مراسي مختارة في موانئ سومر وأكاد السيد أحمد الحسن (ع)

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0
إصدارات أنصار الإمام المهدي (ع)/ العدد (176)

مراسي مختارة
في موانئ سومر وأكاد
السيد أحمد الحسن (ع)

جمعه وعلّق عليه
علاء السالم
الطبعة الأولى
1434 هـ - 2013 م
لمعرفة المزيد حول دعوة السيد أحمد الحسن (ع)
يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي:
www.almahdyoon.org

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً
تقديم ..
ذكر الإمام الصادق (ع) احتجاج ابنه القائم (ع) على الناس، وقوله لهم:
(.. أجيبوا إلى مسألتي، فإني أنبئكم بما نُبِّئتم به وما لم تُنبَّئوا به، ومَنْ كان يقرأ الكتب والصحف فليسمع مني، ثم يبتدئ بالصحف التي أنزلها الله عز وجل على آدم وشيث عليهما السلام، وتقول أُمة آدم وشيث هبة الله: هذه والله هي الصحف حقاً، ولقد أرانا ما لم نكن نعلمه فيها وما كان خفي علينا وما كان اُسقط منها وبُدِّل وحُرِّف. ثم يقرأ صحف نوح وصحف إبراهيم عليهما السلام والتوراة والإنجيل والزبور، فيقول أهل التوراة والإنجيل والزبور: هذه والله صحف نوح وإبراهيم عليهما السلام حقاً وما اُسقط منها وبُدِّل وحُرِّف منها، هذه والله التوراة الجامعة والزبور التام والإنجيل الكامل وإنها أضعاف ما قرأنا منها. ثم يتلو القرآن فيقول المسلمون: هذا والله القرآن حقاً الذي أنزله الله تعالى على محمد ..) [مختصر بصائر الدرجات: ص183].
وأكيد أنّ احتجاج القائم (ع) بتلك الصحف لا يُتصوَّر فيما لو انفرد القائم بها بحيث لم تكن معروفة عندهم، وهل أيسر من دفعهم لها حينذاك بزعم أنها مبتدعة مثلاً !! 
لذا اقتضت حكمة الله، أن يأتي الداعي الإلهي مصدقاً لما بين أيدي المنتظرين، ونداؤه دائماً (مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ)، كلٌّ بحسب كتابه ونصوصه، فإنها وإن افترض فيها تعرضها للتحريف والتزوير بفعل علماء السوء أو تدخّل سلطات الجور، لكن بقاء ما يكفي لإقامة الحق والحجة عليهم أمر لا يشك فيه عاقل حكيم.
على هذا الأساس، طرح السيد أحمد الحسن (اليماني الموعود، والمخلص المنتظر)، حجته وبرهان صدق دعوته العالمية على المسلمين محتجاً عليهم بالقرآن والسنة، وعلى اليهود بنصوص أسفار التوارة، وعلى المسيحيين بالنصوص المذكورة فيها بالإضافة إلى نصوص العهد الجديد.
ولكن يبقى السؤال قائماً: أين هي صحف آدم وشيث ونوح وإبراهيم التي سيحتج بها، وهل أبقى الطوفان الأول (طوفان نوح (ع)) لها أثراً ؟! 
ثم لا شك في أنّ معرفة ما في تلك الصحف له أهمية بالغة؛ إما لإسهامه في إقامة الحجة على من يعتقد بها، أو - وهو الأهم ربما - إسهامه بتصحيح ما في ذهنية المنكر لدعوة القائم اعتماداً على ما عنده، فإنه لما يرى أنّ تلك الصحف تقول بخلاف معتقده وتتوافق تماماً مع ما يطرحه القائم في دعوته يسعى لتعديل موقفه، إذ كيف له أن يفرح بما يخالفه فيه أنبياء الله (آدم ونوح وإبراهيم ) !! 
ولكن: بأيِّ صورة سننتظر وصول تلك الصحف، والحال أنّ عهد التدوين والكتابة لم يكن قد بدأ إلا في منتصف الألف الرابع قبل الميلاد تقريباً كما يقول علماء التاريخ والآثار ؟! 
إنّ كشف خيوط هذا المجهول بالنسبة إلينا بحاجة إلى عنصرين مهمين؛ الأول: العثور على نفس الصحف (مادة الحقيقة). والثاني: توفر معلم حقيقي وحكيم عارف بها.
وبكل تأكيد فإنّ العنصر الثاني ضرورة ملحة، تتضح فيما لو تصورنا أنّ خرائط هندسية معقدة رسمها مهندسون ماهرون، قُدِّر لها أن تقع بيد صبي أو جاهل، ثم أُتيح له فرصة أداء عملٍ ما على طبقها فماذا ستكون النتيجة ؟! هي ذاتها نتيجة من تقع بيده مثل تلك الصحف الإلهية وهو غير عارف بها.
وفيما يرتبط بالعنصر الأول، نسأل: أين بوسعنا العثور على مثل تلك النصوص ؟ 
لا أعتقد أنّ باحثاً آثارياً كان أو دينياً يخطر في باله غير بلاد سومر وأكاد؛ ذلك أنّ نوحاً وإبراهيم (أحفاد آدم وشيث) منهم، كما أنّ التاريخ الإنساني لم يحدثنا عن حضارة سبقت السومريين لنبحث عن تلك الصحف في بلادهم.
وبمعرفة هذا، نعرف أنّ المعلِّم العارف والحكيم (وهو العنصر الثاني لكشف الحقيقة) يفترض به أن يكون سومرياً أيضاً، فذلك هو الوجه الصحيح الذي بتوفّره يمكن أن نقطف الثمار، وبدونه لا يعدو حالنا حال من يزرع حديدة في صحراء وينتظر أن يأكل منها عنباً !!
أما لماذا ؟ فلأنها نصوص - لو وجدت - تحكي لغة قوم في أزمان خلت، وهل أنت في يومك هذا كأمسك القريب، فما بالك بالأمس السحيق والبعيد !! هذا من جهة.
ومن جهة أُخرى، إنها نصوص دينية، وهي عادة ما تكون مرمزة باعتبار أنها تكشف أسرار الغيب وملكوت الحقائق الإلهية، فمثلاً: كم سمعنا بـ (سبع بقرات سمان) ومن منا لم يخطر في باله أنها سبع بقرات من المواشي السمينة (بل ربما يخطر البقر الاسترالي بالخصوص لأنه يحقق تلك الصفة بامتياز)، ولكن من يعرف أنها سبع سنين ويقوم بتأسيس اقتصاد بلد كامل كمصر غير يوسف الصديق (ع) في زمنه !! وقصة الصحف المبحوث عنها هي كذلك تماماً.
ومن جهة ثالثة، إنّ النصوص الدينية مهمة بنظر الإنسان المتدين بفطرته، وصراع الحق والباطل لا يكاد ينتهي يوماً في دنيا الامتحان، لذا عادة ما يعمد أتباع الباطل إلى تحريفها والتلاعب بها مرة، أو إسقاطها على غير أهلها الحقيقيين أُخرى، وذلك يؤدي بالتأكيد إلى غياب الحقيقة أو تشويشها، ومَنْ يستطيع أن يكتشف المزور ليقطعه من المشهد ويرجع إلى الصورة وضوحها غير المعلِّم الرباني والحكيم !!
قيل عن نصوص جميع الصحف والكتب الإلهية إنها أساطير، رغم قربها من تاريخ إنسان القرن الحادي والعشرين، فماذا سيكون نصيب تلك الصحف من وصف يا ترى ؟!!
في الربع الأول من القرن المنصرم زادت عمليات الحفر والتنقيب من قبل علماء الآثار في جنوب العراق، بلاد ما بين النهرين (سومر وأكاد) وما جاورها، وزاد اكتشاف عدد الألواح والرقم الطينية السومرية، وهو خبر سار لمن يتابع معنا رحلة البحث عن صحف آدم ونوح وإبراهيم، فلعلَّ بعضاً منها يكون قد عُثر عليه بين تلك الآثار ؟! وقبل ذلك بعقود، وتحديداً في عام (1853 م)، تم اكتشاف نص ملحمة جلجامش الشهيرة لأول مرة، درّة تاج حضارة وادي الرافدين كما يقال، وهي ملحمة سومرية مكتوبة بخط مسماري على 12 لوحاً طينياً في مكتبة شخصية عائدة للملك البابلي آشور بانيبال في العراق.
قيل عنها: أُسطورة، ولأن أُممية الملحمة لا يكاد ينكر منذ القدم ولا يزال، راح بعضهم يصور ضرورة الأساطير في حياة الانسان القديم والحديث معاً. وقيل عنها: إنها أقدم قصة كتبها الإنسان، وراح بعض العراقيين يفتخرون على غيرهم باعتبار أنهم أصحاب أقدم قصة في تاريخ الإنسانية !! وقيل عنها: إنها عمل تراثي أدبي يلهم مبدعي الفن والأدب .... الخ، وهكذا بقي هذا النص السومري في أحسن أحواله ينفع في التعرف على تاريح حضارة وادي الرافدين وطريقة تفكير الإنسان القديم. وإذا كان هذا هو حال التعامل مع درّة النصوص السومرية كما سمعنا، فما عساها تكون النظرة إلى ما تم اكتشافه من ألواح سومر الأُخرى ؟!! 
هذه هي قراءة أغلب علماء الآثار والدين أيضاً للألواح والرقم الطينية المكتشفة في أرض الأنبياء آدم ونوح وإبراهيم (العراق). وذلك ليس باعثاً فقط على الأسى الناتج من عدم العثور على تراث الأنبياء (الصحف)، ولا أنه تجني على شعب بأكمله بتصويره أسير أساطير وخرافات ليس إلا (مع الاعتراف في نفس الوقت بأنه صاحب أقدم وأعرق حضارة، وقام بتعليم غيره الكتابة والزراعة وصناعة العربة وسن القوانين والهندسة والجبر ... الخ)، ليس هذا فقط، إنما صارت تلك النظرة غير المنصفة لنصوص السومريين باعثاً على تصوير الأديان اللاحقة (اليهودية والمسحية والاسلام) مجرد خرافة وأساطير هي الأُخرى !! 
هذا، ولكن انبرى معلم وحكيم سومري (من جنوب العراق)، قائلاً: (.. أنّ القصص السومرية ما هي إلا إخبارات غيبية جاء بها آدم إلى الأرض، وهي قصص الصالحين من أبنائه وما سيمر بهم، وخصوصاً من يمثلون علامات مهمة في طريق الدين، مثل دموزي "الابن الصالح"، أو جلجامش). نعم، وقوع التحريف والتزوير في بعضها لا يعني الحكم عليها جميعاً بالأساطير.
ثم أقول: لو قُدِّر لمتعلّم بين يدي جلجامش السومري أن يحضر اليوم بيننا ليقدم شرحاً لبعض مفردات ملحمة قائده ومقاصدها، فلا أعتقد أنّ منصفاً في العالم لا ينصت إجلالاً ويحرص على أن لا يشغله عن استماعه شاغل، فكيف سيكون الانصات فيما إذا كان المتحدث هو (جلجامش) العالم والحكيم نفسه !! إنها إذن (مراسي مختارة في موانئ سومر وأكاد)، يضعها السيد أحمد الحسن (ع) بين يدي طلاب الحق والحقيقة، وقمت بوضع بعض التعليقات والملاحق لزيادة الفائدة، والحمد لله رب العالمين. 
المعلّق: 24 صفر 1434 هـ

مراسي مختارة في موانئ سومر وأكاد:
اخترت سومر وأكاد؛ لأنه من المؤكد آثارياً وتاريخياً ودينياً أنّ نوحاً (ع) وإبراهيم (ع) ([1]) منهم، فهم أصل الدين، ومنهم بدأ الدين في أول الزمان، ومنهم يبدأ في آخر الزمان. 
فهم شعب ناحوا آلاف السنين على دموزي أو (الابن الصالح)، وانتظروا جلجامش أو (المحارب الذي في المقدمة)، ولا زال من أتوا بعدهم في بلاد ما بين النهريين ينوحون على الحسين (ع)، وينتظرون المهدي الذي انتظروه، جلجامش الموعود بظهوره في بلادهم منذ آلاف السنين. نسأل الله أن يصلح أحوالهم، ويهديهم إلى صراطه المستقيم، ويختم لهم بخير. 
أما من ينتظرون ظهور المهدي في مكان آخر غير سومر وأكاد، بلاد آبائه نوح وإبراهيم (عليهما السلام) ([2]) فسيطول انتظارهم وسيكون انتظاراً بلا نهاية.
المرسى الأول:
ملاحم سومر وأكاد والدين الإلهي
بعض أو جلّ الباحثين في تاريخ الشرق الأدنى أو الأوسط القديم يعتبرون أنّ الدين نتاج إنساني صرف، وبدأ بتأليه عشتار الإله الأُنثى بمختلف مسمَّياتها، والتي وجدوا تماثيلها بمختلف الأحجام منتشرة في حضارات الشرق الأدنى القديمة التي تمتد إلى أكثر من تسعة آلاف سنة قبل الميلاد، وقد وضعوا تعليلاً لهذه البداية الدينية أنّ المجتمع الإنساني في بداياته كان مجتمعاً تسيطر عليه الأنثى بصورة الأُم التي يجتمع حولها الأبناء الذين لا يعرفون غير انتسابهم لها، وهكذا بحسب هؤلاء قُدِّستْ الأُنثى (الأُم الكبرى عشتار) وصُنعتْ لها تماثيل. 
وبعد زمن تحوّل المجتمع الإنساني إلى ذكوري عندما اكتُشفت الزراعة وأخذوا في الاستقرار وبناء البيت والعائلة، وهذا أدّى إلى إدخال الآلهة الذكور في المعابد، وهكذا تكوّن الدين الذي تطور فيما بعد إلى اليهودية والمسيحية والإسلام وغيرها.
ولكن ينسى هؤلاء الذين يبنون نظريتهم على تماثيل أُنثوية قديمة أنه يمكن أن تُنسف نظريتهم بسهولة، بفرض أنّ هذه التماثيل إنما صنعت للإثارة الجنسية ولا تُمثّل شيئاً مقدساً، فوجود أُنثى مقدسة صُنع لها تمثال في عصر معين لا يجعل الباحث المحقق يحكم بأنّ كل تمثال صُنع لأُنثى قبلها يمثلها، وهذا الرأي: (إنّ الإنسان القديم صنع أدوات إثارة جنسية) موجود ويطرحه بعض علماء الآثار.
أيضاً: هناك نصوص أثرية تصف الإله عشتار أو أنانا المعروفة في بلاد سومر وأكاد بصفات الدنيا التي يعيش فيها الإنسان، فهي في النصوص ليست الأُم ولا حتى أُنثى حقيقية. 
بل هي الدنيا التي رفض الملك دموزي عندما اعتلى العرش أن يسجد لها كما سجد لها ملوك آخرين، فأسلمت دموزي (الابن الصالح) إلى الشياطين ليقتلوه:
« وتقصد أنانا (عشتار) إلى المدينتين السومريتين "أوما" و"بادتبيرا" حيث نجد الهيهما، كما قدمنا، يسجدان لها وبذلك تخلصا من قبضة الشياطين. ثم تصل إلى مدينة كلاب التي كان دموزي الهها الحامي. وتستمر القصيدة على الوجه الآتي:
ارتدى دموزي (تموز) حلة فاخرة واعتلى جالساً على منصته،
فمسكه الشياطين من فخذيه ..........،
لقد هجم عليه الشياطين السبعة كما يفعلون بجانب الرجل المريض،
فانقطع الرعاة عن نفخ الناي والمزمار أمامه.
ثم صوبت (أي "انانا") نظرها عليه، ثبتت عليه نظرة الموت،
نطقت بالكلمة ضده، كلمة السخط والحنق،
وصرخت ضده بصرخة التجريم قائلة،:
"أما هذا فخذوه" » [من ألواح سومر - كريمر].
وهي الدنيا التي رفض جلجامش أن يخضع لها لما جلس على العرش ولبس تاجه:
« ففتح جلجامش فاه وأجاب عشتار الجليلة وقال: .......
أي خير سأناله لو تزوجتك ؟
أنتِ !
ما أنتِ إلا الموقد الذي تخمد ناره في البرد،
أنتِ كالباب الناقص لا يصد عاصفة ولا ريحاً،
أنتِ قصر يتحطم في داخله الأبطال،
أنتِ فيل يمزق رحله،
أنتِ قير يلوث من يحمله وقربة تبلل حاملها،
أنتِ حجر مرمر ينهار جداره،
أنتِ حجر يشب يستقدم العدو ويغريه،
وأنتِ نعل يقرص قدم منتعله،
أي من عشاقك من بقيت على حبه أبداً ؟
وأي من رعاتك من رضيت عنه دائماً ؟ ...........» ([3]) [ملحمة جلجامش - طه باقر].
وعموماً، فإنّ نظرية أنّ أصل الدين هو تأليه الأُنثى الأُم مجرد فرضية لا تستند إلى دليل علمي رصين، ولهذا فلم أجد أنّ هناك حاجة للرد التفصيلي على هكذا فروض. 
ولكن وجدت من الضروري بيان الأدلة والإشارات إلى الأصل الإلهي للدين السومري، فهذا الموضوع يتعلق بإثبات أنّ الدين السومري دين إلهي سابق محرَّف، فهنا نريد بيان أنّ السومريين الذين كانوا يعرفون الوضوء بالماء والصلاة والصيام والدعاء والتضرع شعب متدين، وأنّ دينهم إلهي([4])، فالملاحم السومرية وقصص السومريين فيها إخبارات غيبية حصلت بعد أن كان يتداولها السومريون بآلاف السنين. 
نعم، ربما يكون دينهم محرَّفاً في بعض الفترات، ولكنه دين إلهي، كما كان أهل مكة أصحاب ديانة حنيفية إبراهيمية محرَّفة ويعبدون أو يقدسون أصناماً، وكما يوجد اليوم السلفيون أو الوهابيون وهم عبدة صنم وورثة عبدة الأصنام القدماء في مكة، فهم يقولون إنهم مسلمون ولكنهم يعبدون صنماً كبيراً يعتقدون أنه موجود في السماء وغير موجود في الأرض، وله يدين اثنتين وفيها أصابع، ورجلين اثنتين، وعينين اثنتين على نحو الحقيقة ([5]).
فمسألة تحريف الدين الإلهي وجِدتْ ولا تزال موجودة.
ونحن إذا عدنا إلى بداية الدين الإلهي نجد أنّ آدم جاء إلى الأرض بالدين الإلهي الأول، وفيه قصص أبنائه الصالحين من بعده، والمفروض أنّ الناس، كما هي عادتهم، يحفظون هذه القصص ويروونها ويتوارثونها.
وقصص وملاحم السومريين في بعض الأحيان ما هي إلا نقل لبعض هذه القصص المقدسة الموروثة، فقد روى السومريون قصة الطوفان بالتفصيل وقبل التوراة بزمن طويل:
[الطوفان - أول نوح:
صرنا متأكدين الآن من أن قصة الطوفان التي وردت في التوراة، لم تكن في الأصل من وضع مدوني أسفار التوراة، وذلك منذ أن اكتشف (جورج سمث) الذي كان يشتغل في المتحف البريطاني، اللوح الحادي عشر من ملحمة جلجامش، وحل رموزه. ولكن قصة الطوفان البابلية بدورها سومرية الأصل. فقد نشر (آرنوبوبل) في عام 1914 قطعة هي الثلث الأسفل من لوح سومري ذي ستة حقول وجده من بين مجموعة ألواح (نفر) المحفوظة في متحف الجامعة. وكانت محتوياتها تتعلق على الأغلب بقصة الطوفان وظلت هذه القطعة حتى الآن وحيدة فريدة لم يعثر على ما يطابقها أو يضاهيها ...... وبالرغم مما في النص من كسر ونقص، فإن ما ورد فيه من العبارات ذات شأن كبير ........ فهي تتضمن مواطن مهمة تلقى ضوءاً كاشفاً على خلق الإنسان، وأصل (الملكية)، ووجود ما لا يقل عن خمس مدن في عصر ما قبل الطوفان] [من ألواح سومر - صموئيل كريمر: ص251 - 252].
نعم، هي ربما قصص محرَّفة بعض الأحيان - خصوصاً في منظور الديانات الأُخرى - نتيجة مرور الزمن عليها ودخول المزاج الإنساني المشوّش بالوساوس لها، ولكن هل الـمُحرَّف يخلو من الحقيقة تماماً ؟!!!
هل تساءلنا أين ذهب تراث آدم ونوح ؟!! 
وأين كان هذا التراث في زمن السومريين أو الأكاديين ؟!!
أين ذهب تراث الدين الإلهي الذي كان قبل الطوفان ؟!!
لا يُعقل أن يهتم نوح (ع) ومن معه بنقل الماعز والبقر ولا يهتمون بنقل الدين الإلهي منذ آدم (ع) في صدورهم، ولابد أنّ الإنسانية بعد نوح (ع) - ممثلة بالسومريين أو الأكاديين وورثتهم البابليين والآشوريين - كما نقلت تاريخ الملوك والمزارعين والحرفيين نقلت أيضاً تراث آدم ونوح والمثل العليا المقدسة ولو محرَّفة وفي قصص تتناقلها الأجيال، لتكون النتيجة أنّ الدين السومري أو الاكادي هو دين آدم ونوح محرَّفاً ربما بعض الأحيان بتأليه كل شيء يؤله له كالدنيا والصالحين.
وكمثال على التحريف: محاولة تحريف لملحمة جلجامش اكتشفت في الآثار. 
وهذا طبعاً يدل على أمرين:
الأول: إنّ ملحمة جلجامش نص ديني، فلا يوجد أحد يهتم بتحريف نص أدبي.
والثاني: إنّ نص ملحمة جلجامش الذي وصلنا ليس خالياً من التحريف حتماً.
يقول طه باقر: [ولعل أطرف ما وجده المنقبون حديثاً في الموضع الأثري المعروف باسم سلطان تبه في جنوبي تركيا قرب حران أجزاء من الملحمة ورسالة عجيبة زورها كاتب قديم في الآلف الثاني (ق. م)، فقد جاءت تلك الرسالة على لسان البطل جلجامش معنونة إلى أحد الملوك القدماء يطلب منه جلجامش (كذا) إرسال أحجار كريمة ليصنع منها تعويذة لصديقه أنكيدو تزن ثلاثين منّاً] [ملحمة جلجامش - طه باقر].
[وبمقارنة هذه القطع الأصلية المتنوعة مع النص النينوي بدت معلومات قيمة. ليس في سد الثغرات فحسب بل أظهرت تماماً بأن قصيدة (ملحمة) جلجامش لم تكن على شكل واحد في عهد الاشوريين. وهذا برهان على أنّ الأسطورة تطورت بصورة ملحوظة عبر الأجيال. وبتعبير آخر فإن الكَتَبة لم يكتفوا بنسخ النص القديم بشكل أمين وحرفي بل وأضافوا وبتروا وحوّروا. وهذا مما يدل أو يشارك في الدلالة على أنّ الفكرة التي انتشرت - مع خطئها - بأن الشرق ما كان ولن يكون قط جامداً متكمشاً] [أساطير بابل - شارل]. 
فإذا كانت هناك محاولات تحريف مقصودة لنصوص مكتوبة فما بالك بالنصوص المنقولة شفاهة قبل عصر الكتابة ([6])، أكيد أنّ تعرّضها للتحريف أكبر، وإنها لما دوِّنت في عصور الكتابة والتدوين الأُولى دوِّنت بصورتها المحرَّفة، وبالتالي فقصة الطوفان وقصة دموزي وقصة جلجامش وغيرها من القصص ذات الأُصول السومرية - الاكادية يمكننا أن نجزم أنها لم تدوّن بالصورة التي تداولها القاص قبل عهد التدوين.
المرسى الثاني:
دين سومر وأكاد والأديان الثلاثة، الإسلام، المسيحية، اليهودية
الحقيقة إنّ أي مطّلع على التوراة والإنجيل والقرآن وعلى ما حوته الرقم الطينية السومرية سيحكم قطعاً بأحد حكمين لا محالة ولا مناص له عن أحدهما:
الحكم الأول: إنّ الدين أصله من تأليف الإنسان السومري، وما التوراة والإنجيل والقرآن إلا عملية اجترار للدين السومري (خلق الإنسان الأول آدم، قصة هابيل وقابيل، قصة الطوفان، الخطيئة، الحياة بعد الموت، الجنة، النار ... الخ).
الحكم الثاني: إنّ الدين السومري هو نفسه دين آدم ودين نوح (عليهما السلام) ولكنه نُقل ثم دُوِّن بصورة محرَّفة وتعبَّد به السومريون أو الاكاديون (البابليون والآشوريون) بصورته المحرفة، وهذا ما أريد بيانه من خلال بيان أنّ القصص السومرية ما هي إلا إخبارات غيبية جاء بها آدم إلى الأرض، وهي قصص الصالحين من أبنائه وما سيمر بهم، وخصوصاً من يمثلون علامات مهمة في طريق الدين، مثل دموزي (الابن الصالح)، أو جلجامش.
الشبه الكبير جداً بين ما هو مدوّن في التوراة وبين الألواح السومرية انتبه له (د. صموئيل كريمر) ووصل به الأمر أن يضع فصولاً في كتبه يُبيِّن فيها الشبه بين الألواح الطينية السومرية والتوراة، وكمثال: 
[الفصل السابع عشر (الفردوس) أول أوجه مشابهة مع التوراة] [من ألواح سومر: ص239]. 
[الزواج المقدس ونشيد الإنشاد لسليمان] [اينانا ودموزي طقوس الجنس المقدس عند السومريين - د. صموئيل كريمر]. 
والسومريون كانوا يعرفون ويعملون بأُمور دقيقة في الدين الإلهي، مثل الاعتقاد بالرؤى وأنها كلام الله، والتوسّم والاعتقاد بأنّ الله ممكن أن يكلم الإنسان في كل شيء يمر به.
ويقول شارل - في أساطير بابل: [عرفنا الآن أنّ البشر خلقوا ليخدموا الآلهة وأن هؤلاء يعاقبونهم لأتفه الذنوب فعليهم أن يطيعوا رغبات السماء بكل دقة وأن يلبوا نزواتهم. كيف يعلمون إذن كي يحافظوا على هذا الوفاق ويتجنبوا غضب الآلهة ؟ وإذا ما رأوا أحلاماً - إن الآلهة يوحون ما يخطر لهم بواسطة الأحلام - فكيف يفسرونها بصورة ترضيهم، هذا إذا كان هناك أحلام فكيف إذا لم تكن ؟
الجواب: يعمدون إلى الإرهاصات والدلالات الطبيعية فهي ترشدهم إلى الحقيقة ولذا يجب الانتباه الكلي ليس إلى تغيرات القمر فحسب بل إلى شكل الغيوم، فكل حركة وكل تنقل من الزاحفة تحت العشب حتى الكواكب السابحة في ميدان النجوم تعطي إشارة لإرادة الآلهة سواء أكانت حسنة أم سيئة وهنا يظهر الفن أو العلم عبقريته فيميز إذا كانت الإرادة خيرة أم لا.
وعلى السحرة أن يتدخلوا إما ليعجلوا مجيء الحظ السعيد وإما ليدفعوا القوى المعادية التي تهدد الحياة وليس المقصود حياة الأفراد أو عامة الشعب بل حياة الملك الذي يناط به مصير الأمة بأسرها.
وهذا الملك الذي أودعته الآلهة العلم كان - كما مر - السابع من دولة ما قبل الطوفان. فهو يطابق حسب الترتيب الوراثي إلى (أخنوخ) (إدريس) الذي يشغل المرتبة السابعة من سلسلة آدم - سلسلة الأنبياء ما قبل الطوفان - ومن الملحوظ أنه لا يوجد أي اشتراك بين الاسمين مع أن أعمالهما واحدة تماماً. والحق يقال، إن النص التوراتي المتعلق بسابع الأنبياء (اخنوخ) موجز جداً قال: (وسار اخنوخ مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه). وقد أصبح اخنوخ بطل حلقة من الأساطير جعلته مخترع الكتابة ومؤلف أول كتاب وموجد علم الكواكب والسيارات: علم الفلك وكل الفلكيات. فهو يبدو وكأنه (فيدورانكي) ونستطيع أن نتقبل بارتياح بأنّ أسطورة اليهود هذه ليست إلا نقلاً أو توسعاً للأسطورة الكلدانية التي هي أقدم.
وبين بقية الملوك والأنبياء - أسلاف أخنوخ الستة وخلفائهم الثلاثة - صفات مشتركة ولا يهمنا إلا الشخصية العاشرة التي عايشت الطوفان] [أساطير بابل: ص28]. 
وقصص السومريين تتكلم بوضوح - كما في بقية الأديان الإلهية - عن الحياة بعد الموت، وأنّ المحسنين والصالحين يذهبون إلى الجنة والطالحين إلى الجحيم ([7]): 
[لقد تأكد هؤلاء من أنهم يعيشون بعد الموت ولكن في ظلام دامس وليس لهم أي ثواب، إلا إذا سلكوا السلوك الحسن في دار الدنيا، أي بالتقوى كما حدث (لأوم نابيشتي) (أي نوح (ع)) أو بتطبيق القوانين بين الناس كما فعل حمورابي] [أساطير بابل: ص38].
* * *










