيضاً لا يؤثر بالرمل ويؤثر بالحجر ؟!!
وإذا كانت هذه الأُمور صفات للإمام ملازمة له دائماً كما يقولون وليست معجزات وقتية، فهل مثلاً طبع قدمه بالحجر يشمل بيوت الناس والأماكن العامة التي يدخلها الإمام وأرضها مفروشة بالحجر، أم لا ؟!!
وهل كلما دخل الإمام إلى بيت يُخرّب أرضيته بطبع أقدامه بالحجر ويضطر أهل الدار لتبديل أرضية البيت، وهل يعوضهم الإمام عن تخريبه لدارهم، أم لا ؟!! أم أنّ أرضيات بيوت الناس المكسوة بالحجر مستثناة من هذه الصفة التي يتصف بها الإمام ؟!! يعني تحصل معجزة عكسية وهي أنّ الإمام تتبدّل صفته الملازمة له فلا يطبع قدمه بالحجر في بيوت الناس.
والآن، إذا خالف ظاهر الروايات ظاهر القرآن الواضح ماذا نفعل ؟ أليس إمّا ترد الروايات أو تؤوّل ؟ أليس الأئمة أمروا بالعرض على القرآن وترك ما خالفه؛ لأنهم لا يقولون ما يخالف القرآن؟
طيب، الحجج أو خلفاء الله بشر يشاركون الآخرين بالصفات الجسمانية الانسانية، وليس لهم صفات خاصة بحسب القرآن ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾ (الكهف: 110).
وهل الحجة قبل أن يرتقي بعمله وإخلاصه ترافقه هذه الصفات الاعجازية، أم لا ؟
فإن قالوا: لا، نقضوا غزلهم وانتهى الأمر وتبيّن أنها معجزات وقتية قد تحدث وقد لا تحدث، وليست صفات جسمانية ملازمة للحجة في كلِّ حال وزمان.
وإن قالوا: نعم هي مرافقة له قبل أن يُمتحن في هذه الدنيا ويثبت إخلاصه ويرتقي إلى مقام يؤهّله للرسالة بعد أن حُجب بالجسد في هذا العالم، وأنه يؤثر قدمه بالحجر على الدوام وليس له ظل على الدوام باعتبارها صفات جسمانية ملازمة.
إذن فأين الامتحان لهذا الإنسان وهو مفضّل بآيات معجزة ملازمة له على الدوام ؟!!
ثم هل من العدالة أن يُعطى هذا الحجة الذي رافقته المعجزات ابتداءً الأجر والثواب كالمؤمن الذي يمتحن بالشهوات ولا ترافقه المعجزات ابتداءً كما رافقت الحجة، هذا فضلاً عن أن يُفضّل عليه ؟ أين عدالة الله إذن ؟ كيف تكون العدالة بين الخلق في دخول الامتحان إذا كانوا يدخلون وأحدهم بيده الإجابات وزيادة، والآخر ليس عنده الإجابات فقط الأسئلة وعليه أن يجد الإجابات بنفسه، والمصيبة إنّ الذي فضّل أن بيده الاجابات يُعطى أجراً أعظم من المسكين الذي ظُلم ولم تعطَ له الإجابات ؟!
في الحقيقة، إنّ هذه العقائد تكشف عن خواء عقول من يعتقدون بها، بل وعن عدم إيمانهم بالقرآن وبعدالة الله سبحانه وتعالى ].
* * *
أدعياء علم أعماهم الحسد !!
بصبص بعضهم بذيله أخيراً، وصار يتحدّث عن الدعوة اليمانية الحقة عبر بعض الفضائيات المأجورة، وقد بحّت أصوات أنصار الإمام المهدي (ع) سنين وهم يدعونهم إلى سلسلة مناظرات علمية ومحترمة تنكشف من خلالها الحقيقة إلى الناس، ولا زالت الدعوة قائمة، ولكنهم يرفضون كل مرة وكعادتهم بلا سبب وجيه، كتكذيبهم للدعوة المباركة بلا دليل أيضاً، وكإيجاب تقليد غير المعصوم الذي صوّروه عقيدة للناس وبلا دليل كذلك.
وعن حال هؤلاء وأساليهم، يحدثنا السيد أحمد الحسن (ع):
[ هم كما يقول الشاعر:
في ظلمة الليل والآساد خادرة ... يبصبص الهر من قدامها الذنبا
فهم يخافون من مناظرة الأنصار؛ لأنهم يُفضحون، فلا يجدون إلّا تغييب الأنصار في السجون، واستخدام أساليب أسلافهم مع الأنبياء والأوصياء وأنصارهم، ومن ثمَّ بعدها يخرجون لتضليل عامة الناس.
ولكنهم لو كانوا يعقلون، لعلموا أنّ نتيجتهم خسارة الدنيا والآخرة كما حصل مع أسلافهم الذين حاربوا الأنبياء والأوصياء بنفس هذه الأساليب.
هم سيبقون هكذا يسلكون هذا السبيل، فهم لا يمكنهم مناظرة الأنصار مناظرة منظّمة ومنهجية؛ لأنّ فضيحتهم وبيان جهلهم سيكون على رؤوس الاشهاد. سيبقون يبصبصون بأذيالهم في ظلمة الليل لتضليل الناس.
وإلا فلو قلت لهم: تعالوا لمناظرة منهجية بحلقات تبدأ بمناقشة عقيدة المهديين، ثم ننتقل للحلقة الثانية نناقش فيها منهج معرفة الحجة، ومن ثمَّ الحلقة الثالثة تكون بتطبيق المنهج على المصداق الآن أحمد الحسن، لن يجيبوكم؛ لأنهم يعلمون أنّ هزيمتهم وفضيحتهم حتمية، أو يؤمنون بما تؤمنون به.
لهذا دائماً يحاولون عندما يناقشونكم أن يكون موضوع النقاش فرعياً وبعيداً وجدلياً ... الخ، يبتعدون عن النقاش العلمي المنهجي.
هم سبحان الله أعماهم الحسد.
قبل سنوات كنت أرى أحدهم في إحدى القنوات، وكان يلتقي به مذيع، وكلاهما ضد الدعوة ومحارب لها، والمذيع كان مستنسخاً أوراقاً من أحد كتبي، فقرأ شيئاً منها، ثم قال لصاحبه: يبدو أنّ الرجل عالم أو فقيه، كانت كلمة بهذا المعنى، يقصد أنه عنده شيء من العلم يضلل به الناس هذا ما كان يقصده.
ولكن صاحبه الشيخ لشدة ما أعماه الحسد حتى هذه أنكرها، بحيث انتفض على المذيع وقال له: "لالالا..."، كررها عدة مرات، "ليس لديه أيّ علم، لا يعرف شيء، لا يفهم شيء، إنسان عامي لا يعرف أبسط الأُمور"، كانت هذه تقريباً تعبيراته ].
* * *
يزعم بعضهم أنه لا يعرف علم المنطق !
يهرج البعض (وهو من المحسوبين على الشيوخ) أن أحمد الحسن لم يعرف علم المنطق. هذا، والحوزة العلمية عندهم تقبل بين طلبتها حتى من لم يتخرج من الدراسة الابتدائية، والدراسة فيها على مراحل متعددة كما هو معلوم، وبالنسبة للمنطق فإنه يُدرّس في مطلع الدراسة الحوزوية وتحديداً في السنة الأُولى منها، وهذا يعني أنّ من لم يتوفق لإنهاء الابتدائية يمكنه استيعابه وفهمه فضلاً عمّن سواه.
وعلى أي حال، سمعت من السيد أحمد الحسن (ع) في رد مثل هذا الكذب:
[ طيب أحمد الحسن خريج كلية هندسة مدنية، فهل هناك شخص عاقل ممكن أن يُصدّق أنّ مهندساً مدنياً لا يستطيع فهم المنطق، بينما يستطيع فهم المنطق خريج الابتدائية ؟! هل هؤلاء لديهم ذرة عقل ؟ حتى كذب لا يعرفوا كيف يكذبون ؟ على الأقل كانوا رتّبوا كذبتهم بصورة يمكن أن تُعقل ].
* * *
أسئلة طرحها عليهم للنقاش ولا من مجيب كالعادة !!
أوليسوا هم علماء ؟
ويقولون لأتباعهم: إنّ أحمد الحسن رجل عامي ولا يعرف حتى أبسط الأُمور ؟
إذن، أجيبوا أسئلته، ولا أقول ردّوا على كتبه التي قاربت الخمسين إصداراً في شتى جوانب المعرفة الدينية، وهي منشورة بأجمعها في موقع دعوته الرسمي، ويمكنكم تحميلها وقراءتها مجاناً !
سأنقل دعوته لكم لإجابة أسئلته التي طرحها في صفحته الرسمية في الفايسبوك منذ أشهر، فلماذا تلوذون بالفرار أو تكتفون بالصمت أمام من لا يعرف أبسط الأمور !!
علماً، إنّ الأسئلة التي سنقرأها الآن هي في مواضيع لها تمام الصلة بشبهات الملحدين وإبطالها وإثبات وجود الله، وهو موضوع في غاية الأهمية كما هو معلوم، وهذا نصّ دعوته لهم:
[ سأحاول أن أطرح مواضيع علمية مرتبطة بالخلق وبإثبات وجود إله أو عدمه.
هذه المواضيع العلمية مهمة، وما أجده في الساحة العلمية أنّ الإلحاد منتصر علمياً وبفارق كبير جداً على من يدعون تمثيل الأديان، فهؤلاء الذين يسمونهم علماء سواء المسلمين الشيعة والسنة والوهابية أم المسيحيين أم اليهود يردون على مواضيع علمية دون فهم ما يطرحه علماء علم الأحياء التطوري وغيرهم أصلاً، فهم كمن أساء سمعاً فأساء إجابة، ولهذا فقد كتبت كتاباً هو مكتمل الآن تقريباً وناقشت فيه أهم النظريات العلمية المثبتة تجريبياً أو رياضياً ونظرياً، وإن شاء الله سوف أنشره عندما أجد أنّ هناك من هم مؤهلين معرفياً لفهم ما كتبت؛ لأنه يحتاج اطلاعاً لا بأس به على علوم مثل: الجيولوجيا التاريخية (أو تاريخ الأرض) والتاريخ القديم، والاركيولوجي (علم الآثار)، وعلم الأحياء التطوري، والفيزياء النظرية، والكوزمولوجي (علم الكون)، والانثروبولوجي، وعلم الهندسة الجينية، والطب، والفلسفة، وغيرها.
أسئلة للنقاش:
ما هي آراء علماء الشيعة، السنة، الوهابية، والمسيحيين بنظريتي النشوء والارتقاء أو كما يعرفها عامة الناس بنظرية التطور أو نظرية دارون ؟
وما هو رد منكرها العلمي عليها ؟
وما هو طريق إثبات وجود إله ضمن حدود الحياة الأرضية لمن يقبلون نظرية التطور ؟
ما هو رأيهم بنظرية الجينة الأنانية ؟
ما هو رأيهم بنظرية الأغشية أو نظرية أم ووجود أكثر من أربعة أبعاد في هذا الكون، أحد عشر بعداً حتى الآن ؟
ما هو رأيهم بما طرحه بروفسور ستيفن هوكنج أخيراً عن أصل الكون وبدايته وأن نظرية أم ونظرية الكم كافيتان لتفسير ظهور الكون من العدم ؟
ما هو رأيهم بما يقوله علماء الفيزياء بأنّ مجموع الطاقة الموجبة والطاقة السالبة في الكون المادي يساوي صفر ؟
متى عاش آدم في هذه الأرض ؟ ولا أريد منهم تاريخاً دقيقاً، بل اجمالياً أي مثلاً يقولون عشرات آلاف أو مئات آلاف أو ملايين السنين.
أين وقع طوفان نوح ؟
متى وقع طوفان نوح ؟ ولا أريد منهم تاريخاً دقيقاً، بل اجمالياً أي مثلاً يقولون عشرات آلاف أو مئات آلاف أو ملايين السنين.
وكيف وقع، وكيف كان الموج كالجبال كما ذكر في القرآن ؟
هل شمل الطوفان كل الأرض ؟
هل هلك كل الأحياء على الأرض بطوفان نوح ؟
وإذا كان جوابهم أنه شمل كل الأرض وهلكت كل الكائنات الحية أو على الأقل الحيوانات على الأرض، فما هو تعليلهم لوجود حيوانات الجزر المعزولة فيها فقط مثل جرابيات استراليا وحيوان الفوساfossa في مدغشقر وكثير غيرها ؟
هذه الأسئلة العلمية مرتبطة بإثبات أو إنكار وجود الله، ولهذا فعلى من يدعون تمثيل الأديان إجابتها كلها بأجوبة متوافقة مع العلم الحديث، وليس أجوبة روائية أو نصوص دينية ظنية الصدور أو الدلالة ومتعارضة مع الواقع المثبت علمياً بشكل قاطع، كحقائق التاريخ الجيولوجي للأرض وما تحتويه طبقاتها، فهكذا نصوص دينية؛ إما أنها غير صحيحة، أو أن تؤوّل؛ لأنها تعارض حقائق علمية ثابتة.
