إصدارات أنصار الإمام المهدي (ع) / العدد (92)
شرائع الإسلام
الجزء الثالث
كتاب النكاح والطلاق وتوابعهما
السيد أحمد الحسن
وصي ورسول ويماني الإمام المهدي (ع)
الطبعة الأولى
1431 هـ - 2010 م
لمعرفة المزيد حول دعوة السيد أحمد الحسن (ع)
يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي :
www.almahdyoon.org
بسم الله الرحمن الرحيم
شرائع الإسلام
) الجزء الثالث)
كتاب النكاح
كتاب الطلاق
كتاب الخلع والمباراة
كتاب الظهار
كتاب الإيلاء
كتاب النكاح
وأقسامه ثلاثة:
القسم الأول
في النكاح الدائم
والنظر فيه يستدعي فصولاً:
الفصل الأول: في آداب العقد، والخلوة، ولواحقهما
أما آداب العقد: فالنكاح مستحب لمن تاقت نفسه، من الرجال والنساء. ومن لم تتق مستحب أيضاً؛ لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ الحجرات: 3، أي لتناكحوا.
ولقوله (ع): (تناكحوا تناسلوا).
ولقوله (ص): (شرار موتاكم العزاب).
ولقوله (ع): (ما استفاد امرؤ فائدة بعد الإسلام، أفضل من زوجة مسلمة، تسره إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها، في نفسها وماله).
ويستحب لمن أراد العقد: أن يتخير من النساء من تجمع صفات أربعاً: كرم الأصل، وكونها بكراً، ولوداً، عفيفة. ولا يقتصر على الجمال ولا على الثروة فربما حرمهما.
وصلاة ركعتين والدعاء بعدهما بمأثورة: (اللهم إني أريد أن أتزوج، فقدر لي من النساء أعفهن فرجاً، وأحفظهن لي في نفسها ومالي، وأوسعهن رزقاً، وأعظمهن بركة)، أو غير ذلك
من الدعاء. والإعلان (إذا أشهد)، والخطبة أمام العقد، وإيقاعه ليلاً.
الثاني: في آداب الخلوة بالمرأة، وهي قسمان:
الأول: يستحب لمن أراد الدخول أن يصلي ركعتين ويدعو بعدهما، وإذا أمر المرأة بالانتقال إليه، أمرها أن تصلي أيضاً ركعتين وتدعو، وأن يكونا على طهر، وأن يضع يده على ناصيتها إذا دخلت عليه، ويقول: (اللهم على كتابك تزوجتها، وفي أمانتك أخذتها، وبكلماتك استحللت فرجها، فإن قضيت لي في رحمها شيئاً فاجعله مسلماً سوياً، ولا تجعله شرك شيطان)، وأن يكون الدخول ليلاً، وأن يسمي عند الجماع، ويسأل الله تعالى أن يرزقه ولداً ذكراً سوياً.
ويستحب: الوليمة عند الزفاف يوماً أو يومين، وأن يُدعى لها المؤمنون، ولا تجب الإجابة بل تستحب، وإذا حضر فالأكل مستحب ولو كان صائماً ندباً. وأكل ما ينثر في الأعراس جائز، ولا يجوز أخذه إلا بإذن أربابه؛ نطقاً أو بشاهد الحال.
الثاني: يكره الجماع في أوقات ثمانية: ليلة خسوف القمر، ويوم كسوف الشمس، وعند الزوال، وعند غروب الشمس حتى يذهب الشفق، وفي المحاق، وبعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وفي أول ليلة من كل شهر إلا في شهر رمضان، وفي ليلة النصف، وفي السفر إذا لم يكن معه ماء يغتسل به، وعند هبوب الريح السوداء والصفراء، والزلزلة، وعقيب الاحتلام قبل الغسل أو الوضوء. ولا بأس أن يجامع مرات من غير غسل يتخللها، ويكون غسله أخيراً. وأن يجامع وعنده من ينظر إليه، والنظر إلى فرج المرأة في حال الجماع وغيره، والجماع مستقبل القبلة أو مستدبرها، والكلام عند الجماع بغير ذكر الله.
الثالث: في لواحقهما، وهي:
الأول: يجوز أن ينظر إلى وجه امرأة يريد نكاحها وإن لم يستأذنها. ويختص الجواز بوجهها وكفيها، وله أن يكرر النظر إليها، وأن ينظرها قائمة وماشية.
وكذا يجوز أن ينظر إلى أمة يريد شراءها وإلى شعرها ومحاسنها. ويجوز النظر إلى نساء أهل الكتاب وشعورهن، لكن لا يجوز ذلك لتلذذ ولا لريبة. ويجوز أن ينظر الرجل إلى مثله ما خلا عورته، شيخاً كان أو شاباً، حسناً أو قبيحاً، ما لم يكن النظر لريبة أو تلذذ، وكذا المرأة. وللرجل أن ينظر إلى جسد زوجته باطناً وظاهراً، وكذا المرأة.
ولا ينظر الرجل بقصد إلى الأجنبية أصلاً إلا لضرورة، ويجوز أن ينظر إلى وجهها وكفيها على كراهية فيه مرة، ولا يجوز معاودة النظر. وكذا الحكم في المرأة. ويجوز عند الضرورة، كما إذا أراد الشهادة عليها، ويقتصر الناظر منها على ما يضطر إلى الإطلاع عليه، كالطبيب إذا احتاجت المرأة إليه للعلاج. أما النظر الاتفاقي غير المقصود نتيجة تواجد رجال ونساء في مكان ما فلا إشكال فيه.
والكلام بين الرجل والمرأة جائز إلا إن كان فيه ريبة وخوف من الفتنة فيجب اجتنابه، قال تعالى: ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ النور: 31.
ما يجوز أن تظهره المرأة أمام الأجانب هو الوجه والكفان والقدمان. وما يجوز أن تظهره المرأة أمام المحارم هي القلادة وما فوقها، وما تحتاج كشفه في الوضوء من اليدين، ومنتصف الساق وما دونه، وللزوج جسدها كله.
الثاني: في مسائل تتعلق في هذا الباب، وهي خمسة:
الأولى: يحرم وطء الزوجة في الدبر من غير رضاها، ويكره مع رضاها.
الثانية: العزل عن الحرة إذا لم يشترط في العقد ولم تأذن محرّم، ويجب معه دية النطفة عشرة دنانير.
الثالثة: لا يجوز للرجل أن يترك وطء امرأته أكثر من أربعة أشهر.
الرابعة: الدخول بالمرأة قبل أن تبلغ تسعاً محرّم. ولو دخل لم تحرم ، لكن لو أفضاها حرمت ولم تخرج من حباله.
الخامسة: يكره للمسافر أن يطرق أهله ليلاً (أي أن يواقع زوجته في السفر ليلاً).
* * *
الفصل الثاني: في العقد
والنظر: في الصيغة، والحكم.
أما الأول: فالنكاح يفتقر إلى إيجاب وقبول، دالين على العقد الرافع للاحتمال.
والعبارة عن الإيجاب: زوجتك وأنكحتك، ومتعتك. والقبول أن يقول: قبلت التزويج، أو قبلت النكاح، أو ما شابهه. ويجوز الاقتصار على: (قبلت).
والأفضل وقوعهما بلفظ الماضي الدال على صريح الانشاء. ولو أتى بلفظ الأمر وقصد الإنشاء كقوله: زوجنيها أو زوجيني نفسك، فقال أو قالت: زوجتك، يصح.
ولو أتى بلفظ المستقبل كقوله: أتزوجك، فتقول: زوجتك، جاز، ولا حاجة لتلفظه بعد ذلك بالقبول. ولو قال الولي أو الزوجة: متعتك بكذا، ولم يذكر الأجل انعقد دائماً.
ولا يشترط في القبول مطابقته لعبارة الايجاب، بل يصح الإيجاب بلفظ والقبول بآخر، فلو قالت: زوجتك، فقال: قبلت النكاح، أو أنكحتك، فقال: قبلت التزويج، صح. ولو قال: زوجت بنتك من فلان، فقال: نعم، فقال: الزوج قبلت، صح.
ولا يشترط تقديم الإيجاب، بل لو قال: تزوجت، فقال الولي: زوجتك، صح.
ولا يجوز العدول عن اللفظ إلى ترجمته بغير العربية إلا مع العجز عن العربية. ولو عجز أحد المتعاقدين تكلّم كل واحد منهما بما يحسنه ، ولو عجزا عن النطق أصلاً أو أحدهما اقتصر العاجز على الإشارة إلى العقد والايماء .
ولا ينعقد النكاح بلفظ البيع ، ولا الهبة ، ولا التمليك ، ولا الإجارة سواء ذكر فيه المهر أو جرده .
وأما الثاني ، ففيه مسائل:
الأولى: لا عبرة في النكاح بعبارة الصبي إيجاباً وقبولاً، ولا بعبارة المجنون.
والسكران الذي لا يعقل يصح لو أفاق فأجاز. وإذا زوجت السكرى نفسها ثم أفاقت فرضيت، أو دخل بها فأفاقت وأقرته كان ماضياً.
الثانية: لا يشترط في نكاح الرشيدة (من أتمت 18 عاماً عاقلة) حضور الولي، ولا إذنه وإن كانت بكراً.
الثالثة: إذا أوجب الولي ثم جنّ أو أغمي عليه بطل حكم الإيجاب، فلو قبل بعد ذلك كان لغواً. وكذا لو سبق القبول وزال عقله، فلو أوجب الولي بعده كان لغواً. وكذا في البيع.
الرابعة: يصح اشتراط الخيار في الصداق خاصة، ولا يفسد به العقد.
الخامسة: إذا اعترف الزوج بزوجية امرأته فصدقته، أو اعترفت هي فصدقها قضي بالزوجية ظاهراً وتوارثا. ولو اعترف أحدهما قضي عليه بحكم العقد دون الآخر.
السادسة: إذا كان للرجل عدة بنات فزوج واحدة ولم يسمها عند العقد، لكن قصدها بالنية، واختلفا في المعقود عليها، فإن كان الزوج رآهن فالقول قول الأب؛ لأن الظاهر أنه وكل التعيين إليه، وعليه أن يسلم إليه التي نواها. وإن لم يكن رآهن كان العقد باطلاً.
السابعة: يشترط في النكاح امتياز الزوجة عن غيرها بالإشارة أو التسمية أو الصفة، فلو زوجه إحدى بنتيه، أو هذا الحمل لم يصح العقد.
الثامنة: لو ادعى زوجية امرأة، وادعت أختها زوجيته، وأقام كل واحد منهما بينة، فإن كان دخل بالمدعية كان الترجيح لبينتها؛ لأنه مصدق لها بظاهر فعله، وكذا لو كان تاريخ بينتها أسبق. ومع عدم الأمرين يكون الترجيح لبينته.
التاسعة: إذا عقد على امرأة، فادعى آخر زوجيتها، لم يلتفت إلى دعواه إلا مع البينة.
العاشرة: يشترط في عقد النكاح حضور شاهدين أو الإشهار (الإعلان)، فان حضر شاهدان استحب الإشهار، وإن لم يحضر شاهدان وجب الإشهار قبل الدخول، وبدون الإشهاد يكون عقد النكاح متوقفاً على الإشهار، ويرتكبان الحرام إن دخل بها من دونه، وتتكرر المعصية مع تكرر المواقعة حتى يتم الإشهار، أما الولد فينتسب كما في الشبهة.
* * *
الفصل الثالث: في أولياء العقد
وفيه فصلان:
الأول: في تعيين الأولياء
لا ولاية في عقد النكاح لغير الأب والجد للأب وإن علا، والوصي، والحاكم. ويشترط في ولايتهم جميعاً الإيمان والعدالة.
ولا يشترط في ولاية الجد بقاء الأب، وتثبت ولاية الأب والجد للأب على الصغيرة وإن ذهبت بكارتها بوطء أو غيره، ولا خيار لها بعد بلوغها. وكذا لو زوّج الأب أو الجد الولد الصغير لزمه العقد، ولا خيار له مع بلوغه ورشده.
وتثبت ولاية الأب والجد (بشرط الايمان والعدالة) على البالغة دون سن 18 عاماً سواء كانت ثيباً أم بكراً. ولا تثبت ولايتهما على البكر الرشيدة (من أتمت 18 عاماً عاقلة)، وتثبت الولاية لنفسها في الدائم والمنقطع.
ولو زوجها أحدهما لم يمض عقده إلا برضاها، ولكن يكره تزويجها نفسها دون إذن الولي.
والبالغة إذا عضلها الولي، وهو أن لا يزوجها من كفء مع رغبتها، فإنه يجوز لها أن تزوج نفسها ولو كرهاً.
ولا ولاية لهما على الثيب مع البلوغ والرشد، ولا على البالغ العاقل. ويثبت ولايتهما على الجميع مع الجنون، ولا خيار لأحدهم مع الإفاقة. وللمولى أن يزوج مملوكته، صغيرة كانت أو كبيرة، عاقلة أو مجنونة، ولا خيار لها معه. وكذا الحكم في العبد.
والحاكم (المعين من الإمام): له ولاية على من بلغ فاسد العقل، أو تجدد فساد عقله إذا كان النكاح صلاحاً.
ولا ولاية للوصي وإن نص له الموصي على النكاح. وللوصي أن يزوج من بلغ فاسد العقل إذا كان به ضرورة إلى النكاح.
والمحجور عليه للتبذير لا يجوز له أن يتزوج غير مضطر، ولو أوقع كان العقد فاسداً. وإن اضطر إلى النكاح جاز للحاكم أن يأذن له، سواء عين الزوجة أو أطلق. ولو بادر قبل الإذن - والحال هذه - صح العقد، فإن زاد في المهر عن المثل بطل في الزائد.