المرسى الثالث:
هل هي قصة نبي الله أيوب يرويها السومريون قبل أن تحدث ؟!
هناك أدلة تُرشد إلى أنّ قصص السومريين أو الاكاديين ما هي إلا قصص وإخبارات غيبية لقصص حقيقية آتية بعد السومريين في مسيرة الدين الإلهي، وأيُّ قارئ للألواح الطينية السومرية سيرى أنها تخبر عن أنبياء ورسل جاءوا في زمن متأخر عنها، مثل الذي ورد في قصة النبي أيوب (ع) قبل أن يأتي أيوب (ع) وتُدوَّن قصة أيوب (ع) في التوراة وفي القرآن.
[إنّ جميع الألواح وكسر الألواح المدونة فيها تلك المقالة السومرية تمتد في عهدها إلى أكثر من ألف عام قبل أن يدون سفر أيوب] [من ألواح سومر - كريمر]. 
وهذه مقتطفات من قصة أيوب كما دوِّنت في الألواح السومرية وقبل أن يولد أيوب بزمن بعيد جداً:
« أنا الحكيم العاقل. لماذا أقيد مع الأحداث الجهلة ؟
أنا المدرك العاقل لماذا احسب مع الجهال ؟
الطعام وفير وفي كل مكان ولكم طعامي الجوع.
في اليوم الذي قسمت فيه الأنصبة، كانت حصتي المخصصة لي العذاب والألم،
يا إلهي أريد أن أقف بين يديك،
أريد أن أكلمك .... وكلمتي أنين وحسرات،
أريد أن اعرض عليك أمري واندب مرارة سبيلي.
أريد أن اندب اضطراب ....،
على أمي التي ولدتني ألا تنقطع عن بث شكاتي إليك.
لتكف أختي عن ترديد الأغنية السعيدة فلا تترنم بها.
لتبك وتنح بمصائبي بين يديك،
لتصرخ زوجتي بالرثاء لعذابي،
وليندب المغني الماهر نصيبي التعس ......
إنّ الدموع والنواح والجزع والغم ملازمة لي.
يحدق بي العذاب والألم كذلك الذي لم يقدر له سوى الدموع.
المرض الخبيث يعم جسمي ...،
يا إلهي، يا من أنت أبي الذي ولدتني، ساعدني على النهوض ...
إلى متى ستتخلى عني وأبقى بلا هداية ؟
لقد قالوا كلمة صدق وحق: لم يولد لأم طفل بلا خطيئة،
إن الطفل البريء لم يكن في الوجود منذ القدم ......................
إن ذلك الرجل - قد استمع إلهه إلى بكائه ودموعه،
إن ذلك الشاب - قد استطاعت شكواه وندبه أن تسترضي قلب إلهه، ..........
لقد طرد شيطان المرض الذي أحدق به ونشر عليه جناحيه،
والمرض الذي ضربه مثل .... قد أزاله وبدده،
وبدل مصير السوء الذي قدر عليه بموجب حكمه،
وبدل عذاب الرجل فرحاً وحبوراً » ([8]) [من ألواح سومر - د.كريمر].


المرسى الرابع:
بلاد سومر وأكاد بكت دموزي والآن تبكي الحسين (ع) ؟!
بكى وناح السومريون أو الاكاديون على دموزي (دمو: الابن، زي: الصالح) آلاف السنين. واستمر نواح بلاد ما بين النهرين على دموزي حتى زمن النبي حزقيال، نقل في التوراة أنّ سكان بلاد ما بين النهرين كانوا ينوحون على تموز (دموزي):
«وقال لي بعد تعود تنظر رجاسات أعظم هم عاملوها * فجاء بي إلى مدخل باب بيت الرب الذي من جهة الشمال وإذا هناك نسوة جالسات يبكين على تموز * فقال لي أرأيت هذا يا ابن آدم. بعد تعود تنظر رجاسات أعظم من هذه * فجاء بي إلى دار بيت الرب الداخلية وإذا عند باب هيكل الرب بين الرواق والمذبح نحو (تقريباً) خمسة وعشرون رجلاً ظهورهم نحو هيكل الرب ووجوههم نحو الشرق وهم ساجدون للشمس نحو الشرق » [حزقيال: 8 - 13 - 16]. 
والعمل الموصوف بأنه رجس هو قتل تموز (دموزي) الذي جعل أُولئك النساء يبكين والرجال يسجدون عند مذبحه. 
تبدأ قصة مقتل الملك دموزي بأنه يدفع ثمن رفضه السجود لعشتار - أنانا (الدنيا):
« فإذا أرادت "انانا" (عشتار) أن تصعد من العالم الأسفل،
فدعها تقدم من يكون بديلا عنها،
صعدت "انانا" من العالم الأسفل،
وكان الشياطين الصغار مثل قصب الـ "شوكر"،
والشياطين الكبار مثل قصب الـ "دابان"
يمشون إلى جانبها، حافين بها،
والشيطان الذي مشى قدامها أمسك صولجانا بيده، وإن لم يكن وزيراً،
والذي بجانبها، وإن لم يكن فارساً، فقد تمنطق بالسلاح، إن الذين رافقوها،
الذين رافقوا "انانا" (الآلهة عشتار أو الدنيا)،
كانوا مخلوقات لا يعرفون الطعام ولا يعرفون الماء،
فلا يأكلون من الطحين المبسوس،
ولا يشربون الماء الذي يقدم قرباناً،
إنهم يأخذون الزوجة من حضن زوجها،
ويأخذون الطفل الرضيع من ثدي مرضعته ......
وتقصد "انانا" (عشتار) إلى المدينتين السومريتين "أوما" و"بادتبيرا"، حيث نجد إلهيهما، كما قدمنا، يسجدان لها (لعشتار أو الدنيا) وبذلك تخلصا من قبضة الشياطين. ثم تصل إلى مدينة "كلاب" التي كان دموزي إلهها الحامي. وتستمر القصيدة على الوجه الآتي:
ارتدى "دموزي" (تموز) حلة فاخرة واعتلى جالساً على منصته،
فمسكه الشياطين من فخذيه ..........،
لقد هجم عليه الشياطين السبعة كما يفعلون بجانب الرجل المريض،
فانقطع الرعاة عن نفخ الناي والمزمار أمامه.
ثم صوبت (أي "انانا") نظرها عليه، ثبتت عليه نظرة الموت،
نطقت بالكلمة ضده، كلمة السخط والحنق،
وصرخت ضده بصرخة التجريم قائلة،:
"أما هذا فخذوه"،
وهكذا أسلمت "انانا" الطاهرة الراعي "دموزي" إلى أيديهم. ([9])
إن من رافقه،
من رافق دموزي (تموز)،
كانوا مخلوقات لا يعرفون الطعام ولا يعرفون الماء،
لا يأكلون الطحين المبسوس (السويق)،
ولا يشربون الماء المقرب (المقدم قرباناً)، ...» [من ألواح سومر: ص277 - 279].
وهكذا فإنّ عشتار - أنانا زوجة دموزي الملك سلّمته للشياطين ليقتلونه في مفارقة يصعب فهمها على من لا يعرفون معنى حاكمية الله أو التنصيب الإلهي، أو كما يُعبِّر عنها السومرييون - الأكاديون "الملوكية التي نزلت من السماء".
ولكنها حقيقة تكررت كثيراً في الدين الإلهي، وهي أنّ عشتار - الدنيا منقادة في كثير من الأحيان للملوك الذين لم ينصّبهم الله؛ لأنهم ساجدون وخاضعون لها، فهم يعبدون شهواتهم الدنيوية.
وعشتار - الدنيا متمردة على المنصّبين من الله للحكم فيها؛ لأنهم في الحقيقة متمردون عليها. فنصيب علي (ع) كان خمس سنوات مُرّة، هاجت فيها كل شياطين الأرض لمحاربته (ع) في الجمل وصفين والنهروان، وما قرّوا حتى قتلوه في الكوفة.
ونصيب الحسين (ع) الملك المنصَّب للحكم في الدنيا مذبحة لم يسلم منها حتى الرضيع.
وهذه بعض النصوص التي وصلت في الرِقَم الطينية السومرية عن مأساة دموزي وأخته، وسنرى كم هي قريبة من وصف ما جرى على الحسين (ع) ([10])، رغم أنها نصوص آثارية تناقلها السومريون - الاكاديون قبل ولادة الحسين (ع) بآلاف السنين:
« صار قلبه وعاء للحزن والدموع،
مضى حيث السهول تمتد بعيداً،
قلب الراعي يفيض بالحزن والدموع، ([11])
مضى إلى السهول الممتدة بعيداً،
قلب دوموزي يسبح بالحزن والدموع،
مضى إلى السهول الممتدة الواسعة،
علَق الناي في عنقه وصاح يندب حظه،
أيتها السهول الواسعة الممتدة بعيداً رددي بكائي،
رددي بكائي،
أيتها السهول يجب أن تعرفي الحزن وذرف الدموع،
رددي بكائي،
نوحي معي،
أيتها السرطانات في النهر، تفجعي عليّ
أيتها الضفادع في النهر، نقّي من أجلي ([12])
لتطلق أمي صرخة عويل،
لتطلق أمي (سرتور) صرخة عويل،
لتطلق أمي التي لا تملك خمسة أرغفة، صرخة عويل، 
لتطلق أمي التي ليس عندها عشرة أرغفة، صرخة عويل،
عندما تفقدني لن تجد من يهتم بها، 
وأنت يا عيني التائهة في السهول، ادمُعي مثل عينِ أمي، ([13])
وأنت يا عيني التائهة في السهول، ادمُعي مثل عينِ أختي،
بين البراعم والزهور اضطجع،
بين البراعم والزهور في السهل استلقى،
الراعي دوموزي استلقى في السهل،
بينما كان الراعي دوموزي مضطجعاً رأى حلماً،
كل جزء في جسده اضطرب،
استيقظ بعد أن رأى الرؤيا،
فرك عينيه،
انتابه دوار شديد،
دوموزي استفاق وقال:
أحضروها لي، أحضروها، أجلبوا أختي، 
أحضروا (جشتي نانا) أختي الصغيرة،
أحضروا الكاتبة العالمة بسر الأرواح، ([14])
أختي التي تعرف معنى الكلمات، 
المرأة الحكيمة التي تعرف معنى الأحلام،
يجب أن أتحدث لها،
يجب أن أخبرها بالحلم الذي رأيته،
دوموزي تحدث إلى أخته (جشتي نانا) قال:
عن الحلم، أختي، استمعي إلى الحلم الذي رأيته،
الاسل يطلع في كل ما حولي،
الاسل يندفع من باطن الأرض كثيفاً،
واحدة من ذاك النبات وقفت وحيدة وحنت رأسها أمامي،
كل الاسل وقف في أزواج اِلا واحدة أزيلت من مكانها،
في البستان انتصبت في محيط الأرض حولي أشجار طويلة مرعبة،
فوق أرض منامي لا ماء ينسكب، ([15])
محفظة متاعي خالية وقد أخذ منها ما بها،
وكوبي المقدس قد سقط من الوتد المعلق به،
عصا الراعي اختفت،
النسر يحمل حملاً بين مخالبه،
والصقر اختطف العصفور من سياج القصب،
أختي: جدائي الصغار تجرجر في التراب ويغطيها الغبار، 
أغنامُ حظيرتي تتحرك فوق الأرض بقوائم ملتوية، ([16])
مخضة اللبن محطمة خاوية فارغة،
كوبي قد تهشم،
دوموزي لم يعد بين الأحياء،
حظيرة أغنامه صارت في مهب الريح،
قالت جشتي نانا:
أواه يا أخي، لا تحكِ حلمك لي،
ليس مريحاً،
الاسل يطلع في كل ما حولك،
الاسل يندفع من باطن الأرض كثيفاً،
عصبة من السفاحين ستنقض عليك،
هو حلمك،
واحدة من ذاك النبات وقفت وحيدة وحنت رأسها أمامك،
هي أُمك،
ستحني رأسها من أجلك،
كل الاسل وقف في أزواج إلا واحدة أزيلت من مكانها،
أنا وأنت،
أحدنا سوف يتوارى ويزول،
في البستان انتصبت في محيط الأرض حولك أشجار طويلة مرعبة،
الأشرار سوف يرعبونك،
فوق أرض منامك لا ماء ينسكب،
حظيرة الغنم سوف تغدو خراباً،
الأشرار سوف يُضيِقون الخناق عليك،
محفظة متاعك خالية وقد أخذ منها ما بها،
وكوبك المقدس قد سقط من الوتد المعلق به،
سوف تقع من ركبة أمك التي حملتك،
متاع الراعي،
مخضة الراعي، كل شيء يختفي،
الأشرار سوف يفعلون كل شيء يضعفك،
تجمعوا،
البومة،
النسر،
الصقر،
العفريت الكبير،
كلهم يريدون أن يطردوك،
سيقضون عليك في حظيرة الغنم،
جداؤك الصغار تجرجر في التراب يغطيها الغبار،
الغضب سوف يدوم في السماء مثل الإعصار، ([17])
أنت ستسقط إلى الأرض،
عندما أغنام حظيرتك تتحرك فوق الأرض بقوائم ملتوية،
عندما مخضة اللبن محطمة خاوية فارغة،
الشياطين ستجعل كل شيء ذابلاً،
حينما يأخذ النسر الخروف الصغير، ([18])
الجالا سيخدش خدودك،
عندما يمسك الصقرُ العصفورَ من سياج القصب،
الجالا سوف يتسلق السور ليأخذك بعيداً،
دوموزي،
شعري سيدور في السماء لأجلك، ([19])
الخراف ستحفر الأرض بحوافرها،
أوه دوموزي أنا سوف أشقق خدودي بأسف عليك، 
تحطم إناء الكذب، ...........................
دوموزي هرب من الشياطين،
هرب إلى حظيرة أغنام أخته جشتي نانا،
عندما وجدت جشتي نانا دوموزي في حظيرة الأغنام بكت،
رفعت فمها بجانب السماء،
أحضرت فمها بجانب الأرض،
مثل الثوب غطى حزنها الأفق،
مزقت عينيها، مزقت فمها، مزقت أفخاذها،
صعد الـ (جلا) سياج القصب،
ضرب الـ (جلا) الأول دوموزي على الخد ونشب أظافره،
ضرب الـ (جلا) الثاني دوموزي على الخد الآخر،
الـ (جلا) الثالث حطم عجيزة المزبدة،
الـ (جلا) الرابع انزل الكوب من وتده وحطمه،
الـ (جلا) الخامس حطم المزبدة،
الـ (جلا) السادس حطم الكوب،
الـ (الجلا) السابع بكى، 
انهض دوموزي زوج انانا،
ابن (سيرتور) شقيق جشتي نانا،
انهض من نومك الزائف،
نعاجك صودرت،
حملانك صودرت،
عنزاتك صودرت،
نمسك أطفالكم (جديانك صودرت) ([20])
اخلع تاجك المقدس من رأسك،
انزع ملابسك الملكية من جسدك،
دع صولجانك الملكي يسقط على الأرض،
اخلع نعليك المقدسة من أقدامك،
عرياناً، تمضي معنا ([21])
أمسك الـ (جلا) دوموزي،
أحاطوه،
أوثقوا يديه،
ربطوا رقبته، 
سكتت المزبدة،
لا حليب ينزل منها،
الكوب محطم،
لا دوموزي بعد الآن، ([22])
أصبحت حظيرة الغنم في مهب الريح » [إنانا ملكة السماء والأرض - صموئيل نوح كريمر ودايان ولكشتاين]. 
[كما نقرأ في التقاويم البابلية أن الحزن والبكاء على الإله (دموزي) كان يبدأ في اليوم الثاني من شهر (D(ع) (ع)zi) أي تموز وإنه كانت تقام مواكب للعزاء تحمل فيها المشاعل وذلك في اليوم التاسع والسادس عشر والسابع عشر. وكان يقام في الأيام الثلاثة الأخيرة من هذا الشهر احتفال اسمه بالاكدية (Talkimt(ع)) يجري خلاله عرض ودفن طقسي لدمية تمثل الإله تموز ولكن على الرغم من الأثر الذي تركته عقيدة موت الإله دموزي في المجتمع القديم في وادي الرافدين وخارجه فإن الحزن عليه لم يصبح في يوم ما من طقوس المعبد بل ظل يقام سنوياً في نطاق الممارسات الشعبية ...... لقد وصلنا عدد من المناحات التي ألفها الشعراء السومريون والبابليون للبكاء على الإله الشاب دموزي والتي كانت تقرأ في مواكب العزاء في المدن المختلفة] [عشتار ومأساة تموز - د. فاضل عبد الواحد علي].
رثاء السومريين لتموز أو دموزي:
« لقد سقط القدح مهشما
ولم يعد دموزي على قيد الحياة
وذهبت الحظيرة أدراج الرياح » [عشتار ومأساة تموز - د. فاضل عبد الواحد علي].
وفي قصيدة أُخرى يرثي بها الشاعر السومري دموزي (الابن الصالح)، فيقول:
« راح قلبي إلى السهل نائحاً نائحاً
إني أنا سيدة أي - أنا التي تحطم بلاد الأعداء،
إني أنا ننسونا أم السيد العظيم
إني أنا كشتن - أنا أخت الفتى المقدس
راح قلبي إلى السهل نائحاً نائحاً
راح إلى مكان الفتى،
راح إلى مكان دموزي،
إلى العالم الأسفل، مستوطن الراعي
راح قلبي إلى السهل نائحاً نائحاً
إلى المكان الذي ربط فيه الفتى،
إلى المكان الذي احتجز فيه دموزي ...
راح قلبي إلى السهل نائحاً نائحاً » [عشتار ومأساة تموز - د. فاضل عبد الواحد علي].
حقيقة إنّ ظلماً كبيراً يطال السومريين الذين علّموا الإنسانية الكتابة ووضعوا القوانين وأُسس العلوم، وهم أوّل من صنع العجلة ووضع نظم الحساب والجبر والهندسة عندما يصورهم د. كريمر ويتبعه بعض المختصين بالحضارة السومرية: إنهم ينوحون على شيء أُسطوري أو قصة أُسطورية هم من ألّفها، وهي مجرد تعبير عن الخصب والجدب اللذين يتعاقبان على السنة.
وكأنهم شعب تعاطى كل أفراده مادة مخدرة أفقدتهم عقولهم بحيث إنهم وورثتهم البابليون ينوحون ويقيمون مجالس العزاء آلاف السنين على رمز في قصة هم ألّفوها من ألفها إلى يائها.
آلاف السنين وسكان بلاد ما بين النهرين جيلاً بعد جيل وكل سنة يصورون جثة دموزي، وكل سنة يبكون على دموزي، وكل سنة يقرؤون قصائد رثاء دموزي.
كل هذا مجرد أوهام ؟!
ومجرد قصة هم ألّفوها !!
ولأجل ماذا ؟!
لأجل التعبير عن خصب يأتي في الربيع وجدب يتبعه في فصل آخر من السنة !!!.
المفروض أن يكون هناك جواب معقول لنواح أوّل حضارة عرفتها الإنسانية وطيلة آلاف السنين على دموزي (الابن الصالح) أو تموز.
وفيما يخص التراث الديني فإنّ الروايات عن الأئمة تخبرنا بوضوح تام أنّ السومريين قد ناحوا وبكوا على الحسين (ع) من خلال نقل بكاء وحزن الأنبياء السومريين؛ نوح (ع) وإبراهيم (ع) على الحسين (ع):
عن الفضل بن شاذان، قال: سمعت الرضا (ع) يقول: 
(لما أمر الله عز وجل إبراهيم (ع) أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه تمنى إبراهيم (ع) أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل بيده وأنه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعز ولده عليه بيده، فيستحق بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب، فأوحى الله عز وجل إليه: يا إبراهيم، من أحب خلقي إليك ؟ فقال: يا رب، ما خلقت خلقاً هو أحب إليّ من حبيبك محمد ، فأوحى الله تعالى إليه: أفهو أحب إليك أم نفسك ؟ قال: بل هو أحب إليّ من نفسي، قال: فولده أحب إليك أم ولدك ؟ قال: بل ولده، قال: فذبح ولده ظلماً على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي ؟ قال: يا رب، بل ذبح ولده ظلماً على أيدي أعدائه أوجع لقلبي، قال: يا إبراهيم، فإنّ طائفة تزعم أنها من أمة محمد ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلماً وعدواناً كما يذبح الكبش، ويستوجبون بذلك سخطي. فجزع إبراهيم (ع) لذلك، وتوجع قلبه، وأقبل يبكي، فأوحى الله عز وجل إليه: يا إبراهيم، قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين وقتله، وأوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب، وذلك قول الله عز وجل: "وفديناه بذبح عظيم". شيئان قائمان وشيئان جاريان وشيئان مختلفان وشيئان متباغضان) [الخصال - الشيخ الصدوق: ص58 - 59، عيون أخبار الرضا: ج2 ص187].
عن عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ رَفَعَهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) في سقم إبراهيم (ع): (فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: "فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ"، قَالَ: حَسَبَ فَرَأَى مَا يَحُلُّ بِالْحُسَيْنِ (ع)، فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ لِمَا يَحُلُّ بِالْحُسَيْنِ (ع)) [الكافي: ج1 ص465].
وروى العلامة المجلسي في البحار: 
(إنّ آدم لما هبط إلى الأرض لم ير حواء، فصار يطوف الأرض في طلبها، فمر بكربلاء فاغتم وضاق صدره من غير سبب، وعثر في الموضع الذي قتل فيه الحسين حتى سال الدم من رجله، فرفع رأسه إلى السماء وقال: إلهي، هل حدث مني ذنب آخر فعاقبتني به، فإني طفت جميع الأرض وما أصابني سوء مثل ما أصابني في هذه الأرض. فأوحى الله إليه: يا آدم، ما حدث منك ذنب ولكن يقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلماً فسال دمك موافقة لدمه. فقال آدم: يا رب، أ يكون الحسين نبياً ؟ قال: لا، و لكنه سبط النبي محمد. فقال: ومن القاتل له ؟ قال: قاتله يزيد لعين أهل السماوات والأرض. فقال آدم: فأي شي‏ء أصنع يا جبرئيل ؟ فقال: العنه يا آدم. فلعنه أربع مرات ومشى خطوات إلى جبل عرفات فوجد حواء هناك).
(وروي أنّ نوحاً لما ركب في السفينة طافت به جميع الدنيا، فلما مرت بكربلاء أخذته الأرض وخاف نوح الغرق، فدعا ربه وقال: إلهي، طفت جميع الدنيا وما أصابني فزع مثل ما أصابني في هذه الأرض، فنزل جبرئيل وقال: يا نوح، في هذا الموضع يقتل الحسين سبط محمد خاتم الأنبياء وابن خاتم الأوصياء، فقال: ومن القاتل له يا جبرئيل ؟ قال: قاتله لعين أهل سبع سماوات وسبع أرضين. فلعنه نوح أربع مرات، فسارت السفينة حتى بلغت الجودي واستقرت عليه.
وروي أنّ إبراهيم (ع) مرَّ في أرض كربلاء وهو راكب فرساً، فعثرت به وسقط إبراهيم وشج رأسه وسال دمه، فأخذ في الاستغفار وقال: إلهي، أي شي‏ء حدث مني ؟ فنزل إليه جبرئيل وقال: يا إبراهيم، ما حدث منك ذنب ولكن هنا يقتل سبط خاتم الأنبياء وابن خاتم الأوصياء فسال دمك موافقة لدمه. قال: يا جبرئيل، ومن يكون قاتله ؟ قال: لعين أهل السماوات والأرضين والقلم جرى على اللوح بلعنه بغير إذن ربه، فأوحى الله تعالى إلى القلم أنك استحققت الثناء بهذا اللعن، فرفع إبراهيم (ع) يديه ولعن يزيد لعناً كثيراً، وأمّن فرسه بلسان فصيح، فقال إبراهيم لفرسه: أي شي‏ء عرفت حتى تؤمّن على دعائي ؟ فقال: يا إبراهيم، أنا أفتخر بركوبك عليّ، فلما عثرت وسقطت عن ظهري عظمت خجلتي وكان سبب ذلك من يزيد لعنه الله تعالى) [بحار الأنوار: ج44 ص243] ([23]).
ما تقدم يجعل القارئ المتدبر يلتفت بقوة إلى أنّ ملاحم سومر وأكاد هي إخبارات دينية وبعضها غيبي مستقبلي بالنسبة للزمن الذي دوّنت فيه.
ويجعلنا لا نشك أنّ الدين يشكل جزءاً كبيراً من محتوى الملاحم والقصص السومرية - الاكادية (البابلية والآشورية).
وما دمنا قد وصلنا إلى هنا فأرى من المناسب جداً أن نمرَّ على ملحمة أوروك الخالدة أو ملحمة جلجامش، وسنحاول معاً قراءتها بصورة أُخرى ربما ليست معهودة، سنحاول قراءتها على أنها قصة قصها آدم لأبنائه، وقصها نوح لأبنائه، وقصها إبراهيم لأبنائه، وانتشرت بين السومريين وبين شعوب العالم القديم وخصوصاً في الشرق الأدنى، وأصبحت القصة المفضلة لسكان بلاد ما بين النهرين (mesopotamia) وتناقلتها الأجيال حتى وصلتنا عبر آلاف السنين، ولكنها ربما شُوِّهت وحُرِّفت - كما تبيَّن لنا سابقاً - عندما تداولها الناس.
قصة جلجامش الذي سيأتي يوماً ليحقق العدالة وينقذ النوع الإنساني من حيوانيته، وفي الآثار المصرية القديمة (رجل قائم ممسك بكل وقار ثورين قائمين واحد عن يمينه والآخر عن يساره) [أساطير بابل - شارل فيروللو].
جلجامش الذي تنتظره بلاد ما بين النهرين (سومر) أو جنوب العراق ليظهر فيها يوماً ما منذ آلاف السنين ([24]).
* * *