إذن، المطلوب من فقهاء الأديان إجابات علمية على الأسئلة أعلاه، وأعتقد أنهم عاجزون تماماً عن طرح أي إجابة علمية ذات قيمة، بل كل ما اطلعت عليه وجدته عبارة عن فهم خاطئ للمسائل العلمية وردهم على فهمهم الخاطئ، أي أنهم مثلاً يفرضون أنّ نظرية التطور تقول كذا ويردون على هذا القول، ويعتبرون أنفسهم قد ردوا على نظرية التطور، في حين أنهم يردون على قولهم وفهمهم الخاطئ لنظرية التطور وليس على ما تقوله نظرية التطور حقيقة.
ما أعتقده أنّ هذه المرحلة التي نعيشها اليوم وما هو مطروح في هذه المواضيع العلمية المرتبطة ارتباطاً مباشراً بالدين وبإثبات وجود الله سبحانه أكبر بكثير من هؤلاء الذين يدعون أنهم علماء الأديان،
وكتابات وأقوال فقهاء الشيعة والسنة والمسيحيين التي اطلعت عليها هي كتابات وأقوال ساذجة صالحة للتسويق المحلي فقط، ولخداع بعض اتباعهم المخدرين والراضين بالجهل لا أكثر، ولا يمكن أن تقنع ردودهم شخصاً مطلعاً بشكل جيد على علم الأحياء التطويري وعلم الجينات والفيزياء مثلاً، بل سينظر لهم على أنهم سذّج وجهال وكذابون لا أكثر.
وإن شاء الله، سأناقش لكم بعض أقوالهم وكتاباتهم في هذه الصفحة لتطلعوا بأنفسكم على مستواهم العلمي وما يحسنون، وستعلمون لماذا هم لا يجدون طريقاً علمياً لمواجهة أحمد الحسن، فيلجئون إلى الكذب والافتراء أو الاستعانة بقوات عسكرية موالية لهم للهجوم على مكتب أحمد الحسن في النجف، أو الهجوم على بيت أحمد الحسن بقوات عسكرية ضخمة، فالسبب الآن سيتوضح لكم بجلاء وهو أن وجود أحمد الحسن ظاهراً بين الناس يفضحهم ويبين جهلهم.
وسأريكم إن شاء الله في هذه الصفحة خواءهم العلمي والفكري.
وما أتمناه من المتعلمين هو أن يتعبوا أنفسهم قليلاً معي ويتعلموا ويقرؤوا، فوالله إنه يؤلمنا أن يقعوا ضحية لماكر يستغل جهلهم بمسألة علمية أو دينية معينة فيبعدهم عن الحق كما هو حاصل اليوم عندما خدعهم فقهاء الضلال بكذبة وجوب تقليد غير المعصوم.
ومن يتبنى رأياً معيناً من آرائهم فليأتِ به هنا، وإن شاء الله سأطلع على ما يكتب وأتفاعل معه في كتاباتي.
وفيما يخصني فهذه الأسئلة وأكثر منها بكثير أجبتها في كتاب "وهم الإلحاد"، وإن شاء الله سأقوم بنشره قريباً، والذي يحوي أيضاً على ما يمكن أن يسمّى مناظرة علمية مع بروفسور ريتشارد دوكنز الذي يعتبر من أكبر علماء الأحياء التطويرية المعاصرين، وبروفسور ستيفن هوكنج وهو من أكبر علماء الفيزياء النظرية والرياضيات التطبيقية ومتخصص في علم الكون وله نظرية مثبتة في اشعاع الثقوب السوداء.
أنتظر رد المراجع على هذه الأسئلة كلها لتبدأ مناظرة بيني وبينهم فيها إذا كانوا رافضين للمواضيع التي طرحتها عليهم سابقاً، وأقترح عليهم أن يستعينوا بأساتذة جامعيين لفهم هذه المواضيع والمصطلحات لكي لا يتعبوني في المناظرة ].
أين إجاباتكم، ولا أقل دفاعكم عن دين الله أمام شبهات الملحدين ؟
حتى متى يستمر مسلسل خداع الناس المساكين !!
والآن، يضيف السيد أحمد الحسن (ع) سؤالاً جديداً يطرحه عليكم، عسى أن يخترق حجب الصمت، فينتفض أحدكم لإجابته، يقول:
[ لدي سؤال لهم ولا أعتقد أنهم يستطيعون إجابته، وهو أول سؤال يمكن أن يتبادر لذهن الإنسان إذا طلبت منه الإيمان: أين خلق الله الخلق ؟
فليأخذوا عشر سنوات وبعضهم لبعض ظهير، وليأتونا بإجابة هذا السؤال.
كل إجاباتهم لن تخرج عن أمرين: إما سينزلقون إلى تعدد اللاهوت المطلق كالوهابية، أو سيعجزون عن البيان.
الحقيقة، إني لم أجد أحداً منهم إلى الآن أجاب هذا السؤال، أو تعرّض له غير الوهابية الذين يقولون: إنّ الله خلق الخلق خارجاً عن الذات، وهذا يعني تعدد القدماء حتماً؛ لأنّ هذا الخارج لا يخلو إما حادث أو قديم، فإذا كان قديماً تعدد اللاهوت، واذا كان هذا الخارج حادثاً فأين خُلق وهكذا يتسلسل، وينتهي الأمر بتعدد اللاهوت المطلق.
الجواب الثاني المحتمل: إنه خلق الخلق في الذات، وهذا يعني أنّ الذات صارت محلاً للحوادث، وهو يعني حدوثها ونقض اللاهوت المطلق.
أما الأمر الثالث: فهو لا في الذات ولا خارج عنه، وهذا الكلام ليس جواباً.
حسب معرفتي، هذه المسألة يهربون منها، نعم وجدت لبعض الوهابيين جواباً أنّ الخلق خارج الذات، والوهابية كما هو معلوم دينهم كلّه مقلوب ولا يهمهم أن يتعدد اللاهوت.
ومثل هذه الأسئلة لدي مئات يعجزون عن إجابتها.
بعضهم يقول: نريد مناظرة أحمد الحسن بعد أن أهدروا دمه وحرّضوا الدولة على قتله، يناظرون في ماذا، والكتب موجودة بين أيديهم وهم عاجزون عن ردها فليردّوا على ما في كتبي وإن وجدت أنّ ما يكتبون يستحق الرد سأرد بنفسي، وبعض سفهائهم تكلّموا في الفضائيات وبيّنوا ما لديهم من إشكالات ساذجة على الدعوة ورد عليهم الأنصار بتسجيلات فيديوية ومقالات منشورة على اليوتيوب والفيس بوك وغيرها من وسائل النشر والتواصل على الإنترنت، وقد تبيّن مستواهم وأنّ إشكلاتهم خاوية بلا قيمة، وتبيّن أنهم يجهلون أبسط الأٌمور العلمية، فبماذا يناظر هؤلاء الجهلة أحمد الحسن ؟! ها هم طرحوا ما عندهم في فضائياتهم وردّ عليهم الأنصار وبيّنوا جهلهم وكذبهم وخوائهم.
يعني لو سألتهم مثلاً: أين كان طوفان نوح، وما هي الأزواج التي حملها معه ؟ هل يستطيعون الإجابة بعلم له قيمة ويطابق الواقع ولا يكونون مضحكة لعلماء الأحياء والجيولوجيا ؟ هؤلاء جهلة عموماً ].
والآن، هل سيجيب من يسمّون أنفسهم علماء هذه الأسئلة، بدل الاكتفاء بحمل الناس على رفض دعوة يماني آل محمد، ومن قالوا (ص) عنه أنه الوحيد الذي يجيب عن العظائم إذا سألتموه عنها !!
* * *
قتل أسلافهم أبي الحسين (ع) فهل انتهى الأمر ؟
في بلد يدّعي المسؤولون فيه أنّ فيه حرية تعبير، ويعيش فيه الجميع بما فيهم الأقليات الدينية براحة، اعتقل أحد الأنصار، كان مريضاً وكبيراً في السن، جريمته بنظر السجانين أنه آمن بالدعوة اليمانية المباركة !!
كان عزيزاً على السيد أحمد الحسن (ع)، حتى إني سمعته يقول عنه وعن سجّانيه:
[ إنّ ما يفعلونه ظلم عظيم، وسيخسرون كلَّ شيء بسببه ].
على أي حال، كلّف السيد أحمد الحسن (ع) بعض الإخوة بمتابعة موضوعه وبذل السعي والاتصال ببعض المنصفين للإفراج عنه، وأنه قد تم اعتقاله ظلماً وعدواناً وبدون أيّ ذنب فعله، ولكن قوبل سعي الساعين باستهزاء وسخرية وضحك من قبل .......، إلا أنّ رحمة الله قريب من المحسنين، وفرّج الله عنه بفضله ورحمته سبحانه.
انتهى الأمر والحمد لله، إلّا أنّ حافظتي لا زالت تختزن بعض كلماته (ع)، التي سيسطرها الزمن عاراً يلفّ وجوه المعاندين، إذ يقول عن أذاهم له ولأنصاره:
[ نحن ربما نصبر كثيراً، وربما كثيراً جداً، ولكن نتيجة عداء أيِّ أحد لنا ربما تكون أسوأ شيء لمن يعادينا سواء دنيوياً أم أُخروياً.
قتل أسلافهم أبي الحسين (ع) في صحراء، فهل انتهى الأمر، أم أنّ الله أخزاهم في الدنيا والآخرة ؟
فوالله، لو أنّ أحمد الحسن وحيداً، قتلوه في صحراء، وأخفوا جثته، لكانت نتيجتهم خزي الدنيا والآخرة ولو بعد حين إن كان أحمد الحسن من الله، فما أجهلهم، هل هم عميان إلى هذه الدرجة ؟!
فبعد الذي فعلوه في محرم عام 1429 ه قتلوا ومثّلوا وحرقوا الجثث وسجنوا، وأرهبوا كل من تطاله أيديهم، ولكن كلّ الذي فعلوه لم يطمس دعوة الحق. استخدموا إمكانات دول، جيوش دول، وإعلام دول لطمس دعوة الحق، وللقضاء على أحمد الحسن وعشرات معه، ولكن كانت النتيجة أنهم لم يتمكّنوا بل فضحوا، أليست هذه آية لهم لو كانوا يعقلون !! ].
* * *
وكان ما وعد، فهل تنفعهم عقيدة تقليد غير المعصوم شيئاً !
عن المكان الذي كنت أُحدثكم عنه، والذي قال السيد أحمد الحسن (ع) عنه: (إنهم سيخسرون كل شيء بسبب تصرفاتهم مع الأنصار)، كانت الأوضاع هادئة، وإذا بها تنفجر وتضطرب بشكل مفاجئ على جميع المستويات، لا أبالغ إن قلت: إنهم يعانون ويأنّون إلى وقت كتابة هذه الأسطر.
فعادت بي الذاكرة إلى بعض قوله (ع):
[ فليضحكوا الآن حتى يسقطوا على ظهورهم على الدعوة المهدوية كما قال قائلهم، أليس قال: إنّ بعض الدعوات المهدوية مضحكة، ويقصد دعوة الحق، إذن فليضحك حتى يسقط على ظهره، وليبقى متمسكاً بالهراء الذي يعتقدون به ويفرضون على الناس المخدوعين الاعتقاد به، وهو عقيدة وجوب تقليد غير المعصوم، فلا آية ولا رواية قطعية الصدور والدلالة بأيديهم تدل على عقيدتهم، ولا دليل عقلي إلّا كذبة ومغالطة رجوع الجاهل إلى العالم، مع أنّ هذه القاعدة العقلية لا تنطبق عليهم بحال، فهم مجرد ظانّين، فمن أين جاءوا بوجوب الرجوع إلى الظان في دين الله ؟ هذا على فرض أنّ ما لديهم ظنون، مع أنّ ما لديهم في أكثر الأحيان لا يتعدى الجهالات والأوهام كأحكام التلقيح الصناعي والصلاة في القطب وغيرها.
كل هذا ويضحكون من دعوة الحق، والله لا أدري على ماذا يضحكون وهذا هو حالهم ؟! هل أبقينا شيئاً بأيديهم لم نسقطه، وهل في أيدنا شيء تمكنوا من إسقاطه ! ربما يضحكون فرحاً بدوام خداع المساكين الذين يتبعونهم.
على كل حال، فليضحكوا كثيراً اليوم فسيطول بكاؤهم غداً، بل لن تكون له نهاية إن استمروا على حالهم المخزي هذا ].
وبمناسبة ذكر عقيدة تقليد غير المعصوم، هذا قوله (ع) عن بعض المروّجين لهذه العقيدة من على المنابر والفضائيات:
[ الآن هذا ........ وجماعته عجيب أمرهم، لا يخافون الله ولا يخافون حساب الله. تبيّن لهم أنّ عقيدة وجوب تقليد غير المعصوم بدعة ولا دليل عليها لا عقلياً ولا نقلياً، فكيف يدعون الناس لهذه العقيدة ؟ يفعلون كما فعلت قريش أول الزمان، أخذتهم العزة بالإثم.
وأما الناس، فهم للأسف لا يميزون حتى بين استنباط الحكم الفقهي وبين عقيدة وجوب تقليد غير المعصوم التي يدعيها مراجعهم ].
وأما عن مغالطة (رجوع الجاهل إلى العالم)، التي يتشبّثون بها زاعمين أنها دليل كاف على إيجاب رجوع الناس اليهم، قال (ع) أيضاً:
[ عندهم دليل عقلي وهو: رجوع الجاهل إلى العالم، ويضربون له مثال رجوع المريض للطبيب، ويعتبرون هذا دليلاً على وجوب تقليدهم، وهذا منقوض لأنّ الكلام هنا في الدين وعاقبة الإنسان الأبدية، فالأمر لا يحتمل أن يكون العالم الذي يرجع له يخطأ في أُمور الدين ولو بنسبة واحد بالمائة؛ لأنّ خطأه يعني الهلاك الأبدي لمن يتبعه.