والإمام أولى من الأب والجد، وله الولاية على الصغير والصغيرة، والبالغ والبالغة، والرشيد والرشيدة، وعلى البكر والثيب.
الثاني: في اللواحق
وفيه مسائل:
الأولى: إذا وكّلت البالغة الرشيدة في العقد مطلقاً لم يكن له أن يزوجها من نفسه، إلا مع إذنها. ولو زوجها الجد من ابن ابنه الآخر، أو الأب من موكله كان جائزاً.
الثانية: إذا زوجها الولي بدون مهر المثل لها أن تعترض.
الثالثة: عبارة المرأة معتبرة في العقد مع البلوغ والعقل، فيجوز لها أن تزوج نفسها، وأن تكون وكيلة لغيرها، إيجاباً وقبولاً.
الرابعة: عقد النكاح يقف على الإجازة، فلو زوج الصبية غير أبيها أو جدها، قريباً كان أو بعيداً، لم يمض إلا مع إذنها أو إجازتها بعد العقد، ولو كان أخاً أو عماً. ويقنع من البكر بسكوتها عند عرضه عليها، وتكلف الثيب النطق. ولو كانت مملوكة وقف على إجازة المالك. وكذا لو كانت صغيرة فأجاز الأب أو الجد، صح.
الخامسة: إذا كان الولي غير مؤمن فلا ولاية له، ولو كان الأب كذلك تثبت الولاية للجد خاصة (إن كان مؤمناً). وكذا لو جن الأب أو أغمي عليه، ولو زال المانع عادت الولاية. ولو اختار الأب زوجاً والجد آخر، فمن سبق عقده صح، وبطل المتأخر. وإن تشاحا قدم اختيار الجد، ولو أوقعاه في حالة واحدة ثبت عقد الجد دون الأب.
السادسة: إذا زوجها الولي بالمجنون أو الخصي صح ، ولها الخيار إذا بلغت. وكذا لو زوج الطفل بمن بها أحد العيوب الموجبة للفسخ. ولو زوجها بمملوك لم يكن لها الخيار إذا بلغت، وكذا لو زوج الطفل.
السابعة: لا يجوز نكاح الأمة إلا بإذن مالكها ولو كانت لإمرأة، في الدائم والمنقطع.
الثامنة: إذا زوج الأبوان الصغيرين لزمهما العقد، فإن مات أحدهما ورثه الآخر. ولو عقد عليهما غير أبويها ومات أحدهما قبل البلوغ بطل العقد وسقط المهر والإرث. ولو بلغ أحدهما فرضي لزم العقد من جهته، فإن مات عزل من تركته نصيب الآخر، فإن بلغ فأجاز ورث. ولو مات الذي لم يجز بطل العقد ولا ميراث.
التاسعة: إذا أذن المولى لعبده في إيقاع العقد صحّ، واقتضى الإطلاق الاقتصار على مهر المثل، فإن زاد على الزائد في ذمته يتبع به إذا تحرّر، ويكون مهر المثل على مولاه، وكذا القول في نفقتها.
العاشرة: من تحرر بعضه ليس لمولاه إجباره على النكاح.
الحادية عشرة: إذا كانت الأمة لموَلَّى عليه كان نكاحها بيد وليه، فإذا زوجها لزم، وليس للموَلَّى عليه مع زوال الولاية فسخه.
ويستحب للمرأة: أن تستأذن أباها في العقد وإن كانت رشيدة، بكراً كانت أو ثيباً، وأن توكل أخاها إذا لم يكن لها أب ولا جد، وأن تعوّل على الأكبر إذا كانوا أكثر من أخ. ولو تخير كل واحد من الأكبر والأصغر زوجاً، تخيرت خيرة الأكبر. ويكره أن يزوج الأب ابنته إذا لم تكن رشيدة بغير رضاها.
مسائل ثلاث:
الأولى: إذا زوجها الإخوان برجلين أجازت عقد أيهما شاءت، والأولى لها إجازة عقد الأكبر، وبأيهما دخلت قبل الإجازة كان العقد له.
الثانية: لا ولاية للأم على الولد، فلو زوجته فرضي لزمه العقد، وإلا بطل العقد.
الثالثة: إذا زوج الأجنبي امرأة، فقال الزوج: زوجك العاقد من غير إذنك، فقالت: بل أذنت، فالقول قولها مع يمينها؛ لأنها تدعي الصحة.
* * *
الفصل الرابع: في أسباب التحريم
وهي ستة:
السبب الأول: النسب
ويحرم بالنسب سبعة أصناف من النساء: الأم والجدة وإن علت لأب كانت أو لأم. والبنت للصلب وبناتها وإن نزلن، وبنات الابن وإن نزلن. والأخوات لأب كن أو لأم، أو لهما، وبناتهن، وبنات أولادهن. والعمات، سواء كن أخوات أبيه لأبيه أو لأمه، أو لهما، وكذا أخوات أجداده وإن علون. والخالات للأب أو للأم أو لهما، وكذا خالات الأب والأم وإن ارتفعن. وبنات الأخ، سواء كان الأخ للأب أو للأم أو لهما، وسواء كانت بنته لصلبه أو بنت بنته، أو بنت ابنه وبناتهن وإن سفلن. ومثلهن من الرجال يحرم على النساء، فيحرم الأب وإن علا، والولد وإن سفل، والأخ وابنه وابن الأخت والعم وإن ارتفع، وكذا الخال.
ثلاثة فروع:
الأول: النسب يثبت مع النكاح الصحيح، ومع الشبهة. ولا يثبت مع الزنا، فلو زنى فانخلق من مائه ولد على الرحم لم ينتسب إليه شرعاً، ولكن يحرم على الزاني والزانية؛ لأنه مخلوق من
مائه فهو يسمى ولداً لغة.
الثاني: لو طلق زوجته فوطئت بالشبهة، فإن أتت بولد به لأقل من ستة أشهر من وطء الثاني، ولستة أشهر من وطء المطلق اُلحق بالمطلق. أما لو كان الثاني له أقل من ستة أشهر وللمطلق أكثر من أقصى مدة الحمل لم يلحق بأحدهما. وإن احتمل أن يكون منهما استخرج بالفحص الطبي الدقيق. وحكم اللبن تابع للنسب.
الثالث: لو أنكر الولد ولاعن انتفى عن صاحب الفراش، وكان اللبن تابعاً له. ولو أقر به بعد ذلك عاد نسبه وإن كان هو لا يرث الولد، هذا إذا لم يمكن معرفة نسب الولد بالفحص الطبي الدقيق، أما مع الفحص فيثبت الولد أو ينتفي تبعاً له.
السبب الثاني: الرضاع
والنظر في: شروطه، وأحكامه.
انتشار الحرمة بالرضاع يتوقف على شروط:
الأول: أن يكون اللبن عن نكاح فلو درّ لم ينتشر حرمته. وكذا لو كان عن زنا. و نكاح الشبهة بمنزلة النكاح الصحيح. ولو طلق الزوج وهي حامل منه ، أو مرضع فأرضعت ولداً، نشر الحرمة كما لو كانت في حباله، وكذا لو تزوجت ودخل بها الزوج الثاني وحملت. أما لو انقطع ثم عاد في وقت يمكن أن يكون للثاني، كان له دون الأول. ولو اتصل حتى تضع الحمل من الثاني كان ما قبل الوضع للأول، وما بعد الوضع للثاني.
الشرط الثاني: الكمية، وهو ما أنبت اللحم وشدّ العظم. وينشر الحرمة إن بلغ خمس عشرة رضعة، أو رضع يوماً وليلة. ويعتبر في الرضعات المذكورة قيود ثلاثة: أن تكون الرضعة كاملة، وأن تكون الرضعات متوالية، وأن يرتضع من الثدي.
ويرجع في تقدير الرضعة إلى العرف، فلو التقم الثدي ثم لفظه وعاود، فإن كان أعرض أولاً فهي رضعة، وإن كان لا بنية الإعراض كالنفس أو الالتفات إلى ملاعب، أو الانتقال من ثدي إلى آخر، كان الكل رضعة واحدة، ولو منع قبل استكمال الرضعة لم يعتبر في العدد.
ولابد من توالي الرضعات بمعنى أن المرأة الواحدة تنفرد بإكمالها، فلو رضع من واحدة بعض العدد، ثم رضع من أخرى، بطل حكم الأول.
ولو تناوبت عليه عدة نساء لم ينشر الحرمة ما لم يكمل من واحدة خمس عشرة رضعة ولاء. ولا يصير صاحب اللبن مع اختلاف المرضعات أباً، ولا أبوه جداً، ولا المرضعة أماً. ولابد من ارتضاعه من الثدي، فلو وجر في حلقه، أو أوصل إلى جوفه بحقنة، وما شاكلها لم ينشر. وكذا لو جبن، فأكله جبناً. وكذا يجب أن يكون اللبن بحاله، فلو مزج بأن اُلقي في فم الصبي مائع ورضع، فامتزج حتى خرج عن كونه لبناً، لم ينشر.
ولو ارتضع من ثدي الميتة، أو رضع بعض الرضعات وهي حية، ثم أكملها ميتة، لم ينشر.
الشرط الثالث: أن يكون في الحولين ويراعى ذلك في المرتضع، لقوله (ع): (لا رضاع بعد فطام)، ولا يراعى في ولد المرضعة. فلو مضى لولدها أكثر من حولين، ثم أرضعت من له دون الحولين نشر الحرمة.
ولو رضع العدد إلا رضعة واحدة فتم الحولان، ثم أكمله بعدهما لم ينشر الحرمة. وكذا لو كمل الحولان ولم يرو من الأخيرة، وينشر إذا تمت الرضعة مع تمام الحولين.
الشرط الرابع: أن يكون اللبن لفحل واحد، فلو أرضعت بلبن فحل واحد مئة حرم بعضهم على بعض. وكذا لو نكح الفحل عشراً وأرضعت كل واحدة واحداً أو أكثر حرم التناكح بينهم جميعاً.
ولو أرضعت اثنين بلبن فحلين لم يحرم أحدهما على الآخر، ويحرم أولاد هذه المرضعة نسباً على المرتضع منها.
ويستحب أن يختار للرضاع: العاقلة، المسلمة، العفيفة، الوضيئة. ولا تسترضع الكافرة، ومع الاضطرار يسترضع الكتابية، ويمنعها من شرب الخمر، وأكل لحم الخنزير. ويكره أن يسلّم إليها الولد لتحمله إلى منزلها، وتتأكد الكراهية في ارتضاع المجوسية. ويكره أن يسترضع من ولادتها عن زنا.
وأما أحكامه، فمسائل:
الأولى: إذ حصل الرضاع المحرم انتشرت الحرمة بين المرضعة وفحلها إلى المرتضع، ومنه إليهما، فصارت المرضعة له أماً ، والفحل أباً ، وآباؤهما أجداداً ، وأمهاتهما جدات، وأولادهما أخوة، وأخواتهما أخوالاً وأعماماً.
الثانية: كل من ينتسب إلى الفحل من الأولاد، ولادة ورضاعاً يحرمون على هذا المرتضع. وكذا من ينتسب إلى المرضعة بالبنوة، ولادة وإن نزلوا. ولا يحرم عليه من ينتسب إليها بالبنوة رضاعاً.
الثالثة: لا ينكح أبو المرتضع في أولاد صاحب اللبن، ولادة ولا رضاعاً، ولا في أولاد زوجته المرضعة ولادة؛ لأنهم صاروا في حكم ولده. ويجوز أن ينكح أولاده الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن في أولاد هذه المرضعة، وأولاد فحلها.
أما لو أرضعت امرأة ابناً لقوم، وبنتاً لآخرين جاز أن ينكح إخوة كل واحد منهما في إخوة الآخر؛ لأنه لا نسب بينهم ولا رضاع.
الرابعة: إذا قال: هذه أختي من الرضاع، أو بنتي على وجه يصح، فإن كان قبل العقد حكم عليه بالتحريم ظاهراً، وإن كان بعد العقد ومعه بينة حكم بها. فإن كان قبل الدخول فلا مهر، وإن كان بعده كان لها المسمى. وإن فقد البينة وأنكرت الزوجة لزمه المهر كله مع الدخول، ونصفه مع عدمه. ولو قالت المرأة ذلك بعد العقد لم يقبل دعواها في حقه إلا ببينة، ولو كان قبله حكم عليها بظاهر الإقرار.
الخامسة: لا تقبل الشهادة إلا مفصلة، وأما إخبار الشاهد بالرضاع فيكفي مشاهدته ملتقماً ثدي المرأة، ماصاً له على العادة حتى يصدر.
السبب الثالث: المصاهرة
وهي تتحقق مع الوطء الصحيح، ويتحقق بعض ما يترتب عليها من تحريم في الزنا والوطء بالشبهة.
والبحث حينئذٍ في أمور ثلاثة:
أما النكاح الصحيح: فمن وطئ امرأة بالعقد الصحيح أو الملك حرم على الواطئ أمّ الموطوءة وإن علت، وبناتها وإن سفلن، تقدمت ولادتهن أو تأخرت، ولو لم تكن في حجره. وعلى الموطوءة أبو الواطئ وإن علا، وأولاده وإن سفلوا، تحريما مؤبداً. ولو تجرد العقد عن الوطء حرمت الزوجة على أبيه وولده، ولم تحرم بنت الزوجة، عيناً على الزوج بل جمعاً. ولو فارقها جاز له نكاح بنتها، وتحرم أمها بنفس العقد. ولو وطئ الأب زوجة ابنه لشبهة لم تحرم على الولد لسبق الحل.