المرسى الخامس:
جلجامش ابن ننسونا الأُم الباكية على دموزي !
دموزي:
« راح قلبي إلى السهل نائحاً نائحاً
إني أنا سيدة أي - أنا التي تحطم بلاد الأعداء،
إني أنا ننسونا أم السيد العظيم ([25])
إني أنا كشتن - أنا أخت الفتى المقدس
راح قلبي إلى السهل نائحاً نائحاً
راح إلى مكان الفتى،
راح إلى مكان دموزي،
إلى العالم الأسفل، مستوطن الراعي
راح قلبي إلى السهل نائحاً نائحاً
إلى المكان الذي ربط فيه الفتى،
إلى المكان الذي احتجز فيه دموزي ...
راح قلبي إلى السهل نائحاً نائحاً » [عشتار ومأساة تموز - د. فاضل عبد الواحد علي].
جلجامش:
خطاب أنكيدو لجلجامش:
« إنك الرجل الأوحد،
أنت الذي حملتك أمك،
ولدتك أمك ننسون ..... 
ورفع أنليل رأسك عالياً على الناس،
وقدر إليك الملوكية على البشر » [ملحمة جلجامش - طه باقر].
ملحمة جلجامش يمكن أن نقرأ فيها تاريخ الإنسانية الآتي([26]) وليس الماضي كما يتصور بعض شرّاحها، ويمكن أن نقرأ فيها قصة المنقذ للنوع الإنساني من حيوانيته التي كانت - وللأسف - حاضرة على الدوام وبقوة خصوصاً في المواجهات الكبرى:
﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ ...﴾ [الجمعة: 5].
﴿كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ ...﴾ [الأعراف: 176].
﴿وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً ...﴾ [المائدة: 60].
المنقذ الذي ذاع صيته منذ آلاف السنين وانتقل خبره عبر القارات، فوصل من بلاد ما بين النهرين إلى شمال أفريقيا، فنجد صوراً رمزية له في الآثار المصرية: 
[صورة رجل قائم ممسك بكل وقار ثورين قائمين واحد عن يمينه والآخر عن يساره. وهذا منظر نشاهده على عدد كبير من الآثار البابلية ويمثل عادة (جلجامش) في صراعه مع الحيوانات المتوحشة] [أساطير بابل - شارل فيروللو].
جلجامش في الملحمة (ثلثاه إله) ونجد قصته - وهو صاحب الطوفان الثاني - مرتبطة بقصة جده السومري زيو سو درا (نوح) والبابلي اوتو - نبشتم (نوح) صاحب الطوفان الأول، بل ربما أهم أسفار جلجامش في الملحمة هو سفره ليلتقي بجده نوح - اوتو نبشتم الخالد مع الآلهة ويسأله عن السرِّ الذي يمكنه أن يتخلَّص من ثلثه الإنساني ليخلد مع الآلهة كجده نوح (ع)، أو بعبارة أُخرى: ليُكتَب اسمه في سجّل الحياة الأبدية بجدارة ويكون من الخالدين روحياً، فالمسألة متعلقة بروحه، فثلثاه إله وأراد أن يجعل ثلثه الباقي كذلك، ولا علاقة للأمر بالخلود الجسماني كما توهم شرّاح الملحمة.
نجد جلجامش - في بعض النصوص- واضحاً أنه منقذ ورمز للعدالة ينتظره الجميع ويتداولون قصته: 
«لازم أبطال أوروك حجراتهم متذمرين شاكين
لم يترك جلجامش ابناً لأبيه
ولم تنقطع مظالمه عن الناس ليل نهار
ولكن جلجامش هو راعي أوروك،
السور والحمى
إنه راعينا: قوي وجميل وحكيم
لم يترك جلجامش عذراء لحبيبها
ولا ابنة المقاتل ولا خطيبة البطل .....» [ملحمة جلجامش - طه باقر].
من غير المعقول - كما فهم بعض المختصين بالحضارة السومرية - أن يكون المقصود بهذه المقاطع اعتداء جلجامش على أعراض الناس أو ظلمهم، وإلا لكانت الملحمة متناقضة تماماً، فجلجامش وصُف في بدايتها بأرقى ما يمكن أن يُوصَف به، حاكم عادل، بل في نفس هذه الأسطر وصف بأنه حكيم، فكيف يعتدي ملك حكيم على أعراض رعيته ويظلمهم ؟! 
ثم إنّ الجزء الآتي من الملحمة سيصف جلجامش بوصف مثالي، مثل: الإيثار والشجاعة والإخلاص، ولهذا فهكذا نصوص إما أن تكون تحريفاً مقصوداً حُشِر في النص، أو إنها رمزية وبالتالي تحتاج إلى تأويل وبيان.
وإذا قرأنا النص بتدبر سنجد أنّ المراد هو منقذ النوع الإنساني من حيوانيته، منقذ النوع الإنساني الذي رافقت قصته كلَّ الأُمم، لأنّ الذين يسبقون زمن بعثه إذا لم تكن أُممهم مهيّأة لاستقباله فعلى الأقل هناك أفراد في تلك الأُمم يمكن أن تنقذهم قصته التي يتداولونها، إنه الشخص الذي سيربطهم بالله وسيفتح باب السماء ليسمع كل من يريد أن يسمع وحياً عظيماً يُعَرِّفُه بالحقيقة فيشغف بها، الحقيقة التي أظهرتنا من العدم، الحقيقة التي خُلقنا لنعرفها، ولهذا فهو سيشغل الجميع بالله وليس بشخصه هو؛ لأنه لو شغلهم بنفسه أو تركهم ينشغلون به دون أن ينبههم فلن يكون هناك فرق بينه وبين أي طاغية ظالم يريد الشهرة والسمعة.
الآن، يمكننا أن نفهم جيداً لماذا «لازم أبطال أوروك حجراتهم متذمرين شاكين»، ولماذا «لم يترك جلجامش ابناً لأبيه ... ولم يترك جلجامش عذراء لحبيبها ولا ابنة المقاتل ولا خطيبة البطل»، لأنهم جميعاً شُغِفوا بالله وتعلّقوا به سبحانه، جاء جلجامش المخَلِّص وفتح لهؤلاء المخَلَّصين، الذين سيكونون في زمنٍ معيَّن، بابَ وحي عظيم وعلّمهم كيف يتعلّقون بالله وكيف يحبون الله وكيف يسمعون الله في كل شيء. 
ولو رجعت للسومريين لوجدتهم يتشوّقون لهذه الأُمور:
(هو جلجامش الذي معناه: المحارب الذي في المقدمة، والرجل الذي سيكون نواة لشجرة جديدة).
جلجامش الشخصية المقدسة عند السومريين أو الاكاديين (البابليين - الآشوريين) وكثير من شعوب العالم القديم يوصف بدقة في ملحمة جلجامش (ثلثان منه إله وثلثه الباقي بشر)، أي أنّ النور في وجوده غالب على الجانب المظلم أو الأنا، ولكنه يبحث في النهاية عن سرِّ الخلاص النهائي من هذه الظلمة، وحتى معنى اسم جلجامش دال على مهمته، فهو المحارب الذي في المقدمة.
وفي الملحمة:
هو: المحارب الذي قتل الشيطان خمبابا، ([27])
وهو: المحارب الذي أهان عشتار (الدنيا)،
وهو: المحارب الذي سحق نفسه،
وهو أيضاً الشخص الذي سيكون نواة لشجرة إنسانية جديدة تنتصر على حيوانيتها، [هذا ولا يعلم معنى اسم جلجامش بالضبط. وقد ذكرت بعض النصوص الاكدية معناها "المحارب الذي في المقدمة". كما أنّ هناك احتمالاً لاسمه السومري، معناه "الرجل الذي سيكون نواة لشجرة جديدة"، أي "الرجل الذي سيولد أسرة"] [ملحمة جلجامش - طه باقر]. 
لعل أعظم تشويه تتعرض له هذه الملاحم هو إسقاط الشخصيات الملحمية على مصاديق خاطئة نتيجة الاشتباه، كإسقاطها على ملوك وردت أسماؤهم في سجل الملوك، مثلاً عندما يتم إسقاط شخصية جلجامش الملحمية على الملك جلجامش رغم اختلاف أسماء الآباء والنسب فهذا تماماً كمن يقول اليوم وهو يقرأ قصة المهدي الملحمية التي ذكرها النبي محمد في روايات كثيرة إنّ هناك ملكاً في دولة بني العباس قبل أكثر من ألف عام اسمه المهدي، وهو يعتقد أنّ المقصود بقصة المهدي الإسلامي الملحمية هو ذلك الملك العباسي ([28]). 
وهذا للأسف حصل كثيراً مع جلجامش، مع أنّ بعض الباحثين المتخصصين في الآثار السومرية صرّحوا بأنه لا يصح اعتبار جلجامش الملحمة هو نفسه جلجامش التاريخ بناء على تشابه الأسماء فقط: 
يقول شارل فيروللو: [إذن توجد أسباب تجعلنا نؤمن بأنه كان يوجد في زمن قديم جداً ملك اسمه (جلجامش). وهذا الاسم مندرج في لائحة ملوك أوروك - كشفت حديثاً - ولكنه ليس في أول القائمة - كما ينتظر - فجلجامش التاريخ لم يؤسس دولة بل كان في عداد ملوك - لا نعرف عنهم شيئاً من الوجهة التاريخية إلا أسماءهم ......... وعلى أية حال، ليس (جلجامش) الذي كتب عنه التاريخ سطرين يسترعي انتباهنا، ولكن (جلجامش) الذي وصلتنا أُسطورته الشعرية] [أساطير بابل وكنعان].
ملحمة جلجامش التي كان ملوك سومر وأكاد وأيضاً بابل وحتى آشور يضعونها في مكتباتهم ويهتمون بها، وكانت عندهم وعند الناس كأنها تعويذة أو كتاب مقدس أعتقد أنها جديرة بالتأمل والبحث في: 
هل أنها كانت تمثل قصة الشخص الآتي الذي ينتظره السومريون أو الاكديون والبابليون والآشوريون كمنقذ ومخلِّص ؟
يقول طه باقر: [والبطل جلجامش نفسه انتقل اسمه إلى معظم آداب الأُمم القديمة أو إن أعماله نسبت إلى أبطال الأمم الأخرى مثل هرقل والاسكندر وذي القرنين والبطل أوديسوس في الاوديسة] [طه باقر - ملحمة جلجامش]. 
وقال أيضاً: [عجباً من كان جلجامش هذا الذي أصبح مثالاً يحتذى به لدى أبطال الأمم الأخرى ؟!].
ويقول شارل فيروللو: [ولقد عرف المصريون - في الزمن القديم - الشخصية التي نحن بصددها إذ عثر في وادي النيل في جبل الاراك على مدية شفرتها من صوان لامن معدن ومقبضها من عاج تحمل على احد وجهيها صورة رجل قائم ممسك بكل وقار ثورين قائمين واحد عن يمينه والآخر عن يساره. وهذا منظر نشاهده على عدد كبير من الآثار البابلية ويمثل عادة (جلجامش) في صراعه مع الحيوانات المتوحشة] [أساطير بابل - شارل فيروللو].
إذن، جلجامش ليس مجرد شخص عادل أو صالح، وليس مجرد ملك أو سيكون ملكاً في يومٍ ما، بل جلجامش شخصية أُممية وهو مثال يقتدي به أبطال الأُمم كما نقلت لنا الآثار، وكون جلجامش شخصية أًممية فهذا هو الأمر الوحيد الذي يمكن أن يفسِّر وجود نسخ من ملحمة جلجامش في دول مختلفة وحتى بغير لغاتها: 
[ولعل خير ما يكشف عن أثرها العظيم في عقول أبناء الحضارات القديمة المدى الواسع الذي انتشرت فيه في العالم القديم. فبالنسبة لسكان العراق الاقدمين لم يقتصر تداولها على سكان القسم الجنوبي والوسطي من العراق، وهو القسم الذي عرف باسم بلاد سومر وأكد، بل تسربت أيضاً إلى القسم الشمالي أي إلى بلاد آشور. فقد وجدت نسخ كثيرة لها في حواضر العراق القديم من عهد ازدهار الحضارة البابلية في العهد البابلي القديم (الألف الثاني ق . م) أما بالنسبة لبلاد آشور فإنّ آخر نشرة كاملة وصلت إلينا قد وجدت نصوصها في خزانة كتب الملك الآشوري آشور بانيبال الشهيرة ......... وبالنسبة لمراكز الحضارات القديمة سبق لنا أن نوهنا بعثور الباحثين على نسخ كثيرة من أجزائها في أقاليم نائية مثل الأناضول، موطن الحضارة الحثية، وقد دوّن بعض هذه النصوص باللغة البابلية القديمة، كما وجدت أيضاً ترجمات إلى اللغتين الحثية والحورية. وحديثاً تم اكتشاف مثير لنسخة من بعض فصولها في إحدى مدن فلسطين القديمة وهي (مجدو) الشهيرة في التوراة، ويرجع زمن هذه النسخة الصغيرة إلى حدود القرن الرابع عشر (ق. م) ....] [ملحمة جلجامش - طه باقر].
هكذا تصف القصة الملحمية جلجامش في مطلعها وتُلخِّص كل شيء عن جلجامش في أسطر قليلة هي بمثابة تعريف لشخصية جلجامش ومهمته:
« اللوح الأول:
هو الذي رأى كل شيء فغني بذكره يا بلادي،
وهو الذي خبر جميع الأشياء وأفاد من عبرها،
وهو الحكيم العارف بكل شيء،
لقد أبصر الأسرار وعرف الخفايا المكتومة،
وجاء بأنباء الأيام مما قبل الطوفان،
لقد أوغل في الأسفار البعيدة حتى حل به الضنى والتعب،
فنقش في نصب الحجر كل ما عاناه وما خبره ».
واضح أنّ النص يصف شخصاً عالماً (رأى كل شيء ..... الذي خبر جميع الأشياء ....... الحكيم العارف ...... أبصر الأسرار وعرف الخفايا المكتومة)، ومُعَلِّماً مهمّاً جاء بعلوم مهمة وسينقشها بحيث إنها ستبقى بين الناس (فنقش في نصب الحجر كل ما عاناه وما خبره). 
ولو رجعنا للنص الديني الوارد في المهدي نجد الإمام الصادق (ع) يقول: (العلم سبعة وعشرون حرفاً، فجميع ما جاءت به الرسل حرفان فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثها في الناس، وضم إليها الحرفين حتى يبثها سبعة وعشرين حرفاً) ([29]) [بحار الأنوار: ج52 ص336].