فالطبيب العادي غير المعصوم يمكن أن يخطأ في تشخيص المرض، ويمكن أن يخطأ في العلاج، ولذا أبسط العمليات الجراحية فيها نسبة موت أو فشل، وهذا أمر غير ممكن أن يكون في الدين وفي عاقبة الإنسان الأبدية؛ لأنه سيكون هلاكاً أبدياً.
علماً، إنّ هذه القاعدة لا إشكال فيها، ولكن العالم فيها هو فقط المعصوم، وبالتالي فهي دليل على تقليد المعصوم والحجة فقط، فهم ظانّون، ولا يجب الرجوع للظانّ في غير الدين، فكيف أوجبوا الرجوع للظانّ في أمور الدين ].
* * *
دليلهم على النيابة العامة !
استكمالاً لما سبق، فإنّ من يراجع كلمات بعضهم في موضوع النيابة العامة عن الإمام المهدي (ع) المزعومة، يجد قلة حياء بشكل مفضوح جداً، والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هو دليل النيابة العامة عن الإمام ؟
عن هذا الأمر كان (ع) يقول:
[ يعني بحسب ما أرى، دليلهم كما يقولون بالعراقي: (سويناها وصارت)، هكذا بلا دليل، عملوا هذا الأمر وادّعوا هذا الادعاء، وإلا فما الدليل ؟
أليس هذا أمراً عقائدياً خطيراً ويحتاج إلى دليل قطعي بحسب قواعدهم، فكيف بلا حتى رائحة دليل خاضوا في هذا الأمر العظيم، والحال أنه لا توجد حتى رواية واحدة مسندة ومتنها يدلّ على هذا الأمر، فما أجرأهم على الله ].
فسألته عن توقيع الامام المهدي (ع) الذي ارجع فيه شيعته الى رواة الحديث، فقال (ع):
[ التوقيع في زمن النيابة الخاصة وهو فيها، فما علاقته بالنيابة العامة التي يقولون بها.
مع الأسف، الناس المساكين مخطوفون، وما يجري على شيعة آل محمد (ع) أنهم اختطفتهم عصابة لا فرق بينها وبين أصحاب السقيفة ].
* * *
يختلقون رؤى، فما هو غرضهم !!
الرؤى كلمات الله، هذا ما نطقت به روايات عديدة.
لكن البعض وصلت به الجرأة - من أجل رد دعوة الحق - إلى أن يكذب ويختلق رؤى، غرضه منها إبعاد الناس عن الإيمان بدعوة الحق والتشويش عليهم، شاهدت ذلك بنفسي مراراً.
فما هو هدفهم من هذه المحاولة اليائسة والبائسة في نفس الوقت ؟!
يقول السيد أحمد الحسن (ع) في بيان الهدف من فعلة جنود إبليس (لعنه الله) هذه:
[ محاولة بائسة:
﴿بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ﴾ (الأنبياء: 5)، هذا القول يكرّره الذين يكفرون بملكوت السماوات، ويكذبون رسل الله في كل زمان، يكررونه مع كل رسالة، ومن محاولاتهم البائسة لإثبات أنّ رؤى المؤمنين ما هي إلا أضغاث أحلام هو الكذب على الله وافتراء رؤى: ﴿وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ (الأنعام: 93)، هو أمر عند الله عظيم ولكنه هين عند هؤلاء المنكوسين، فهم بكلِّ سهولة يقومون بتأليف رؤى مكذوبة ضد خليفة الله في زمانهم في محاولة بائسة للطعن بشهادة الله أمام المؤمنين، وفي نفس الوقت هم يقولون إنهم لا يعتقدون بالرؤيا وبأنها دليل تشخيص لخليفة الله في أرضه، وهذا يكشف كذبتهم ومحاولتهم للفرار من إلزامهم بآلاف الرؤى التي رآها الناس والواضحة في تشخيص خليفة الله، والذين يمتنع تواطئهم على الكذب، ورؤاهم موافقة لنص خليفة الله السابق.
وأيضاً: هم عندما يكذبون ويؤلفون رؤى لا يلتفتون أنّ هذا الأمر أصبح كشفه بسيطاً جداً بعد آدم (ع)؛ حيث إنّ هناك نصّاً من خليفة سابق وهو نص إلهي، فنص الله على خليفته بالرؤيا حتماً مطابق له ولا يخالفه، وبالتالي فكلّ من يؤلف رؤيا كذباً وزوراً مخالفة لنص الخليفة السابق يتبيّن أنه كاذب على الله.
وعموماً، هم يريدون الوصول إلى نتيجة من الكذب، وهي الطعن في الرؤيا بالقول: إنّ رؤاهم (المكذوبة) تنقض رؤى المؤمنين (الصادقة) فتسقط حجية رؤى المؤمنين، أي أنهم يحاولون أو يريدون الطعن في ملكوت السماوات من خلال الافتراء على ملكوت السماوات، أي بطريقة غاية في الخبث والشيطنة فهم يريدون أن يقولوا: إنّ الأخبار التي أتت من ملكوت السماوات متضاربة وبالتالي تتساقط، وهذا يعني أنهم يعتقدون ببطلان الرؤى من رأس وأنها لا قيمة لها ولا حجية لها أصلاً، فالذي يعتقد أنّ الرؤى من ملكوت السماوات وأنها كلام الله يعلم قطعاً ويقيناً أنها تصبّ في اتجاه واحد وتشير لحقيقة واحدة؛ لأنها كلمات الله، وبالتالي فلا تضارب بينها حقيقة.
نعم، هناك تضارب بين رؤى حقيقية وأكاذيب وأوهام وسفاهات شيطانية تبدأ بالطعن برؤى المؤمنين ثم الطعن بملكوت السماوات، وأخيراً تنتهي بتكذيب القرآن القائل: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ ....................... قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (العنكبوت: 50 - 52)، بل وتكذيب الواقع الذي نقله التاريخ من شهادة الله لمن آمنوا بعيسى (ع) وبمحمد (ص) وبعلي (ع) وبالحسن وبالحسين عليهما السلام ووو..... ].
هل توضح الأمر الآن، وتبيّن الهدف من فعلتهم الخبيثة ؟
وهذا نص آخر له (ع)، يوضح كيفية تمييز الكاذب في رؤياه، يقول:
[ ماذا يريد أن يقول من يدعي أنه رأى رؤيا لا تؤيّد أحمد الحسن ؟! مع أنّ هناك آلاف الرؤى لأناس من بلاد مختلفة ومن عقائد مختلفة رأوا أنّ أحمد الحسن حق ؟ ماذا يريد أن يقول ؟
يريد أن يقول: إنّ الملكوت متناقض ! يريد أن يضرب ملكوت السماوات ؟
وإذا كان الملكوت بيد الله، فهناك إذن صادق وهناك كاذب، والأمر في تمييزهما واضح، وهو أنّ من رأى رؤيا موافقة لوصية الرسول (ص) فهو الصادق، ومن يكذب ويقص رؤيا ضد وصية الرسول (ص) فهو كذاب ].
وأيضاً: عن مثل هؤلاء الكذبة الذين يبثّون بين الناس كذبهم باختلاق رؤى، في ذات الوقت الذي يصرحون علناً بعدائهم لأحمد الحسن ودعوته، سمعته (ع) يقول:
[ هذه المسألة لا تنتهي عندهم، هم أهون شيء عندهم الكذب، وأهون منه القسم، القسم الكاذب عندهم سهل جداً. فالذي يقول إنه رأى رؤيا ضد أحمد الحسن أين يريد أن يصل ؟ هل يريد معارضة آلاف الرؤى التي تؤيد أحمد الحسن ورآها ناس لا علاقة لهم بأحمد الحسن، ومن بلاد مختلفة، ومن عقائد مختلفة ؟! هل معقول تُعارَض رؤاهم برؤيا مدعاة لشخص هو عدو لأحمد الحسن باعترافه هو ؟! فكيف يمكن أن يعتبر رؤياه المخترعة تعارض رؤى أُناس لا مصلحة لهم مع أحمد الحسن ولا علاقة لهم به ولم يكونوا يؤمنون به، اللهم إلا إذا كان لديه هدف واحد وهو أنه يريد أن يقول بأنّ الملكوت لا قيمة له والرؤى لا قيمة لها !!
هؤلاء، إبليس لا يستطيع أن يصل إلى ما وصلوا إليه !
هذا الذي يكذب على الله في الرؤيا يُبعث يوم القيامة مع مسيلمة وسجاح؛ لأنه مثلهم كاذب على الله، فمن الطبيعي جداً أن تجده يقسم بالله كاذباً لأنه أصلاً كذّب على الله.
إن شاء الله يكون خيراً، ولكن فقط انتبهوا أنّ هؤلاء أسوأ من ابن العاص فتوقّعوا منهم أكثر منه ].
* * *
هذه بعض أفعالهم مع الحق وصاحبه !
أرسل أحد السائلين رسالة إلى السيد أحمد الحسن (ع)، طلب منه أن يبين حاله وأحقيته، وكان مما قال فيها: (.. وأما اِن كنت ممن يطلبون الدنيا بحرث الآخرة فلا ربحت تجارتك وما كنت منتصراً. فاصدقني القول فالموت ليس بيني وبينه حجاب مستور، وإني لا أريد أن ألقى ربي بوجه أسود حين يسألني عن القيام مع من قام بالحق داعياً فلا أجد جواباً لأني خذلت الحق وأهله).
ومما جاء في جواب السيد أحمد الحسن (ع) له:
[ .. واعلم وفقك الله أني احتججت بوصية رسول الله محمد (ص) التي وصفها بأنها عاصمة من الضلال، وقد أثبتنا صحة صدورها، وأثبتنا حتمية انطباقها على مدعيها ليتحقق الغرض منها ... ومخالفنا إضافة إلى أنه ليس لديه دليل شرعي ولا عقلي على ما يدعيه من عقيدة وجوب تقليد غير المعصوم فهو عاجز عن رد الدليل القطعي الذي أتيت به، فلا حجة أمام الله لمن يتبع باطلهم الذي يقدمونه بلا دليل شرعي ولا عقلي ويترك حقنا وديننا الإلهي الحق دين الأنبياء ومحمد وآل محمد (ع) الذي قدمنا عليه دليلاً شرعياً قطعياً.
ومن يسمون أنفسهم آيات ومراجع هربوا من مواجهتي ومناظرتي مباشرة، وقد كنت في النجف في حي النصر وكان بابي مفتوحاً ليلاً ونهاراً، وأستقبل أي شخص، وقد قدمت لهم عرضاً للمناظرة المباشرة وأعلنت عن استعدادي للمناظرة في أي مكان يختارونه هم حتى وإن كان مكاتبهم وانتظرت سنوات دون نتيجة !
ثم لما وجدوا أنهم عاجزون أخذوا يحركون القوات الموالية لهم لمحاولة اغتيالي أو اعتقالي وهجموا على مكتب الدعوة قرب الإمام علي (ع)، واعتقلوا مجموعة من المؤمنين بدون ذنب فقط لأن المراجع افتضح جهلهم وعجزهم عن مواجهة العلم الذي طرحه أحمد الحسن، ففعلوا كل هذا ليهربوا من المناظرة العلنية؛ لأنها كانت ستبين خواءهم العقائدي وكذبة دينهم المرجعي المبني على عقيدة وجوب تقليد غير المعصوم.
ولما اضطروني بقوة السلاح إلى الاعتزال في بيتي في أطراف النجف لم أغلق باب المناظرة، بل فتحت باباً آخر، وهو مفتوح لهم إلى هذا اليوم، حيث قمت بنشر العقيدة الحق في كتب وطلبت منهم الرد عليها وإجراء مناظرة كتابية، ولكنهم أيضاً أحجموا إلى يومك هذا كما ترى.
وأخيراً صدر قبل أيام (كتاب الوصية المقدسة)، وفيه جوابان بيّنت فيهما صدور الوصية وقطعية دلالتها على مصداقها عندما يدعيها، فلنترك كل ما مضى وليردوا على هذين الجوابين، وأنا أدعوهم أن يردوا رداً علمياً له قيمة، وليستعين مراجع النجف بمراجع قم وليردوا ولتبدأ مناظرة كتابية بيني وبينهم، وأنا أقول لك مقدماً: إنهم لن يردوا؛ لأنهم أصلاً حرضوا قوات للهجوم على المكتب وإغلاقه وعلى داري في النجف، والسبب الوحيد فقط هو ليهربوا من المناظرة، فكيف انتظر منهم اليوم أن يردوا، اللهم هناك سبيل وحيد ربما يأتي بنتيجة وهو أن تحثوهم وتضطروهم أنتم إلى الرد.
وإذا كانوا لا يريدون المناظرة في الجوابين المتقدمين وفيما نعتقده نحن، فلتبدأ مناظرة كتابية بيني وبينهم في عقيدتهم في وجوب تقليد غير المعصوم.
أما صغارهم من خطباء ومدعي الاجتهاد وما شابه، فقد تعبت ألسنة وأقلام شيوخ أنصار الإمام المهدي وهم يطلبون من هؤلاء المناظرة العلنية على الفضائيات لتتبين العقيدة الحق للناس، وهم يتهرّبون وكل مرة يخرجون بحجة لتبرير هروبهم من مناظرة أنصار الإمام المهدي (ع).