ومن توابع المصاهرة: تحريم أخت الزوجة جمعاً لا عيناً، وبنت أخت الزوجة وبنت أخيها إلا برضا الزوجة، ولو أذنت صح. وله إدخال العمة والخالة على بنت أخيها وأختها، ولو كره المدخول عليهما. ولو تزوج بنت الأخ أو بنت الأخت على العمة أو الخالة من غير إذنهما كان العقد باطلاً.
وأما الزنا: فإن كان طارئاً لم ينشر الحرمة، كمن تزوج بامرأة ثم زنى بأمها أو ابنتها، أو لاط بأخيها أو ابنها أو أبيها، أو زنى بمملوكة أبيه الموطوءة أو ابنه، فإن ذلك كله لا يحرم السابقة. والزنا إذا كان سابقاً على العقد ينشر حرمة المصاهرة كالوطء الصحيح.
والوطء بالشبهة: إذا كان سابقاً على العقد فأنه ينزل منزلة النكاح الصحيح وينشر الحرمة ويلحق معه النسب. وأما النظر واللمس المحرم فإنه لا ينشر الحرمة، ولكنه يثمر كراهية.
ومن مسائل التحريم مقصدان:
الأول: مسألتان:
الأولى: لو تزوج أختين كان العقد للسابقة، وبطل عقد الثانية، ولو تزوجهما في عقد واحد بطل نكاحهما.
الثانية: إذا دخل بصبية لم تبلغ تسعاً فأفضاها حرم عليه وطؤها ولم تخرج من حباله، ولو لم يفضها لم تحرم.
المقصد الثاني : في مسائل من تحريم العين، وهي ستة:
الأولى: من تزوج امرأة في عدتها عالماً حرمت عليه أبداً، وإن جهل العدة والتحريم ودخل حرمت أيضاً. ولو لم يدخل بطل ذلك العقد، وكان له استئنافه.
الثانية: إذا تزوج في العدة ودخل فحملت، فإن كان جاهلاً لحق به الولد إن كان هناك ما يدل إنه له، وفرق بينهما ولزمه المسمى، وتتم العدة للأول بعد الوضع، ولها مهرها على الأول، ومهر على الآخر إن كانت جاهلة بالتحريم، ومع علمها فلا مهر.
الثالثة: من زنى بامرأة لم يحرم عليه نكاحها. ولو زنى بذات بعل، أو في عدة رجعية حرمت عليه أبداً. ولا يجوز الزواج من المشهورة بالزنا إلا أن تظهر توبتها.
الرابعة: من فجر بغلام فأوقبه حرم على الواطئ العقد على أم الموطوء، وأخته، وبنته. ولا يحرم إحداهن لو كان عقدها سابقاً.
الخامسة: إذا عقد المحرم على امرأة عالماً بالتحريم حرمت عليه أبداً، ولو كان جاهلاً فسد عقده ولم تحرم.
السادسة: لا تحل ذات البعل لغيره، إلا بعد مفارقته، وانقضاء العدة إذا كانت ذات عدة.
السبب الرابع: استيفاء العدد، وهو قسمان:
القسم الأول: إذا استكمل الحر أربعاً بالعقد الدائم حرم عليه ما زاد غبطة. ولا يحل له من الإماء بالعقد أكثر من اثنتين من جملة الأربع. وإذا استكمل العبد أربعاً من الإماء بالعقد، أو حرتين أو حرة وأمتين حرم عليه ما زاد. ولكل منهما أن ينكح بالعقد المنقطع ما شاء، وكذا بملك اليمين.
مسألتان:
الأولى: إذا طلق واحدة من الأربع حرم عليه العقد على غيرها حتى تنقضي عدتها إن كان الطلاق رجعياً، ولو كان بائناً جاز له العقد على أخرى في الحال. وكذا الحكم في نكاح أخت
الزوجة على كراهية مع البينونة.
الثانية: إذا طلق إحدى الأربع بائناً وتزوج اثنتين، فإن سبقت إحداهما كان العقد لها، وإن اتفقتا في حالة بطل العقدان.
القسم الثاني: إذا استكملت الحـرة ثلاث طلقات حرمت على المطلق حتى تنكح زوجاً غيره، سواء كانت تحت حر أو تحت عبد. وإذا استكملت الأمة طلقتين حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره، ولو كانت تحت حر. وإذا استكملت المطلقة تسعاً للعدة ينكحها بينهما رجلان حرمت على المطلق أبداً.
السبب الخامس: اللعان
وهو سبب لتحريم الملاعنة تحريماً مؤبداً. وكذا قذف الزوجة الصماء والخرساء بما يوجب اللعان لو لم تكن كذلك.
السبب السادس: الكفر
والنظر فيه يستدعي بيان مقاصد:
الأول: لا يجوز للمسلم نكاح غير الكتابية (من اليهود والنصارى)، ويجوز له نكاح الكتابية من اليهود والنصارى نكاحاً دائماً ومنقطعاً وملك يمين.
ولو ارتد أحد الزوجين قبل الدخول وقع الفسخ في الحال، وسقط المهر إن كان من المرأة، ونصفه إن كان من الرجل. ولو وقع بعد الدخول وقف الفسخ على انقضاء العدة من أيهما كان، ولا يسقط شئ من المهر؛ لاستقراره بالدخول.
وإذا أسلم زوج الكتابية فهو على نكاحه، سواء كان قبل الدخول أو بعده. ولو أسلمت زوجته قبل الدخول انفسخ العقد ولا مهر. وإن كان بعد الدخول وقف الفسخ على انقضاء العدة.
وأما غير الكتابيين فإسلام أحد الزوجين موجب لانفساخ العقد في الحال إن كان قبل الدخول، وإن كان بعده وقف على انقضاء العدة.
وإذا أسلم الكتابي على أكثر من أربع من المنكوحات بالعقد الدائم استدام أربعاً من الحرائر، أو أمتين وحرتين. ولو كان عبداً استدام حرتين، أو حرة وأمتين، وفارق سائرهن. ولو لم يزد عددهن عن القدر المحلل له كان عقدهن ثابتاً.
وليس للمسلم إجبار زوجته الكتابية على الغسل؛ لأن الاستمتاع ممكن من دونه. ولو اتصفت بما يمنع الاستمتاع كالنتن الغالب، وطول الأظفار المنفر كان له إلزامها بإزالته. وله منعها من الخروج إلى الكنائس والبيع، كما له منعها من الخروج من منزله. وعليه منعها من شرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، واستعمال النجاسات.
المقصد الثاني: في كيفية الاختيار وهو إما بالقول الدال على الإمساك، كقوله: اخترتك أو أمسكتك وما أشبهه. ولو رتب الاختيار ثبت عقد الأربع الأول، واندفع البواقي. ولو قال: لما زاد على الأربع اخترت فراقكن اندفعن، وثبت نكاح البواقي. ولو قال لواحدة: طلقتك، صح نكاحها وطلقت وكانت من الأربع. ولو طلق أربعاً اندفع البواقي، وثبت نكاح المطلقات ثم طلقن بالطلاق؛ لأنه لا يواجه به إلا الزوجة، إذ موضوعه إزالة قيد النكاح.
والظهار والإيلاء ليس لهما دلالة على الاختيار؛ لأنه قد يواجه به غير الزوجة. وأما بالفعل فمثل أن يطأ إذ ظاهره الاختيار. ولو وطئ أربعاً ثبت عقدهن واندفع البواقي. ولو قبّل، أو لمس بشهوة فهو اختيار، كما هو رجعة في حق المطلقة.
المقصد الثالث: في مسائل مترتبة على اختلاف الدين:
الأولى: إذا تزوج امرأة وبنتها ثم أسلم بعد الدخول بهما حرمتا، وكذا لو كان دخل بالأم. أما لو لم يكن دخل بواحدة بطل عقد الأم دون البنت، ولا اختيار. ولو أسلم عن أمة وبنتها، فإن كان وطأهما حرمتا، وإن كان وطئ إحداهما حرمت الأخرى، وإن لم يكن وطئ واحدة تخير. ولو أسلم عن أختين تخير أيتهما شاء ولو كان وطأهما. وكذا لو كان عنده امرأة وعمتها أو خالتها، ولم تجز العمة ولا الخالة الجمع. أما لو رضيتا صح الجمع، وكذا لو أسلم عن حرة وأمة.
الثانية: إذا أسلم المشرك وعنده حرة وثلاث إماء بالعقد، فأسلمن معه، تخير مع الحرة أمتين، إذا رضيت الحرة. ولو أسلم الحر وعنده أربع إماء بالعقد تخير أمتين، ولو كن حرائر ثبت عقده عليهن. وكذا لو أسلمن قبل انقضاء العدة. ولو كن أكثر من أربع فأسلم بعضهن كان بالخيار بين اختيارهن وبين التربص، فإن لحقن به أو بعضهن ولم يزدن عن أربع ثبت عقده عليهن، وإن زدن عن أربع تخير أربعاً. ولو اختار من سبق إسلامهن لم يكن له خيار في الباقيات ولو لحقن به قبل العدة.
الثالثة: اختلاف الدين فسخ لا طلاق، فإن كان من المرأة قبل الدخول سقط به المهر، وإن كان من الرجل فنصفه. وإن كان بعد الدخول فقد استقر ولم يسقط بالعارض. ولو كان المهر فاسداً وجب به مهر المثل مع الدخول، وقبله نصفه إن كان الفسخ من الرجل. ولو لم يسم مهراً والحال هذه كان لها المتعة كالمطلقة. ولو دخل الكتابي وأسلم وكان المهر خمراً ولم تقبضه ، يلزمه قيمته عند مستحليه.
الرابعة: إذا ارتد المسلم بعد الدخول حرم عليه وطء زوجته المسلمة، ووقف نكاحها على انقضاء العدة.
الخامسة: إذا أسلم وعنده أربع وثنيات مدخول بهن لم يكن له العقد على الأخرى، ولا على أخت إحدى زوجاته حتى تنقضي العدة مع بقائهن على الكفر. ولو أسلمت الوثنية فتزوج زوجها بأختها قبل إسلامه، وانقضت العـدة وهو على كفره، صح عقد الثانية. فلو أسلم قبل انقضاء عدة الأولى تخير، كما لو تزوجها وهي كافرة.
السادسة: إذا أسلم الوثني ثم ارتد وانقضت عدتها على الكفر فقد بانت منه. ولو أسلمت في العدة ورجع إلى الإسلام في العدة فهو أحق بها، وإن خرجت وهو كافر فلا سبيل له عليها.
السابعة: لو ماتت إحداهن بعد إسلامهن قبل الاختيار لم يبطل اختياره لها، فإن اختارها ورث نصيبه منها. وكذا لو متن كلهن كان له الاختيار. فإذا أختار أربعاً ورثهن؛ لأن الاختيار ليس استئناف عقد، وإنما هو تعيين لذات العقد الصحيح. ولو مات ومتن قبل الخيار احتسبن زوجات لأجل الإرث. ولو مات الزوج قبلهن كان عليهن الاعتداد منه؛ لأن منهن من تلزمه العدة، ولما لم يحصل الامتياز ألزمن العدة بأبعد الأجلين، إذ كل واحدة يحتمل أن تكون هي الزوجة وإن لا تكون، فالحامل تعتد بعدة الوفاة ووضع الحمل، والحائل تعتد بأبعد الأجلين من عدة الطلاق والوفاة.
الثامنة: إذا أسلم وأسلمن لزمه نفقة الجميع حتى يختار أربعاً فتسقط نفقة البواقي؛ لأنهن في حكم الزوجات. وكذا لو أسلمن أو بعضهن وهو على كفره. ولو لم يدفع النفقة كان لهن المطالبة بها عن الحاضر والماضي، سواء أسلم أو بقي على الكفر، ولا يلزمه النفقة لو أسلم دونهن لتحقق منع الاستمتاع منهن. ولو اختلف الزوجان في السابق إلى الإسلام ولم تكن بينة حكم بإسلامهما معاً. ولو مات قبل الخيار ورثنه جميعاً. ولو مات قبل إسلامهن لم يوقف شيء ؛ لأن الكافر لا يرث المسلم.
* * *
مسائل من لواحق العقد، وهي سبع:
الأولى: الكفاءة شرط في النكاح، وهي التساوي في الإسلام بالنسبة للمؤمنة. ومن الإسلام مودة قربى الرسول محمد (ص) وهم آل محمد الأئمة والمهديون، ومن يبغضهم فهو ناصبي.
لا يصح نكاح الناصب المعلن بعداوة أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام)؛ لارتكابه ما يعلم بطلانه من دين الإسلام.
ولا يشترط تمكنه من النفقة. ولو تجدد عجز الزوج عن النفقة لا تتسلط على الفسخ، ويجوز إنكاح الحرة العبد، والعربية العجمي والهاشمية غير الهاشمي، وبالعكس. وكذا أرباب الصنائع الدنية بذوات الدين والبيوتات. ولو خطب المؤمن القادر على النفقة وجب إجابته وإن كان أخفض نسباً. ولو امتنع الولي كان عاصياً. ولو انتسب الزوج إلى قبيلة فبان من غيرها، كان للزوجة الفسخ.
ويكره: أن يزوج الفاسق، ويتأكد في شارب الخمر، وأن تزوج المؤمنة بالمخالف وإن كان مستضعفاً، وهو الذي لا يعرف بعناد.
الثانية: إذا تزوج امرأة، ثم علم أنها كانت زنت لم يكن له فسخ العقد، ولا الرجوع على الولي بالمهر.