المرسى السادس:
جلجامش شخصية دينية
ملحمة جلجامش مليئة بالرموز. 
فيها رؤى مرمّزة مع بيان معنى بعض رموزها. 
فيها كلام وأحداث مرمزة، فمثلاً: في خضم معركة دائرة بين جلجامش وأنكيدو نجد كل شيء يهدأ ومباشرة يقف أنكيدو قائلاً لجلجامش بكل احترام:
« إنك الرجل الأوحد،
أنت الذي حملتك أمك،
ولدتك أمك ننسون .....
ورفع أنليل رأسك عالياً على الناس،
وقدر إليك الملوكية على البشر » [ملحمة جلجامش - طه باقر].
والسؤال هنا: إذا كان أنكيدو يعرف هذا منذ البداية فلماذا قاتله ؟!!!
إذن، فمن غير المعقول أن يكون المقصود بتلك المعركة هو صراع بدني بين جلجامش وأنكيدو. نعم، يمكن أن نقول إنه صراع عقائدي أدى بأنكيدو أن يعترف في النهاية بأنّ جلجامش هو ابن ننسون وابن أنليل الذي أوصى أن يكون جلجامش ملكاً ([30]). 
ونطْق أنكيدوا - بعد الصراع - بهذه الكلمات يُبيِّن بوضوح أنّ أنكيدوا يُقدِّس ننسون وأنليل، ولكنه لم يكن يُقرّ أنّ جلجامش من سلالتهم ([31])، والآن هو يُقر: 
(إنك الرجل الأوحد، أنت الذي حملتك أمك، ولدتك أمك ننسون ..... ورفع أنليل رأسك عالياً على الناس وقدر أليك الملوكية على البشر).
ولهذا أيضاً لابد أن نحسب لرمزية النصوص حساباً ولا نعتبرها نصوصاً صريحة المقصود بها هو المعنى اللفظي تماماً، وهذه في الحقيقة تكاد تكون طبيعة للنصوص الدينية عموماً؛ لأنها نصوص آتية من عوالم أُخرى وتحوي حكمة، والهدف منها بعض الأحيان إيصال رسالة إلى أهلها، وربما في كثير من الأحيان يُراد حمايتها من المنتحلين بهذه الرموز التي لا يعرفها سوى أصحابها ([32])، فالرؤى مثلاً هي نص ديني ولا شك، ومن منّا يشك بأنّ الرؤى مرمّزة في كثير من الأحيان ؟!
رحلة جلجامش الأُولى لقتل الشيطان خمبابا وإزالة الجور والظلم والشر من الأرض:
« فخاطب جلجامش انكيدو وقال له: يسكن في الغابة خمبابا الرهيب فلنقتله كلانا ونزيل الشر من الأرض ». 
وقبل أن يقتل جلجامش الشيطان يرى رؤى كثيرة تُبشِّره بنجاح مهمّته الأُولى:
«... ورأيت في حلمي الثاني الجبل يسقط أيضاً فصدمني ومسك قدمي ثم انبثق نور وهاج طغى لمعانه وسناه على هذه الأرض فانتشلني من تحت الجبل وسقاني الماء فسر قلبي » [ملحمة جلجامش].
كل ما يُألَه له عند السومريين فهو إله، فالدنيا إله، والأنا إله، والجماعة إله، والصالحين المقدسين آلهة، لهذا فيمكننا أن نُبدِّل كلمة (إله) بالأنبياء أو الصالحين أو الدنيا أو الأنا ونتدبر النص ونرى الحكمة التي يزخر بها النص:
« وفتح جلجامش فاه وقال لانكيدو:
يا صديقي، من الذي يستطيع أن يرقى أسباب السماء ؟
والآلهة (الصالحين) وحدهم هم الذين يعيشون إلى الأبد مع شمش،
أما أبناء البشر فأيامهم معدودات،
وكل ما عملوا هواء عبث » [ملحمة جلجامش].
وفي القرآن: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً﴾ [الفرقان: 23].
وجلجامش الذي ثلثاه إله في النهاية أراد التخلّص من ثلثه المظلم، فذهب إلى مَنْ تخلَّص من الظلمة وخلد مع الآلهة وهو جده أوتو نبشتم - نوح، فرحلة جلجامش إلى نوح لم تكن رحلة لطلب خلود جسماني كما توهّم بعض قرّائها، بل هي رحلة لطلب خلود روحي.
بعد كلِّ ما تقدّم، هل من الإنصاف أن يعترض علينا شخص إن قلنا: إنّ ملحمة جلجامش دينية بجدارة، وجلجامش شخصية دينية.

المرسى السابع:
جلجامش ويوسف (ع)
انتصر جلجامش في رحلته الأُولى وقتل الشيطان خمبابا، وعاد إلى أوروك ولبس تاجه لتبدأ معركته الثانية مع الدنيا (الآلهة عشتار أو أنانا):
« ولما لبس جلجامش تاجه رفعت عشتار الجليلة عينيها ورمقت جمال جلجامش فنادته:
تعال يا جلجامش وكن عريسي،
وهبني ثمرتك أتمتع بها،
كن زوجي وأكون زوجك،
سأعد لك مركبة من حجر اللازورد والذهب،
وعجلاتها من الذهب وقرونها من البرونز،
وستربط لجرها شياطين الصاعقة بدلاً من البغال الضخمة،
وعندما تدخل بيتنا ستجد شذى الأرز يعبق فيه،
إذا دخلت بيتنا فستقبل قدميك العتبة والدكة،
سينحني لك الملوك والحكام والأمراء ......
ففتح جلجامش فاه وأجاب عشتار الجليلة وقال: .......
أي خير سأناله لو تزوجتك ؟
أنتِ !
ما أنتِ إلا الموقد الذي تخمد ناره في البرد،
أنتِ كالباب الناقص لا يصد عاصفة ولا ريحاً،
أنتِ قصر يتحطم في داخله الأبطال،
أنتِ فيل يمزق رحله،
أنتِ قير يلوث من يحمله وقربة تبلل حاملها،
أنتِ حجر مرمر ينهار جداره،
أنتِ حجر يشب يستقدم العدو ويغريه،
وأنتِ نعل يقرص قدم منتعله،
أي من عشاقك من بقيت على حبه أبداً ؟
وأي من رعاتك من رضيت عنه دائماً ؟ .................
ولما سمعت عشتار هذا استشاطت غيظاً وعرجت إلى السماء،
صعدت عشتار ومثلت في حضرة أبيها آنو وأمها آنتم فجرت دموعها وقالت:
يا أبي إن جلجامش قد عزرني وأهانني،
لقد سبني وعيرني بهناتي وشروري،
ففتح آنو فاه وقال لعشتار الجليلة:
أنت التي تحرشت فأهانك جلجامش،
وعدد مثالبك وهناتك،
ففتحت عشتار فاها وقالت لـ (آنو) اخلق لي يا أبت ثوراً سماوياً ليهلك جلجامش،
وإذا لم تخلق لي الثور السماوي فلاحطمن باب العالم الأسفل،
وافتحه على مصراعيه واجعل الموتى يقومون فيأكلون كالأحياء،
ويصبح الأموات أكثر عدداً من الأحياء،
ففتح آنو فاه وأجاب عشتار الجليلة وقال:
لو لبيت طلبك لحلت سبع سنين عجاف لا غلة فيها،
فهل جمعتِ غلة تكفي الناس ؟،
وهل خزنت العلف للماشية ؟،
فتحت عشتار فاها وأجابت آنو أباها قائلة لقد كدست بيادر الحبوب للناس وخزنت العلف للماشية،
فلو حلت سبع سنين عجاف فقد خزنت غلالاً وعلفاً تكفي الناس والحيوان » [ملحمة جلجامش].
وفي القرآن: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ [يوسف: 23].
﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ  ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ  ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ [يوسف: 47 - 49] ([33]).
* * *




المرسى الثامن:
هناك من يسقط أو يتعثّر في رحلة الخلود
بيَّنتُ أنّ رحلة جلجامش تتكلّم عن الخلود الروحي والحياة الأُخروية الخالدة، وليس عن خلود جسدٍ فانٍ، يعلم السفهاء بفنائه، فكيف بجلجامش الذي يُوصَف في الملحمة بأنه حكيم وعارف بحقائق الأُمور. 
وبما أنّ الخلود والموت المذكور في القصة يراد منه خلود وموت الروح، فيكون موت أنكيدو كذلك ([34])، فلم يتمكن أنكيدو من إتمام رحلة الخلود دون أن يسقط أو يتعثَّر في الطريق ويرتكب المحرمات ويخالف وصايا جلجامش له، فتكون النتيجة أنه سقط في براثن العالم الأسفل ويحاول جلجامش إنقاذه من براثن العالم الأسفل وإقامته من عثرته:
« هبط أنكيدوا إلى العالم السفلي،
إلا أنه لم يلتزم بكلمات سيده -
ولبس ثياباً نظيفة،
فهجم أصحاب السلطة عليه كأنهم أعداء،
ومسح جسمه بزيت الكأس العذب،
فتجمعوا من حوله من جراء رائحته،
ورمى عصا الرماية في العالم السفلي،
فأحدق به أولئك الذين أصيبوا بها،
وحمل عصا بيده،
فأضطربت أشباح الموتى من حوله
ولبس نعلاً في قدميه، ([35])
وأحدث صوتاً في العالم السفلي،
وقبل الزوجة التي أحبها،
وصفع الزوجة التي كرهها،
وقبل الابن الذي أحبه،
وصفع الابن الذي كرهه،
فأمسكت به صيحة العالم السفلي بقوة -
............
............
إنه لم يسقط في المعركة مكان الرجولة
إن العالم السفلي هو الذي يمسك به بقوة » [السومريون - صموئيل نوح كريمر: ص288].
[إنّ قصة موت أنكيدو ودفنه هي على أرجح الاحتمالات من أصل بابلي غير سومري. فبموجب القصيدة المعنونة "جلجامش وأنكيدو والعالم الأسفل" لم يمت انكيدو موتاً بالمعنى المألوف للموت وإنما احتجزه في العالم الأسفل (كور)، وهو ذلك الشيطان الموكل بالعالم الأسفل والشبيه بالتنين، لأنه ارتكب المحرمات الخاصة بالعالم الأسفل، وهو عارف بها. ولقد اخترع مؤلفوا "ملحمة جلجامش" البابليون حادث موت "انكيدو" ليهيئوا الباعث القصصي الدراماتيكي على سعي جلجامش ونشدانه الخلود وهو ما يؤلف الذروة الدرامتيكية في القصيدة .............. 
ولكن مهما كان الحال، فإنّ الشعراء البابليين لم يكونوا بأية حال من الأحوال مجرد مستنسخين ومقلدين تقليداً أعمى للمادة السومرية. بل الواقع أنهم بدلوا وغيروا في مضمونها وكيفوا تركيبها وهيئتها إلى درجة جسيمة لتلائم مزاجهم وتراثهم، بحيث لم يبق ما يميز منها إلا النواة السومرية الأصلية] [من ألواح سومر - صموئيل نوح كريمر].
* * *







المرسى التاسع:
رحلة جلجامش إلى جده نوح (ع)
وتبدأ رحلة جلجامش إلى جده نوح (أوتو - نبشتم) والتي يطلب فيها الخلود، خلود الروح وليس خلود الجسم، فجلجامش منذ البداية يعرف أن لا خلود للجسم، فقد مرَّ قوله: 
« والآلهة (الصالحين) وحدهم هم الذين يعيشون إلى الأبد مع شمش أما أبناء البشر فأيامهم معدودات وكل ما عملوا هواء عبث ». 
وجدّه نوح ميت منذ زمن بعيد، وهو يعلم هذا جيداً. 
إذن، هي رحلة إلى العالم الآخر. 
وفي هذه الرحلة يسحق جلجامش نفسه، فيحقق الخلود الذي سافر في طلبه. يحقق مراده في نفس الرحلة وحتى قبل أن يصل إلى جده نوح (اوتو - نبشتم): 
« سأطلق شعري وسألبس جلد الاسد وأهيم على وجهي في البراري » [ملحمة جلجامش].
ويدخل جلجامش عالم الحقيقة ويرى الأُمور على ما هي في رحلته إلى جده أوتو - نبشتم (نوح (ع)):
« لقد بلغ جبل "ماشو" ([36])
الذي يحرس كل يوم مشرق الشمس ومغربها،
والذي يبلغ علوه سمك السماء
وفي الأسفل ينحدر صدره إلى العالم الأسفل،
ويحرس بابه "البشر العقارب"
الذين يبعثون الرعب والهلع ونظراتهم الموت
ويطغى جلالهم المرعب على الجبال،
الذين يحرسون الشمس في شروقها وغروبها،
ولما أبصرهم جلجامش اصفر وجهه خوفاً ورعباً،
ولكنه تشجع واقترب أمامهم
فنادى "الرجل العقرب" زوجته وقال لها:
إنّ الذي جاء إلينا جسمه من مادة الآلهة،
فأجابت زوجة "الرجل العقرب" زوجها وقالت:
أجل إنّ ثلثيه إله وثلثه الآخر بشر،
ثم نادى "الرجل العقرب" جلجامش
وخاطب نسل الآلهة ([37]) بهذه الكلمات:
مالذي حملك على هذا السفر البعيد ؟
وعلام قطعت الطريق وجئت إلي عابراً البحار الصعبة العبور، ([38])
فأبن لي القصد من المجيء إلي
فأجابه جلجامش قائلاً:
أتيت قاصداً أبي (اوتو - نبشتم) (نوح)
الذي دخل في مجمع الآلهة *
جئت لأسأله عن لغز الحياة والموت *
ففتح الرجل العقرب فاه وقال مخاطباً جلجامش:
لم يستطع أحد من قبل أن يفعل ذلك يا جلجامش
لم يعبر أحد من البشر مسالك الجبال 
حيث يعم الظلام الحالك في داخلها مسافة اثنتي عشرة ساعة مضاعفة ولا يوجد نور ([39])
........ جزء مخروم من الملحمة ....... 
فأجاب جلجامش: عزمت على أن أذهب ولو بالحزن والآلام *
وفي القر والحر وفي الحسرات والبكاء *
فأفتح لي الآن باب الجبال، 
ففتح الرجل العقرب فاه وأجاب جلجامش:
مر يا جلجامش ولا تخف،
فقد أذنت لك أن تعبر جبال "ماشو"،
وعساك أن تقطع الجبال وسلاسلها،
وعسى أن تعود بك قدماك سالماً،
وها هو باب الجبل مفتوح أمامك » [ملحمة جلجامش - طه باقر: ص75 - 76].
تستمر رحلة جلجامش، ويمرُّ بصاحبة الحانة وكأنها رمز لسكر الناس بحب الدنيا والأنا، فتدعوه صاحبة الحانة إلى الدنيا والاهتمام بنفسه وترك هذا السفر المتعب في طلب الخلود:
« فأجابت صاحبة الحانة جلجامش قائلة له:
إنّ الحياة التي تبغي لن تجد
إذ لما خلقت الآلهة البشر قدرت الموت على البشرية
واستأثرت هي بالحياة *
أما أنت يا جلجامش فاجعل كرشك مملوءاً *
وكن فرحاً مبتهجاً ليل نهار *
وأقم الأفراح في كل يوم من أيامك
وارقص والعب ليل نهار *
واجعل ثيابك نظيفة زاهية *
واغسل رأسك واستحم في الماء *
ودلل الطفل الذي يمسك بيدك *
وافرح الزوجة التي بين أحضانك *
وهذا هو نصيب البشر،
ولكن جلجامش أردف مخاطباً صاحبة الحانة:
يا صاحبة الحانة أين الطريق إلى اوتو - نبشتم
دليني كيف أتجه إليه ؟
فإذا أمكنني الوصول إليه فإنني حتى البحار سأعبرها،
وإذا تعذر الوصول إليه فسأهيم على وجهي في البراري » [ملحمة جلجامش - طه باقر: ص79 - 82].
هذه الكلمات الأخيرة كأنّ موسى (ع) في القرآن قد اقتبس معناها من جلجامش، فقال: ﴿.. لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً﴾ [الكهف: 60].
وتستمر رحلة جلجامش حتى يصل إلى جدِّه أوتو - نبشتم (نوح (ع))، ويروي له جدُّه قصة الطوفان، ويعرف جلجامش من جدِّه سرِّ الحياة:
« قال اوتو - نبشتم لجلجامش:
إنّ الموت قاس لا يرحم
متى بنينا بيتا يقوم إلى الأبد ؟
متى ختمنا عقداً يدوم إلى الأبد ؟
وهل يقتسم الإخوة ميراثهم ليبقى إلى آخر الدهر ؟
وهل تبقى البغضاء في الأرض إلى الأبد ؟
وهل يرتفع النهر ويأتي بالفيضان على الدوام ؟
والفراشة لا تكاد تخرج من شرنقتها فتبصر وجه الشمس حتى يحل أجلها
ولم يكن دوام وخلود منذ القدم
وياما أعظم الشبه بين النائم والميت !
ألا تبدو عليهما هيئة الموت ؟
من ذا الذي يستطيع أن يميز بين العبد والسيد إذا جاء أجلهما ؟ » [ملحمة جلجامش - طه باقر: ص87].
الملاحم والقصص السومرية والقصائد تُثبت أنّ قصة الدين الإلهي موجودة ومكتملة عند السومريين بكل جزئياتها وشخصياتها ورموزها قبل الديانة اليهودية والمسيحية والإسلامية، فنجد في الرِقَم الطينية السومرية الإله الحقيقي الواحد المهيمن على كل شيء، ونجد عندهم العقائد، والقيم الأخلاقية، والنواميس المقدسة، والعبادة وطرقها، وسبل الانتصار على الشيطان وعلى الدنيا وعلى الأنا وحب الذات. 
إذن، فهو الدين كلّه من ألفه إلى يائه عند السومريين. فمن أين أتوا به ؟ 
من أين جاءوا بهذه المنظومة المعقّدة التي ظهرت مكتملة فجأة في تاريخ بلاد ما بين النهرين ؟ 
الحقيقة التي يراها كلُّ عاقلٍ ظاهرةً كالشمس أنّ هناك قفزة ثقافية وحضارية أظهرتها لنا الثقافة والحضارة السومرية، فمن يريد أن ينكر - بعد كل ما تقدم - فهذا شأنه، وعموماً فقد وضِعتْ أُطروحات ونظريات لتفسير هذه القفزة الثقافية، ولو كان الأمر ليس كذلك لما وصل الأمر إلى أن توضع نظرية قدوم كائنات من الفضاء ([40]) !! 
والعجب كل العجب ممّن يقبل أنّ سبب تطور الإنسانية هو قدوم كائنات فضائية بمركباتهم وقدراتهم الكونية التي لا نرى لها أثراً على الأرض لكي يُعلِّل هذه القفزة الثقافية، ولا يقبل أنّ نفس آدم نُفخَتْ في جسم فتطوّر وانتقل إلى مستوى أرقى في الخلق والتنظيم والقدرة على التفكير والإدراك.
* * *