وليتهم هربوا من مناظرة الأنصار وصمتوا، لا بل أخذوا يكذبون لخداع الناس.
فمثلاً: الكوراني والمركز التابع للسيستاني يقولون: إن اسم أحد آبائي (كاطع)، ويكرر الاسم في الفضائيات ويقول: (ابن كويطع). وهذا ينمّ عن خفة الرجل، وإلا فكيف يصدر من رجل معمم وكبير بالعمر هذا الكذب وبهذا السلوك المبتذل.
مع أنّ اسمي في السجّلات الرسمية في العراق هو أحمد اسماعيل صالح حسين سلمان، ولا يوجد اي اسم كاطع أو قاطع، فمن أين جاء الكوراني باسم كاطع ؟
هذه إذن كذبة من سلسلة كذبات مركز السيستاني والكوراني، ومحاولة رخيصة منهم للكذب على الناس وخداعهم والتنابز بالألقاب، كأنهم لم يقرأوا القرآن وهو ينهى عن هذا الخلق السيء حتى وإن كان اللقب صحيحاً، فكيف وأنا لا يوجد في آبائي اسم (قاطع) وليس هذا لقبي أبداً ؟
أعتقد أنّ الكذب وهذه التصرفات لا تليق بصبي أهوج وهم كبار في السن ولحاهم بيضاء ويرتدون العمائم فمشين أن يكونوا بهذه الخفة ويصدر منهم الكذب والافتراء والتنابز بالألقاب بهذه الصورة الفجة.
قال تعالى: ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (الحجرات: 11). وفي (وسائلالشيعة: ج21 ص400 باب كراهة ذكر اللقب والكنية اللذين يكرههما صاحبهما أو يحتمل كراهته لهما): عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَبَّادٍ عَنْ عَمِّهِ عَنِ الرِّضَا (ع): (أَنَّهُ أَنْشَدَ ثَلَاثَ أَبْيَاتٍ مِنَ الشِّعْرِ وَذَكَرَهَا قَالَ وَقَلِيلًا مَا كَانَ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا قَالَ لِعِرَاقِيٍّ لَكُمْ قُلْتُ أَنْشَدَنِيهِ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ لِنَفْسِهِ فَقَالَ هَاتِ اسْمَهُ وَدَعْ عَنْكَ هَذَا إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ وَلَعَلَّ الرَّجُلَ يَكْرَهُ هَذَا).
ولكن هل انتهى الأمر هنا ؟ لا.
فقد قال الكوراني: إن أحمد الحسن صهيوني، ودليله على هذا الاتهام أنّ أحمد الحسن يدافع عن النجمة السداسية ويقول إنها من مواريث الأنبياء.
ومع أنّ النجمة السداسية وجدت في الآثار السومرية وهي أقدم حضارة عرفتها الأرض، وقبل أن يولد موسى بن عمران (ع)، وقبل أن يوجد شيء اسمه اليهود، ولكن الكوراني يصر على أنّ النجمة السداسية من مختصات الصهاينة فقط لا غير، ومن يدافع عنها أو يبين حقيقتها ويقول إنها من مواريث الأنبياء فهو صهيوني.
إذن، فعلى طريقة الكوراني في الاستدلال فإنّ حوزة النجف وحكومة العراق الحالية وحكومة محافظة كربلاء الحالية وإدارة متحف الإمام الحسين (ع) في كربلاء كلهم يتهمهم الكوراني أنهم صهاينة؛ لأنه تم استنساخ صندوق فاطمة الزهراء عليها السلام المزين بنجمة سداسية كبيرة والموجود في متحف في تركيا، ووضعت النسخة في متحف الإمام الحسين (ع) في كربلاء في العراق وبعلم حوزة النجف، بل الكوراني بقياسه هذا يتهم الرسول محمداً وفاطمة الزهراء أنهم صهاينة؛ حيث إنّ فاطمة عليها السلام كانت تضع هذا الصندوق المنسوب لها وعليه النجمة السداسية في بيتها المفتوح على مسجد رسول الله محمد (ص) في المدينة المنورة، اي أن النجمة السداسية كانت موجودة في المسجد النبوي.
فكما ترى أصلحك الله، أنهم يردون على دعوة الحق بالكذب والافتراء، وكل عاقل يحكم أن الذي يضطر للكذب متعمداً للرد على دعوة مخالفه فهو يقر بفعله هذا أنه عاجز عن الرد العلمي، لهذا اختار طريق الكذب ].
* * *
وهذا قولهم عن الوصية المقدسة !
أكمل السيد أحمد الحسن (ع) عرض بعض أقوال المعاندين للحق لمن سأله، فقال:
[ أيضاً: من أكاذيبهم أنهم يقولون للناس: إنّ رواة الوصية مجهولون، وبهذا فالوصية ضعيفة السند. ومع أننا أثبتنا لهم صحة صدور الوصية بالتواتر والقرائن وفصّل لهم الأنصار هذا الأمر وبيّنوا أنّ الوصية لا تدخل في التقسيم الرباعي لتوصف بالضعف، ومع أنّ علم الرجال الذي يتبجّحون به كذبة كبيرة يخدعون بها الناس، فهم أصلاً لا توجد عندهم مادة رجالية معتبرة وكافية، ولكن تنزّلاً معهم ولكي لا تمرّ كذبتهم على الناس المظلومين المخدوعين، فقد بيّنا لهم أنّ الوصية سندها صحيح، وأنه يكفي شهادة الشيخ الطوسي (رحمه الله) لرواتها بأنهم من الخاصة أي الشيعة الامامية، وأنتم تعتمدون على قول الطوسي في الرجال فما عدا مما بدا، لماذا أصبح قول الطوسي في الرجال هنا لا قيمة له عندكم، أم أنّ الهوى صرعكم وما عادت الحقيقة تعنيكم بشيء ؟!
وعموماً، هذا سؤال وجّه لي قبل فترة، وأجبت عليه وأنقل لك السؤال وجوابه:
(س/ الأخ جعفر الشبيب يسأل عن معنى قول الإمام (ع) في أنّ رواية الوصية وصلت بسند صحيح. أبو زينب
ج/ بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلّم تسليماً
قبل الجواب، لابد من التنبيه أنّ الحجة لا يحتاج لمناهج وضعية منحرفة عن الحق ليثبت الحق، وإنما رحمة بالناس يحتج على بعض المنحرفين بمنهجهم ويناقشه ويبيّن وهنه والقول الصحيح من السقيم ويلزمهم لعلهم يرجعون إلى الحق.
الرواية إذا كان رواتها شيعة عدولاً أو صادقين فهي صحيحة السند عندهم.
إذن، لصحة السند يكفي أن نثبت أنّ:
1. الرواة شيعة.
2. صادقون.
ويكفي لثبوت أنّ رواة الوصية شيعة أنّ الشيخ الطوسي روى الوصية ضمن روايات الخاصة، أي أنّ الشيخ الطوسي يعتبر رواتها من الخاصة (الشيعة)، فقد قال الطوسي في الغيبة: (فأما ما روي من جهة الخاصة فأكثر من أن يحصى، غير أنا نذكر طرفاً منها ....) الغيبة: ص137، ثم بعد سرد روايات الخاصة ومنها الوصية علّق قائلاً: (أما الذي يدل على صحتها فإنّ الشيعة يروونها على وجه التواتر خلفاً عن سلف وطريقة تصحيح ذلك موجودة في كتب الإمامية في النصوص على أمير المؤمنين (ع) والطريقة واحدة) الغيبة: ص156 - 157.
ويمكن مراجعة كتاب (انتصاراً للوصية) للشيخ ناظم حفظه الله في إثبات أنّ رواة الوصية شيعة بالتفصيل.
أما الحكم بصدق الرواة أفراداً - ونحن يكفينا الصدق - فلا نحتاج فيه غير أنه لم يثبت بدليل شرعي أنّ أحدهم مقدوح فيه، فالمؤمن صادق فيما يقول حتى يثبت كذبه بدليل شرعي.
فهم لا يقولون إنّ المؤمن كاذب حتى يثبت صدقه، ومن يقول هذا فكلامه يعني أنه يفسق أتباعه ويعتبرهم كذابين حتى يثبت كل فرد منهم صدقه بدليل ؟!
أما من يقول منهم: إنّ المؤمن مجهول الحال ظاهراً حتى يثبت صدقه، ويريدون أنه لا يعرف حاله الظاهري صادقاً أو كاذباً إلا بدليل شرعي. فقولهم هذا مخالف للقرآن ولمنهج الرسول وسماعه من المؤمنين وتصديقه للمؤمنين دون أن يفحص عن أكثر من إيمانهم، والآية القرآنية التي تبيّن سيرة الرسول في هذا الأمر واضحة جلية قال تعالى: ﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (التوبة: 61)، أي أن المعترضين على فعل رسول الله محمد (ص) قولهم كقول هؤلاء بمجهولية حال المؤمن وعدم الاعتماد على قوله حتى يثبت أنه صادق بدليل، فهم ينتقدون الرسول محمداً (ص) لسماعه وتصديقه كلام أي مؤمن ﴿وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، أي أنّ محمداً (ص) يسمع لكل مؤمن ويصدقه فيما يقول ولا يقول إنّ المؤمن مجهول الحال أو كاذب حتى يثبت صدقه، بل عند الرسول - كما في الآية - المؤمن صادق حتى يثبت كذبه ﴿قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، ﴿وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾: أي يصدق المؤمنين.
وهذا الحكم القرآني بصدق المؤمن ظاهراً وليس بمجهولية حاله كما يدعون يكفينا؛ حيث إنّ رواة الوصية شيعة مؤمنون، والمؤمن صادق ظاهراً كما في القرآن، وبهذا فرواة الوصية شيعة صادقون ظاهراً، وهذا يثبت صحة سندها لمن يلتزمون بمسألة السند وتصحيحه ويعتمدون ويعولون عليها، أما مسألة باطن المؤمن وكونه صادقاً أو كاذباً على الحقيقة فهذه مسألة لم يكلّف الله بها الناس ولا يعلمها غير رب الأرباب العالم بالبواطن ومن يشاء أن يعلمه.
أعتقد ما تقدم كافياً، ولكن للزيادة أضيف أنّ قولهم بأنّ المؤمن كاذب ظاهراً حتى يثبت صدقه أو مجهول الحال ظاهراً حتى يثبت صدقه، مخالف لسماحة شريعة الإسلام، ويلزم منه تعطيل المحاكم الشرعية والقضاء والإيقاعات والعقود في كثير من الأحيان؛ حيث لا تستطيع التوصل إلى شاهد على الزواج والطلاق والمرافعات إلا بشق الأنفس، هذا إن حصل تسامح في شرط ثبوت العدالة والصدق عندهم وإلا فلا تثبت عدالة أحد إلا عند الفاحص والمدقق نفسه بناءً على قولهم بأنّ العدالة والصدق لا تثبت إلا بالفحص والتدقيق، فالفاحص والمدقق نفسه يحتاج من يشهد له بالعدالة والصدق لتقبل شهادته عند غيره بحق شخص آخر، وهكذا فالأمر يتسلسل ويبطل، فلا يمكن أن تثبت بهذا الطريق عدالة أحد إلا من شهد له حجة من حجج الله ثبتت حجيته بالدليل أو تثبت للفاحص نفسه فقط، ولا يمكن أن يفحص القاضي الشرعي عدالة كل الناس بنفسه، إذن تعطلت الشهادة عند القضاة في الإسلام.
إذن، فقولهم بمجهولية حال المؤمن يجعل من العسير تحصيل الشهادات في المحاكم وما شابه من قضايا العقود والإيقاعات، فقولهم باطل ومخالف لسيرة الرسول محمد (ص) والأئمة (ع) وللإسلام وسماحته وللقرآن ويسر أحكامه.
وأضيف: إنّ قولهم بمجهولية حال المؤمن يلزم منه عدم الاعتماد على سوق المؤمنين فضلاً عن سوق المسلمين، بينما الروايات اعتبرت الاعتماد على سوق المسلمين جائزاً، وفقهاؤهم يفتون بهذا.
أي أن الروايات عن الأئمة (ع) اعتبرت المسلم صادقاً في قوله بذكاة السمك والذبائح وما شابه، فما بالك بالمؤمن ؟!!
إذن، فالصحيح أن نحكم بصدق المؤمن حتى يأتي دليل قطعي على كذبه.
أما من يصرون بعد هذا البيان على أنّ المؤمن مجهول الحال أو فاسق حتى تثبت عدالته أو صدقه فهذا شأنهم وهو عناد وتحكّم بلا دليل، بل الدليل قائم على أنّ المؤمن صادق ويصدق في قوله. وليسمع أتباعهم قولهم وليعرفوا أنهم فسقة ونكرات مجهولو الحال وغير صادقين عند فقهاء الضلال حتى وإن أثبتوا أنهم مؤمنون؛ حيث يُلزمهم فقهاء الضلال أن يثبت كل فرد منهم عدالته والتي لا يمكن ثبوتها على طريقتهم بدليل منطقي صحيح، حيث لو قالوا تثبت عدالة الشخص بشهادة عدول أو عدلين له فهؤلاء العدول يحتاجون لشهادة أيضاً وهكذا يتسلسل الأمر ويبطل.