الثالثة: لا يجوز التعريض بالخطبة لذات العدة الرجعية؛ لأنها في حكم الزوجة، ويجوز للمطلقة ثلاثاً من الزوج وغيره، ولا يجوز التصريح لها منه ولا من غيره. أما المطلقة تسعاً للعدة ينكحها بينها رجلان، فلا يجوز التعريض لها من الزوج، ويجوز من غيره. ولا يجوز التصريح في العدة منه ولا من غيره.
وأما المعتدة البائنة، سواء كانت عن خلع أو فسخ، يجوز التعريض من الزوج وغيره، والتصريح من الزوج دون غيره . وصورة التعريض أن يقول: رب راغب فيك أو حريص عليك وما أشبهه. والتصريح أن يخاطبها بما لا يحتمل إلا النكاح، مثل أن يقول: إذا انقضت عدتك تزوجتك. ولو صرح بالخطبة في موضع المنع ، ثم انقضت العدة فنكحها، لم تحرم.
الرابعة: إذا خطب فأجابت حرم على غيره خطبتها، ولو تزوج ذلك الغير كان العقد صحيحاً.
الخامسة: إذا تزوجت المطلقة ثلاثاً، فلو شرطت في العقد أنه إذا حللها فلا نكاح بينهما بطل العقد، ولو شرطت الطلاق يصح النكاح ويبطل الشرط. وإن دخل بها فلها مهر المثل. أما لو لم يصرح بالشرط في العقد وكان ذلك في نيته أو نية الزوجة أو الولي لم يفسد. وكل موضع يصح العقد، فمع الدخول تحل للمطلق مع الفرقة وانقضاء العدة. وكل موضع يفسد لا تحل له؛ لأنه لا يكفي الوطء ما لم يكن عن عقد صحيح.
السادسة: نكاح الشغار باطل، وهو أن تتزوج امرأتان برجلين على أن يكون مهر كل واحدة نكاح الأخرى.
السابعة: يكره العقد على القابلة إذا ربته، وبنتها. وأن يزوج ابنه بنت زوجته من غيره إذا ولدتها بعد مفارقته، ولا بأس بمن ولدتها قبل نكاح الأب. وأن يتزوج بمن كانت ضرة لأمه قبل أبيه. وبالزانية قبل أن تتوب.
* * *
القسم الثاني
في النكاح المنقطع
وهو سائغ في دين الإسلام؛ لتحقق شرعيته، وعدم ما يدل على رفعه.
والنظر فيه يستدعي بيان: أركانه، وأحكامه.
فأركانه أربعة: الصيغة ، والمحل ، والأجل، والمهر.
أما الصيغة:
فهي اللفظ الذي وضعه الشرع وِصلةً إلى انعقاده، وهو إيجاب وقبول.
وألفاظ الإيجاب ثلاثة: زوجتك ومتعتك وأنكحتك، وأيها حصل وقع الإيجاب به، ولا ينعقد بغيرها، كلفظ التمليك والهبة والإجارة.
والقبول: هو اللفظ الدال على الرضا بذلك الإيجاب، كقوله: قبلت النكاح أو المتعة. ولو قال: قبلت واقتصر، أو رضيت جاز. ولو بدئ بالقبول فقال: تزوجت، فقالت: زوجتك، صح.
ولابد من الإشهاد أو الإشهار (الإعلان). ويكون الإشهاد بشاهدين. وأما الإشهار والإعلان فيكون بعد إيقاع العقد وقبل الدخول، ويتحقق بما يسمى عرفاً إشهار وإعلان كالدعوة إلى وليمة العرس، أو تعريف الناس بالوسيلة المتاحة.
وأما المحل:
فيشترط أن تكون الزوجة مسلمة، أو كتابية (كاليهودية والنصرانية). ويمنعها من شرب الخمر وارتكاب المحرمات.
وأما المسلمة فلا تتزوج منقطعاً إلا بالمسلم خاصة. ولا يجوز بالوثنية، ولا الناصبية المعلنة بالعداوة كالخوارج. ولا يتزوج منقطعاً بأمة وعنده حرة إلا بإذنها، ولو فعل كان العقد باطلاً. وكذا لا يدخل عليها بنت أختها ولا بنت أخيها إلا مع إذنها، ولو فعل كان العقد باطلاً.
ويستحب أن تكون مؤمنة عفيفة، وأن يسألها عن حالها مع التهمة، وليس شرطاً في الصحة. ويكره أن تكون زانية، فإن فعل فعليه منعها من الفجور، ويكره أن يتزوج منقطعاً ببكر، وإن اضطرا إليه فلا كراهة.
فروع ثلاثة:
الأول: إذا أسلم المشرك، وعنده كتابية بالعقد المنقطع، كان عقدها ثابتاً. وكذا لو كن أكثر. ولو سبقت هي. وقف على انقضاء العدة، إن كان دخل بها. فإن انقضت ولم يسلم، بطل العقد. وإن لحق بها قبل العدة، فهو أحق بها ما دام أجله باقيا فلو انقضى الأجل قبل إسلامه لم يكن له عليها سبيل.
الثاني: لو كانت غير كتابية، فأسلم أحدهما بعد الدخول، وقف الفسخ على انقضاء العدة، وتبين منه بانقضاء الأجل، أو خروج العدة. فأيهما حصل قبل إسلامه، انفسخ به النكاح .
الثالث: إن أسلم وعنده حرة وأمة، ثبت عقد الحرة، ووقف عقد الأمة، على رضاء الحرة.
وأما المهر :
فهو شرط في عقد الزواج المنقطع خاصة، يبطل بفواته العقد. ويشترط فيه أن يكون مملوكاً معلوماً، إما بالكيل أو الوزن أو المشاهدة أو الوصف. ويتقدر بالمراضاة، قل أو كثر، ولو كان كفاً من بر، ويلزم دفعه بالعقد.
ولو وهبها المدة قبل الدخول لزمه النصف، ولو دخل استقر المهر. ولو تبين فساد العقد، إما بأن ظهر لها زوج، أو كانت أخت زوجته، أو أمها، وما شاكل ذلك في موجبات الفسخ، ولم يكن دخل بها، فلا مهر لها. ولو قبضته كان له استعادته. ولو تبين ذلك بعد الدخول كان لها ما أخذت، وليس عليه تسليم ما بقي.
وأما الأجل:
فهو شرط في عقد الزواج المنقطع، ولو لم يذكره انعقد دائماً. وتقدير الأجل إليهما، طال أو قصر، وأقله ستة أشهر. ولا بد أن يكون معيناً، محروساً من الزيادة والنقصان. ولو عينا أجلاً
دون ستة أشهر بطل العقد، ولو كان من نية الزوج أن يهبها المدة قبل العقد بطل أيضاً.
ولا يحصل فك رباط الزوجية بينهما إلا بانقضاء المدة، أو أن يهبها الزوج. وللزوج أن يعقد عليها مرة أخرى في العدة .
وأما أحكامه فثمانية:
الأول: إذا ذكر الأجل والمهر صح العقد، ولو أخل بالمهر مع ذكر الأجل بطل العقد، ولو أخل بالأجل حسب بطل منقطعاً وانعقد دائماً.
الثاني: كل شرط يشترط فيه فلابد أن يقرن بالإيجاب والقبول، ولا حكم لما يذكر قبل العقد ما لم يستعد فيه، ولا لما يذكر بعده، ولا يشترط مع ذكره في العقد إعادته بعده.
الثالث: للبالغة الرشيدة (وهي من أتمت 18 عاماً لا من بلغت سن التكليف عاقلة فقط) أن تزوج نفسها، وليس لوليها اعتراض، بكراً كانت أو ثيباً.
الرابع: يجوز أن يشترط عليها الإتيان ليلاً أو نهاراً.
الخامس: يجوز العزل للزوج ، ولا يقف على إذنها، ويلحق الولد به لو حملت وإن عزل؛ لاحتمال سبق المني من غير تنبه.
السادس: لا يقع بها طلاق، وتبين بانقضاء المدة. ويقع لعان، ويقع بها ظهار وإيلاء، ويحرم ترك وطئها أكثر من أربعة أشهر كالدائمة.
السابع: لا يثبت بهذا العقد ميراث بين الزوجين، ولو شرطا التوارث أو شرط أحدهما يلزم عملاً بالشرط.
الثامن: إذا انقضى أجلها بعد الدخول فعدتها حيضتان، وإن كانت لا تحيض ولم تيئس فخمسة وأربعون يوماً. وتعتد من الوفاة، ولو لم يدخل بها، بأربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت حائلاً، وبأبعد الأجلين إن كانت حاملاً. ولو كانت أمة كانت عدتها حائلاً شهرين وخمسة أيام.
* * *
القسم الثالث
في نكاح الإماء
وهو إما بالملك أو العقد.
والعقد ضربان: دائم ومنقطع.
وقد مضى ذكر كثير من أحكامهما.
وأعرض عن التفصيل؛ لعدم الحاجة في الوقت الحاضر.
* * *
ويلحق بالنكاح النظر في أمور خمسة:
النظر الأول: ما يرد به النكاح
وهو يستدعي بيان ثلاثة مقاصد:
الأول : في العيوب
وهي إما في الرجل، وإما في المرأة، فعيوب الرجل ثلاثة: الجنون، والخصاء، والعنن.
فالجنون: سبب لتسليط الزوجة على الفسخ، دائماً كان أو أدواراً، وكذا المتجدد بعد العقد وقبل الوطء، أو بعد العقد والوطء.
والخصاء: وهو سل الأنثيين، وفي معناه الوجاء. وإنما يفسخ به مع سبقه على العقد.
والعنن: مرض تضعف معه القوة عن نشر العضو، بحيث يعجر عن الإيلاج، ويفسخ به وإن تجدد بعد العقد ، لكن بشرط أن لا يطأ زوجته ولا غيرها. فلو وطأها ولو مرة، ثم عنَّ أو أمكنه وطء زوجة غيرها مع عننه عنها لم يثبت لها الخيار. وكذا لو وطأها دبراً وعنَّ قبلاً، وتفسخ بالجب؛ لتحقق العجز عن الوطء، بشرط أن لا يبقى له ما يمكن معه الوطء. ولو حدث الجب لم يفسخ به، ولو بان خنثى لها الفسخ حتى مع إمكان الوطء. ولا يرد الرجل بعيب غير ذلك.
وعيوب المرأة سبعة: الجنون والجذام والبرص والقرن (تشوه الفرج) والإفضاء والعرج والعمى.
أما الجنون: فهو فساد العقل، فلا يثبت الخيار مع السهو السريع زواله، ولا مع الاغماء العارض مع غلبة المرة، وإنما يثبت الخيار فيه مع استقراره .
وأما الجذام: فهو الذي يظهر معه يبس الأعضاء، وتناثر اللحم. ولا تجزي قوة الاحتراق، ولا تعجر الوجه، ولا استدارة العين.
وأما البرص: فهو البياض الذي يظهر على صفحة البدن ولا يقضي بالتسلط مع الاشتباه.
وأما تشوه الفرج: فإذا منع من الاستمتاع ولم يمكن علاجه يفسخ به.
وأما الافضاء: فهو تصيير المسلكين واحداً.
وأما العرج: فيدخل في أسباب الفسخ، إذا بلغ الإقعاد.
المقصد الثاني : في أحكام العيوب
وفيه مسائل:
الأولى: العيوب الحادثة للمرأة قبل العقد مبيحة للفسخ، وما يتجدد بعد العقد. والوطء لا يفسخ به. والمتجدد بعد العقد وقبل الدخول لا يبيح الفسخ، تمسكاً بمقتضى العقد السليم عن معارض.
الثانية: خيار الفسخ على الفور، فلو علم الرجل أو المرأة بالعيب فلم يبادر بالفسخ لزم العقد، وكذا الخيار مع التدليس.
الثالثة: الفسخ بالعيب ليس بطلاق، فلا يطرد معه تنصيف المهر ولا يعد في الثلث.
الرابعة: يجوز للرجل الفسخ من دون إذن الحاكم، وكذا المرأة. نعم، مع ثبوت العنن يفتقر إلى الحاكم لضرب الأجل. ولها التفرد بالفسخ عند انقضائه وتعذر الوطء.
الخامسة: إذا اختلفا في العيب فالقول قول منكره مع عدم البينة.
السادسة: إذا فسخ الزوج بأحد العيوب، فإن كان قبل الدخول فلا مهر وإن كان بعده فلها المسمى؛ لأنه ثبت بالوطء ثبوتا مستقراً فلا يسقط بالفسخ. وله الرجوع به على المدلس. وكذا لو فسخت قبل الدخول فلا مهر، إلا في العنن (لها نصف المهر)، ولو كان بعده كان لها المسمى. وكذا لو كان بالخصاء بعد الدخول فلها المهر كاملاً إن حصل الوطء.
السابعة: لا يثبت العنن إلا بإقرار الزوج، أو البينة بإقراره، أو نكوله أو البينة الطبية، ولو لم يكن ذلك وادعت عننه فأنكر ، فالقول قوله مع يمينه.
الثامنة: إذا ثبت العنن، فإن صبرت فلا كلام، وإن رفعت أمرها إلى الحاكم أجلّها سنة من حين الترافع، فإن واقعها أو واقع زوجة غيرها فلا خيار، وإلا كان لها الفسخ ونصف المهر .
المقصد الثالث : في التدليس
وفيه مسائل:
الأولى: إذا تزوج امرأة وشرط كونها بكراً، فوجدها ثيباً لم يكن له الفسخ؛ لإمكان تجدده بسبب خفي. وكان له أن ينقص من مهرها ما بين مهر البكر والثيب ، ويرجع فيه إلى العرف.
الثانية: إذا تزوج منقطعاً بامرأة فبانت كتابية، لم يكن له الفسخ من دون هبة المدة، ولا له إسقاط شيء من المهر. وكذا لو تزوجها دائماً. نعم، لو شرط إسلامها كان له الفسخ إذا وجدها على خلافه.