المرسى العاشر:
السومريون وحاكمية الله
يقول د. كريمر في الحكومة: 
[الحكومة - أول برلمان ذي مجلسين - إن نمو الإنسان الاجتماعي والروحي لهو في الغالب بطيء، منحرف، ويصعب تتبعه وتقصيه. وقد تكون الشجرة المتكاملة النمور منفصلة بعيدة عن بذرتها الأصلية بألوف الأميال والسنين. خذ مثلاً أسلوب الحياة المعروف باسم الديمقراطية ومؤسساتها أو نظامها الأساسي وهو المجلس السياسي. ففي ظاهر الحال يبدو هذا النظام وكأنه قاصر على حضارتنا الغربية أو احتكار لها، وأنه ثمرة من ثمرات القرون الحديثة، إذ من ذا الذي يتصور أنّ برلمانات سياسية كانت في الوجود قبل ألوف كثيرة من السنين، وفي جهات من العالم ليست لها صلة بالمؤسسات الديمقراطية إلا فيما ندر ولكن الأثري الصبور ينقب ويتعمق في الحفر ويوسع فيه، ولا يعلم مطلقاً ماذا سيجده ويعثر عليه وبفضل جهود فرقة المعول أصبح في وسعنا الآن أن نقرأ سجل مجلس سياسي انعقد قبل نحو خمسة آلاف عام في الشرق الأدنى قبل أي مكان آخر.
أجل إن أول برلمان سياسي معروف في تاريخ الإنسان المدون قد التأم في جلسة خطيرة في حدود 3000 ق. م ولقد كان مثل برلماننا مؤلفاً من مجلسين: من مجلس الأعيان أي مجلس الشيوخ ومن مجلس العموم (النواب) المؤلف من المواطنين الذكور القادرين على حمل السلاح وكان برلمان حرب دعى للانعقاد ليتخذ قراراً في أمر خطير يخص الحرب والسلم. لقد كان عليه أن يختار بين السلم بأي ثمن كان وبين الحرب والاستقلال. فأما مجلس الأعيان الذي كان مؤلفاً من الشيوخ المحافظين فإنه أعلن قراره أنه بجانب السلم مهما كان الثمن. ولكن الملك اعترض على هذا القرار ثم عرض الأمر بعد ذلك على مجلس العموم فأعلن هذا المجلس الحرب من أجل الحرية وصادق الملك على قراره.
ففي أي جزء من العالم أول برلمان معروف لدى الإنسان ؟
لم يكن موضع انعقاده في الغرب في قارة أوربا كما قد تظن فإن المجالس السياسية في بلاد الإغريق الديمقراطية وفي زومة الجمهورية جاءت بعد ذلك بزمن طويل بل إن مما يثير الغرابة والدهشة أن يكون ذلك البرلمان العتيق قد عقد جلساته في ذلك الجزء من آسيا الذي اصطلح الناس عليه تسميته باسم الشرق الأدنى موطن الطغاة والمستبدين المأثور وهو جزء من العالم كان يظن عنه أن المجالس السياسية لم تكن معروفة فيه.
أجل إنه في تلك البلاد المعروفة قديماً باسم سومر الواقعة شمال خليج فارس بين نهري دجلة والفرات تم انعقاد أقدم مجلس سياسي معروف فمتى اجتمع هذا البرلمان ؟ إنه اجتمع في الألف الثالث ق . م فلقد كان يقطن بلاد سومر وهي تطابق القسم الجنوبي من العراق الحديث شعب أنشأ ونمى ما يرجح أن تكون أرقى حضارة في العالم المعروف آنذاك] [من ألواح سومر - د. صموئيل كريمر].
العلاقة بين السومريين وحاكمية الله أمر لم يكن لكريمر ولا لكثيرين من علماء الآثار غيره أن يدركوه، لأنهم إما لا يعتقدون بحاكمية الله، أو ملحدون يعتقدون أنّ الدين ابتدعه السومريون، والتوراة والقرآن مجرد عملية استنساخ للقصص السومرية الخيالية - بنظرهم - كقصة الطوفان، ولهذا فهم عندما وجدوا أنّ الملك السومري يعرض أمر الحرب على مجلسين للشورى حكموا وجزموا أنّ ما يمارسه السومريون ديمقراطية تشبه الديمقراطية الغربية اليوم، في حين أنّ ما كان يمارسه السومريون ليس الديمقراطية الغربية أبداً، ولا علاقة لممارستهم بالديمقراطية الغربية، حيث إنّ هناك نصوص سومرية كثيرة تؤكد أنّ الحاكم يأخذ شرعيته من التنصيب الإلهي. 
إنّ نظام الحكم السومري هو نظام ورثوه عن نوح (ع) وعن الأنبياء كما ورثوا الدين الإلهي، فقد كان لديهم نظام حكم إلهي محرَّف كما كانوا أصحاب دين إلهي محرَّف، فنظام الحكم السومري لم يكن نظاماً دكتاتورياً ولا نظاماً ديمقراطياً بالمعنى الديمقراطي الغربي المعروف اليوم. 
في نظام الحكم السومري كان هناك ملك تُعيّنه الآلهة. كما أنّ في نظام الحكم الإلهي ملك أو حاكم يعيّنه الله، ومهمة هذا الحاكم هي تحقيق إرادة الله وتطبيق قانون الله وإنصاف المظلومين، فهناك هدف من تعيين الحاكم الإلهي هو ليس الحكم بحدِّ ذاته، ولهذا فنظام الحكم الإلهي يمكن أن يتحقق حتى بإشراف الحاكم المعيَّن من الله على التطبيق ومراقبة التطبيق والتدخّل للتصحيح عند وجود توجّه للخطأ، وليس من الضروري أن يقوم بالحكم بنفسه ليتحقق الهدف من تعيينه.
وهذا ما نجده أو قريباً منه في المثال السومري الذي أورده الدكتور صاموئيل كريمر، حيث كان هناك نزاع بين كيش وأوروك على السلطة ودعوى التنصيب الإلهي، وقام حاكم أوروك بطلب رأي الشعب باختيار الحرب أو السلم، ولكنه لم يكن رأياً ملزماً له كما هو واضح في ما تقدم: 
[أما الأوضاع السياسية التي استوجبت انعقاد أقدم برلمان في التاريخ مدونة أخباره فيمكن وصفها على الوجه الآتي: كانت بلاد سومر في غضون الألف الثالث ق . م مثل بلاد الإغريق في زمن متأخر جداً مؤلفة من عدد من دول - المدن المتنافسة المتنازعة فيما بينها على كسب السلطة والسيطرة على جميع البلاد. وكانت دولة كيش من أهم هذه الدويلات وهي المدينة التي تسلمت الملوكية كما جاء في الأساطير السومرية من السماء بعد الطوفان فوراً. ولكن كان هناك من هذه الدويلات دولة - مدينة أخرى هي دولة ارك (أوروك) الواقعة بمسافة بعيدة إلى الجنوب من كيش وكانت تتعاظم في السلطان والنفوذ السياسي حتى بلغ بها الحال أن أخذت تهدد سلطان دولة كيش على بلاد سومر. فأدرك ملك كيش عندئذ مبلغ الخطر وهدد أهل ارك بشن الحرب عليهم إذا أبوا الاعتراف به سيداً عليهم. وفي هذه الأزمة العصيبة التأم مجلسا ارك أي مجلس الشيوخ ومجلس الذكور القادرين على حمل السلاح ليبتا في أي السبيلين يختاران: الخضوع والإذعان إلى سلطان كيش والتمتع بالسلم أو إشهار السلاح والحرب من أجل المحافظة على الاستقلال] [من ألواح سومر - د. كريمر: ص83 - 84].
وصحيح أنّ بعض ملوك سومر هم مجرد ملوك مدّعين للتنصيب الإلهي، ولكن ما يهمنا هو أنّ السومريين عموماً كانوا يؤمنون بالتنصيب الإلهي، ويؤكد هذا الأمر ما وصلنا مكرراً في الألواح الطينية من أنّ الملوك هم من سلالة الآلهة وأنّ الآلهة تعينهم، وهناك قصة نقلها القرآن تمثل منازعة حدثت في سومر أو بلاد ما بين النهرين بين أحد الملوك المدعين الملك مع إبراهيم الخليل (ع) الملك المنصب من الله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 258]. 
وعموماً، يمكن مراجعة النصوص السومرية والأكادية والبابلية لنجد أنّ هذا الأمر واضح في كثير من النصوص، وأنهم كانوا يعتقدون أنّ الـمُلك تنصيب إلهي، أي كما في عقيدة الدين الإلهي الصحيحة التي في التوراة والإنجيل والقرآن ([41])، وهذا يُبيِّن بوضوح أنّ السومريين قد ورثوا الدين الإلهي القديم وكانوا ملتزمين بتعاليمه وأهمها النواميس المقدسة ومنفذها، ولكن لما تقادم عليهم الزمن حصل الشيء الذي يحصل دائماً وهو التحريف للدين الإلهي، واغتصاب الملك الإلهي، واضطهاد الملك المنصَّب من الله كما في حادثة إبراهيم (ع) الذي اضطر أخيراً إلى مغادرة أرض آبائه ([42]) حتى شاء الله أن يعود أبناؤه فيما بعد بعودة ابنه علي ابن أبي طالب (ع) إلى أرض سومر وأكاد أو شومر أو شنعار أو بلاد ما بين النهرين (العراق).
وهذا أحد النصوص نقله د. كريمر عن الألواح السومرية، ويُبيِّن اعتقاد السومريين بالدين الإلهي وبالتنصيب الإلهي للملك أو الحاكم:
« يا سومر يا أيها البلد العظيم بين جميع بلدان العالم، 
أنت مغمور بالنور الثابت الراسخ، 
الذي ينشر من مطلع الشمس إلى مغرب الشمس النواميس الإلهية بين جميع الناس، 
إن نواميسك المقدسة نواميس سامية لا يمكن إدراكها، 
قلبك عميق لا يسبر غوره، 
المعرفة الصحيحة تأتي بها ..... كالسماء لا يمكن أن تُمس، 
والملك الذي تلده متوج بالتاج الأبدي، 
والسيد الذي تنجبه يضع التاج على رأسه إلى الأبد. 
سيدك سيد مبجل وملكك يجلس مع الإله آن على المنصة السماوية، 
إن ملكك هو الجبل العظيم .....» [من ألواح سومر - صموئيل كريمر].
* * *






الملاحق












ملحق (1)
نواح وبكاء خلفاء الله على الحسين (ع)
تقدّم في خاتمة المرسى الرابع عرض بعض الروايات التي تتعلق بأنبياء الله آدم ونوح وإبراهيم (عليهم السلام)، وهذه جملة أُخرى منها وهي تُبيِّن نواح وبكاء خلفاء الله على الحسين (ع)، وبكاؤهم عليه كان بعد إخبار الله عز وجل لهم بما سيجري عليه في أرض كربلاء (من بلاد سومر وأكاد):
آدم (ع):
قال المجلسي: (روى صاحب الدر الثمين في تفسير قوله تعالى: "فتلقى آدم من ربه كلمات" أنه رأى ساق العرش وأسماء النبي والأئمة فلقنه جبرئيل قل: يا حميد بحق محمد، يا عالي بحق علي، يا فاطر بحق فاطمة، يا محسن بحق الحسن والحسين ومنك الإحسان. فلما ذكر الحسين سالت دموعه وانخشع قلبه، وقال: يا أخي جبرئيل في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي ؟ قال جبرئيل: ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب، فقال: يا أخي وما هي ؟ قال: يقتل عطشاناً غريباً وحيداً فريداً ليس له ناصر ولا معين، ولو تراه يا آدم وهو يقول: واعطشاه واقلة ناصراه، حتى يحول العطش بينه وبين السماء كالدخان، فلم يجبه أحد إلا بالسيوف، وشرب الحتوف، فيذبح ذبح الشاة من قفاه، وينهب رحله أعداؤه وتشهر رؤوسهم هو وأنصاره في البلدان، ومعهم النسوان، كذلك سبق في علم الواحد المنان، فبكى آدم وجبرئيل بكاء الثكلى) [بحار الأنوار: ج44 ص245].
إسماعيل بن ابراهيم (ع):
روى المجلسي: (أن إسماعيل كانت أغنامه ترعى بشط الفرات، فأخبره الراعي أنها لا تشرب الماء من هذه المشرعة منذ كذا يوماً فسأل ربه عن سبب ذلك فنزل جبرئيل وقال: يا إسماعيل سل غنمك فإنها تجيبك عن سبب ذلك ؟ فقال لها: لم لا تشربين من هذا الماء ؟ فقالت بلسان فصيح: قد بلغنا أن ولدك الحسين (ع) سبط محمد يقتل هنا عطشاناً، فنحن لا نشرب من هذه المشرعة حزناً عليه، فسألها عن قاتله، فقالت: يقتله لعين أهل السماوات والأرضين والخلائق أجمعين، فقال إسماعيل: اللهم العن قاتل الحسين (ع)) بحار الأنوار: ج44 ص243].
موسى (ع):
روى المجلسي: (أن موسى كان ذات يوم سائراً ومعه يوشع بن نون، فلما جاء إلى أرض كربلا انخرق نعله، وانقطع شراكه، ودخل الحسك في رجليه، وسال دمه، فقال: إلهي أي شيء حدث مني ؟ فأوحى إليه أن هنا يقتل الحسين (ع) وهنا يسفك دمه، فسال دمك موافقة لدمه. فقال: رب ومن يكون الحسين ؟ فقيل له: هو سبط محمد المصطفى، وابن علي المرتضى، فقال: ومن يكون قاتله ؟ فقيل: هو لعين السمك في البحار، والوحوش في القفار، والطير في الهواء، فرفع موسى يديه ولعن يزيد ودعا عليه وأمن يوشع بن نون على دعائه ومضى لشأنه) [بحار الأنوار: ج44 ص244].
سليمان (ع):
روى المجلسي: (أن سليمان كان يجلس على بساطه ويسير في الهواء، فمر ذات يوم وهو سائر في أرض كربلا فأدارت الريح بساطه ثلاث دورات حتى خاف السقوط فسكنت الريح، ونزل البساط في أرض كربلا. فقال سليمان للريح: لم سكنتي ؟ فقالت: إن هنا يقتل الحسين (ع) فقال ومن يكون الحسين ؟ فقالت: هو سبط محمد المختار، وابن علي الكرار، فقال: ومن قاتله ؟ قالت: لعين أهل السماوات والأرض يزيد، فرفع سليمان يديه ولعنه ودعا عليه وأمن على دعائه الإنس والجن، فهبت الريح وسار البساط) [بحار الأنوار: ج44 ص244]. 
إسماعيل بن حزقيال (ع):
المجلسي: (عن بريد العجلي قال: قلت لأبي عبد الله (ع): يا ابن رسول الله أخبرني عن إسماعيل الذي ذكره الله في كتابه حيث يقول: "واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً" أكان إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام فإنّ الناس يزعمون أنه إسماعيل بن إبراهيم. فقال (ع): إن إسماعيل مات قبل إبراهيم وإن إبراهيم كان حجة لله قائداً صاحب شريعة فإلى من أرسل إسماعيل إذن ؟ قلت: فمن كان جعلت فداك ؟ قال: ذاك إسماعيل بن حزقيل النبي بعثه الله إلى قومه فكذبوه وقتلوه وسلخوا وجهه فغضب الله عليهم، فوجه إليه سطاطائيل ملك العذاب فقال له: يا إسماعيل أنا سطاطائيل ملك العذاب وجهني رب العزة إليك لأعذب قومك بأنواع العذاب إن شئت، فقال له إسماعيل: لا حاجة لي في ذلك يا سطاطائيل. فأوحى الله إليه فما حاجتك يا إسماعيل ؟ فقال إسماعيل: يا رب إنك أخذت الميثاق لنفسك بالربوبية، ولمحمد بالنبوة، ولأوصيائه بالولاية، وأخبرت خلقك بما تفعل أمته بالحسين بن علي عليهما السلام من بعد نبيها، وإنك وعدت الحسين أن تكره إلى الدنيا حتى ينتقم بنفسه ممن فعل ذلك به، فحاجتي إليك يا رب أن تكرني إلى الدنيا حتى أنتقم ممن فعل ذلك بي ما فعل، كما تكر الحسين فوعد الله إسماعيل بن حزقيل ذلك، فهو يكر مع الحسين بن علي عليهما السلام) [بحار الأنوار: ج44 ص237].
زكريا (ع):
الطبرسي: (سعد بن عبد الله قال: سألت القائم (ع) عن تأويل كهيعص قال (ع): هذه الحروف من أنباء الغيب اطلع الله عليها عبده زكريا ثم قصها على محمد عليه وآله السلام، وذلك أن زكريا سأل الله ربه أن يعلمه أسماء الخمسة فأهبط عليه جبرئيل (ع) فعلمه إياها، فكان زكريا إذا ذكر محمداً وعلياً وفاطمة والحسن سرى عنه همه، وانجلى كربه، وإذا ذكر اسم الحسين خنقته العبرة، ووقعت عليه البهرة، فقال (ع) ذات يوم: إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعة منهم تسليت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي ؟ فأنبأه الله تبارك وتعالى عن قصته فقال: كهيعص، فالكاف اسم كربلا، والهاء هلاك العترة الطاهرة، والياء يزيد وهو ظالم الحسين، والعين عطشه، والصاد صبره. فلما سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام، ومنع فيهن الناس من الدخول عليه، وأقبل على البكاء والنحيب وكان يرثيه: إلهي أتفجع خير جميع خلقك بولده ؟ إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه ؟ إلهي أتلبس علياً وفاطمة ثياب هذه المصيبة ؟ إلهي أتحل كربة هذه المصيبة بساحتهما. ثم كان يقول: إلهي ارزقني ولداً تقربه عيني على الكبر، فإذا رزقتنيه فافتني بحبه، ثم أفجعني به كما تفجع محمداً حبيبك بولده، فرزقه الله يحيى وفجعه به، وكان حمل يحيى ستة أشهر، وحمل الحسين (ع) كذلك) [الاحتجاج: ج2 ص273].
عيسى (ع):
روى المجلسي: (أن عيسى كان سائحا في البراري، ومعه الحواريون، فمروا بكربلا فرأوا أسداً كاسراً قد أخذ الطريق فتقدم عيسى إلى الأسد، فقال له: لم جلست في هذا الطريق ؟ وقال: لا تدعنا نمر فيه ؟ فقال الأسد بلسان فصيح: إني لم أدع لكم الطريق حتى تلعنوا يزيد قاتل الحسين (ع)، فقال عيسى (ع): ومن يكون الحسين ؟ قال: هو سبط محمد النبي الأمي وابن علي الولي قال: ومن قاتله ؟ قال: قاتله لعين الوحوش والذباب والسباع أجمع خصوصاً أيام عاشورا، فرفع عيسى يديه ولعن يزيد ودعا عليه وأمّن الحواريون على دعائه فتنحى الأسد عن طريقهم ومضوا لشأنهم) [بحار الأنوار: ج44 ص244].
رسول الله محمد :
المجلسي: (عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله (ع) قال: سمعته يقول: بينا الحسين عند رسول الله إذ أتاه جبرئيل فقال: يا محمد أتحبه ؟ قال: نعم، قال: أما إن أمتك ستقتله فحزن رسول الله لذلك حزناً شديداً، فقال جبرئيل: أيسرك أن أريك التربة التي يقتل فيها ؟ قال: نعم، قال: فخسف جبرئيل ما بين مجلس رسول الله إلى كربلا حتى التقت القطعتان هكذا - وجمع بين السبابتين - فتناول بجناحيه من التربة فناولها رسول الله ثم دحيت الأرض أسرع من طرف العين، فقال رسول الله: طوبى لك من تربة، وطوبى لمن يقتل فيك) [بحار الأنوار: ج44 ص228].
علي (ع):
الصدوق: (عن مجاهد عن ابن عباس، قال: كنت مع أمير المؤمنين (ع) في خرجته إلى صفين فلما نزل بنينوى وهو بشط الفرات قال بأعلا صوته: يا ابن عباس أتعرف هذا الموضع ؟ قلت له: ما أعرفه يا أمير المؤمنين فقال (ع): لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي كبكائي. قال: فبكى طويلاً حتى اخضلت لحيته، وسالت الدموع على صدره، وبكينا معاً وهو يقول: أوه أوه مالي ولآل أبي سفيان ؟ مالي ولآل حرب حزب الشيطان وأولياء الكفر ؟ صبراً يا أبا عبد الله فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم. 
ثم دعا بماء فتوضأ وضوء الصلاة فصلى ما شاء الله أن يصلي ثم ذكر نحو كلامه الأول إلا أنه نعس عند انقضاء صلاته وكلامه ساعة، ثم انتبه فقال: يا ابن عباس فقلت: ها أنا ذا، فقال: ألا أحدثك بما رأيت في منامي آنفاً عند رقدتي ؟ فقلت: نامت عيناك ورأيت خيراً يا أمير المؤمنين. قال: رأيت كأني برجال قد نزلوا من السماء معهم أعلام بيض قد تقلدوا سيوفهم وهي بيض تلمع، وقد خطوا حول هذه الأرض خطة ثم رأيت كأن هذه النخيل قد ضربت بأغصانها الأرض تضطرب بدم عبيط وكأني بالحسين سخلي وفرخي ومضغتي ومخي قد غرق فيه يستغيث فيه فلا يغاث، وكأن الرجال البيض قد نزلوا من المساء ينادونه ويقولون: صبرا آل الرسول، فإنكم تقتلون على أيدي شرار الناس، وهذه الجنة يا أبا عبد الله إليك مشتاقة، ثم يعزونني ويقولون: يا أبا الحسن أبشر، فقد أقر الله به عينك يوم يقوم الناس لرب العالمين. ثم انتبهت هكذا، والذي نفس علي بيده، لقد حدثني الصادق المصدق أبو القاسم أني سأراها في خروجي إلى أهل البغي علينا، وهذه أرض كرب وبلاء، يدفن فيها الحسين (ع) وسبعة عشر رجلاً من ولدي وولد فاطمة وإنها لفي السماوات معروفة، تذكر أرض كرب وبلاء، كما تذكر بقعة الحرمين، وبقعة بيت المقدس.
ثم قال لي: يا ابن عباس اطلب في حولها بعر الظباء فوالله ما كذبت ولا كذبت وهي مصفرة لونها لون الزعفران، قال ابن عباس فطلبتها فوجدتها مجتمعة فناديته يا أمير المؤمنين قد أصبتها على الصفة التي وصفتها لي، فقال علي (ع): صدق الله ورسوله.
ثم قام (ع) يهرول إليها فحملها وشمها، وقال: هي هي بعينها، أتعلم يا ابن عباس ما هذه الأبعار ؟ هذه قد شمها عيسى بن مريم، وذلك أنه مر بها ومعه الحواريون فرأى ههنا الظباء مجتمعة وهي تبكي فجلس عيسى، وجلس الحواريون معه، فبكى وبكى الحواريون، وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى. فقالوا: يا روح الله وكلمته ما يبكيك ؟ قال: أتعلمون أي أرض هذه ؟ قالوا: لا، قال: هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول أحمد وفرخ الحرة الطاهرة البتول، شبيهة أمي، ويلحد فيها طينة أطيب من المسك لأنها طينة الفرخ المستشهد، وهكذا يكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء، فهذه الظباء تكلمني وتقول: إنها ترعى في هذه الأرض شوقاً إلى تربة الفرخ المبارك وزعمت أنها آمنة في هذه الأرض.
ثم ضرب بيده إلى هذه الصيران فشمها وقال: هذه بعر الظباء على هذه الطيب لمكان حشيشها اللهم فأبقها أبداً حتى يشمها أبوه فيكون له عزاء وسلوة قال، فبقت إلى يوم الناس هذا وقد اصفرت لطول زمنها وهذه أرض كرب وبلاء. ثم قال بأعلا صوته: يا رب عيسى بن مريم ! لا تبارك في قتلته، والمعين عليه والخاذل له.
ثم بكى بكاء طويلاً وبكينا معه حتى سقط لوجهه وغشي عليه طويلاً، ثم أفاق فأخذ البعر فصره في ردائه وأمرني أن أصرها كذلك ثم قال: يا ابن عباس إذا رأيتها تنفجر دماً عبيطاً، ويسيل منها دم عبيط، فاعلم أن أبا عبد الله قد قتل بها، ودفن.
قال ابن عباس: فوالله لقد كنت أحفظها أشد من حفظي لبعض ما افترض الله عز وجل علي وأنا لا أحلها من طرف كمي فبينما أنا نائم في البيت إذا انتبهت فإذا هي تسيل دماً عبيطاً، وكان كمي قد امتلأ دماً عبيطاً، فجلست وأنا باك وقلت قد قتل والله الحسين، والله ما كذبني علي قط في حديث حدثني ولا أخبرني بشئ قط أنه يكون إلا كان كذلك لأن رسول الله كان يخبره بأشياء لا يخبر بها غيره. ففزعت وخرجت وذلك عند الفجر فرأيت والله المدينة كأنها ضباب لا يستبين منها أثر عين ثم طلعت الشمس ورأيت كأنها منكسفة، ورأيت كأن حيطان المدينة عليها دم عبيط، فجلست وأنا باك فقلت: قد قتل والله الحسين، وسمعت صوتاً من ناحية البيت وهو يقول:
اصبروا آل الرسول * قتل الفرخ النحول 
نزل الروح الأمين * ببكاء وعويل
ثم بكى بأعلا صوته وبكيت فأثبت عندي تلك الساعة وكان شهر المحرم يوم عاشورا لعشر مضين منه، فوجدته قتل يوم ورد علينا خبره وتاريخه كذلك، فحدثت هذا الحديث أولئك الذين كانوا معه، فقالوا: والله لقد سمعنا ما سمعت ونحن في المعركة ولا ندري ما هو، فكنا نرى أنه الخضر (ع)) [الأمالي: ص694].