وفوق كل ما تقدم، فهؤلاء الذين يتبجحون بعلم الرجال ليس لديهم مادة رجالية أصلاً في الجرح والتعديل تغطي عدداً معتداً به من صحابة محمد وآل محمد (ع) ليحق لهم أن يتكلموا في الجرح والتعديل، فهم أصلاً فاقدون لمادة الجرح والتعديل المعتد بها حيث هناك مئات الآلاف من صحابة الرسول والأئمة (ع) وليس لديهم في كتب رجال المتقدمين سوى ذكر عدد قليل جداً من هؤلاء، وإذا كان الحال هذا فأي رواية لا تعجب بعضهم ولا توافق أهواءهم يمكنهم ردها بسهولة بحجة أنّ هذا الراوي مجهول الحال أو لم يذكر في كتب رجال المتقدمين، في حين أن الأكثرية لم يذكروا، وفي حين أنّ الحقيقة التي لا يعلمها عامة الناس: أنّ هؤلاء أصلاً ليس لديهم مادة توثيق معتد بها منطقياً يتحاكمون لها. ومن يريد التفصيل أكثر يمكنه الرجوع إلى ما فصّله شيخ ناظم حفظه الله في هذا الأمر. والحمد لله رب العالمين).
إذن، وفقك الله:
نحن: أثبتنا حجتنا بالدليل الشرعي والعقلي وهي منشورة في الكتب وآخرها كتاب الوصية المقدسة، ولا يوجد عندهم رد غير الكذب وغير حرفة العاجز وهي الطعن في سند الوصية المتواترة والمقرونة وفوق هذا فإنّ سندها قد صحّحه الطوسي بوصفه رجالها بأنهم خاصة، وهم وكل العلماء المتأخرين عيال على أقوال الطوسي في الرجال، وليس لهم رد قول الطوسي في الرجال بناءً على قول المتأخرين وإلا لنسف حتى الفتات الذي بين أيديهم ويسمّونه علم رجال، فحقيقة قول المتأخرين في الرجال إنه والعدم سواء طالما أنه مجرد قول خالٍ من الدليل الشرعي.
هم: عاجزون عن إعطاء دليل شرعي أو عقلي على عقيدة التقليد عندهم والتي يبنون عليها دينهم المرجعي، فلا توجد عندهم آية قرآنية محكمة الدلالة ولا رواية قطعية الصدور قطعية الدلالة، ولا يوجد عندهم دليل عقلي تام، فقاعدة وجوب الرجوع إلى العالم التي يقدمونها لا تنطبق عليهم؛ لأنهم في أحسن أحوالهم يقدمون ظنّاً فهم ظانون، والحقيقة إنهم في بعض الأحيان لا يقدمون غير أوهام مثل أحكام الصلاة في المناطق القريبة من القطب، بل إنّ بعض هؤلاء الذين يسمون أنفسهم مراجع لا يفهمون ما يقال لهم، ففي حين أننا نطالبهم بدليل على عقيدتهم في وجوب تقليد غير المعصوم، نجدهم يقدمون دليلهم على أنه الرجوع إلى المتخصص ! وهذا القول في أحسن أحواله يعني الجواز وليس الوجوب، وحتى الجواز فيه نقاش. ومعنى تقديمهم هذا القول كدليل عقلي أنهم إما لا يفهمون ما نقول لهم، أو أنهم يقرّون بأنّ عقيدتهم بدعة وباطلة وبلا دليل وتنازلوا عن عقيدة الوجوب بعد أن بيّنا بطلانها لهم إلى عقيدة الجواز أو الاستحباب، وإذا كان الأمر كذلك فعليهم أن يعلنوا تنازلهم عن عقيدتهم الباطلة وانتقالهم من الوجوب إلى الجواز لكي ننقل نقاشنا معهم إلى هذا المقام ونناقش عقيدتهم الجديدة.
بربك كيف لعاقل يخاف الآخرة أن يترك هذه الحقيقة التي يقدمها له أحمد الحسن، ويتمسك بأوهام وجهالات يقدمها من يسمّون أنفسهم مراجع ؟ والله، أنا أشفق على حال هؤلاء الذين يسمون أنفسهم مراجع وما هم فيه من ضعف وركة وعجز عن الدفاع عن عقيدتهم التي انهارت بفضل الله وتوفيقه لنا، وأدعوهم أن يراجعوا أنفسهم، فكلنا للموت سائرون وسنسأل ويُسألون، ولا أعتقد أنّ المناصب والزعامة الدينية تستحق كل هذا العناء، وأن يبيعوا لأجلها آخرتهم ويختاروا طريق الضلال عن علم ويضلّلون الناس ويبوؤوا بغضب الله ونقمته. فليتقوا الله في الناس المساكين الذين يضلونهم ويبعدونهم عن الحق بأكاذيب وأوهام لا حقيقة لها ولا دليل عليها مثل كذبة عقيدتهم في وجوب تقليد غير المعصوم ].
* * *
المحطة الخامسة:
شيء من سيرته (ع) مع أنصاره والناس
أنتم كفيتموني مؤنتهم !
هذه كلمة للسيد احمد الحسن (ع)، يشهد فيها لأنصاره الذين يبيّنون حقّه للناس، ويلاقون في سبيل ذلك شتّى صنوف الأذى من الكثير منهم، كالاستهزاء والسخرية والسب، وما شابه:
[ أعانكم الله على هؤلاء، والله أنا لم أواجهم، أنتم كفيتموني مؤنتهم، ولكن - والله - أحياناً أجلس أبكي على ما حصل مع علي (ع)، وأمثال هؤلاء الذين يواجهوكم اليوم يتقافزون فوق رأسه، يقولون له: كم شعرة بلحيتي، ومن هذه التوافه ].
* * *
ليكن كلّ واحد منكم أُمّة !
سأنقل الآن كلمة للسيد أحمد الحسن (ع) لأنصاره الكرام.
أما قصّتها: فهي أنّ أحد الأنصار كان قد تأخّر في إيمانه بدعوة الحق المباركة، فكتب إلى السيد أحمد الحسن (ع) يعتذر عن تأخّره في نصرته وتلبية دعوته، ويرجوه متوسلاً بأُمّه فاطمة الزهراء عليها السلام أن يدعو له ولأهل بيته، وأنهم إن كانوا من الأشقياء أن يمحو الله اسمهم من سجل الأشقياء ويكتبه في سجل السعداء ببركة محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.
ولما كانت إجابة السيد (ع) عامة باعتقاده، ارتأى بثّها لجميع المؤمنين عسى وأن تصادف قلباً واعياً لها، ويكون كما يريد حجة الله وخليفته.
وهذا نص كلامه (ع):
[ بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
وصلّى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلّم تسليماً
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسأل الله أن يوفقكم لكلِّ خير ويجنبكم كلّ شر، وما قدري أنا العبد المسكين الراجي مغفرة ورحمة ربه لأقول إنّ هذا سعيد وذاك شقي.
جئت لأشهد للحق ولأُبيّن طريق الحق، جئت لأُنقض هيكل الباطل وأبني بحول الله وقوته وبمعونة المؤمنين به سبحانه هيكل الحق، بل أنا علامة من علامات الطريق، فإيّاكم أن تنشغلوا بالعلامة، وتغفلوا عن الغاية والغرض، فغايتكم الوصول وغرضكم المعرفة، بل أرجو من الله ومنكم أيها السادة الأبرار أن تكونوا أنتم كذلك علامات في طريق الله، وبمنزلة الأدلة في الفلوات، هداة إلى الحق، إلى الله سبحانه ترشدون من ضلّوا الطريق.
كونوا على يقين كامل أنّ الله سبحانه معكم دائماً، اخلصوا لله سبحانه، وكلّ واحد منكم ليحمل الحق وحده لا يرى معه إلا الله، وليقاتل الباطل كلّه باليقين، هكذا ليكن كلّ واحد منكم أُمّة.
إيّاكم أن تتّكلوا على أحد، إيّاكم أن تتكلوا على أحمد الحسن العبد الذي يموت، بل ليكن توكلكم على الربِّ الذي لا يموت ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ (إبراهيم: 12)، فنعم الربُّ ربكم؛ لأنه الكريم الذي يعطي نفسه للمتقين الموقنين المخلصين، جاهدوا في الله واعملوا أن تكونوا كذلك؛ ليستيقظ بكم النيام ويحيى الموتى، وليرى بكم العمي ويسمع الصم، ليكن كلّ واحد منكم على يقين كامل أنه لو حمل الحق وحده وقاتل الباطل وحده لانتصر بالله وحده.
فهنيئاً لكم جهادكم مع الحق سبحانه، وهنيئاً لكم محاربتكم للباطل.
والحمد لله الذي مَنَّ عليَّ وعرّفني وجمعني بكم أيها السادة الكرام البررة، إنّ فضل الله عليَّ عظيم، وأملي أنّ الكرام أنصار الحق يتفضّلون عليَّ بدعائهم.
والحمد لله الذي لم يجعلني جباراً شقياً.
واستغفر الله لي ولكم.
المذنب المقصر
أحمد الحسن
20 / ذي الحجة / 1428 هـ. ق ].
* * *
من يظن أنه قطّع حباله مع الدنيا:
نقول عن الدنيا دائماً إنها دار سراب ووهم، ولكن بالرغم من إدراكنا هذه الحقيقة، أو لا أقل سماعنا عنها من خلال النصوص الدينية الكثيرة، لا زالت الحبال موثوقة بها، ولكن قد يخطر في بال بعضنا أنه بدأ يقطّع بعضاً منها.
سألت السيد أحمد الحسن (ع) عن ذلك ذات مرة، فقال:
[ الإنسان دائماً يبقى يجاهد نفسه وهواه والدنيا وزخرفها والشيطان حتى آخر لحظة من حياته. من يقول إنه قطّع حباله مع الدنيا فهو كاذب، وقد ابتلي بأمر عظيم يقيّده في الظلمة، وهو العجب. فلابد للإنسان دائماً أن يبقى يلوم نفسه ويعتبر نفسه مقصراً وظالماً ومذنباً، نحن نعمل ولكن لا نقيّم عملنا، يوجد من يُقيّم أعمالنا، يوجد من يُدين ].
ولكن هل يعني هذا أنّ الانسان يبقى مهبطاً رأسه دائماً، أو يمكنه أن ينظر علامة الرضا في وجه من يُدين ويُقيّم الأعمال ؟
هذا ما خطر في بالي، فسألته عنه، فأجاب (ع):
[ هذا أمر يرجع لمن يُدين، فهو إن شاء بشّر، وإن شاء لا؛ لعلمه بالنفوس وما يصلحها، أي ربما يخبرك أنّك قد أحسنت فيصيبك العجب، فهو أعلم بما يصلحك، قال تعالى: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (يونس: 64) ].
* * *
نصيحته إلى كلّ من يتصدّى للمناظرة من الأنصار:
هذا نصّ نصيحة السيد أحمد الحسن (ع) إلى كلِّ من يتصدى للمناظرة وبيان الحق للناس من أنصاره الكرام:
[ إلى ....... وإلى كل من يتصدّى للمناظرات من أنصار الإمام المهدي (ع) حفظهم الله
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلّم تسليماً كثيراً
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرجو منك أن تتوكل على الله توكلاً حقيقياً بكلِّ قلبك، ولا تعتمد على فهمك، بل أخلص لله سبحانه وتعالى حتى لا ترى نفسك بل تراه هو سبحانه، هو فقط، عندها تجعل الله ينطق على لسانك ويقول ما يريد بك ويظهر حقه من خلالك.
إيّاك أن تغتر أو أن تظن بنفسك الظنون ﴿لَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ (لقمان: 18)، فمن أنت، ومن أين مبدأك، وإلى أين منتهاك ؟ أنت إن ذكرت نفسك وغفلت عن ربك فأنت ظلمة ومبدأك منيّ ومنتهاك جثة لولا أنها تدفن لتمنّى من تعيش معهم اليوم أنك لم تكن، وإن ذكرت ربّك وكنت من الذاكرين في كل حال وآن فأنت نور وروح قدسية تتمسّح بها الملائكة وتتبرّك بالدنوّ والاقتراب منها؛ حيث إن مبدأك ومنتهاك هو الله سبحانه وتعالى علواً كبيراً، فانظر في أمرك وتدبّر حالك واختر من تريد أن تكون.
الله سبحانه وتعالى يحبّكم، ولهذا فإن غفلتم عن ذكره وظننتم أنكم قادرون ومنتصرون بأنفسكم وبقدرتكم فإنه لن يترككم للشيطان ليستحوذ عليكم، بل يذكّركم وينبّهكم كما ذكّر من كان قبلكم ونبّههم بالهزيمة والانكسار أمام الأعداء والكفار، وها أنتم تذكرون أُحد وحُنيناً عندما ظنّ المسلمون أنهم قادرون على النصر بأنفسهم وغفلوا عن ذكر الله فرحمهم الله وذكّرهم به سبحانه، عندما جعلهم يذوقون طعم الانكسار والهزيمة، وهذا لأنّ النصر الحقيقي هو الانتصار على النفس والإخلاص لله سبحانه وتعالى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ﴾ (التوبة : 25).
فإيّاك أن تفرح بنصر حقّقته، اللهم إلا إن كان فرحك لانتصار دين الله وليس لنفسك وبنفسك، وتذكّر قوله تعالى: ﴿لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ (القصص: 76)، وقوله تعالى: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ (الحديد: 23).