الثالثة: إذا تزوج رجلان بامرأتين، وأدخلت خطئاً امرأة كل واحد منهما على الآخر فوطأها شبهة، فكل واحد منهما على واطئها مهر المثل، وترد كل واحدة على زوجها، وعليه مهرها المسمى. وليس له وطؤها حتى تنقضي عدتها من وطء الأول. ولو ماتتا في العدة أو مات الزوجان ورث كل واحد منهما زوجة نفسه وورثته.
الرابعة: كل موضع حكمنا فيه ببطلان العقد، فللزوجة مع الوطء مهر المثل، لا المسمى. وكذا كل موضع حكمنا فيه بصحة العقد، فلها مع الوطء المسمى وإن لحقه الفسخ.
النظر الثاني: في المهور
وفيه أطراف:
الأول : في المهر الصحيح .
وهو كل ما يصح أن يملك، عيناً كان أو منفعة. ويصح العقد على منفعة الحر، كتعليم الصنعة، والسورة من القرآن، وكل عمل محلل، وعلى إجارة الزوج نفسه مدة معينة. ولو عقد الكتابيان على خمر أو خنزير وأسلما، أو أسلم أحدهما قبل القبض، دفع القيمة لخروجه عن ملك المسلم، سواء كان عيناً أو مضموناً. ولا تقدير في المهر، بل ما تراضى عليه الزوجان وإن قلّ ما لم يقصر عن التقويم، كحبة من حنطة. وكذا لا حد له في الكثرة.
ويكفي في المهر مشاهدته إن كان حاضراً ولو جهل وزنه أو كيله، كالصبرة من الطعام، والقطعة من الذهب. ويجوز أن يتزوج امرأتين أو أكثر بمهر واحد، ويكون المهر بينهن بالسوية.
ولو تزوجها على شيء غير مشاهد ولا موصوف كان لها الوصف الوسط بين الجيد والرديء. ولو تزوجها على كتاب الله وسنة نبيه (ص)، ولم يسم لها مهراً، كان مهرها خمس مئة درهم فضة وكل درهم (12.5غم).
ولو سمى للمرأة مهراً، ولأبيها شيئاً معيناً، لزم ما سمى لها وسقط ما سماه لأبيها. ولو أمهرها مهراً، وشرط أن تعطي أباها منه شيئاً معيناً يصح المهر، ولا يلزم الشرط.
ولابد من تعيين المهر بما يرفع الجهالة، فلو أصدقها تعليم سورة وجب تعيينها، ولو أبهم فسد المهر ، وكان لها مع الدخول مهر المثل، ولو أمرته بتلقين غيرها لم يلزمه؛ لأن الشرط لم يتناولها.
ولو أصدقها تعليم صنعة لا يحسنها، أو تعليم سورة جاز؛ لأنه ثابت في الذمة. ولو تعذر التوصل كان عليه أجرة التعليم. ولو أصدقها ظرفاً أنه خلّ فبان خمراً كان لها مثل الخل، وكذا لو تزوجها على عبد فبان حراً أو مستحقاً. وإذا تزوجها بمهر سراً، وبآخر جهراً كان لها الأول.
والمهر مضمون على الزوج فلو تلف قبل تسليمه كان ضامناً له بقيمته وقت تلفه. ولو وجدت به عيباً كان لها رده بالعيب، ولو عاب بعد العقد كانت بالخيار في أخذه، أو أخذ القيمة. ولها أن تمنع من الدخول بها حتى تقبض مهرها، سواء كان الزوج موسراً أو معسراً. وليس لها ذلك بعد الدخول.
ويستحب: تقليل المهر. ويكره: أن يتجاوز السنة، وهو خمسمائة درهم. وأن يدخل بالزوجة حتى يقدم مهرها، أو شيئاً منه، أو غيره، ولو هدية.
الطرف الثاني : في التفويض .
وهو قسمان: تفويض البضع، وتفويض المهر.
أما الأول: فهو أن لا يذكر في العقد مهراً أصلاً، مثل أن يقول: زوجتك فلانة، أو تقول هي: زوجتك نفسي، فيقول: قبلت.
وفيه مسائل:
الأولى: ذكر المهر ليس شرطاً في العقد الدائم، فلو تزوجها ولم يذكر مهراً، أو شرط أن لا مهر، صح العقد. فإن طلقها قبل الدخول فلها المتعة ، حرة كانت أو مملوكة، ولا مهر. وإن طلقها بعد الدخول، فلها مهر أمثالها ولا متعة. فإن مات أحدهما قبل الدخول وقبل الفرض فلا مهر لها ولا متعة، ولا يجب مهر المثل بالعقد، وإنما يجب بالدخول.
الثانية: المعتبر في مهر المثل حال المرأة في الشرف والجمال وعادة نسائها، ما لم يتجاوز السنة وهو خمسمائة درهم. والمعتبر في المتعة حال الزوج ، فالغني يمتع بالسيارة والدار، والفقير بالخاتم وما شاكله. وتستحق المتعة المطلقة التي لم يفرض لها مهر، ولم يدخل بها.
الثالثة: لو تراضيا بعد العقد بفرض المهر جاز؛ لأن الحق لهما سواء كان بقدر مهر المثل أو أزيد أو أقل، وسواء كان عالمين أو جاهلين، أو كان أحدهما عالماً والآخر جاهلاً، وفرض المهر إليهما ابتداءً وانتهاءً.
الرابعة: لو تزوج المملوكة ثم اشتراها فسد عقد النكاح، ولا مهر لها ولا متعة.
الخامسة: يتحقق التفويض في البالغة العاقلة، ولا يتحقق في الصغيرة، ولا في البالغة السفيهة. ولو زوّجها الولي بدون مهر المثل أو لم يذكر مهراً صح العقد، وثبت لها مهر المثل بنفس العقد. ولو طلقها قبل الدخول كان لها نصف مهر المثل. ويجوز أن يزوج المولى أمته مفوضة ؛ لاختصاصه بالمهر.
وأما الثاني: وهو تفويض المهر، فهو أن يذكر على الجملة، ويفوض تقديره إلى أحد الزوجين، فإذا كان الحاكم هو الزوج لم يتقدّر في طرف الكثرة ولا القلة، وجاز أن يحكم بما شاء. ولو كان الحكم إليها لم يتقدر في طرف القلة، ويتقدر في طرف الكثرة؛ إذ لا يمضي حكمها فيما زاد عن مهر السنة، وهو خمسمائة درهم.
ولو طلقها قبل الدخول وقبل الحكم ألزم من إليه الحكم أن يحكم، وكان لها النصف. ولو كانت هي الحاكمة ، فلها النصف ما لم تزد في الحكم عن مهر السنة. ولو مات الحاكم قبل الحكم وقبل الدخول يسقط المهر، ولها المتعة.
الطرف الثالث : في الأحكام .
وفيه مسائل:
الأولى: إذا دخل الزوج قبل تسليم المهر كان ديناً عليه، ولم يسقط بالدخول، سواء طالت مدتها أو قصرت، طالبت به أو لم تطالب. والدخول الموجب للمهر هو الوطء قبلاً أو دبراً، ولا يجب بالخلوة.
الثانية: إذا لم يسم لها مهراً ، وقدّم لها شيئاً، ثم دخل كان ذلك مهرها.
الثالثة: إذا طلق قبل الدخول كان عليه نصف المهر. ولو كان دفعه استعاد نصفه إن كان باقياً، أو نصف المهر. ولو كان دفعه استعاد نصفه إن كان باقياً، أو نصف مثله إن كان تالفاً. ولو لم يكن له مثل فنصف قيمته. ولو اختلفت قيمته في وقت العقد ووقت القبض، لزمها أقل الأمرين. ولو نقصت عينه أو صفته، مثل عور الدابة أو نسيان الصنعة، كان له نصف القيمة سليماً، ولا يجبر على أخذ نصف العين.
وأما لو نقصت قيمته لتفاوت السعر كان له نصف العين قطعاً، وكذا لو زادت قيمته لتزايد السوق؛ إذ لا نظر إلى القيمة مع بقاء العين. ولو زاد بكبر أو سمن كان له نصف قيمته من دون الزيادة. ولا تجبر المرأة على دفع العين. ولو حصل له نماء كالولد واللبن كان للزوجة خاصة، وله نصف ما وقع عليه العقد. ولو أصدقها حيواناً حاملاً كان له النصف منهما. ولو أصدقها تعليم صناعة، ثم طلقها قبل الدخول كان لها نصف أجرة تعليمها، ولو كان علمها قبل الطلاق رجع بنصف الأجرة.
الرابعة: لو أبرأته من الصداق، ثم طلقها قبل الدخول، لم يرجع بنصفه.
الخامسة: إذا شرط في العقد ما يخالف المشروع، مثل أن لا يتزوج عليها، أو لا يتسرّى، بطل الشرط ، وصح العقد والمهر. وكذا لو شرط تسليم المهر في أجل - فإن لم يسلمه كان العقد باطلاً - لزم العقد والمهر، وبطل الشرط.
السادسة: إذا شرط أن لا يخرجها من بلدها يلزم الشرط.
السابعة: لو طلقها بائناً، ثم تزوجها في عدته، ثم طلقها قبل الدخول، كان لها نصف المهر.
* * *
النظر الثالث: في القسم والنشوز والشقاق
القول في القسم:
والكلام فيه، وفي لواحقه.
أما الأول :
فنقول: لكل واحد من الزوجين حق، يجب على صاحبه القيام به، فكما يجب على الزوج النفقة من الكسوة والمأكل والمشرب والإسكان، فكذا يجب على الزوجة التمكين من الاستمتاع، وتجنب ما يتنفر منه الزوج.
والقسمة بين الأزواج حق على الزوج، حراً كان أو عبداً، ولو كان عنيناً أو خصياً، وكذا لو كان مجنوناً، ويقسم عنه الولي. فمن له زوجة واحدة فلها ليلة من أربع، وله ثلاث يضعها حيث شاء. وللاثنتين ليلتان، وللثلاث ثلاث، والفاضل له. ولو كان أربع، كان لكل واحدة ليلة، بحيث لا يحل له الإخلال بالمبيت إلا مع العذر أو السفر، أو أذنهن أو أذن بعضهن، فيما تختص الآذنة به. ويجوز أن يجعل القسمة أزيد من ليلة لكل واحدة بشرط رضاهن.
ولو تزوج أربعاً دفعة، يبدأ بمن شاء حتى يأتي عليهن، ثم يجب التسوية على الترتيب. والواجب في القسمة المضاجعة لا المواقعة، ويختص الوجوب بالليل دون النهار.
وإذا كانت الأمة مع الحرة أو الحرائر، فللحرة ليلتان وللأمة ليلة، والكتابية كالأمة في القسمة. ولو كانت عنده مسلمة وكتابية كان للمسلمة ليلتان، وللكتابية ليلة. ولو كانتا أمة مسلمة وحرة كتابية، كانتا سواء في القسمة. وليس للموطوءة بالملك قسمة، واحدة كانت أو أكثر. وله أن يطوف على الزوجات في بيوتهن، وأن يستدعيهن إلى منزله، وأن يستدعي بعضاً ويسعى إلى بعض.
وتختص البكر عند الدخول بسبع ليال، والثيب بثلاث، ولا يقضي ذلك. ولو سبق إليه زوجتان، أو زوجات في ليلة، يبتدئ بمن شاء. وتسقط القسمة بالسفر، ويستحب أن يقرع بينهن إذا أراد استصحاب بعضهن، ولا يجوز العدول عمن خرج اسمها إلى غيرها. ولا يتوقف قسم الأمة على إذن المالك.
ويستحب: التسوية بين الزوجات في الإنفاق، وإطلاق الوجه، والجماع، وأن يكون في صبيحة كل ليلة عند صاحبتها. وله منعها عن الخروج من منزلة إلا لحق واجب، كالبر بالوالدين وتجنب عقوقهما.
وأما اللواحق، فمسائل:
الأولى: القسم حق مشترك بين الزوج والزوجة؛ لاشتراك ثمرته، فلو أسقطت حقها منه كان للزوج الخيار. ولها أن تهب ليلتها للزوج أو لبعضهن مع رضاه. فإن وهبت للزوج وضعها حيث شاء، وإن وهبتها لهن وجب قسمتها عليهن، وإن وهبتها لبعضهن اختصت بالموهوبة. وكذا لو وهبت ثلاث منهن لياليهن للرابعة لزمه المبيت عندها من غير إخلال.
الثانية: إذا وهبت فرضي الزوج صح، ولو رجعت كان لها، ولكن لا يصح في الماضي، بمعنى أنه لا يقضي، ويصح فيما يستقبل. ولو رجعت ولم يعلم لم يقض ما مضى قبل علمه.
الثالثة: لو التمست عوضاً عن ليلتها، فبذله الزوج، لا يصح ولا يلزم.
الرابعة: لا قسمة للصغيرة، ولا المجنونة المطبقة، ولا الناشزة ولا المسافرة بغير إذنه، بمعنى أنه لا يقضي لهن عما سلف.
الخامسة: لا يزور الزوج الضرة في ليلة ضرتها. وإن كانت مريضة جاز له عيادتها ، فإن استوعب الليلة عندها لا يقضيها. ولو دخل فواقعها، ثم عاد إلى صاحبة الليلة، لم يقض المواقعة في حق الباقيات؛ لأن المواقعة ليست من لوازم القسمة.
السادسة: لو جار بالقسمة قضى لمن أخل بليلتها.