ملحق (2)
المنتظر الموعود من الشرق (العراق)
بلاد سومر وأكاد، (جنوب العراق، أو المشرق)، هذا ما ذكرته نصوص الأديان مكاناً ينطلق منه المنتظر الموعود بدعوته العالمية. فنصوص الألواح السومرية تمَّ بيان بعضها في هذا السفر، وتبيَّن أنها دينية بشكل واضح.
وأما نصوص اللاحقين، فقد أوضحتْ أنّ المنقذ والمخلِّص ينطلق من المشرق، وأكيد أنه العراق نسبة إلى مكان خلفاء الله كمحمد وعيسى صلوات الله عليهم أجمعين.
قال النبي (يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي يعني سلطانه) [ابن ماجة: ج2 ص1368].
وعن علي (ع) قال: (واعلموا أنكم إن اتبعتم طالع المشرق سلك بكم مناهج الرسول فتداويتم من العمى والصم والبكم وكفيتم مؤونة الطلب) [الكافي: ج8 ص66].
وفي الإنجيل: (27 لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْبَرْقَ يَخْرُجُ مِنَ الْمَشَارِقِ وَيَظْهَرُ إِلَى الْمَغَارِبِ، هكَذَا يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ) [متى - الأصحاح 24]. فعبّر عن بداية ظهوره أنه يكون من المشرق إلى المغرب، والمشرق نسبةً إلى مكان عيسى (ع) في ذلك الزمان هو العراق، والبرق الذي خرج من المشرق وظهر في المغرب هو إبراهيم، حيث خرج من جنوب العراق وظهر في الأرض المقدسة.
وأما في التوراة: (7 هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: هأَنَذَا أُخَلِّصُ شَعْبِي مِنْ أَرْضِ الْمَشْرِقِ وَمِنْ أَرْضِ مَغْرِبِ الشَّمْسِ. 8 وَآتِي بِهِمْ فَيَسْكُنُونَ فِي وَسَطِ أُورُشَلِيمَ، وَيَكُونُونَ لِي شَعْبًا، وَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلهًا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ) [سفر زكريا - الأصحاح 8]، وهو يعني أنّ المخلِّص يبتدئ أولاً من أرض المشرق. 
وعن المخلِّص، ورد في التوراة أيضاً: (10 فَهذَا الْيَوْمُ لِلسَّيِّدِ رَبِّ الْجُنُودِ يَوْمُ نَقْمَةٍ لِلانْتِقَامِ مِنْ مُبْغِضِيهِ، فَيَأْكُلُ السَّيْفُ وَيَشْبَعُ وَيَرْتَوِي مِنْ دَمِهِمْ. لأَنَّ لِلسَّيِّدِ رَبِّ الْجُنُودِ ذَبِيحَةً فِي أَرْضِ الشِّمَالِ عِنْدَ نَهْرِ الْفُرَاتِ) [سفر ارميا - الأصحاح 46].
ونهر الفرات في العراق، وأما أنّ للمخلِّص ذبيحة عنده، فقد توضح أنه الحسين (ع) المقتول في كربلاء، (دموزي) الذي ناح عليه السومريون قبل آلاف السنين في بلاد سومر وأكاد، وانتظروا ابنه (جلجامش) الموعود. 
ثم إنّ الإمام علي (ع) ذكر أول المقربين إلى الإمام المهدي، فقال: (.. ألا وأنّ أولهم من البصرة وآخرهم من الأبدال) [بشارة الإسلام: ص 148]. وليس صدفة أن نسمع الإمام الصادق (ع) يذكر اسم هذا الأوّل فيقول: (ومن البصرة .. أحمد) [بشارة الإسلام: ص181]. بل ليس غريباً إذا ما عرفنا أنّ (أحمد) أُبدل اسمه إلى (محارب) في روايات أُخرى، فهو المحارب الذي في المقدمة، وبهذا الوصف عرفه الشعب السومري في العراق قبل آلاف السنين.
لا يفوتني أيضاً أن أُشير إلى أنّ بلاد الرافدين أو ما بين النهرين، وتحديداً جنوبه، يحتضن ملتقى البحرين أو النهرين (دجلة والفرات)، في مدينة القرنة أو (الزاوية) سابقاً، وسبب تسميتها كما هو معروف يرجع إلى اقتران النهرين، كما أنّ اسم الزاوية ناشئ من أنّ ذلك الاقتران يشكل زاوية عند منطقة الالتقاء.
ولتلك الزاوية قصة، فإنها تذكّرنا بواحدة من صفات المخلِّص العالمي الموعود فهو حجر الزاوية، قال عيسى (ع) عنه: (42 .. أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي الْكُتُبِ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ؟ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا!) [إنجيل متى - الأصحاح 21].
وقال داود (ع) عنه: (22 الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ. 23 مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هذَا، وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا. 24 هذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي صَنَعُهُ الرَّبُّ، نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ فِيهِ. 25 آهِ يَا رَبُّ خَلِّصْ! آهِ يَا رَبُّ أَنْقِذْ! 26 مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ) [المزمور 118].
وبعد بيان خطأ كونه عيسى أو داود، قال السيد أحمد الحسن (ع): [..... ولكنّ الحقيقة إنّ داود (ع) وعيسى (ع) أرادوا المخلِّص الذي يأتي باسم الرب في آخر الزمان، وقد بشّر به عيسى (ع) في مواضع أُخرى في الإنجيل وسماه المعزي والعبد الحكيم وهنا سمّاه حجر الزاوية، فيكون السؤال: مَن هو الذي عُرِف أو يمكن أن يُعرف بأنه حجر الزاوية ؟ هل أنّ داود أو عيسى (عليهما السلام) عُرفوا بأنهم حجر الزاوية في بيت الرب، أو ذكروا في موضع آخر على أنهم حجر الزاوية في بيت الرب، وهل هناك حجر موضوع في زاوية بيت الرب أو الهيكل عند اليهود والنصارى يدل على داود أو عيسى (عليهما السلام) ؟ 
الحقيقة أنّ هذا غير موجود، ولكنه موجود في الأُمة الأُخرى من ولد إبراهيم (ع) وفي بيت الرب الذي بناه إبراهيم(ع) وإسماعيل (ع) ابنه، وموجود في الزاوية وبالذات الزاوية التي اسمها الركن العراقي، وكل هذه الأُمور تشير إلى أمر واحد هو المخلِّص الذي يأتي في آخر الزمان أو الذي أشار إليه داود في المزامير إنه حجر الزاوية والآتي باسم الرب .............
إذن، فالحجر أو المخلِّص الذي ينقض هيكل الباطل وحكم الطاغوت والشيطان على هذه الأرض ويكون في ملكه نشر الحق والعدل في الأرض يأتي في آخر الزمان ويأتي في العراق كما هو واضح في رؤيا دانيال، وهو الحجر الذي ينسف الصنم أو حكم الطاغوت والأنا بينما لا عيسى (ع) ولا داود (ع) أرسلوا في العراق، وفي آخر الزمان فلا يمكن أن يكون أيٌّ منهما هو حجر الزاوية المذكور، بل تبين بوضوح من كل ما تقدم أنّ حجر الزاوية في اليهودية والنصرانية هو نفسه الحجر الأسود الموضوع في زاوية بيت الله الحرام في مكة .....] [الجواب المنير: ج4 سؤال رقم 327]، ومن أراد الجواب بتمامه لاستيضاح كلِّ الحقيقة فعليه بمراجعته في المصدر المذكور.
ثم أعود الآن إلى (زاوية) ملتقى النهرين في القرنة، لأُذكّر الجميع بعلامة إلهية تحدّت قساوة السنين والدهور، وظلت شامخة رغم مرارة الظلم والجور الذي ملأ الأرض فساداً، إنها (شجرة آدم). آدم (ع) الذي كشف ما سيمرُّ به الصالحون من أبنائه (خصوصاً من يمثّلون علامات مهمة في طريق الدين مثل دموزي أو جلجامش)، تحدّث هذه المرة إلى جميع أبنائه بما فيهم من يعيش اليوم، وخاطبهم لا بقول يمكن أن تطاله يد التحريف والتزوير، بل بزراعة شجرة في تلك المنطقة المباركة، وكأنه أوتدها رايةً ومعلماً في سماء المنتظرين، لا تسقط أو تُمحى وصاحبها الموعود لم يتسلّمها بعد، عسى أن يكون ذلك منبّهاً لمنتظري ابنه جلجامش الموعود (الرجل الذي سيكون نواة لشجرة جديدة) ويترقبوا خروجه من تلك النقطة من الأرض.
فكان وعد ربي حقاً، والحمد لله رب العالمين.


ملحق (3)
حاكمية الله والتنصيب الإلهي
دين الله هو حاكمية الله، بمعنى أنّ الله سبحانه هو من يختار الحاكم ويُعيِّن الخليفة الذي يجب على الناس طاعته والأخذ منه.
وبعبارة أُخرى: أنّه سبحانه بيده أمر التشريع وكذلك تعيين المنفذ له، ولهذا كان الأنبياء جميعاً معيّنون من الله وليس للناس في ذلك دخل أبداً، وهذا مثال من العهد القديم يشير إلى ذلك، فعن موسى (ع) ورد: «14 متى أتيت إلى الأرض التي يعطيك الرب إلهك وامتلكتها وسكنت فيها فان قلت اجعل علي ملكاً كجميع الأمم الذين حولي 15 فانك تجعل عليك ملكاً الذي يختاره الرب إلهك من وسط اخوتك تجعل عليك ملكاً لا يحل لك أن تجعل عليك رجلاً أجنبياً ليس هو أخاك » [سفر التثنية - الأصحاح 17].
وبمثله صرّح القرآن الكريم: ﴿وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي﴾ [طه: 29 - 30].
وفي آيات أُخرى، قال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [ آل عمران: 26]، وقال: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَة﴾ [البقرة: 30]. 
كان هذا منذ اليوم الأول على هذه الأرض، ولذا رأينا أنّ الألواح والرقم الطينية تؤكد هذه الحقيقة التي كان يعتقد بها أصحاب أول حضارة عرفتها الانسانية (السومريون).
وعن القانون الذي به يُعرَف خلفاء الله كلهم، قال السيد أحمد الحسن (ع):
(.. مقتضى الحكمة الإلهية هو وضع قانون لمعرفة خليفة الله في أرضه في كل زمان، ولابد أن يكون هذا القانون وضع منذ اليوم الأول الذي جعل فيه الله سبحانه خليفة له في أرضه، فلا يمكن أن يكون هذا القانون طارئاً في إحدى رسالات السماء المتأخرة عن اليوم الأول؛ لوجود مكلفين منذ اليوم الأول، ولا أقل أن القدر المتيقن للجميع هو وجود إبليس كمكلف منذ اليوم الأول، والمكلف يحتاج هذا القانون لمعرفة صاحب الحق الإلهي، وإلا فإنه سيعتذر عن إتباع صاحب الحق الإلهي بأنه لم يكن يستطيع التمييز، ولا يوجد لديه قانون الهي لمعرفة هذا الخليفة المنصب من قبل الله سبحانه وتعالى. والقدر المتيقن للجميع حول تاريخ اليوم الأول الذي جعل فيه الله خليفة له في أرضه هو: 
1/ إن الله نص على آدم وإنه خليفته في أرضه بمحضر الملائكة وإبليس. 
2/ بعد أن خلق الله آدم (ع) علَّمه الأسماء كلها. 
3/ ثم أمر الله من كان يعبده في ذلك الوقت الملائكة وإبليس بالسجود لآدم ..) ثم ذكر الآيات من سورة البقرة (آية 30 فما بعد) وهي توضح ذلك. انظر: [اضاءات في دعوات المرسلين/ الجزء الثالث - السيد أحمد الحسن].
وكمثال للنصوص المعرِّفة بخلفاء الله لدى أتباع الأديان نجد وصايا الأنبياء لمن يخلفهم أو يأتي بعدهم، وهذه الوصايا يمكننا قراءتها في الكتب السماوية بكل وضوح، هذا مثال منها:
« وقال الرب لموسى هوذا أيامك قد قربت لكي تموت. أدع يشوع وقفا في خيمة الاجتماع لكي أوصيه. فانطلق موسى ويشوع ووقفا في خيمة الاجتماع 15 فتراءى الرب في الخيمة في عمود سحاب ووقف عمود السحاب على باب الخيمة » [التثنية - الأصحاح الواحد والثلاثين].
قال تعالى: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [البقرة: 132]، وهو ما فعله عيسى (ع) أيضاً لما وصّى بمحمد ،: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ [الصف: 6].
وفيما يتعلّق بالنص على جلجامش (بطل ملاحم سومر وأكاد)، فإننا سمعنا نصّاً في الملحمة أنه من بين الصالحين الأربعة والعشرين:
« لم يستطع أحد من قبل أن يفعل ذلك يا جلجامش
لم يعبر أحد من البشر مسالك الجبال 
حيث يعم الظلام الحالك في داخلها مسافة اثنتي عشرة ساعة مضاعفة ولا يوجد نور 
...............
مر يا جلجامش ولا تخف،
فقد أذنت لك أن تعبر جبال "ماشو"، .......
وها هو باب الجبل مفتوح أمامك » [ملحمة جلجامش - طه باقر: ص76].
وقد تقدم بيان أنّ هؤلاء الساعات (الأربعة والعشرين) هم سادة خلفاء الله في أرضه، وأذِن الله سبحانه للمنتظر الموعود (جلجامش) أن يكون واحداً منهم.
وعن هؤلاء الأربعة والعشرين خليفة، نقرأ في الإنجيل:
«1 بَعْدَ هذَا نَظَرْتُ وَإِذَا بَابٌ مَفْتُوحٌ فِي السَّمَاءِ، وَالصَّوْتُ الأَوَّلُ الَّذِي سَمِعْتُهُ كَبُوق يَتَكَلَّمُ مَعِي قَائِلاً: اصْعَدْ إِلَى هُنَا فَأُرِيَكَ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَصِيرَ بَعْدَ هذَا. 2 وَلِلْوَقْتِ صِرْتُ فِي الرُّوحِ، وَإِذَا عَرْشٌ مَوْضُوعٌ فِي السَّمَاءِ، وَعَلَى الْعَرْشِ جَالِسٌ. 3 وَكَانَ الْجَالِسُ فِي الْمَنْظَرِ شِبْهَ حَجَرِ الْيَشْبِ وَالْعَقِيقِ، وَقَوْسُ قُزَحَ حَوْلَ الْعَرْشِ فِي الْمَنْظَرِ شِبْهُ الزُّمُرُّدِ. 4 وَحَوْلَ الْعَرْشِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ عَرْشًا. وَرَأَيْتُ عَلَى الْعُرُوشِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ شَيْخًا جَالِسِينَ مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ أَكَالِيلُ مِنْ ذَهَبٍ. 5 وَمِنَ الْعَرْشِ يَخْرُجُ بُرُوقٌ وَرُعُودٌ وَأَصْوَاتٌ» [رؤيا يوحنا - الأصحاح 4].
وهم من حددهم رسول الله محمد في وصيته المقدسة عند وفاته:
قال رسول الله لعلي (ع): (يا أبا الحسن، أحضر صحيفة ودواة. فأملا رسول الله وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع، فقال: يا علي، إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً ومن بعدهم إثنا عشر مهدياً ... إلى أن يقول: فإذا حضرته (أي الإمام الحادي عشر) الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد "وهو الإمام المهدي". فذلك اثنا عشر إماماً، ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المقربين "أول المهديين" له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، وهو أول المؤمنين) [غيبة الطوسي: ص150].
وبهذا يظهر أنّ ذكر الأربعة والعشرين (ساعة، شيخاً، إماماً) موجود في النصوص الدينية جميعاً، وكان جلجامش الموعود منهم، المحارب الذي في المقدمة، المخلص والمنقذ والسيد الحكيم، المهدي المنتظر.
فهو إذن شخصية واحدة أُممية، تكفّل الأنبياء الكرام تعريف أقوامهم به وبغيره من الخلفاء الإلهيين ممّن هم علامات مهمة في طريق الدين الإلهي، وكان ذلك منذ الأيام الأُولى للبشرية على هذه الأرض، والحمد لله رب العالمين.
* * *






ملحق رقم (4)
قصة يوسف (ع) عبرة في زمن الظهور المقدس
هذا نصُّ ما ذكره السيد أحمد الحسن (ع) في خاتمة كتاب الاضاءات:
[سورة يوسف تفتتح بـ: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ يوسف: 3. وتختتم بـ: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ يوسف: 111.
وبيّنتُ فيما مضى من الاضاءات أنّ قصة يوسف (ع) مدارها الرؤيا، فيوسف النبي يرى رؤيا، والسجين يرى رؤيا، وفرعون يرى رؤيا، وكلها رؤى من الله بغض النظر أن من رآها نبي أو كافر، والله سبحانه وتعالى عبَّر عن هذه الرؤى التي قصها في سورة يوسف (ع) - والتي كانت مدار قصة يوسف (ع) وتمكينه من ملك مصر - بأنها ﴿أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾. 
والآن، لنبحث في آخر آية من سورة يوسف لنعرف ماذا أراد الله من هذه القصة وهذه الرؤى التي قصها على النبي محمد ، وبالتالي على من يؤمن بهذا النبي الكريم وما جاء به ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾. إذن، في هذه القصة منفعة، بل ومنفعة كبرى معتبرة، فالمفروض أن الإنسان يعتبر بغيره إذا وقع في حفرة فيجتنب طريقه وسلوكه لئلّا يقع في نفس الحفرة، هذا هو المفروض. 
أما الواقع فإن المعتبرين الذين تنفعهم قصة يوسف (ع) هم ﴿أُولِي الْأَلْبَابِ﴾، ولب الإنسان قلبه وباطنه، فأصحاب القلوب النيرة بنور الله، والطاهرة بقدس الله، هم المنتفعون من قص هذه الرؤى، وهذه المسيرة النبوية الكريمة. أما أصحاب البواطن السوداء المظلمة فهم ليسوا من أولي الألباب؛ لأن قلوبهم خاوية، فالظلمة عدم، ولا شيء في بواطنهم ليقال عنه لب.
فالمفروض أن تكون قصة يوسف (ع) عبرة لكل إنسان، ولكن الواقع أنها لن تكون عبرة إلا لمن يؤمنون بملكوت السماوات، وبالتالي يصدقون كلام الله الآتي في المستقبل، ولا يقولون عنه إنه من الشيطان. يصدقون كلام الله الذي سيأتي مع يوسف آل محمد ، الذي سيأتي في المستقبل بين يدي محمد : ﴿مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾.
فليست قصة يوسف (ع) ولا الرؤى التي رآها يوسف (ع) والسجين وفرعون، حديثاً يفترى من الشيطان، بل هي من الله، فلتكن لكم بها عبرة ومنفعة لئّلا تعثروا وتقعوا في الحفرة عندما يأتي يوسف آل محمد ، فلم تكن هذه القصة التي سماها الله بأحسن القصص إلا ﴿تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾، أي تصديق الذي سيأتي بين يدي محمد ، أي في المستقبل بعد محمد ، وهو يوسف آل محمد.
ولم يكن في هذه الرؤى والقصة تفصيل بعض الأمور التي تخص يوسف آل محمد، بل إن فيها ﴿تَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ﴾، وبالتالي فإن هذه القصة ستكون ﴿لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ ﴿ولِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾، لا لمن سواهم في زمن ظهور يوسف آل محمد القائم المهدي ﴿هُدىً وَرَحْمَةً﴾.
فهؤلاء سيرون بنور الله أن زليخا (امرأة العزيز) هي الدنيا والملك الدنيوي ستقبل على آل محمد وعلى يوسف آل محمد، ولكنه لا يرضاها إلا بالطريق والسبيل الذي يريده الله، وهو التنصيب الإلهي وحاكمية الله. وسيكون رفض يوسف آل محمد للزنا والطريق غير المشروع عند الله (حاكمية الناس) سبباً لعنائه في بادئ الأمر، كما كان رفض يوسف (ع) للزنا سبباً لسجنه. 
قال أمير المؤمنين علي (ع): (لتعطفن علينا الدنيا بعد شماسها عطف الظروس على ولدها، ثم تلا هذه الآية: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ القصص: 5) بحار الأنوار: ج51 ص64.
وهكذا سيجد أولوا الألباب في قصة يوسف (ع) تفصيل كل شيء عن يوسف آل محمد، وبهذا أترك ﴿لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ و﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ أن يستضيئوا من قصة يوسف وما فيها بقراءتها وتدبرها، ومن الله التوفيق.
﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾] [إضاءات من دعوت المرسلين: ج3 ق2].