واعلموا سددكم الله، أنّ من أراد شيئاً أعدّ له عدته، فكونوا جميعاً كالبنيان المرصوص وأعدوا العدة، وهيّئوا أنفسكم بالعلم والعمل الجادّ والإخلاص لله سبحانه وتعالى، وعليكم بالطهارة والصلاة والدعاء وفقكم الله وسددكم ونصركم نصراً عزيزاً، على الأقل اغتسلوا قبل كل مناظرة ومنازلة غسل التوبة لتبرزوا وقد خرجتم من ذنوبكم، وصلّوا بعد كلِّ مناظرة ركعتي شكر لله سبحانه وتعالى ليرحمكم الله ويزيدكم من فضله ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ (إبراهيم: 7). ويا لها من نعمة أن تكونوا عباداً شاكرين قد مدحكم الله في الملأ الأعلى ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ (سبأ: 13).
المذنب المقصر
أحمد الحسن
رمضان المبارك 1431 هـ ق ].
* * *
رثاؤه لأنصاره الشهداء:
كان السيد أحمد الحسن (ع) قد رثى أنصاره الشهداء ممّن قتل ظلماً وجوراً في عام 2008، والذين كانت لدمائهم الزكية أبلغ الأثر في انتشار دعوة الحق وبلوغها أقصى نقاط المعمورة، وهذا نصُّ بيانه فيهم، أعلى الله مقامهم:
[ بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
وصلّى الله على محمد وآل محمد الائمة والمهديين وسلّم تسليماً
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب: 23).
السلام على الشهداء السعداء.
السلام على أحبّاء الله وأحبّاء رسوله.
السلام على من صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
السلام على من شهدوا أن لا إله الا الله بدمائهم الطاهرة المقدسة.
أشهد أنّكم في علّيين، مع خيرة الله من خلقه، أحياء ترزقون.
أشهد أنّكم الأُمة الوسط والشهداء على الناس ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾.
أشهد أنّكم الشفعاء المشفعون.
وأشهد أنّ دماءكم الطاهرة التي سالت سرٌّ من أسرار الله، وآية من آيات هذا العالم، تعرفها الملائكة، ومفتاح دولة العدل الإلهي، فسلامٌ عليكم يوم ولدتم ويوم استشهدتم ويوم تبعثون.
أمّا حزني عليكم فلا ينقطع لا والله أبداً بعد يومكم هذا حتى انتقل إلى جواركم، وأما عبرتي ودمعي فسيظل جارياً عليكم ما دمت حياً، لقد والله تركتم في قلب أحمد الحسن ألماً وجرحاً عميقاً لن يشفى حتى ألقاكم في داركم الكريمة التي انتقلتم لها، فسلام عليكم يا أحباء أحمد الحسن وروحه وقلبه .
السلام على الجرحى والأسرى المظلومين، إن شاء الله سيكون شفاء جروحكم وفكّ أسركم عاجلاً وآية ورحمة بالمؤمنين من ربّ العالمين، ونقمة على الكافرين عبيد أمريكا وعبيد السفياني والدجال لعنهم الله وأخزاهم في الدنيا والآخرة .
السلام على عوائل المؤمنين التي فقدت أحباءها، وخصوصاً الأمهات الثواكل، أرجو أن تسامحن أحمد الحسن، فوالله أهون عليَّ أن يقتلني هؤلاء الطواغيت عبيد الأعور الدجال أمريكا ألف قتلة من أن يمسّ أحد من الأنصار الأطهار بأذىً، ولا أقول إلا أننا لم نخلق للدنيا لنطلب الخلود أو طول البقاء فيها، وخير الناس من عرف المآل وتزوّد للترحال، ولا أعرف من تزود خيراً من هؤلاء الأطهار، فهم والله عباد متقون، وعلماء عارفون، وقد ختم الله لهم بالخير كله وهو الشهادة الحقيقية التي لا ينالها إلا نبي أو وصي أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان.
﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ (الزمر: 69).
فسلام الله عليهم ما دامت السماوات والأرض.
إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وسيعلم الذين ظلموا آل محمد أيّ منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين.
أحمد الحسن
محرم الحرام / 1429 هـ . ق ].
أنصاره المغيّبون في السجون لا يغيبون عن باله !
لا زال العشرات من أنصار الإمام المهدي (ع) مغيّبين في قعر السجون وظلم المطامير، ومنذ سنين، وإذا كان إخوتهم الأنصار يهدأ لهم بال ويطيب لهم عيش، فليس إلى قلب السيد أحمد الحسن (ع) سبيل من ذلك أبداً.
وهذا بعض ذكره لهم عند ربّه الكريم في شهر رجب الأصبّ:
[ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن شاء الله تكونون بخير وعافية.
إذا ممكن أن توصلوا خبراً للأنصار أن يصوموا أيام: (13 و14 و15)، ويعملوا عمل أُم داود لفرج أسرى الأنصار وفقكم الله ].
* * *
دور المرأة في نصرة الحق:
سألت إحدى الأخوات المؤمنات عن تكليف النساء في نصرة الحق في هذا الوقت (وقت السؤال كان منذ سنين)، وما حدود التقية، وكيفية التعامل مع الذين يظهرون لنا العداء.
ولأن في الجواب دروساً وعبراً ممكن أن ينتفع بها الجميع، وخصوصاً الأخوات المؤمنات، أنقل جواب السيد أحمد الحسن (ع) على السؤال:
[ بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
وصلّى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً
المرأة المؤمنة كالرجل المؤمن، فهي تصلي وتصوم وتعمل فيما يرضي ربها سبحانه تماماً كالمؤمن إلا في بعض التفاصيل والخصوصيات، فهي مكلفة بمعرفة دينها وتبليغ الناس وتعريفهم بالحق في حدود وسعها ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ (البقرة: 286).
فلا تقصّروا في تبليغ الناس وقول الحق سواء كان التبليغ وجهاً لوجه أم من خلال وسائل الإعلام المتاحة لكم كالانترنت، وكما يفعل كثير من إخوتكم الأنصار بنشر المقالات في الصحف التي تنشر على الانترنت ويطالعها الناس في معظم دول العالم، والتي كان لها أثر كبير وكانت سبباً في إيمان بعض الناس ومن دول مختلفة.
أيضاً بإمكان النساء المؤمنات تنظيم أنفسهن للعمل بما يسعهن وإقامة مجالس العزاء بمناسبات مصائب آل محمد (ع) وتعريف الناس بالحق وبيان الباطل وفضح أهل الباطل، لقد كان دور زينب عليها السلام بعد واقعة كربلاء دوراً عظيماً في بيان الحق وفضح الباطل، أسأل الله أن يوفقكن للوقوف بوجه طغاة هذا الزمان كما وقفت زينب عليها السلام لفضح أهل الباطل وتعريتهم وبيان جرائمهم وطغيانهم وجحودهم.
أما التقية، فهي أن يحافظ المؤمن على حياته لينصر الحق، وليس أن يحافظ على حياته فقط لأجل الحفاظ عليها، فخذلان الحق ليس من التقية في شيء، وأسأل الله أن يفتح لكُنّ الأسباب وييسر الأمور لتنصرن الحق ويظهر على أيديكن وبألسنتكن الحق، ويجعلكن تسرن على خطى الصالحات فاطمة عليها السلام وزينب عليها السلام وخديجة عليها السلام ومريم عليها السلام والمرأة المؤمنة الصالحة امرأة فرعون التي اختارت بيتاً عند الله على زخرف الدنيا ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ (التحريم: 11)، ووقفت تقارع الطاغوت وتدافع عن الحق حتى ذهبت إلى ربها راضية مرضية مجاهدة وشجاعة قد ذكرها الله في أفضل كتاب أنزله وهو القرآن، إنّ هذا لهو الفضل العظيم و﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾ (الصافات: 61).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ].
نتيجة الفرقة قتل حجة الله !!
نافذة من نوافذ إيصال الحق للناس كانت مفتوحة، فدبّ الخلاف بين العاملين فيها من المؤمنين، ما أدّى إلى فتح نافذة أُخرى مع بقاء الأُولى، ثم التفت بعضهم إلى أنّ فعلهم الذي أقدموا عليه ربما لا يكون مقبولاً عند خليفة الله.
فأبدى بعضهم استعداده لغلق النافذة الجديدة، إن كان مراد السيد (ع) ذلك.
فكان جوابه (ع):
[ لماذا يغلقوه ؟ هو عمل جيد، وبارك الله بهم وبعملهم، أسأل الله أن يوفقهم ويرزقهم خير الآخرة والدنيا.
وأما الخلافات فقد قلت مراراً: إنّ إصلاح ذات بينكم من أفضل الأعمال، ويرضي الله ورسوله، ولكن ماذا بيدي ؟ وهل جيش علي (ع) سمعوا منه ليسمع الجميع منّي اليوم !
المهم أن يعملوا وينجوا بأنفسهم، بالنسبة لحجج الله هذا ما يهمهم، وهو أن ينجو الناس بأنفسهم ويتجنبوا جهنم، فهم يحاولون إصلاح ذات بين المؤمنين ولكن لا ينفّروا أحداً عن الحق ولو بكلمة تؤذيه، وحتى لو كانت نتيجة الفرقة هي قتل حجة الله كما حصل مع علي (ع) ].
إنّ هذا المقطع من كلامه، علينا أن نتأمله مراراً، وأعتقد أنه ليس بحاجة إلى تعليق، أسأل الله أن يحفظ آل محمد (ع) بحفظه، ويوحّد كلمة المؤمنين دائماً وأبداً.
وعن الإصلاح والسعي لإنقاذ الناس بما فيهم المؤمنين عند الفتن، نقرأ قوله (ع) التالي:
[ الشيطان عموماً يحاول إضلال من يستطيع، ولكن نحن نحاول قدر الإمكان الإصلاح.
أسألوا أخوتكم كم حاولت مع حيدر مشتت وأتباعه بكل وسيلة لأهديهم إلى الحق ؟
عموماً، نحن دائماً نحاول قدر الإمكان الخروج بأقل خسارة في الفتن، وأن لا نعطي للشيطان أيّ غنيمة إن أمكن ].
* * *
إلى من لا يتحمّل من مؤمن ازعاج !
كان أحد الإخوة المؤمنين يتواجد في أحد ساحات العمل في دعوة الحق، فافتقده السيد أحمد الحسن (ع) يوماً وسأل عنه، فأجبته بأنّ الأخ أخبرني بسبب انصرافه.
وكان سبب انصرافه أنّ أحد الإخوة المؤمنين نصحه، وربما كانت نصيحته ثقيلة عليه نوعاً ما، فعزم بعدها على عدم الحضور والتواجد.
فلما عرف (ع) بذلك، قال:
[ أرجو أن تخبره أن يتواجد، ويتحمّل إخوته، ويقبل منهم النصيحة، ولا يكن من المتكبرين. الحسين (ع) قَبِلَ أن تدوس حيوانات على صدره، وأنتم لا تتحمّلون إزعاجاً من مؤمن، من تواضع لله رفعه الله.
قل له أن يستعيذ من الشيطان، ويتواجد للعمل، ويتحمّل إزعاج من يزعجه من المؤمنين، أو نصيحة من ينصحه ].
* * *
كيفية التعامل مع المشكوك بهم:
يعاني بعض الإخوة الأنصار من مشكلة، ملخصها: إنّ بعض من يدعي الإيمان بدعوة الحق قد تصدر منه بعض التصرفات التي تجعله مثار شك وريب، خصوصاً وأنّ المؤمنين بالدعوة اليمانية الحقة قد لاقوا من الناس ما لاقوا، ما يعطيهم - ربما - العذر بشكّهم.
سألته ذات يوم عن كيفية التعامل مع مثل هذه الجماعات التي لا يُميَّز الصادق منها من المغرض، وبعضهم ربما ساهم باعتقال الإخوة المؤمنين والتحقيق معهم.
فأجاب (ع) قائلاً:
[ دائماً أقول للأنصار: إنّ كلَّ من يقول إنّي مؤمن تعاملوا معه على أنه مؤمن، وله عليكم حقوق المؤمن، ولكن في نفس الوقت كونوا حذرين ].
* * *
لا يوفق لمجلس الحسين (ع) كل أحد !!
يحثُّ السيد أحمد الحسن (ع) أنصاره على إقامة مجالس العزاء بمناسبة شهادة سيد الشهداء وأهل بيته وصحبه الطاهرين (ص)، فأحيى بعض الأنصار في أحد الأماكن أيام عاشوراء الأليمة، ولكنهم - وبحضور أطفالهم - لم يبلغ عددهم خمسة عشر شخصاً.
فاشتكى أحدهم قلة الحاضرين في مجلس الحسين (ع)، في حين أنّ مجالس الصادين عن دعوة الحق لا يكاد يحصى عدد الحاضرين فيها.
فأجابه (ع) قائلاً:
[ وهل كان مع الحسين الآلاف ليحضر مجلسه الحقيقي الآلاف ؟
هذا أمر عظيم لا يوفق له أي أحد، ومن يوفق له فمن قال إنه يثبت عليه !!
قبل سنوات هددناهم بسلطان مبين في حال فضّلوا ما في أيديهم على الحق حكاماً وعلماء دين، وربما كثير منهم ضحكوا أن يطالبهم من ليس بيده شيء أن يتنازلوا عمّا في أيديهم بكرامتهم، ولكن الحكام اليوم تنازلوا وهم أذلة خاسئين وخسروا الدنيا والآخرة وليس فقط الدنيا، وإن شاء الله يوم هؤلاء الضالين قريب وسترون يومهم الذي يوعدون.