السابعة: لو كان له أربع فنشزت واحدة، ثم قسم خمس عشرة، فوفى اثنتين ثم أطاعت الرابعة ، وجب أن يوفي الثالثة خمس عشرة والتي كانت ناشزة خمساً. فيقسم للناشزة ليلة، وللثالثة ثلاثاً، خمسة أدواراً، فتستوفي الثالثة خمس عشرة والناشزة خمساً، ثم يستأنف.
الثامنة: لو طاف على ثلاث، وطلق الرابعة بعد دخول ليلتها ثم تزوجها، لا يجب لها قضاء تلك الليلة.
التاسعة: لو كان له زوجتان في بلدين، فأقام عند واحدة عشراً كان عليه للأخرى مثلها.
العاشرة: لو تزوج امرأة ولم يدخل بها، فأقرع للسفر فخرج اسمها، جاز له مع العود توفيتها حصة التخصيص؛ لأن ذلك لا يدخل في السفر، إذ ليس السفر داخلاً في القسم.
القول في النشوز:
وهو الخروج عن الطاعة، وأصله الارتفاع، وقد يكون من الزوج كما يكون من الزوجة. فمتى ظهر من الزوجة إمارته، مثل أن تقطب في وجهه، أو تتبرم بحوائجه، أو تغير عادتها في آدابها، جاز له هجرها في المضجع بعد عظتها.
وصورة الهجران يحول إليها ظهره في الفراش، ولا يجوز له ضربها والحال هذه.
أما لو وقع النشوز، وهو الامتناع عن طاعته فيما يجب له، جاز ضربها، ولو بأول مرة. ويقتصر على ما يؤمل معه رجوعها، ما لم يكن مدمياً ولا مبرحاً.
وإذا ظهر من الزوج النشوز بمنع حقوقها، فلها المطالبة، وللحاكم إلزامه، ولها ترك بعض حقوقها، من قسمة ونفقة، استمالة له. ويحل للزوج قبول ذلك.
القول في الشقاق:
وهو فعال من الشق، كأن كل واحد منهما في شق، فإن كان النشوز منهما، وخشي الشقاق، بعث الحاكم حكماً من أهل الزوج، وآخر من أهل المرأة ، على الأولى. ولو كان من غير أهلهما، أو كان أحدهما، جاز أيضاً.
وبعثهما على سبيل التحكيم، فإن اتفقا على الاصلاح فعلاه، وإن اتفقا على التفريق لم يصح إلا برضا الزوج في الطلاق، ورضا المرأة في البذل إن كان خلعاً.
تفريع: لو بعث الحكمان، فغاب الزوجان أو أحدهما، لم يجز الحكم.
مسألتان:
الأولى: ما يشترطه الحكمان يلزم إن كان سائغاً، وإلا كان لهما نقضه.
الثانية: لا يجوز أن يمنعها شيئاً من حقوقها الواجبة. ولو منعها شيئاً من حقوقها المستحبة، أو أغارها، فبذلت له بذلاً ليخلعها، صح. وليس ذلك إكراهاً.
* * *
النظر الرابع: في أحكام الأولاد
وهي قسمان:
الأول : في إلحاق الأولاد
والنظر في: الزوجات، والموطوءات بالملك، والموطوءات بالشبهة.
الأول: أحكام ولد الموطوءة بالعقد الدائم والمنقطع.
وهم يلحقون بالزوج بشروط ثلاثة: الدخول، ومضي ستة أشهر من حين الوطء، وأن لا يتجاوز أقصى الوضع، وهو عشرة أشهر.
فلو لم يدخل بها لم يلحقه، وكذا لو دخل وجاءت به لأقل من ستة أشهر حياً كاملاً. وكذا لو اتفقا على انقضاء ما زاد عن عشرة أشهر من زمان الوطء، أو ثبت ذلك بغيبة متحققة تزيد عن أقصى الحمل، ولا يجوز له إلحاقه بنفسه والحال هذه.
ولو وطأها واطئ فجوراً كان الولد لصاحب الفراش، ولا ينتفي عنه إلا باللعان أو البينة؛ لأن الزاني لا ولد له. ولو اختلفا في الدخول، أو في ولادته، فالقول قول الزوج مع يمينه. ومع الدخول وانقضاء أقل الحمل لا يجوز له نفي الولد ، لمكان تهمة أمه بالفجور، ولا مع تيقنه. ولو نفاه لم ينتف إلا باللعان أو البينة.
ولو طلقها فاعتدت، ثم جاءت بولد ما بين الفراق إلى أقصى مدة الحمل لحق به إذا لم توطأ ولا شبهة. ولو زنى بامرأة فأحبلها ثم تزوج بها لم يجز إلحاقه به، وكذا لو زنى بأمة فحملت ثم ابتاعها. ويلزم الأب الإقرار بالولد مع اعترافه بالدخول وولادة زوجته له، فلو أنكره والحال هذه لم ينتف إلا باللعان أو البينة. وكذا لو اختلفا في المدة.
ولو طلق امرأته، فاعتدت وتزوجت ، أو باع أمته فوطأها المشتري، ثم جاءت بولد لدون ستة أشهر كاملاً، فهو للأول. وإن كان لستة أشهر فهو للثاني.
أحكام ولد الموطوءة بالملك:
إذا وطأ الأمة، فجاءت به بولد لستة أشهر فصاعداً لزمه الإقرار به، لكن لو نفاه لم يلاعن أمته، وحكم بنفيه ظاهراً. ولو اعترف به بعد ذلك اُلحق به. ولو وطأ الأمة المولى وأجنبي، حكم بالولد للمولى.
ولو انتقلت إلى موال بعد وطء كل واحد منهم لها، حكم بالولد لمن هي عنده إن جاءت به لستة أشهر فصاعداً منذ يوم وطأها، وإلا كان للذي قبله إن كان لوطئه ستة أشهر فصاعداً، وإلا كان للذي قبله، وهكذا الحكم في كل واحد منهم.
أحكام ولد الشبهة:
الوطء بالشبهة يلحق به النسب، فلو اشتبهت عليه أجنبية، فظنها زوجته أو مملوكته فوطأها اُلحق به الولد. وكذا لو وطأ أمة غيره لشبهة، لكن في الأمة يلزمه قيمة الولد يوم سقط حياً.
ولو تزوج امرأة لظنها خالية، أو لظنها موت الزوج أو طلاقه، فبان أنه لم يمت ولم يطلق، ردت على الأول بعد الاعتداد من الثاني، واختص الثاني بالأولاد مع الشرائط، سواء استندت في ذلك إلى شهادة شهود، أو إخبار مخبر.
القسم الثاني : في أحكام الولادة .
والكلام في: سنن الولادة، واللواحق.
أما سنن الولادة:
فالواجب منها: استبداد النساء بالمرأة عند الولادة دون الرجال إلا مع عدم النساء، ولا بأس بالزوج وإن وجدت النساء.
والندب ستة: غسل المولود، والأذان في أذنه اليمنى، والإقامة في اليسرى، وتحنيكه بماء الفرات، وبتربة الحسين (ع)، فإن لم يوجد ماء الفرات فبماء فرات، ولو لم يوجد إلا ماء ملح جعل فيه شيء من التمر أو العسل، ثم يسميه أحد الأسماء المستحسنة، وأفضلها ما يتضمن العبودية لله سبحانه، وأسماء الأنبياء والأئمة والصالحين والصالحات (ع)، وأن يكنيه، وتستحب التسمية يوم السابع. ويكره: أن يكنيه أبا القاسم إذا كان اسمه محمداً.
وأما اللواحق، فثلاثة:
سنن اليوم السابع، والرضاع، والحضانة.
وسنن اليوم السابع أربع: الحلق، والختان، وثقب الأذن، والعقيقة.
أما الحلق: فمن السنة حلق رأسه يوم السابع مقدماً على العقيقة، والتصدق بوزن شعره ذهباً أو فضة. ويكره: أن يحلق من رأسه موضع ، ويترك موضع، وهي القنازع.
وأما الختان: فمستحب يوم السابع، ولو أخر جاز. ولو بلغ ولم يختن وجب أن يختن نفسه. والختان واجب، ولو أسلم كافر غير مختن وجب أن يختن ولو كان مسناً.
وأما العقيقة: فيستحب أن يعق عن الذكر ذكر، وعن الأنثى أنثى، وهي مستحبة. ولو تصدق بثمنها لم يجز في القيام بالسنة. ولو عجز عنها أخرها حتى يتمكن، ولا يسقط الاستحباب.
ويستحب: أن تجتمع فيها شروط الأضحية، وأن تخص القابلة منها بالرجل والورك. ولو لم تكن قابلة أعطي الأم تتصدق به. ولو لم يعق الوالد استحب للولد أن يعق عن نفسه إذا بلغ.
ولو مات الصبي يوم السابع فإن مات قبل الزوال سقطت، ولو مات بعده لم يسقط الاستحباب. ويكره للوالدين أن يأكلا منها، وأن يكسر شيء من عظامها التي تسير عليها (اليدان والرجلان)، بل يفصل أعضاؤها.
وأما الرضاع: فلا يجب على الأم إرضاع الولد، ولها المطالبة بأجرة إرضاعه، وله استئجارها إذا كانت بائناً. ويجب على الأب بذل أجرة الرضاع إذا لم يكن للولد مال، ولأمه أن ترضعه بنفسها أو بغيرها، ولها الأجرة. وللمولى إجبار أمته على الرضاع. ونهاية الرضاع حولان، ويجوز الاقتصار على أحد وعشرين شهراً، والأفضل أن لا ينقصه عن ذلك. ويجوز الزيادة عن الحولين شهراً وشهرين. ولا يجب على الوالد دفع أجرة ما زاد عن حولين. والأم أحق بإرضاعه إذا طلبت ما يطلب غيرها. ولو طلبت زيادة كان للأب نزعه وتسليمـه إلى غيرها. ولو تبرعت أجنبية بإرضاعه فرضيت الأم بالتبرع فهي أحق به، وإن لم ترض فللأب تسليمه إلى المتبرعة. ويستحب: أن يرضع الصبي بلبن أمه، فهو أفضل.
وأما الحضانة: فالأم أحق بالولد مدة الرضاع، وهي حولان، ذكر أكان أو أنثى، إذا كانت حرة مسلمة. ولا حضانة للأمة، ولا للكافرة مع المسلم.
فإذا فصل فالوالد أحق بالذكر، والأم أحق بالأنثى حتى تبلغ سبع سنين، ثم يكون الأب أحق بها. ولو تزوجت الأم سقطت حضانتها عن الذكر والأنثى، وكان الأب أحق بهما. ولو مات كانت الأم أحق بهما من الوصي.
وكذا لو كان الأب مملوكاً أو كافراً، كانت الأم الحرة أحق به وإن تزوجت. فلو أعتق كان حكمه حكم الحر. فإن فقد الأبوان فالحضانة لأب الأب، فإن عدم كانت الحضانة للأقارب، وترتبوا ترتيب الإرث.
ومن لواحق الحضانة، ثلاث مسائل:
الأولى: إذا طلبت الأم للرضاع أجرة زائدة عن غيرها، فله تسليمه إلى الأجنبية، ولا تسقط حضانة الأم.
الثانية: إذا بلغ الولد عاقلاً سقطت ولاية الأبوين عنه، وكان الخيار إليه في الانضمام إلى من شاء .
الثالثة: إذا تزوجت سقطت حضانتها، فإن طلقها رجعية فالحكم باق، وإن بانت منه رجعت حضانتها.
* * *
النظر الخامس: في النفقات
لا تجب النفقة إلا بأحد أسباب ثلاثة: الزوجية، والقرابة، والملك.
القول: في نفقة الزوجة.
وتثبت النفقة للزوجة، مسلمة كانت أو كتابية أو أمة، صغيرة كانت أو كبيرة، دائماً عقدها أو منقطعاً، بشرط أن لا تكون ناشزاً.
وأما قدر النفقة، فضابطه: القيام بما تحتاج إليه المرأة من طعام وإدام وكسوة وإسكان وإخدام وآلة الإدهان، تبعاً لعادة أمثالها من أهل البلد. ويكفي في قدر الإطعام سد الخلة.
ويرجع في الإخدام إلى عادتها، فإن كانت من ذوي الإخدام وجب، وإلا خدمت نفسها. وإذا وجبت الخدمة ، فالزوج بالخيار بين الإنفاق على خادمها إن كان لها خادم، وبين ابتياع خادم، أو استئجارها، أو الخدمة لها بنفسه. وليس لها التخيير. ولا يلزمه أكثر من خـادم واحد ولو كانت من ذوي الحشم؛ لأن الاكتفاء يحصل بها. ومن لا عادة لها بالإخدام ، يخدمها مع المرض.
ويرجع في جنس المأدوم والملبوس إلى عادة أمثالها من أهل البلد، وكذا في المسكن. ولها المطالبة بالتفرد بالمسكن. عن مشارك غير الزوج.
ولا بد في الكسوة من زيادة في الشتاء للتدثر، كاللحاف للنوم. ويرجع في جنسها إلى عادة أمثال المرأة. وتزاد إذا كانت من ذوي التجمل، زيادة على ثياب البذلة، بما يتجمل أمثالها به.
وأما اللواحق، فمسائل:
الأولى: لو قالت: أنا أخدم نفسي ولي نفقة الخادم لم يجب إجابتها، ولو بادرت بالخدمة من غير إذن لم تكن لها المطالبة.