خاتمة ..
عن جابر الجعفي، عن الإمام الباقر (ع) وهو يذكر قول ابنه القائم الموعود (ع): 
(يا أيها الناس، إنا نستنصر الله فمن أجابنا من الناس فإنا أهل بيت نبيكم محمد ، ونحن أولى الناس بالله وبمحمد ، فمن حاجني في آدم فأنا أولى الناس بآدم، ومن حاجني في نوح فأنا أولى الناس بنوح، ومن حاجني في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم، ومن حاجني في محمد فأنا أولى الناس بمحمد ، ومن حاجني في النبيين فأنا أولى الناس بالنبيين، أليس الله يقول في محكم كتابه: "إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم" ؟ فأنا بقية من آدم، وذخيرة من نوح، ومصطفى من إبراهيم، وصفوة من محمد صلى الله عليهم أجمعين.
ألا فمن حاجني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله، ألا ومن حاجني في سنة رسول الله فأنا أولى الناس بسنة رسول الله، فأنشد الله من سمع كلامي اليوم لما أبلغ الشاهد منكم الغائب، وأسألكم بحق الله وبحق رسوله وبحقي، فإن لي عليكم حق القربى من رسول الله إلا أعنتمونا ومنعتمونا ممن يظلمنا فقد أخفنا وظلمنا وطردنا من ديارنا وأبنائنا وبغي علينا ودفعنا عن حقنا وافترى أهل الباطل علينا، فالله الله فينا لا تخذلونا وانصرونا ينصركم الله تعالى) [الغيبة للنعماني: ص289].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الآئمة والمهديين وسلم تسليماً.






الفهرس

تقديم
مراسي مختارة في موانئ سومر واكاد
المرسى الأول: ملاحم سومر واكاد والدين الإلهي
المرسى الثاني: دين سومر واكاد والأديان الثلاثة، الإسلام، المسيحية، اليهودية
المرسى الثالث: هل هي قصة نبي الله أيوب يرويها السومريون قبل أن تحدث ؟!
المرسى الرابع: بلاد سومر واكاد بكت دموزي والآن تبكي الحسين (ع) ؟!
المرسى الخامس: جلجامش ابن ننسونا الأم الباكية على دموزي !
المرسى السادس: جلجامش شخصية دينية
المرسى السابع: جلجامش ويوسف (ع)
المرسى الثامن: هناك من يسقط أو يتعثر في رحلة الخلود
المرسى التاسع: رحلة جلجامش إلى جده نوح (ع)
المرسى العاشر: السومريون وحاكمية الله
ملحق (1) نواح وبكاء خلفاء الله على الحسين (ع)
ملحق (2) المنتظر الموعود من الشرق (العراق)
ملحق (3) حاكمية الله والتنصيب الإلهي
ملحق (4) قصة يوسف (ع) عبرة في زمن الظهور المقدس
خاتمة
الفهرس
والحمد لله رب العالمين 