كما في يوم انسحب من أُولئك كل من كان يحيط بهم من سفراء ووزراء ... الخ، ستجدون هؤلاء في يوم أذلة خاسئين يهينهم من كانوا يعدونه لحرب آل محمد.
قبل سنة تقريباً رأيت رؤيا بـ ...... كأنه مؤمن بالدعوة.
ربما سيهدم الجدار المحيط بهؤلاء الضالين من حيث لا يعلمون، وإذا ما هدم ستهتدي الناس إن شاء الله ].
* * *
أهمية الدراسة في الحوزة المهدوية:
ربما تشغل أُمور الدعوة الأخرى أو شؤون الحياة المختلفة بعضنا عن حضور الدرس في الحوزة المهدوية المباركة، سواء الميدانية منها أو الانترنتية، وكنت في الحقيقة في حيرة من أمري بين حضور درس الحوزة أو الانشغال بأُمور العمل الأُخرى.
فكان رأيه (ع) التالي:
[ الدرس مهم جداً وفقك الله، أن تهيئوا المؤمنين أمر مهم جداً، أما العمل الميداني فبالممكن. ويمكنك بعض الأحيان أن تترك محاضرة أو تجمع محاضرتين في يوم واحد مثلاً إذا كان عندك عمل، يعني يمكنك ترتيب وضعك والجمع إن شاء الله.
لو كان بيدي لشاركتكم في التدريس في الحوزة وفقك الله، فهو أمر مهم جداً، وإن شاء الله ثوابه عظيم؛ لأنه عبارة عن تحصين عقائدي لدولة الحق إن شاء الله ].
* * *
تأويل رؤيا:
رأى أحد الأنصار رؤيا، ملخصها: كأنّ كبير قوم في بلد ما أُنزعت عمامته البيضاء وجُرّد منها وأُلبست لأحد الأنصار، ولما وضعت على رأسه قام بتعديلها وترتيبها من خلال نظره بالمرآة، وأُمّه تنظر إليه، وكان فيها وسخ قليل في الأطراف التي لامست الجبهة، انتهت.
فقصّها على السيد أحمد الحسن (ع)، فقال في تأويلها:
[ العمامة في الرؤيا ترمز لأُمور؛ منها: العلم الذي يملكه الشخص والمعرفة، وأيضاً: ترمز للملك والحكم الدنيوي، فالعمائم تيجان العرب، أي تيجان ملوكهم. والرجل لا أظن أنّ عنده الكثير من العلم، فعمامته ترمز لملكه الدنيوي، وإن شاء الله يكون خيراً.
وكونها بيضاء؛ لأنه حكم باسم رسول الله وباسم الدين وباسم الله. البياض يرمز للعدل والوسخ يرمز للظلم، فالشريعة بقدر ما مسّوها كانت ظالمة، أي أنها بيضاء نقية في الأصل ولكنهم يشوبونها بالظلم من مسّهم لها بالتشريع الباطل والتنفيذ الباطل.
هذا ملخّص معنى الرؤيا، وأسأل الله لك العافية في الدين والدنيا ].
* * *
رفقاً بسيدكم !!
بعث بعض الإخوة المسؤولين عن رفع الأسئلة إلى السيد أحمد الحسن (ع) سؤالاً، وكان السؤال فيه أُمور شخصية تعود لأحد الأنصار، فنقل لي جواب السيد (ع) له، وأنا بدوري أنقله هنا لكلِّ المؤمنين، عسى وأن يكون ذلك لنا عظة وعبرة.
[ هذا أمر راجع له وفقك الله، أرجو أن تكون الأسئلة ضمن الحدود: فقهية، عقائدية، قرآنية. أما الأُمور الخاصة فهذه أُمور كل شخص يمكنه أن يقرّر لنفسه ما يناسبه، فأرجوا منكم قبل أن تقبلوا نقل سؤال أن تتفكروا، جزاكم الله خيراً ].
* * *
اهتمامه بهداية الناس ومحبته لهم:
يوصي السيد أحمد الحسن (ع) أنصاره دائماً بتبليغ الناس والتعامل معهم برحمة ودعوتهم بحكمة إلى الحق والطريق المستقيم، والسعي لهدايتهم بأي صورة ممكنة وبكلِّ وسيلة متاحة.
قال (ع) عن تبليغ الناس، وإيصال الحق لهم:
[ التبليغ يجب أن يستمر وبشكل جيد وفقكم الله، ولا داعي للتلكأ، ولكن أيضاً لا تنسوا الحذر، الحذر الذي يجعل العمل يدوم ويجنّبكم شرّ شياطين الإنس والجن أخزاهم الله ].
وكان (ع) بنفسه يبلّغ الناس بنفسه، يقول:
[ بالنسبة للتبليغ قلت لكم مراراً أن تبلغوا ولكن بحذر، والحذر لا يعني ترك التبليغ، لقد كنت أوزع بعض البيانات بيدي على الناس في الزيارات، ولكن لابد أن تحذروا ليستمر العمل، يعني لا يكون عملاً بصورة متهورة، وأيضاً لا تتركوا العمل بحجة الحذر فليكن عملكم منظماً وبحساب ].
وقال أيضاً:
[ نسأل الله أن يهدي الناس ويصلح حالهم، لا تتركوا تبليغ الناس بالحق وبنفس الوقت ليكن التبليغ بترتيب وفقكم الله، والذي يشاء الله له الهداية يهتدي إن شاء الله ].
بل كان (ع) يهتم حتى بكيفية تقديم المادة العلمية لهم، المتكفلة طرح أدلة الدعوة المباركة، من أجل مساعدتهم في قبول الحق.
في يوم قال لأحد الأنصار:
[ طلبت من إخوتكم أن يوزّعوا كراساً في الزيارة الشعبانية، فقال أحدهم: إنهم رتّبوا منشوراً فيه بيان اليماني وبعض أدلة الدعوة، ومن خلال هذا الكلام يتضح أنه منشور مشتت؛ لأن بيان اليماني لا ينفع في التبليغ المختصر، فلا ينفع أن يكون في كراس للتبيلغ، أرجو إذا كان لديك كراس للتبليغ تعطيه لهم أو تجمع لهم كراساً مختصراً للتبليغ وفقك الله، تطرح الدعوة فيه مع بعض الروايات، ويكون صغيراً بحيث لا يكون مكلفاً ومختصراً أي شخص يمكنه أن يقرأه، إضافة الى ذلك تضع فيه عناوين الانترنت ومكاتب الصحيفة ... الخ ].
وذات يوم طلب (ع) أن تُعمل بحوث مقارنة، عساها تسهم في تعريف الناس بالحق، قال:
[ أسأل الله أن يوفقكم ويسدد خطاكم، فقط لو توفر لديك وقت أن تعمل سلسلة محاضرات في بيان العلوم التي جاءت في كتب "النبوة الخاتمة" و"التوحيد" و"المتشابهات" وغيرها. وهذه المحاضرات تسجل لكي تنشر في العراق مثلاً وفقك الله ليعرف الناس الحق والعلم والفرق بين الحق والباطل، يعني تكون سلسلة مدروسة لكي يتم نشرها في العراق إن شاء الله، توكل على الله وسيرى الله عملكم وإخلاصكم ويسدد خطاكم ].
وكان يوصي كثيراً بالناس المخدوعين والمغرر بهم من قبل بعض قطاع الطرق، يقول (ع):
[ الناس بسطاء وفقكم الله، هؤلاء الذين تريدون مخاطبتهم لا يكادون يعرفون شيئاً عن الدعوة والأدلة، فبعض الجهلة يستهزأ بالرؤيا وهم يضحكون معه، وهم لا يعرفون أنهم يضحكون من إبراهيم ويعقوب ويوسف وغيرهم من أنبياء الله ].
وعن تبليغ طلبة العلم بالخصوص، قال (ع):
[ عموماً وفقكم الله، أنتم أيضاً حاولوا تبليغ طلبة العلم، ربما يصلح الله حال بعضهم، حسب ما قال لي أحد إخوتكم: إنّ في حوزة النجف عدداً لا بأس به آمنوا الآن.
رأيت رؤيا قبل أيام:
كنت أرى شيخاً أعرفه، وهو ذو علم ومعروف في الحوزة، كان جالساً يعطي درساً لمجموعة شيوخ في مسجد في الحوزة في النجف، وأحد الشيوخ كأنه طرح الدعوة في الدرس، وكأنّ هذا الشيخ الذي طرح الدعوة آمن بالدعوة وخرج من الدرس، فرأيت الاستاذ كأنه مؤمن أو متعاطف بقوة مع الدعوة، ولكنه حذر من ردّة فعل الحوزة أو شيء من هذا القبيل، كأن الاستاذ طأطأ رأسه ولم يقل شيئاً، ولكن كأنه في داخله مؤمناً أو يميل للإيمان. انتهت الرؤيا.
ربما بعض المعممين يهتدون، فلا تتركوا تبليغهم وإيصال الحق لهم لعلهم يهتدون ].
ثم إنّ من علامات الصلاح أحياناً، أنك تصادف إنساناً تبيّن له الحق، فيجيبك أنه من يكون ليتوفق لنصرة آل محمد !! فلا يظن بنفسه خيراً، ومثل هؤلاء كثير وفقهم الله لنصرة خلفائه في أرضه.
لمثل هؤلاء كان يعلّمنا السيد أحمد الحسن (ع) أن نتعامل معهم بالطريقة التي يوضحها بقوله:
[ هؤلاء أُناس بسطاء، بيّنوا لهم كيف أنّ هناك أُناساً أصبحوا من أولياء الله كوهب وهو لم يُسلم إلا فترة قصيرة، هؤلاء بحاجة إلى أن يفهموا أنّ هناك أناساً أصبحوا أولياء لله ومن المقربين بمجرد أن التحقوا بخلفاء الله، بينما فشل في الالتحاق بخلفاء الله علماء الدين، كما حصل مع عيسى (ع). فهناك زناة وجنود طاغوت لا يعرفون الدين التحقوا بعيسى وأصبحوا من أولياء الله، بينما فشل علماء اليهود وكبار المتدينين ولم ينصروا عيسى (ع)، بيان هذه الأُمور لهم تنفعهم أيضاً ].
وكان (ع) يعلّم أنصاره كيفية الاحتجاج الصحيح، وغايته من ذلك السعي لهداية الخلق، فكان يقول:
[ أنت تعطيه الدليل الثابت من القرآن والسنة الثابتة، وهو ينتقل إلى الإشكال على الدليل، يعني لا يوجد عنده دليل نقض، بل فقط إشكال، والانتقال إلى الإشكال على الدليل دون إيراد دليل نقض يعني أنّ الدليل ألزمه الحجة وتعذّر عليه ردّه فانتقل إلى الاشكال عليه فقط. والإشكالات تُرد ولكنها لا تنته، تماماً كإشكالات المسيحيين اليوم على القرآن وعلى محمد (ص)، وكإشكالات السنة على الأئمة (ع) ... الخ ].
ومع هذا، كان (ع) يعلّمنا إجابة إشكالاتهم ويوصينا بذلك أيضاً، رحمة بهم ولكي لا تبقى لهم أي حجة وعذر أبداً.
وبالنسبة لأنصاره:
فقد كان رؤوفاً بهم جميعاً، رحيماً بالمساكين، عطوفاً باليتامى.
وكان يوصي بالاهتمام كثيراً بمن يذنب ويتوب من المؤمنين، فكان يقول عن أحد الإخوة الذي حاله ما وصفت:
[ إذا أبدى ندمه فاحتضنوه واهتموا به كثيراً وفقكم الله، فالتائب يحبّه الله، فأحبّوه وفقكم الله واهتموا به كثيراً، لعلّ الله يرحمه برحمته ].
وكان من سيرته أنه يتابع أنصاره في كل مكان، ويسأل عنهم كثيراً، بل إذا ما تناهى لسمعه أنّ هناك أنصاراً من لغات شتى قد آمنوا بالحق، كان يقول:
[ الذين يؤمنون بالحق اعملوا على تعليمهم وتثقيفهم وتقوية عقيدتهم وتوفير الكتب الاستدلالية وبلغتهم ].
* * *
سيرته مع المال:
يقول أحد الإخوة المكلّفين بإدارة بيت المال في أحد الأماكن، كانت تصل إلى بيت المال أموال، منها حقوق واجبة، ومنها تبرعات لدعم دعوة الحق، ومنها ما هو بعنوان هدايا للسيد أحمد الحسن (ع) من قبل بعض الأنصار.
يقول: فوالله ما رأيته يوماً أخذ شيئاً منها، أو حتى مسك شيئاً منها بيده. وكنت لما أسأله عن الموجود تحت يدي منها، وعن إذا كان هو (ع) ينقصه شيء، فكان يقول:
[ لست بحاجة شيء غير دعائكم وفقك الله، ولا داعي أن تُبقي شيئاً وفقك الله، أي شيء تصرّف به وأعطه للأنصار المحتاجين، أو لدعم الدعوة إن شاء الله، أسأل الله أن يفتح لكم وبكم بفضله ومنّه ].
ومن سيرته (ع) أنه كان قد خصّص لعوائل الأيتام والأرامل والفقراء والمحتاجين عطاءً من بيت المال، رغم قلة الإمكانيات والموارد، التي منعت الدعوة الإلهية حتى من فتح نافذة إعلامية كبيرة كقناة تلفزيونية مثلاً يستطيع الأنصار من خلالها إيصال الحق إلى الناس، وقلة ذات اليد هذه تدعو المسؤولين عن بيت المال أحياناً إلى أن يقتطعوا من رواتب هؤلاء المستضعفين رغم بساطة الراتب أصلاً، وكان يقول (ع):
[ وفقكم الله، أنتم رتبوا أُموركم بحسب ما يتوفر من المال، إن شاء الله يوسع الله عليكم، ولكن لو كان هناك شحّ في المال فقلّلوا الرواتب ليكفيكم ما عندكم، وهكذا سيّروا الأُمور ].