الثانية: الزوجة تملك نفقة يومها، فلو منعها وانقضى اليوم استقرت نفقة ذلك اليوم، وكذا نفقة الأيام وإن لم يقدرها الحاكم، ولم يحكم بها. ولو دفع لها نفقة لمدة وانقضت تلك المدة فقد ملكت النفقة. ولو استفضلت منها، أو أنفقت على نفسها من غيرها كانت ملكاً لها. ولو دفع إليها كسوة لمدة جرت العادة ببقائها إليها صح. ولو أخلقتها قبل المدة لم يجب عليه بدلها. ولو انقضت المدة والكسوة باقية، طالبته بكسوة لما يستقبل. ولو سلم إليها نفقة لمدة، ثم طلقها قبل انقضائها، استعاد نفقة الزمان المتخلف بعد يوم الانفصال (سواء كان يوم الطلاق بالنسبة للبائن أم آخر يوم في العدة بالنسبة للرجعية).
الثالثة: إذا دخل بها واستمرت تأكل معه وتشرب على العادة لم تكن لها مطالبته بمدة مؤاكلته، ولا تسقط النفقة لو تزوجها ولم يدخل بها وانقضت مدة لم تطالبه بنفقة، بل لها أن تطالبه بها بعد ذلك.
فرع: لو نشزت وعادت إلى الطاعة لم تجب النفقة حتى يعلم، وينقضي زمان يمكنه الوصول إليها أو وكيله. ولو ارتدت سقطت النفقة، ولو عادت فأسلمت عادت نفقتها عند إسلامها.
الرابعة: إذا ادعت البائن إنها حامل صرفت إليها النفقة يوماً فيوماً، فإن تبين الحمل وإلا استعيدت.
فرع: إذا لاعنها فبانت منه وهي حامل، فلا نفقة لها لانتفاء الولد، إلا إن أقامت بينة على أنه ابنه. وكذا لو طلقها، ثم ظهر بها حمل فأنكره ولاعنها. ولو أكذب نفسه بعد اللعان واستلحقه لزمه الإنفاق؛ لأنه من حقوق الولد.
الخامسة: إذا كان له على زوجته دين، جاز أن يقاضيها يوماً فيوماً إن كانت موسرة، ولا يجوز مع إعسارها؛ لأن قضاء الدين فيما يفضل عن القوت، ولو رضيت بذلك لم يكن له الامتناع.
السادسة: نفقة الزوجة مقدمة على الأقارب، فما فضل عن قوته صرفه إليها، ثم لا يدفع إلى الأقارب إلا ما يفضل عن واجب نفقة الزوجة.
القول في نفقة الأقارب:
والكلام فيمن ينفق عليه، وكيفية الإنفاق، واللواحق.
تجب النفقة: على الأبوين، والأولاد وكذا يجب الإنفاق على آباء الأبوين وأمهاتهم. ولا تجب النفقة على غير العمودين من الأقارب، كالأخوة والأعمام والأخوال وغيرهم، لكن تستحب، وتتأكد في الوارث منهم.
ويشترط في وجوب الإنفاق الفقر، والعجز عن الاكتساب. ولا عبرة بنقصان الخلقة ولا بنقصان الحكم، مع الفقر والعجز. وتجب ولو كان فاسقاً أو كافراً. وتسقط إذا كان مملوكاً، وتجب على المولى.
ويشترط في المنفق القدرة، فلو حصل له قدر كفايته اقتصر على نفسه، فإن فضل شئ فلزوجته، فإن فضل فللأبوين والأولاد.
ولا تقدير في النفقة، بل الواجب قدر الكفاية من الإطعام والكسوة والمسكن، وما يحتاج إليه من زيادة الكسوة في الشتاء، للتدثر يقظة ونوماً.
ولا يجب إعفاف من تجب النفقة له، وينفق على أبيه دون أولاده؛ لأنهم أخوة المنفق. وينفق على ولده وأولاده؛ لأنهم أولاد. ولا يقضي نفقة الأقارب؛ لأنها مؤاساة لسد الخلة، فلا يستقر في الذمة.
وتشتمل اللواحق على مسائل:
الأولى: تجب نفقة الولد على أبيه، ومع عدمه أو فقره فعلى أب الأب وإن علا لأنه أب، ولو عدمت الآباء فعلى أم الولد، ومع عدمها أو فقرها فعلى أبيها وأمها وإن علوا، الأقرب فالأقرب. ومع التساوي يشتركون في الإنفاق.
الثانية: إذا كان له أبوان وفضل له ما يكفي أحدهما كانا فيه سواء، وكذا لو كان ابناً وأباً. ولو كانا أباً وجداً أو أماً وجدة خص به الأقرب.
الثالثة: لو كان له أب وجد موسران، فنفقته على أبيه دون جده. ولو كان له أب وابن موسران كانت نفقته عليهما بالسوية.
الرابعة: إذا دافع بالنفقة الواجبة أجبره الحاكم، فإن امتنع حبسه، وإن كان له مال ظاهر جاز أن يأخذ من ماله ما يصرف في النفقة. ولو كان له عروض أو عقار أو متاع جاز بيعه؛ لأن النفقة حق كالدين.
القول في نفقة المملوك:
تجب النفقة على ما يملكه الإنسان من رقيق وبهيمة، أما العبد والأمة فمولاهما بالخيار في الإنفاق عليهما من خاصته أو من كسبهما. ولا تقدير لنفقتهما، بل الواجب بقدر الكفاية من إطعام وأدام وكسوة.
ويرجع في جنس ذلك كله إلى عادة مماليك أمثال السيد من أهل بلده، ولو امتنع عن الإنفاق أجبر على بيعه أو الإنفاق. ويستوي في ذلك القن والمدبر وأمّ الولد.
ويجوز أن يخارج المملوك، بأن يضرب عليه ضريبة، ويجعل الفاضل له إذا رضي ، فإن فضل قدر كفايته وكّله إليه، وإلا كان على المولى التمام. ولا يجوز أن يضرب عليه ما يقصر كسبه عنه، ولا ما لا يفضل معه قدر نفقته، إلا إذا قام بها المولى.
وأما نفقة البهائم المملوكة فواجبة، سواء كانت مأكولة أو لم تكن، والواجب القيام بما يحتاج إليه، فإن اجتزأت بالرعي وإلا علفها. فإن امتنع أجبر على بيعها، أو ذبحها إن كانت تقصد بالذبح، أو الإنفاق. وإن كان لها ولد، وفّر عليه من لبنها قدر كفايته. ولو اجتزأ بغيره من رعي أو علف جاز أخذ اللبن.
* * *
كتاب الطلاق
والنظر في: الأركان، والأقسام، واللواحق.
وأركانه: أربعة.
الركن الأول في المطلق
ويعتبر فيه شروط أربعة:
الأول: البلوغ
فلا اعتبار بعبارة الصبي قبل بلوغه. ولو طلق وليه لم يصح، ولو بلغ فاسد العقل طلق وليه مع مراعاة الغبطة (المصلحة).
الشرط الثاني: العقل
فلا يصح طلاق المجنون، ولا السكران، ولا من زال عقله بإغماء أو شرب مرقد؛ لعدم القصد. ولا يطلق الولي عن السكران؛ لأن زوال عذره غالب، فهو كالنائم. ويطلق عن المجنون، ولو لم يكن له ولي طلق عنه الإمام أو من نصبه للنظر في ذلك.
الشرط الثالث: الاختيار
فلا يصح طلاق المكره. ولا يتحقق الإكراه ما لم يكمل أمور ثلاثة: كون المُكرِه قادراً على فعل ما توَعَّدَ به، وغلبة الظن بأنه يفعل ذلك مع امتناع المُكرَه، وأن يكون ما توعَّد به مضراً بالمُكرَه في خاصة نفسه، أو من يجري مجرى نفسه، كالأب والولد، سواء كان ذلك الضرر قتلاً أو جرحاً أو شتماً أو ضرباً. ويختلف بحسب منازل المُكرَهين في منازل الإهانة. ولا يتحقق الإكراه مع الضرر اليسير.
الشرط الرابع: القصد
وهو شرط في الصحة، مع اشتراط النطق بالتصريح. فلو لم ينو الطلاق لم يقع، كالساهي والنائم والغالط. ولو نسي أن له زوجة، فقال نسائي طوالق، أو زوجتي طالق ثم ذكر، لم يقع به فرقة. ولو أوقع وقال: لم أقصد الطلاق قُبِل منه ظاهراً، ودين بنيته باطناً، وإن تأخر تفسيره ما لم تخرج عن العدة؛ لأنه إخبار عن نيته. ويجوز الوكالة في الطلاق للغائب، وللحاضر. ولو وكلها في طلاق نفسها يجوز.
تفريع: على الجواز، لو قال: طلقي نفسك ثلاثاً، فطلقت واحدة. وكذا لو قال: طلقي واحدة، فطلقت ثلاثاً يقع واحدة.
* * *
الركن الثاني في المطلقة
وشروطها خمسة:
الأول: أن تكون زوجة، فلو طلق الموطوءة بالملك لم يكن له حكم. وكذا لو طلق أجنبية وإن تزوجها. وكذا لو علّق الطلاق بالتزويج لم يصح، سواء عين الزوجة كقوله: إن تزوجت فلانة فهي طالق، أو أطلق كقوله: كل من أتزوجها.
الثاني: أن يكون العقد دائماً، فلا يقع الطلاق بذات العقد المؤقت.
الثالث: أن تكون طاهرة من الحيض والنفاس، ويعتبر هذا في المدخول بها، الحائل، الحاضر زوجها، لا الغائب عنها مدة يعلم انتقالها من القرء الذي وطأها فيه إلى آخر. فلو طلقها وهما في بلد واحد، أو غائباً دون المدة المعتبرة، وكانت حائضاً أو نفساء كان الطلاق باطلاً، علم بذلك أو لم يعلم.
أما لو انقضى من غيبته، ما يعلم انتقالها فيه، من طهر إلى آخر ثم طلق صح ولو اتفق في الحيض. وكذا لو خرج في طهر لم يقربها فيه جاز طلاقها مطلقاً، وكذا لو طلق التي لم يدخل بها وهي حائض كان جائزاً. ولو كان حاضراً وهو لا يصل إليها، بحيث يعلم حيضها، فهو بمنزلة الغائب.
الرابع: أن تكون مستبرئة، فلو طلقها في طهر واقعها فيه لم يقع طلاقه. ويسقط اعتبار ذلك في اليائسة، وفيمن لم تبلغ الحيض، وفي الحامل والمسترابة بشرط أن يمضي عليها ثلاثة أشهر لم تر دماً، معتزلاً لها. ولو طلق المسترابة قبل مضي ثلاثة أشهر من حين المواقعة لم يقع الطلاق.
الخامس: تعيين المطلقة، وهو أن يقول: فلانة طالق، أو يشير إليها بما يرفع الاحتمال. فلو كان له واحدة، فقال: زوجتي طالق، صح لعدم الاحتمال. ولو كان له زوجتان أو زوجات، فقال: زوجتي طالق، فإن نوى معينة صح، ويقبل تفسيره. وإن لم ينو يبطل الطلاق لعدم التعيين.
ولو نظر إلى زوجته وأجنبية، فقال: إحداكما طالق، ثم قال: أردت الأجنبية، قبل. ولو كان له زوجة وجارة كل منهما سعدى، فقال: سعدى طالق، ثم قال: أردت الجارة يقبل. ولو ظن أجنبية زوجته، فقال: أنت طالق، لم تطلق زوجته؛ لأنه قصد المخاطبة. ولو كان له زوجتان: زينب وعمرة، فقال: يا زينب، فقالت عمرة: لبيك، فقال: أنت طالق، طلقت المنوية لا المجيبة.
* * *
الركن الثالث في الصيغة
والأصل أنّ النكاح عصمة مستفادة من الشرع، لا يقبل التقايل، فيقف رفعها على موضع الإذن . فالصيغة المتلقاة لإزالة قيد النكاح: أنت طالق، أو فلانة، أو هذه، وما شاكلها من الألفاظ الدالة على تعيين المطلقة. فلو قال: أنت الطلاق، أو طلاق، أو من المطلقات، لم يكن شيئاً ولو نوى به الطلاق. وكذا لو قال: أنت مطلقة. ولو قال: طلقت فلانة، لا يقع.
ولا يقع الطلاق بالكناية، ولا بغير العربية مع القدرة على التلفظ باللفظة المخصوصة، ولا بالإشارة إلا مع العجز عن النطق. ويقع طلاق الأخرس بالإشارة الدالة.
ولا يقع الطلاق بالكتابة وهو قادر على التلفظ. نعم، لو عجز عن النطق فكتب ناوياً به الطلاق، صح.
ولو قال: هذه خلية، أو برية، أو حبلك على غاربك، أو الحقي بأهلك، أو باين، أو حرام، أو بتة، أو بتلة، لم يكن شيئاً نوى الطلاق أولم ينوه. ولو قال: اعتدي، ونوى به الطلاق، لا يصح. ولو خيرها وقصد الطلاق، فإن اختارته أو سكتت ولو لحظة، فلا حكم. وإن اختارت نفسها في الحال فلا حكم له أيضاً.
ولو قيل: هل طلقت فلانة؟ فقال: نعم، لا يقع الطلاق. ولو قيل: هل فارقت أو خليت أو أبنت؟ فقال: نعم، لم يكن شيئاً.
ويشترط في الصيغة تجريدها عن الشرط والصفة. ولو فسر الطلقة باثنتين أو ثلاث يقع واحدة، بقوله: طالق، ويلغي التفسير. ولو قال: أنت طالق للسنة صح إذا كانت طاهرة، ولو قال للبدعة لا يقع؛ لأن البدعي لا يقع والآخر غير مراد.
تفريع:
إذا قال: أنت طالق في هذه الساعة إن كان الطلاق يقع بك، لا يصح إن كان المطلق لا يعلم حالها ؛ لتعليقه على الشرط، أما لو كان يعلمها على الوصف الذي يقع معه الطلاق فيصح؛ لأن ذلك ليس بشرط، بل أشبه بالوصف وإن كان بلفظ الشرط.