[1]. أما ارتباط نوح وحفيده إبراهيم (عليهما السلام) ببلاد ما بين النهرين آثارياً وتاريخياً فواضح، وهو ما انتهى إليه عالم الآثار الشهير (سير ليونارد وولي) وغيره في تنقيبه عن مخلفات الطوفان في (أور) إحدى مدن السومريين الرئيسية، يقول عالم الآثار الألماني وورنر كلير: (وهكذا التقت واتحدت أسطورة جلجامش مع قصة طوفان نوح في بئر محفور في سهل وادي الرافدين) الإنجيل كتاريخ، إثبات كتاب الكتب، نيويورك: ويليام مورو، 1964، الصفحات 25-29 .
وأما دينياً، فهذه بعض النصوص التي تؤكد ذلك: 
عن المفضل بن عمر، قال: (كنت عند أبي عبد الله (ع) بالكوفة أيام قدم على أبي العباس فلما انتهينا إلى الكناسة .. قال: انزل فإن هذا الموضع كان مسجد الكوفة الأول الذي خطه آدم (ع) وأنا أكره أن أدخله راكباً. قال: قلت: فمن غيّره عن خطته ؟ قال: أما أوّل ذلك الطوفان في زمن نوح (ع) .. فقلت: وكانت الكوفة ومسجدها في زمن نوح (ع) ؟ فقال لي: نعم يا مفضل، وكان منزل نوح وقومه في قرية على منزل من الفرات مما يلي غربي الكوفة .. يا مفضل ههنا نصبت أصنام قوم نوح (ع) "يغوث ويعوق ونسراً" .. ثم إنّ الله تبارك وتعالى أرسل عليهم المطر يفيض فيضاً وفاض الفرات فيضاً والعيون كلهن فيضاً فغرقهم الله عز ذكره وأنجى نوحاً ومن معه في السفينة ..) الكافي: ج8 ص281. 
وعن ابن مسكان، قال: قال أبو عبد الله (ع): (إنّ آزر أبا إبراهيم كان منجماً لنمرود بن كنعان، فقال له: إني أرى في حساب النجوم أن هذا الزمان يحدث رجلاً فينسخ هذا الدين ويدعو إلى دين آخر، فقال له نمرود: في أي بلاد يكون ؟ قال: في هذه البلاد، وكان منزل نمرود بكوثى ربى ..) بحار الأنوار: ج12 ص29. 
وهي قرية في العراق، انظر: معجم البلدان - ياقوت الحموي: ج4 ص487.
[2]. روى ابن الأثير حديث علي (ع): (قال له رجل: أخبرني يا أمير المؤمنين عن أصلكم معاشر قريش، فقال: "نحن من كوثى" أراد كوثى العراق وهي سرة السواد وبها ولد إبراهيم الخليل) النهاية في غريب الحديث والأثر: ج4 ص208.
[3]. إنّ إطلاق الأوصاف المذكورة في نص الملحمة على الدنيا كالغدر والمكر والخداع وما شابه، لهو أمر واضح في النصوص الدينية، وهذا مثال منها:
قال تعالى: (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت: 64].
ووصفها أمير المؤمنين علي (ع) فقال: (يا دنيا إليك عني، أبي تعرضت أم إليّ تشوقت، لا حان حينك، هيهات غرّي غيري. لا حاجة لي فيك. قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها. فعيشك قصير، وخطرك يسير، وأملك حقير) نهج البلاغة: خطبة 77.
وقال الامام الصادق (ع): (كان عيسى بن مريم (ع) يقول لأصحابه: يا بني آدم اهربوا من الدنيا إلى الله، وأخرجوا قلوبكم عنها، فإنكم لا تصلحون لها ولا تصلح لكم، ولا تبقون لها ولا تبقى لكم، هي الخداعة الفجاعة، المغرور من اغتر بها، المفتون من اطمأن إليها، الهالك من أحبها وأرادها، فتوبوا إلى الله بارئكم واتقوا ربكم ..) بحار الأنوار: ج70 ص120.
وبطيبيعة الحال، أنّ داراً هذه حالها يفرُّ منها أولياء الله، ويرفضون الزواج منها (بمعنى ارتباطهم بها)، ولما كانوا يعلمون أنّ الحياة الأبدية والخلود يكون في دار أُخرى كانت قلوبهم متعلقة بتلك الدار، وهو ما كان يفعله جلجامش.
[4]. وبكل تأكيد أنّ انتشار تلك العبادات بينهم كان سببها أنبياء الله الذين ينحدرون منهم، وهذه بعض النصوص التي توضح بعض تعاليم نوح وإبراهيم (عليهما السلام) مما كان يفعله السومريون: عن كثير النواء، عن أبي عبد الله (ع) قال: (إنّ نوحاً (ع) ركب السفينة أول يوم من رجب فأمر من كان معه أن يصوموا ذلك اليوم) الخصال للصدوق: ص503.
عن إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر (ع) قال: (كانت شريعة نوح (ع) أن يعبد الله بالتوحيد والإخلاص وخلع الأنداد وهي الفطرة التي فطر الناس عليها، وأخذ ميثاقه على نوح (ع) والنبيين أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً، وأمره بالصلاة والأمر والنهي والحرام والحلال، ولم يفرض عليه أحكام حدود ولا فرض مواريث، فهذه شريعته ..) الكافي: ج8 ص282.
عن جابر الأنصاري، قال: (سمعت رسول الله يقول: ما اتخذ الله إبراهيم خليلاً إلا لإطعامه الطعام، وصلاته بالليل والناس نيام) علل الشرائع للصدوق: ج1 ص35.
[5]. هذه بعض أقوال كبار الوهابيين المجسمة: 
قال ابن باز: (.. والصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة أن الله سبحانه في السماء فوق العرش فوق جميع خلقه ..) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة / ج6. وقال ابن عثيمين: (السائل يسأل: أين الله ؟ .......... الشيخ: الحقيقة حول هذا الموضوع أنه يجب على المؤمن أن يعتقد أن الله تعالى في السماء) فتاوى نور على الدرب. 
وأفتت لجنتهم الدائمة: (الواجب إثبات ما أثبته الله لنفسه من اليدين والقدمين والأصابع وغيرها من الصفات الواردة في الكتاب والسنة على الوجه اللائق بالله سبحانه، من غير تحريف ولا تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل وهي حقيقة لا مجاز.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 
بكر أبو زيد.. عبد العزيز آل الشيخ.. صالح الفوزان.. عبد الله بن غديان.. عبد العزيز بن عبد الله بن باز) فتاوى اللجنة الدائمة: 2 / 376.
قال ابن باز: (الله سبحانه موصوف بأن له عينين، وأنه ليس بأعور خلافاً للدجال فإنه أعور العين اليمنى) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة / المجلد الثامن والعشرون.
وقال ابن عثيمين: (مذهب أهل السنة والجماعة: أن لله عينين اثنتين، ينظر بهما حقيقة على الوجه اللائق به، وهما من الصفات الذاتية) مجموع فتاوى ابن عثيمين: 4 / 58.
[6]. يعتقد أغلب مؤرخي الحضارات الإنسانية أنّ الكتابة والتدوين ابتدأ بحدود 3500 سنة (ق.م) تقريباً. وعليه، فمثل قصة الطوفان أو دموزي أو جلجامش كانت تتناقل بين السومريين والأكاديين شفاهة.
[7]. بكل تأكيد أنّ هذه العقيدة وما سبقها وغيرها، كان السومريون قد تعلموها من أنبياء الله الكرام عليهم السلام، وإن كان قد ظهر منهم مفكرون ومعلمون بعد الطوفان فهم بالنتيجة خلطوا ما ورثوه من الأنبياء بآرائهم:
يقول د. صموئيل كريمر في كتابه "السومريون": (ولدينا من الأسباب المعقولة، ما يحملنا على الاستنتاج أنه ظهر في غضون الألف الثالث ق. م طائفة من المفكرين والمعلمين السومريين، حاولوا أن يصلوا الى إجابات مرضية عن المسائل التي أثارتها تأملاتهم في الكون وأصل الأشياء فكوّنوا آراء وعقائد في أصل الكون والإلهيات، اتسمت بقدر عظيم من الإقناع العقلي، وأصبحت آراؤهم ومعتقداتهم فيما بعد عقائد ومبادئ أساسية لكثير من شعوب الشرق الأدنى القديم).
[8]. استمعنا للنص السومري وهو يصور ألم أيوب (ع)، ثم كيف استجاب الله له ورفع عنه المرض والألم، والآن نرى بعض النصوص الدينية التي تبين لنا بعض حال أيوب (ع):
قال تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [الأنبياء: 83]، وقال: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ) [ص: 41]. 
عن داود بن سرحان، عن أبي عبد الله (ع) قال: (قال الله جل جلاله: إن عبدي أيوب ما أنعم عليه بنعمة إلا ازداد شكراً، فقال الشيطان لو نصبت عليه البلاء فابتليته كيف صبره ؟ فسلّطه على إبله ورقيقه فلم يترك له شيئاً .. فقال أيوب: الحمد لله الذي أعطى والحمد لله الذي أخذ، وكذلك ببقره وغنمه ومزارعه وأرضه وأهله وولده حتى مرض مرضاً شديداً فأتاه أصحاب له فقالوا: يا أيوب ما كان أحد من الناس في أنفسنا ولا خير علانية خيراً عندنا منك، فلعل هذا الشئ كنت أسررته فيما بينك وبين ربك لم تطلع عليه أحداً فابتلاك الله من أجله ؟ فجزع جزعاً شديداً ودعا ربه فشفاه الله تعالى ورد عليه ما كان له من قليل أو كثير في الدنيا ..) بحار الأنوار: ج12 ص351.
[9]. بعد أن عرفنا أنّ (عشتار = أنانا) هي الدنيا، لا نتفاجئ الآن من وصفها بالطاهرة، والذي هو بكل تأكيد وصف يطلقه أهلها وعبّادها عليها، كالعلماء غير العاملين الذين يحرِّفون الحق والحقيقة، ولذا فإنّ حقيقتهم أنهم أموات ولا نصيب لهم من حياة القلوب التي يدعوا لها خلفاء الله ولا حظَّ لهم من طعام السماء وموائدها.
[10]. ولأجل تأكيد القرب بين ما موجود في النصوص السومرية المبيِّنة لمأساة دموزي وأُخته وبين ما جرى فعلاً على الحسين وأُخته زينب (عليهما السلام)، ستكون هناك مقارنة مختصرة بين بعض فقرات النص السومري وما ذكرته الروايات.
[11]. إطلاق وصف الراعي على (دموزي) باعتباره ملكاً إلهياً (أي خليفة من خلفاء الله في أرضه)، ولذا يقول عيسى (ع): (14 أنا الراعي الصالح أعرف خرافي وخرافي تعرفني) الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية: ص322.
عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: (قال أمير المؤمنين (ع): أنا الراعي؛ راعي الأنام، أفترى الراعي لا يعرف غنمه، قال: فقام إليه جويرية قال: يا أمير المؤمنين فمن غنمك ؟ قال: صفر الوجوه ذبل الشفاه من ذكر الله) فضائل الشيعة للصدوق: ص25.
[12]. روى الصدوق قول الامام الحسن (ع) لأخيه الحسين (ع): (إن الذي يؤتى إليّ سم يدس إليّ فاقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل، يدعون أنهم من أمة جدنا محمد ، وينتحلون دين الاسلام، فيجتمعون على قتلك، وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب ثقلك، فعندها تحل ببني أمية اللعنة، وتمطر السماء رماداً ودماً، ويبكي عليك كل شيء حتى الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحار) الأمالي: ص178. 
[13]. عن أبي بصير قال: (كنت عند أبي عبد الله (ع) وأحدثه فدخل عليه ابنه فقال له: مرحباً وضمّه وقبّله وقال: حقّر الله من حقركم، وانتقم ممن وتركم، وخذل الله من خذلكم، ولعن الله من قتلكم، وكان الله لكم ولياً وحافظاً وناصراً، فقد طال بكاء النساء وبكاء الأنبياء والصديقين، والشهداء، وملائكة السماء. ثم بكى وقال: يا أبا بصير إذا نظرت إلى ولد الحسين أتاني ما لا أملكه بما أتى إلى أبيهم وإليهم، يا أبا بصير إن فاطمة لتبكيه وتشهق ..) بحار الأنوار: ج45 ص208.
[14]. قال الامام علي بن الحسين (ع) لعمته زينب عليها السلام بعد خطبتها لأهل الكوفة: (يا عمة اسكتي ففي الباقي من الماضي اعتبار، وأنت بحمد الله عالمة غير معلمة، فهمة غير مفهمة ..) الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص31. 
[15]. عن الامام الصادق (ع) أنه قال: (إن زين العابدين (ع) بكى على أبيه أربعين سنة صائماً نهاره قائماً ليله، فإذا حضر الافطار جاءه غلامه بطعامه وشرابه، فيضعه بين يديه فيقول: كُل يا مولاي، فيقول: قتل ابن رسول الله جائعاً، قتل ابن رسول الله عطشاناً، فلا يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبل طعامه من دموعه ثم يمزج شرابه بدموعه، فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عز وجل) بحار الأنوار: 45 ص149.
[16]. يقول أبو مخنف بعد مقتل أنصار الحسين (ع): (وقف الحسين على أصحابه، وأخذ يدعوهم بأسمائهم واحداً واحداً، يا مسلم بن عقيل، ويا هاني بن عروة، ويا حبيب بن مظاهر، ويا زهير بن القين، يا فلان ويا فلان، يا ابطال الصفا ويا ليوث الهيجاء، ما لي أناديكم فلا تجيبون وأدعوكم فلا تسمعون، أنتم نيام أرجوكم تنتبهون أم حالت مودتكم عن أمامكم فلا تسمعون، هذه نساء الرسول لفقدكم قد علاهن النحول ولكن صرعكم والله ريب المنون وغدر بكم الدهر الخؤون) مقتل الحسين: ص133.
[17]. تقدم قول الامام الحسن (ع): (لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل، .. فيجتمعون على قتلك، وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب ثقلك، فعندها تحل ببني أمية اللعنة، وتمطر السماء رماداً ودماً ..). 
[18]. قال الشيخ المفيد عن الحسين (ع): (دعا ابنه عبد الله (الرضيع) قالوا: فجعل يقبله وهو يقول: ويل لهؤلاء القوم إذا كان جدك محمد المصطفى خصمهم، والصبي في حجره، إذ رماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فذبحه في حجر الحسين، فتلقى الحسين دمه حتى امتلأت كفه، ثم رمى به إلى السماء) بحار الأنوار: ج45 ص46.
[19]. هذا مقطع يصور فيه الامام المهدي (ع) حال عمّته زينب عليها السلام وأخواتها بعد مصرع الحسين (ع): (.. فلما رأين النساء جوادك مخزياً وأبصرن سرجك ملوياً، برزن من الخدور للشعور ناشرات، وللخدود لاطمات، وللوجوه سافرات، وبالعويل داعيات، وبعد العز مذللات، وإلى مصرعك مبادرات) بحار الأنوار: ج98 ص241.
[20]. يصوّر لنا الامام المهدي (ع) حال أطفال الحسين (ع) وعياله فيقول: (.. وسُبي أهلك كالعبيد، وصفدوا في الحديد، فوق أقتاب المطيات، تلفح وجوههم حرور الهاجرات، يساقون في الفلوات، أيديهم مغلولة إلى الأعناق، يطاف بهم في الأسواق) بحار الأنوار: ج98 ص241.
[21]. هذا كان نداء زينب عليها السلام بعد مقتل أخيها الحسين (ع): (يا محمداه بناتك سبايا، وذريتك مقتلة، تسفي عليهم ريح الصبا، وهذا حسين مجزوز الرأس من القفا، مسلوب العمامة والرداء، بأبي من عسكره في يوم الاثنين نهبا، بأبي من فسطاطه مقطع العرى، بأبي من لا هو غائب فيرتجى، ولا جريح فيداوى، بأبي من نفسي له الفداء، بأبي المهموم حتى قضى، بأبي العطشان حتى مضى، بأبي من شيبته تقطر بالدماء ..) بحار الأنوار: ج45 ص59.
[22]. هذا مقطع يصور فيه الامام المهدي (ع) حال جده الحسين (ع) يوم عاشوراء: (.. وقد عجبت من صبرك ملائكة السماوات، وأحدقوا بك من كل الجهات، وأثخنوك بالجراح وحالوا بينك وبين ماء الفرات، ولم يبق لك ناصر، وأنت محتسب صابر، تذب عن نسوانك وأولادك. فهويت إلى الأرض طريحاً، ظمآن جريحاً، تطؤك الخيول بحوافرها، وتعلوك الطغاة ببواترها، قد رشح للموت جبينك، واختلفت بالانبساط والانقباض شمالك ويمينك، تدير طرفاً منكسراً إلى رحلك، وقد شغلت بنفسك عن ولدك وأهلك، وأسرع فرسك شارداً، وإلى خيامك قاصداً، محمحماً باكياً. فلما رأين النساء جوادك مخزياً، وأبصرن سرجك ملوياً، برزن من الخدور للشعور ناشرات، وللخدود لاطمات، وللوجوه سافرات، وبالعويل داعيات، وبعد العز مذللات، وإلى مصرعك مبادرات، وشمر جالس على صدرك، مولغ سيفه في نحرك، قابض شيبتك بيده، ذابح لك بمهنده، وقد سكنت حواسك، وخمدت أنفاسك، وورد على القناة رأسك، وسبي أهلك كالعبيد، وصفدوا في الحديد فوق أقتاب المطيات، تلفح وجوههم حرور الهاجرات، يساقون في الفلوات، أيديهم مغلولة إلى الأعناق، يطاف بهم في الأسواق ..) بحار الأنوار: ج98 ص241.
[23]. وللمزيد انظر: ملحق رقم (1).
[24]. واضح في نصوص الأديان، والآن أُضيف لها نصوص الألواح السومرية، أنّ أمر المنقذ والمخلص العالمي الموعود أمره يرتبط بالشرق وبالعراق تحديداً، انظر: ملحق رقم (2).
[25]. إنّ هذه الأُم المقدّسة في النصوص السومرية ذكرت في نصوص الأديان اللاحقة، وهي ترتبط بالمنقذ المنتظر أيضاً:
جلجامش المنتظر (ابن ننسونا، الأُم الباكية على دموزي)، المحارب العتيد والراعي الموعود، لدى السومريين. 
المخلص المنتظر (ابن المرأة المتسربلة بالشمس والقمر)، العتيد والراعي الموعود لجميع الأُمم بعصا من حديد لدى المسيحيين:
«1 وظهرت آية عظيمة في السماء امرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكباً. 2 وهي حبلى تصرخ متمخضة ومتوجعة لتلد ... 5 فولدت ابناً ذكراً عتيداً أن يرعى جميع الأمم بعصا من حديد ... 11 وهم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتى الموت 12 من أجل هذا افرحي أيتها السماوات والساكنون فيها ويل لساكني الأرض والبحر لأن إبليس نزل إليكم وبه غضب عظيم عالماً أن له زماناً قليلاً 13 ولما رأى التنين أنه طرح إلى الارض اضطهد المرأة التي ولدت الابن الذكر ... 17 فغضب التنين على المرأة وذهب ليصنع حرباً مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله ...» رؤيا يوحنا- الأصحاح 12.
وإذا كان لدى جلجامش ذبيح ينوح عليه السومريون (أي دموزي)، فسنرى لدى المخلص بنظر المسيحيين خروف مذبوح يطلب بدمه، بل يعرف المؤمنون بالتوراة حتى مكانه (لأَنَّ لِلسَّيِّدِ رَبِّ الْجُنُودِ ذَبِيحَةً فِي أَرْضِ الشِّمَالِ عِنْدَ نَهْرِ الْفُرَاتِ) سفر أرميا اصحاح: 46. كما أنّ عشتار (الدنيا) وأهلها الذين آذوا منتظر السومريين لرفضه السجود لها، يقابله التنين (الشر الذي يرمز للدنيا وأهلها) الذي يؤذي منتظر المسيحيين لذات السبب.
وإذ توضح في (المرسى الرابع) مَنْ يكون (دموزي) الذي ناح عليه السومريون قبل آلاف السنين، وعرفنا أيضاً أنّ فاطمة عليها السلام بكت ابنها الذبيح العطشان، نعرف أنّ المنتظر الموعود هو (المهدي) من ولدها. لذا كانت إحدى معالم التعريف به لدى المسلمين: أنه (ابن فاطمة)؛ وسببه بات واضحاً الآن، فإنّ ذلك مُبيَّن من قبل الأنبياء لأقوامهم منذ القرون الأولى، ولذا ورد: (هي الصديقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الأُولى) مجمع النورين: ص34. وعن ابنها المهدي قال رسول الله : (المهدي من عترتي من ولد فاطمة) غيبة الطوسي: ص188، سنن ابن ماجة: ج2 ص1368. وسببه ليس فقط بيان نسبه الشريف للمسلمين، بل لتأكيد أنه تعريف إلهي، به عرفته البشرية منذ أيامها الأُولى، وأنّ المنتظر الموعود واحد ووصفه واحد.
أما كيف تكون فاطمة عليها السلام هي نفسها المرأة المتسربلة، فيمكن مراجعة [كتاب الحواري الثالث عشر - السيد أحمد الحسن: ص18، تعليق علاء السالم].
[26]. كما رأينا ذلك في النص السومري الذي بيَّن حال أيوب النبي (ع) قبل مجيئه بوقت طويل، انظر: المرسى الثالث المتقدم.
[27]. ولأجل تأكيد الربط بين موعود السومريين (جلجامش) وبين موعود المسلمين (المهدي المنتظر) ورد:
وهب بن جميع عن أبي عبد الله (ع) قال: (سألته عن إبليس وقوله: "رب فأنظرني إلى يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم" أي يوم هو ؟ قال: يا وهب أتحسب أنه يوم يبعث الله الناس ؟ لا، ولكن الله عز وجل أنظره إلى يوم يبعث الله قائمنا فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه فذلك اليوم هو الوقت المعلوم) بحار الأنوار: ج60 ص221.
[28]. ونظير هذا المثل الإسلامي، مثل يتعلق بالمسيحيين، إذ تم إسقاط اسم (يهوذا) المذكور في إنجيل يهوذا الذي تم اكتشافه أخيراً في مصر على يهوذا الاسخريوطي الخائن، في حين كان يكفيهم الوصف الذي ذكر له في اعتباره شخصية أُخرى. ولمعرفة مَنْ يكون يمكن قراءة كتاب (الحواري الثالث عشر) للسيد أحمد الحسن، أحد إصدارات أنصار الامام المهدي (ع).
[29]. وعن الحسين (ع) عن أبيه عن رسول الله وهو يذكر المهدي (ع): (.. وله كنوز لا ذهب ولا فضه إلا خيول مطهمة ورجال مسومة، يجمع الله تعالى له من أقاصي البلاد على عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، معه صحيفة مختومة فيها عدد أصحابه بأسمائهم وأنسابهم وبلدانهم وطبائعهم وحلاهم وكناهم كدادون مجدون في طاعته. فقال له أبي: وما دلائله وعلاماته يا رسول الله ؟ قال: له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم ..) عيون أخبار الرضا (ع): ج1 ص64. 
[30]. عرفنا فيما سبق الربط الوثيق بين الأُم المقدسة الباكية (ننسون) لدى السومريين، و(المرأة المتسربلة بالشمس والقمر) لدى المسيحيين، و(فاطمة عليها السلام) لدى المسلمين، وبين المخلِّص والمنتظر الموعود راعي الأمم كلها (جلجامش، المخلِّص والمنقذ، المهدي) من ولدها. وعرفنا أيضاً الربط بين المذبوح العشان (دموزي) الذي ناح عليه السومريون، وبين الذبيح على نهر الفرات لدى المسيحيين، وبين الحسين (ع) لدى المسلمين، وبين المنتظر والمخلِّص الموعود (راعي الأمم كلها). 
فهل صار بوسعنا الآن أن نعرف مَنْ يكون (أنليل) الذي نصّب ابنه جلجامش ملكاً وأوصى به ؟! 
للمزيد انظر ملحق رقم (3).   
[31]. تماماً كما يحصل في دعوة القائم (ع)، فبالرغم من اعتقاد الكثير بآبائه الطاهرين، واعتقادهم بأنّ أبويه علي وفاطمة عليهما السلام وجده رسول الله ، ولكنه مع هذا لا يؤمنون به ويكذبونه بل ويقاتلونه، وسبب ذلك بكل تأكيد - ولا أقل بالنسبة إلى كثير منهم - هو عدم إقرارهم بأنه من نسلهم وسلالتهم. 
[32]. وكان هذا أحد المعالم الكبرى التي تُعرِّف الناس بالمنتظر الموعود لدى الأُمم جميعاً، وهو واحد بكل تأكيد، ولذا ورد عن المهدي المنتظر أنه يحاجج أهل كلِّ كتاب بكتابهم ونصوصهم، وبالرغم من وقوع التحريف فيها إلا أنه بقي فيها من الحق ما يكفي أن يقيم به الحجة عليهم. 
وأما سبب ترميز النصوص، فهذا قول السيد أحمد الحسن (ع) في بيان سببه والحكمة منه:
(... فالروايات موجودة ومتوفرة للجميع، تماماً كتوفر الحروف والأرقام للجميع، ولكن مَن يعرف كلمة السرِّ ليمرّ بها مثلاً إلى خزنة في بنك غير صاحبها؟ فلو طلب منه البنك إدخال كلمة السر ليفتح الخزنة ويأخذ ما فيها سيتضح إن كان هو صاحب الخزنة أو كاذب. ومع أنّ كلمة السر متكوّنة من حروف وأرقام وهي متوفرة للجميع وفي متناول الجميع، ولكن ليس بوسع أحد غير صاحب الخزنة ترتيب هذه الحروف والأرقام بحيث يكون الترتيب ملائماً لفتح الخزنة. كذا الحال بالنسبة للنصوص، فمن يرتبها بالصورة الصحيحة التي تفتح السر هو صاحبها لا غير، لا يمكن أن يفتحها غير صاحبها. فمن يشكك لا ينفعه التشكيك، عليه أن ينظر هل فتحت الخزنة ؟ هل أُظهر السر ؟ إذا كانت فتحت انتهى الأمر، والذي فتحها صاحبها، مَن يعرف كلمة السر غير صاحبها ؟! ..... عن مالك الجهني، قال: (قلت: لأبي جعفر (ع) إنا نصف صاحب الأمر بالصفة التي ليس بها أحد من الناس، فقال: لا والله، لا يكون ذلك أبداً حتى يكون هو الذي يحتج عليكم بذلك ويدعوكم إليه) غيبة النعماني: ص220 .....) كتاب (المحكمات على أحقية الوصي أحمد الحسن)، أحد إصدارات أنصار الامام المهدي (ع).
[33]. والسؤال هنا: أيُّ ربط يمكننا أن نفهم بين جلجامش الموعود وبين نبي الله يوسف (ع) (حفيد إبراهيم (ع)) ؟
الجواب: إنّ من طالع روايات آل محمد يعرف بكل وضوح تمام الربط، فدنيا يوسف (ع) التي تجسّدت بزليخا الفاتنة وملكها وخدمها، والتي قرّرت سجنه وعقوبته بسبب رفضه السجود لها وطاعتها في طلبها، هي ذاتها الدنيا (زليخا جلجامش) التي تطلب الآن عقوبته لرفضه السجود لها، ومعرفة ذلك يسهم في التعرف على سبب قلة أنصار المهدي (ع) وكثرة أعدائه من أهل الدنيا الفاتنة. ولهاذا صار أكيداً أنّ الاعتبار بما جرى على يوسف (ع) ومعرفة قصته جيداً، له أثر كبير في الالتحاق بركب يوسف آل محمد، المنقذ العالمي والمنتظر الموعود.
عن سدير الصيرفي، قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (ع) يقول: (إن في صاحب هذا الأمر لشبه من يوسف، فقلت: فكأنك تخبرنا بغيبة أو حيرة ؟ فقال: ما ينكر هذا الخلق الملعون أشباه الخنازير من ذلك ؟ إن إخوة يوسف كانوا عقلاء ألبّاء أسباطاً أولاد أنبياء دخلوا عليه فكلموه وخاطبوه وتاجروه وراودوه وكانوا إخوته وهو أخوهم، لم يعرفوه حتى عرَّفهم نفسه، وقال لهم: أنا يوسف، فعرفوه حينئذٍ فما ينكر هذه الأمة المتحيرة أن يكون الله عز وجل يريد في وقت [من الأوقات] أن يستر حجته عنهم، لقد كان يوسف إليه مُلك مصر، وكان بينه وبين أبيه مسيرة ثمانية عشر يوماً، فلو أراد أن يعلمه مكانه لقدر على ذلك [والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة تسعة أيام من بدوهم إلى مصر]، فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله يفعل بحجته ما فعل بيوسف أن يكون صاحبكم المظلوم المجحود حقه صاحب هذا الأمر يتردد بينهم ويمشي في أسواقهم ويطأ فرشهم، ولا يعرفونه حتى يأذن الله له أن يُعرِّفهم نفسه، كما أذِن ليوسف حتى قال له إخوته: إنك لأنت يوسف قال: أنا يوسف) بحار الأنوار: ج52 ص154.
للمزيد أنظر: ملحق رقم (4).
[34]. أي موت روحي أيضاً، ومثل هؤلاء لا يتوفقون لنصرة المنتظر الموعود، ذلك أنّ أنصاره ورد في وصفهم:
عن سليمان بن هارون البجلي، قال (سمعت أبا عبد الله (ع): يقول: إنّ صاحب هذا الأمر محفوظة له أصحابه لو ذهب الناس جميعاً أتى الله له بأصحابه، وهم الذين قال الله عز وجل: "فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين"، وهم الذين قال الله فيهم: "فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين") الغيبة للنعماني: ص330.
ومعنى أنّ الله يحبهم وهم يحبونه: أنّ قلوبهم وأرواحهم حية وطيبة، فتستمع من الله، وتقبل شهادته وتصدق بآياته، بخلاف المأسورين إلى العالم الأسفل وبراثنه، فهم في الحقيقة موتى القلوب، وهم الذين مثّلهم أنكديو في الملحمة السومرية.
[35]. وهي علامة أهل الدنيا والعالم السفلي، ومن كان قلبه منشد إليها لا يدخل ساحة القدس والطهارة والحياة الأبدية.
قال تعالى: (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى) [طه: 12].
قال السيد أحمد الحسن (ع) في بيانها: (النعل في رجل أيِّ إنسان يقيها، ولكنه أيضاً يُبطّئ من سرعة سيره. ولم يُرِد سبحانه وتعالى فقط النعلين الماديين اللتين تُبطّئان من سرعة سيره (ع) للوصول إلى الشجرة التي كُلِّم منها، بل أيضاً كان سبحانه يريد من موسى (ع) أن ينزع من نفسه كل ما يعيقها في سيرها إلى الله سبحانه، فكان سبحانه يريد من موسى (ع) أن ينزع حبّه لما سوى الله، وأن ينزع خوفه مما سوى الله. فلا يقي نفسه بالخوف والحذر، بل بالله سبحانه وتعالى، ويكون حبّه لأيِّ إنسان بالله ومن خلال حبّه لله سبحانه وتعالى ........ 
فالله سبحانه وتعالى يقول لموسى (ع): أنت وصلت إلى ساحة القدس الإلهية، ﴿لا تَخَافُ دَرَكاً ولا تَخْشَى﴾؛ لأنّ الذي يدافع عنك هو الله، فأنت الآن في ساحة قدسه، الوادي المقدس طوى، ولم يكن في قلب موسى (ع) بعد أن وصل إلى ساحة القدس الإلهي أي خوف من الطواغيت، ولكنْ في هذا الخطاب الإلهي تعليم من الله سبحانه وتعالى لكل إنسان يريد الوصول إلى الساحة المقدّسة (الوادي المقدّس طوى)، أنّ عليه أولاً - وليكون أهلاً أن يلج هذه الساحة المقدّسة - أن ينزع من قلبه الخوف من الطواغيت كفرعون، ويوقن أنّ الذي يدافع عنه هو الله سبحانه وتعالى القادر على كل شيء، في مقابل من لا يقدرون على شيء. فالمطلوب من موسى (ع) الآن، وهو يلج ساحة القدس، أن ينزع من قلبه الخوف مما سوى الله ولو كان مثقال ذرة، ثم أن يملأ قلبه خوفاً من الله سبحانه وتعالى ...) الجواب المنير: ج2 سؤال رقم 60.
وما أراد الله تعليمه لموسى (ع)، هو ذاته ما أراد جلجامش تعليمه لأنكيدو ليدخل معه ساحة القدس الإلهي، ولكنه لم يلتزم بكلام سيده، فبدل أن يخلع نعليه قام بلبسهما، وهو شأن أهل الدنيا دائماً.
[36]. لما عرفنا أنّ رحلة جلجامش هي رحلة خلود روحية، نعرف أنّ الجبل لا يراد به الجبل المادي الذي يوتد الله به الأرض، إنما يراد به وتد الأرواح، وما يكون سبباً في خلودها وكتابتها في سجّل الحياة الأبدية.
[37]. هذا وصف أُطلق على جلجامس أنه (نسل الآلهة) أي ابنهم، وإذا عرفنا - بما بيّنه السيد أحمد الحسن (ع) - فيما تقدم أنّ السومريين أطلقوا لفظ (إله) على الصالحين، إذن فجلجامش ابن للصالحين، وأعتقد أنّ من يقرأ هذا السفر الشريف يصبح من اليسير بمكان عليه معرفة من يكونون. 
[38]. مرة أُخرى أُذكّر، ليس المراد بالبحار معناها المألوف في هذا العالم الجسماني بعد كون الرحلة روحية، بل المراد: عبور بحار تسهم في تحقيق خلود الروح وتزكيتها.
[39]. إنّ الجبال (أوتاد الأرواح) هذه، ليس بوسع أيٍّ من البشر أن يسلك بينها، ويجري في مسالكها، وستكون أنت يا (جلجامش) ممن كُتب له ذلك بعد أن سحقت نفسك بشكل استأهلت هذا المقام الإلهي الكبير. ثم إنك لو نظرت إليها لوجدت ساعاتها اثني عشرة ساعة مضاعفة (أي: 12 + 12)، منها اثنا عشرة ساعة تكون في الظلام الحالك، وأنت ستكون ساعة منها بعد أن اصطفاك الله وأذن لك (وها هو الجبل مفتوح أمامك)، (مر يا جلجامش ولا تخف) فإنّ المرسلين لا يخافون، فربك يقول: (إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) [النمل: 10].
عن المفضل بن عمر، عن الصادق (ع)، قال: (إنّ الله خلق السنة اثني عشر شهراً، وجعل الليل اثنتي عشرة ساعة، وجعل النهار اثنتي عشرة ساعة، ومنا اثني عشر محدثاً، وكان أمير المؤمنين (ع) ساعة من تلك الساعات). 
وعنه (ع): (الليل اثنتا عشرة ساعة، والنهار اثنتا عشرة ساعة، والشهور اثنا عشر شهراً، والأئمة عليهم السلام اثنا عشر إماماً، والنقباء اثنا عشر نقيباً، وإن علياً ساعة من اثنتي عشرة ساعة) الغيبة للنعماني: ص86، 87.
فكل إمام من آل محمد يُمثِّل ساعة (وليس شهراً ليقال إنهم 12 فقط)، فعلي (ع) ساعة من 12 ساعة (من ساعات الليل)، ومجموع ساعات يوم الله هي (12 + 12)، وهو ما أشارت له وصية رسول الله المقدسة في ليلة وفاته لدى المسلمين، وأشارت له أيضاً رؤيا يوحنا اللاهوتي لدى المسيحيين (12 + 12) شيخاً، انظر: ملحق رقم (3).
أما الاثني عشرة ساعة الأُولى (ساعات الليل) التي سبقت جلجامش الموعود ؟ فلأنّ دولة العدل الإلهي المحقِّقة لرحلة الأراوح إلى الحياة الأبدية والخلود، يسبقها دولة الظلم والظالمين (الليل الحالك)، والتي يرافقها 12 عشر إماماً مظلوماً: 
عن جابر عن أبي عبد الله (ع) قال قوله تعالى : ("والفجر" هو القائم و"الليالي العشر" الأئمة عليهم السلام من الحسن إلى الحسن، و"الشفع" أمير المؤمنين وفاطمة عليهما السلام، و"الوتر" هو الله وحده لا شريك له "والليل إذا يسر" هي دولة حبتر (أي الظلم)، فهي تسري إلى قيام القائم (ع)) بحار الأنوار: ج 24 ص 78.
وأما الاثني عشرة ساعة الثانية (ساعات النهار)، فهم المهديون الاثني عشر، ولو طالعنا الوصية المقدسة لعرفنا أنّ رسول الله، وبعد أن ذكر الائمة الاثني، ذكر أول المهديين الاثني عشر وأسماه (أحمد) ووصفه بأول المؤمنين وأول المقربين.
[40]. كما قال بذلك الباحث وعالم الآثار السويسري (آريش فون دانيكن)، الذي أثارت نظريته (المخلوقات القادمة من الفضاء، أو الغرباء القدماء) جدلاً علمياً واسعاً في بداية السبعينات من القرن المنصرم.
[41]. للمزيد انظر ملحق رقم (3).
[42]. عن إبراهيم بن أبي زياد الكرخي قال: (سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: إن إبراهيم (ع) كان مولده بكوثى ربى، وكان أبوه من أهلها، وكانت أم إبراهيم وأم لوط سارة وورقة أختين وهما ابنتان للاحج، وكان لاحج نبيا منذرا ولم يكن رسولاً، وكان إبراهيم (ع) في شبيبته على الفطرة التي فطر الله عز وجل الخلق عليها حتى هداه الله تبارك وتعالى إلى دينه واجتباه، وإنه تزوج سارة ابنة لاحج وهي ابنة خالته، وكانت سارة صاحبة ماشية كثيرة وأرض واسعة وحال حسنة، وكانت قد ملّكت إبراهيم جميع ما كانت تملكه، فقام فيه وأصلحه وكثرت الماشية والزرع حتى لم يكن بأرض كوثى ربى رجل أحسن حالاً منه، وإن إبراهيم (ع) لما كسّر أصنام نمرود وأمر به نمرود فأوثق عمل له حيراً وجمع له فيه الحطب وألهب فيه النار ثم قذف إبراهيم (ع) في النار لتحرقه، ثم اعتزلوها حتى خمدت النار ثم أشرفوا على الحير فإذا هم بإبراهيم سليماً مطلقاً من وثاقه، فأخبر نمرود خبره فأمرهم أن ينفوا إبراهيم من بلاده، ... وقال: إنه إن بقي في بلادكم أفسد دينكم وأضر بآلهتكم، فأخرجوا إبراهيم ولوطاً معه من بلادهم إلى الشام ..) الكافي: ج8 ص370.


0 تعليق على موضوع "مراسي مختارة في موانئ سومر وأكاد السيد أحمد الحسن (ع)"


الإبتساماتإخفاء