* * *
ماتت وهي تبكي على الأولاد !
كنت مسافراً إلى إحدى المدن للقاء بعض الأنصار برفقة أحد المؤمنين، وسمعت بخبر وفاة والدة السيد أحمد الحسن (ع) (رحمها الله)، ثم بعد مدة قمت بتعزيته قائلاً:
(إنا لله وإنا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا آل محمد حقهم أي منقلب بنقلوب.
عظم الله لكم الأجر بشهادة الطاهرة المظلومة وانتقالها إلى جوار رحمة ربها محتسبة مقهورة. أحسن الله لكم العزاء، ولا حول ولا قوة إلا بالله ].
فأجاب (ع):
[ عظم الله أجوركم وتقبل الله أعمالكم، جزاكم الله خير جزاء المحسنيين.
قبل أيام من وفاتها رأيت رؤيا أفزعتني وأيقظتني، أوّلتها بوفاتها.
وقبل أسبوعين من وفاتها رأت العلوية رؤيا: أن هناك تابوت وكنت أنا وولدي والعلوية نصلّي عليه من ثلاثة أركان، وكان فيه شيء عظيم ومهم.
العلوية أيضاً رأت رؤيا قبل يومين من وفاة الوالدة: أنها كانت متوفية ومسجّاة وكنا أنا والعلوية بقربها وحملناها.
عام 2006 عندما خرجنا من البيت الذي كانت فيه الوالدة (رحمها الله)، ولم نتمكن من العودة بسبب شدة طلب الظالمين، رأيت رؤيا وأنا في النجف في البيت الأخير الذي هجم عليه الظالمون واضطرونا للخروج،
رأيت رؤيا: إني كنت أقف في مكان ما، ورأيت أنه حدث انفجار كبير كأنه نووي بحيث مات خلق كثير جداً، يعني ربما مات نصف الناس أو بعض الأماكن خليت من البشر. وبعد هذا وقفت وكنت ألبس ملابس عسكرية، وأحمل راية كبيرة ومهمة جداً، وكنت أسير شمالاً رغم أني كنت في منتصف العراق، وكنت أتجه إلى بيت والدي (رحمه الله) الذي كنت أعيش فيه مع والدتي (رحمها الله)، وعندما اقتربت للبيت من بعيد رأيت الأرض كلها خضراء وجميلة جداً، ورأيت أبناء أخي الأكبر، ثم رأيت ابنة أخي فقالت لي من بعيد: كلنا بخير فقط عمّة زينب ماتت !
بعدها رأيت أختي أيضاً من بعيد، فخاطبتني وقالت: ماتت وهي تبكي على الأولاد، كانت تتمنّى أن تراهم ولو لحظة !
أنا عندما سمعت، لم أتمكن من السير، فانحنيت على الأرض وجلست أبكي وقلت: فماذا بقي، وكنت أسمع دوياً عظيماً في السماوات السبع كأن الملائكة كانت تبكي، وانتهت الرؤيا.
هذه الرؤيا قديمة وقصصتها لعدد من الأنصار سابقاً.
فقط متألم أنها لم ترَ الأطفال، مع أنها ربتهم، وأشعر بالألم أني أيضاً أبعدتهم عنها، ولكن لو أبقيتهم بقربها لقتلوهم ].
* * *
هل أحمد الحسن طالب دنيا!
هذا مقطع مما بيّنه السيد أحمد الحسن (ع) لسائل وقّع اسمه باسم فراس الوادي:
[ ...... أما قولك وفقك الله: (واما اِن كنت ممن يطلبون الدنيا بحرث الآخرة فلا ربحت تجارتك وما كنت منتصراً).
نعم، صدقت لو كنت أنا ممن يطلبون الدنيا، ولكن كيف أطلب الدنيا مثلاً ؟
ولا أظن أنّ من يطلب الجاه يسلك سبيلاً كالذي سلكته، فأنا قبل الدعوة منعزل، والآن أكثر انعزالاً ومشرّد في أرض الله أنا وعيالي كما فعل الطواغيت بآبائي الأئمة (ع)، ولي بهم أُسوة حسنة، فالحق لا يبقي لصاحبه خليلاً غير الله سبحانه.
ومن أحبّ الناس إلى قلبي أُمي التي لم أُفارقها يوماً قبل هذه الدعوة، اضطررت أن أفارقها حتى ماتت وأنا بعيد عنها ولم أودعها، فهل من يطلب الدنيا يذهب إلى هكذا طريق صعب موحش ويتجرع الألم والغصص ؟!
ولا أظن أنّ من يطلب المال يضع بيت مال للمؤمنين في كل بلد، ومنظومة حسابات ومواضع صرف معروفة بحيث كل مبلغ يدخل لبيت المال يسجّل وكل مبلغ يخرج يسجل، والوكلاء المأذونون لقبض الخمس معروفون مثل سيد حسن الحمامي وشيخ صادق المحمدي، وهم لا يرسلونه لي ولا هم يأخذونه لأنفسهم، بل يُسلّم لبيت المال وبيت المال يوزعه على الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل وطلبة العلم وغيرهم وحتى من غير المؤمنين بالدعوة،
ولا أملك أي أموال شخصية فائضة عن حاجة المعيشة اليومية وأجار السكن الذي استر به عائلتي. نعم، كل ما ملكته هو قطعة أرض زراعية صغيرة أشتريتها في أطراف النجف لأسكن فيها، وبنيت فيها بيتاً صغيراً جداً مواساة للفقراء، وقلت ما دمت أنا أعيش في العراق فأعيش كما يعيش الفقراء فيه، وربما تدور الأيام وترون هذا البيت في يوم من الأيام. والمال الذي اشتريتها به جزء منه أهداه لي اخي الأكبر مني حفظه الله، والجزء الثاني اقترضته من أحد أصحابي وهو أيضاً من المؤمنين بدعوة الحق، وهو الشيخ أبو محمد الزيادي حفظه الله، وسددته من وارد الأرض بعد زراعتها، وعندما سلّم لي المال الشيخ أبو محمد بحضور بعض الأنصار كان مختوماً على الأوراق المالية كلمة فدك، وأُهدي لي في نفس اليوم كتاب الغيبة مختوماً عليه كلمة فدك، فقلت: سبحان الله آيات يتبع بعضها بعضاً، وهذا الأمر شهده مجموعة من الأنصار حفظهم الله، منهم: الشيخ أبو محمد الزيادي وشيخ أبو حسن الزيادي والشيخ أبو حسين حفظهم الله.
وعلى كل حال، هذه الأرض خرجت منها في عام 2007 أنا وزوجتي وأطفالي قبل ساعات من هجوم قوات عسكرية موالية للمرجعية عليها وبتحريض من المرجعية، ولما لم يجدوني استولوا عليها ووضعوا فيها حرساً، وبعد فترة تركوها، وما أشبهها بفدك، وما أشبه فعلتهم القبيحة بما فعله من هجموا على دار أُمي الزهراء عليها السلام.
ولم أعرف عن هذه الأرض شيئاً منذ عام 2007 إلا قبل أيام حيث سعى أحد المؤمنين وهو الشيخ أبو حسن وبعض شيوخ عشائر النجف جزاهم الله خيراً لاسترجاعها، والحمد لله الذي جعل لي أُسوة بأُمي فاطمة الزهراء عليها السلام وبأبي امير المؤمنين علي (ع): (بلى ؟ كانت في أيدينا فدك من كلّ ما أظلّته السّماء، فشحّت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس قوم آخرين، ونعم الحكم الله. وما أصنع بفدك وغير فدك والنّفس مظانّها في غد جدث ؟ تنقطع في ظلمته آثارها وتغيب أخبارها، وحفرة لو زيد في فسحتها وأوسعت يدا حافرها لأضغطها الحجر والمدر، وسدّ فرجها التّراب المتراكم، وإنّما هي نفسي أروضها بالتّقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق).
ربما يطلب بعضهم الدنيا بسد شهوته الجنسية وأنا متزوج من زوجة واحدة فقط قبل الدعوة وهي أُم اطفالي لم أعرف غيرها في حياتي لا بزواج دائم ولا منقطع فأين طلب الدنيا في هذا ؟!
أنا وأعوذ بالله من الأنا إلى اليوم عندما أكون مع بعض الأنصار ونحتاج إلى طهي طعام أقوم بالطهي، وعندما نحتاج من يغسل الأواني أنا أغسلها بيدي، رغم أنهم يتمنّون أن يخدموني، ولكني أتشرف بخدمتهم، فهل هكذا يتصرف طالب الدنيا ؟!
وأنا وأعوذ بالله من الأنا أشتري حاجات بيتي من السوق بنفسي، ليس لدي حماية مسلحة ولا غير مسلحة، والحمد لله الذي آمنني ولم يجعلني مضطراً لها.
لا أقبل أن يقبّل يدي أحد، ولا أمد يدي ليقبلها الناس كما يفعل المراجع وبعض وكلائهم.
هذه كلها حقائق اطلع عليها الأنصار سابقاً، والآن هناك من الأنصار من هو قريب مني ويطلع عليها، أي أنها ليست أموراً مخفية، بل شوهدت ومشاهدة من عدد من الناس في الماضي والحاضر.
فأين هي الدنيا التي أطلبها ؟! وكيف طلبتها، وبأي شيء طلبتها أصلحك الله ؟!
في الروايات لا تقبل يد أحد إلا يد نبي أو وصي، فهل من المعقول أنّ هؤلاء الذين لا هم أنبياء ولا أوصياء ويقدمون أيديهم ليقبلها الناس يطلبون الآخرة، وأحمد الحسن الذي رغم كونه وصياً يرفض أن يقبّل يده أحد من الناس يطلب الدنيا ؟!
والله، لا أقول ما أنصفتم أحمد الحسن، بل ما أنصفتم عقولكم إن كنتم هكذا تفكرون وتحكمون.
أرحموا أنفسكم يرحمكم الله، فهؤلاء الذين يفرضون عليكم وجوب التقليد تجار دجاج وعقارات متبعون للشهوات، وليسوا طلاب آخرة ولا علاقة لهم بالآخرة، وأنتم تعلمون هذا ورأيتموهم في العراق بأنفسكم، وأنتم في الخارج ترون أنهم يرسلون لكم أبناءهم لجمع الخمس والأموال وقضاء فترة من المتعة في الغرب بحجة التبليغ، ليتكم تسألونهم: لماذا لا يرسلون غير أبنائهم من بقية طلبة حوزة النجف إلى دول الغرب ؟ لماذا مكاتبهم يديرها أبناؤهم والأموال يتصرفون بها كيفما يشاءون دون رقيب أو نظام أو حسابات ومراقبة ؟!
أرحموا أنفسكم يرحمكم الله، واستخدموا عقولكم للتمييز ومعرفة الحقيقة، فطلاب الدنيا تعرفونهم من تصرفاتهم وسلوكهم وأفعالهم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحمد الحسن
ذو الحجة 1433 هـ ].
فسلام الله عليك أيها العبد الصالح، وعلى آبائك الطاهرين وأبنائك المهديين، وشيعتكم المنتجبين.
أسأل الله أن ينصرك نصراً عزيزاً، ويمكّن لك في أرضه.
والحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً كثيراً.
الهوامش
[1]. المتشابهات: ج4 سؤال رقم 156، للسيد أحمد الحسن (ع).
[2]. الرحمن: 17.
[3]. عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله: "رب المشرقين ورب المغربين"، قال: (المشرقين رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع) والمغربين الحسن والحسين، وفي أمثالهما تجري) تفسير القمي: ج2 ص344.
[4]. فصّلت: 53.
[5]. كامل الزيارات: ص543.
[6]. الغيبة للنعماني: ص277.
[7]. في أكثر المصادر: (ثاوين)، وفي بعضها: (نائين).
[8]. الاحتجاج: ج2 ص324.
[9]. عن داود بن أبي القاسم، قال: (كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلام فجرى ذكر السفياني وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم، فقلت لأبي جعفر (ع): هل يبدو لله في المحتوم ؟ قال: نعم، قلنا له: فنخاف أن يبدو لله في القائم، قال: القائم من الميعاد) الغيبة للنعماني: ص314.
[10]. المتشابهات: ج1 سؤال رقم 19.
[11]. الزمر: 23.
[12]. هود: 1.
[13]. آل عمران: 7.
[14]. الصف: 6.
[15]. ألّف الشيخ الطوسي (رحمه الله) كتابا أسماه (مصباح المتهجد)، وجعله على عشرة أبواب، ثم قدّم عليه العلامة الحلي شروحات وأضاف عليه باباً أسماه (الباب الحادي عشر)، وقام المقداد السيوري (ت: 826 ه) بشرحه، وهو من أهم الشروحات تقريباً.
[16]. الفصول المختارة: ص130.
[17]. يوسف: 4 - 5.
[18]. كمال الدين وتمام النعمة: ص358.
[19]. الغيبة للنعماني: ص262.
0 تعليق على موضوع "مع العبد الصالح عليه السلام ( الجزء الثاني ) "
الإبتساماتإخفاء