ولو قال: أنت طالق أعدل طلاق، أو أكمله، أو أحسنه، أو أقبحه، أو أحسنه وأقبحه، صح ولم تضر الضمائم. وكذا لو قال: ملاء مكة، أو ملاء الدنيا. ولو قال: لرضا فلان، فإن عني الشرط بطل، وإن عني الغرض لم يبطل. وكذا لو قال: إن دخلت الدار - بكسر الهمزة - لم يصح. ولو فتحها صح إن عرف الفرق فقصده.
ولو قال: أنا منك طالق لم يصح، لأنه ليس محلاً للطلاق. ولو قال: أنت طالق نصف طلقة، أو ربع طلقة، أو سدس طلقة لم يقع؛ لأنه لم يقصد الطلقة. ولو قال: أنت طالق، ثم قال: أردت أن أقول: أنت طاهر، قبل منه ظاهراً، ودين في الباطن بنيته.
ولو قال: يدك طالق، أو رجلك طالق، لم يقع. وكذا لو قال: رأسك أو صدرك أو وجهك. وكذا لو قال: ثلثك أو نصفك أو ثلثاك. ولو قال: أنت طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً، صحت واحدة إن نوى بالأول الطلاق، وبطل الاستثناء.
ولو قال: أنت طالق غير طالق، فإن نوى الرجعة صح؛ لأن إنكار الطلاق رجعة. وإن أراد النقض حكم بالطلقة. ولو قال: طلقة إلا طلقة لغي الاستثناء، وحكم بالطلقة بقوله: طالق. ولو قال: زينب طالق، ثم قال: أردت عمرة، وهما زوجتان، قبل.
ولو قال: زينب طالق بل عمرة وقع طلاق زينب دون عمرة، ولو قال: زينب طالق بل عمرة طالق، طلقتا جميعاً إن قصد طلاقهما، وإذا كان يقصد استدراك خطأ ذكره زينب وقع طلاق عمرة فقط.
* * *
الركن الرابع الإشهاد
ولابد من حضور شاهدين يسمعان الإنشاء سواء قال: لهما إشهدا أو لم يقل، وسماعهما التلفظ شرط في صحة الطلاق حتى لو تجرد عن الشهادة، وإلا لم يقع ولو كملت شروطه الاُخر. وكذا لا يقع بشاهد واحد ولو كان عدلاً، ولا بشهادة فاسقين بل لابد من حضور شاهدين ظاهرهما العدالة.
ولو شهد أحدهما بالإنشاء، ثم شهد الآخر به بانفراده لم يقع الطلاق. أما لو شهدا بالإقرار لم يشترط الاجتماع. ولو شهد أحدهما بالإنشاء، والآخر بالإقرار لم يقبل. ولا تقبل شهادة النساء في الطلاق، لا منفردات، ولا منضمات إلى الرجال. ولو طلق ولم يشهد، ثم أشهد كان الأول لغواً، ووقع حين الإشهاد إذا أتي باللفظ المعتبر في الإنشاء.
* * *
النظر الثاني: في أقسام الطلاق
ولفظه يقع على: البدعة، والسنة.
فالبدعة ثلاث طلاق: طلاق الحائض بعد الدخول مع حضور الزوج معها ومع غيبته، دون المدة المشترطة. وكذا النفساء. أو في طهر قربها فيه. وطلاق الثلاث من غير رجعة بينها. والكل باطل لا يقع معه طلاق.
والسنة تنقسم أقساماً ثلاثة: بائن، ورجعي، وطلاق العدة.
فالبائن: ما لا يصح للزوج معه الرجعة، وهو ستة: طلاق التي لم يدخل بها، واليائسة، ومن لم تبلغ الحيض، والمختلعة، والمبارأة ما لم ترجعا في البذل، والمطلقة ثلاثاً بينها رجعتان.
والرجعي: هو الذي للمطلق مراجعتها فيه، سواء راجع أو لم يراجع.
وأما طلاق العدة: فهو أن يطلق على الشرائط، ثم يراجعها قبل خروجها من عدتها يواقعها ثم يطلقها في غير طهر المواقعة، ثم يراجعها ويواقعها، ثم يطلقها في طهر آخر، فإنها تحرم عليه حتى تنكح زوجاً غيره، فإن نكحت ثم حلت، ثم تزوجها فاعتمد ما اعتمده أولاً، حرمت في الثالثة حتى تنكح زوجاً غيره، فإن نكحت ثم حلت فنكحها، ثم فعل كالأول حرمت في التاسعة تحريماً مؤبداً. ولا يقع الطلاق للعدة ما لم يطأها بعد المراجعة. ولو طلقها قبل المواقعة صح، ولم يكن للعدة. وكل امرأة استكملت الطلاق ثلاثاً حرمت، حتى تنكح زوجاً غير المطلق، سواء كانت مدخولاً بها أو لم تكن، راجعها أو تركها.
مسائل ست:
الأولى: إذا طلقها فخرجت من العدة، ثم نكحها مستأنفاً، ثم طلقها وتركها حتى قضت العدة، ثم استأنف نكاحها، ثم طلقها ثالثة حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره. فإذا فارقها واعتدت جاز له مراجعتها، ولا تحرم هذه في التاسعة، ولا يهدم استيفاء عدتها تحريمها في الثالثة.
الثانية: إذا طلق الحامل وراجعها جاز له أن يطأها، ويطلقها في الثانية للعدة، ويجوز للسنة (أي من دون مواقعة).
الثالثة: إذا طلق الحائل، ثم راجعها ، فإن واقعها وطلقها في طهر آخر صح. وإن طلقها في طهر آخر من غير مواقعة صح أيضاً. ثم لو راجع وطلقها ثالثاً في طهر آخر حرمت عليه. ولو أوقع الطلاق بعد المراجعة وقبل المواقعة في الطهر الأول يصح، ولو وطأ لم يجز الطلاق إلا في طهر ثان، إذا كانت المطلقة ممن يشترط فيها الاستبراء.
الرابعة: لو شك المطلق في إيقاع الطلاق لم يلزمه الطلاق لرفع الشك، وكان النكاح باقياً.
الخامسة: إذا طلق غائباً، ثم حضر ودخل بالزوجة، ثم ادعى الطلاق، لم يقبل دعواه ولا بينته، ولو كان أولد لحق به الولد.
السادسة: إذا طلق الغائب، وأراد العقد على رابعة ، أو على أخت الزوجة، صبر تسعة أشهر؛ لاحتمال كونها حاملاً. ولو كان يعلم خلوها من الحمل، كفاه ثلاثة أقراء أو ثلاثة أشهر.
* * *
النظر الثالث: في اللواحق
وفيه مقاصد:
الأول: في طلاق المريض
يكره للمريض أن يطلق، ولو طلق صح. وهو يرث زوجته ما دامت في العدة الرجعية، ولا يرثها في البائن، ولا بعد العدة. وترثه هي، سواء كان طلاقها بائناً أو رجعياً، ما بين الطلاق وبين سنته ما لم تتزوج أو يبرأ من مرضه الذي طلقها فيه. فلو برأ، ثم مرض، ثم مات لم ترثه إلا في العدة الرجعية.
ولو قال: طلقت في الصحة ثلاثاً قبل منه مع البينة، ولم ترثه. ولا يقبل دون بينة وترثه.
ولو قذفها وهو مريض، فلاعنها وبانت باللعان، لم ترثه. ولا ترث مع سؤالها الطلاق، وكذا لو خالعته أو بارأته.
فروع:
الأول: لو طلق الأمة مريضاً طلاقاً رجعياً، فأعتقت في العدة، ومات في مرضه، ورثته في العدة و بعدها. ولو طلقها بائناً فكذلك، وكذا لو طلقها كتابية ثم أسلمت.
الثاني: إذا ادعت المطلقة أن الميت طلقها في المرض، وأنكر الوارث وزعم أن الطلاق في الصحة، فالقول قوله إذا لم يكن لديها بينة.
الثالث: لو طلق أربعاً في مرضه، وتزوج أربعاً ودخل بهن، ثم مات فيه، كان الربع بينهن بالسوية. ولو كان له ولد تساوين في الثمن.
المقصد الثاني: في ما يزول به تحريم الثلاث
إذا وقعت الثلاث على الوجه المشترط حرمت المطلقة حتى تنكح زوجاً غير المطلق. ويعتبر في زوال التحريم شروط أربعة: أن يكون الزوج بالغاً، والمراهق لا يحلل، وأن يطأها في القبل وطئاً موجباً للغسل، وأن يكون ذلك بالعقد لا بالملك ولا بالإباحة، وأن يكون العقد دائماً لا مؤقت.
ومع استكمال الشرائط يزول تحريم الثلاث ويهدم ما دون الثلاث فلو طلق مرة، وتزوجت المطلقة، ثم تزوج بها الأول بقيت معه على ثلاث مستأنفات، وبطل حكم السابقة.
ولو طلق الكتابية ثلاثاً، فتزوجت بعد العدة كتابياً، ثم بانت منه، حل للأول نكاحها عقد مستأنف. والأمة إذا طلقت مرتين حرمت حتى تنكح زوجاً غيره، سواء كانت تحت حر أو عبد، ولا تحل للأول بوطء المولى. وكذا لا تحل لو ملكها المطلق؛ لسبق التحريم على الملك.
ولو طلقها مرة، ثم أعتقت، ثم تزوجها أو راجعها، بقيت معه على اثنتين. فلو طلقها اثنتين غير الأولى حرمت عليه حتى يحللها زوج.
والخصي: يحلل المطلقة ثلاثاً إذا وطأ، وحصلت فيه الشرائط. ولو تزوجها المحلل فارتد، فوطأها في الردة لم يحل؛ لانفساخ عقده بالردة.
فروع:
الأول: لو انقضت مدة فادعت أنها تزوجت، وفارقها وقضت العدة، وكان ذلك ممكناً في تلك المدة يقبل منها إذا كانت ثقة.
الثاني: إذا دخل المحلل فادعت الإصابة، فإن صدقها حلت للأول، وإن كذبها يعمل الأول بما يغلب على ظنه من صدقها، أو صدق المحلل. فإن لم يغلب على ظنه صدق أحدهما يعمل بقولها.
الثالث: لو وطأها مُحَرَّماً، كالوطء في الإحرام، أو في الصيام الواجب يحل؛ لتحقق النكاح المستند إلى العقد الصحيح، ويأثم المحلل وكذا هي إن طاوعته وكانت في حال يحرم وطأها.
المقصد الثالث: في الرجعة
تصح المراجعة نطقاً، كقوله: راجعتك، وفعلاً كالوطء. ولو قبل أو لامس بشهوة كان ذلك رجعة، ولم يفتقر استباحته إلى تقدم الرجعة؛ لأنها زوجته. ولو أنكر الطلاق كان ذلك رجعة؛ لأنه يتضمن التمسك بالزوجية. ولا يجب الإشهاد في الرجعة بل يستحب.
ولو طلقها رجعية، فارتدت فراجع لم يصح، ولو أسلمت بعد ذلك استأنف الرجعة إن شاء. ولو كان عنده كتابية فطلقها رجعياً ثم راجعها في العدة يجوز. ورجعة الأخرس بالإشارة الدالة على المراجعة. وإذا ادعت انقضاء العدة بالحيض في زمان محتمل فأنكر، فالقول قولها مع يمينها، ولو كانت حاملاً فادعت الوضع قبل قولها مع البينة. ولو ادعت الحمل فأنكر الزوج، وأحضرت ولداً، فأنكر ولادتها له، فالقول قوله؛ لإمكان إقامة البينة بالولادة.
وإذا ادعت انقضاء العدة، فادعى الرجعة قبل ذلك، فالقول قول المرأة. ولو راجعها فادعت بعد الرجعة انقضاء العدة قبل الرجعة، فالقول قول الزوج.
المقصد الرابع: في العدد
والنظر في ذلك يستدعي فصولاً:
الأول:
لا عدة على من لم يدخل بها، سواء بانت بطلاق أو فسخ، عدا المتوفى عنها زوجها، فإن العدة تجب مع الوفاة ولو لم يدخل. والدخول يتحقق بإيلاج الحشفة وإن لم ينزل، ولو كان مقطوع الأنثيين؛ لتحقق الدخول بالوطء.
ولو كان مقطوع الذكر سليم الأنثيين تجب العدة؛ لإمكان الحمل بالمساحقة، ولو ظهر حمل اعتدت منه بوضعه؛ لإمكان الإنزال.
ولا تجب العدة بالخلوة، منفردة عن الوطء أو المساحقة أو الإنزال في موضع يحتمل منه حدوث الحمل. ولو خلا ثم اختلفا في الإصابة، فالقول قوله مع يمينه إن لم توجد بينة يعمل بها.
الفصل الثاني: في ذات الإقراء
وهي مستقيمة الحيض، وهذه تعتد بثلاثة أقراء، وهي الأطهار إذا كانت حرة، سواء كانت تحت حر أو عبد. ولو طلقها وحاضت بعد الطلاق بلحظة احتسبت تلك اللحظة قرءاً ثم أكملت قرئين آخرين. فإن رأت الدم الثالث فقد قضت العدة. هذا إن كانت عادتها مستقرة بالزمان، فإن اختلفت صبرت إلى انقضاء أقل الحيض.
وأقل زمان تنقضي به العدة ستة وعشرون يوماً ولحظتان، ولكن الأخيرة ليست من العدة وإنما هي دلالة على الخروج منها. ولو طلقها في الحيض لم يقع.
ولو وقع في الطهر، ثم حاضت مع انتهاء التلفظ، بحيث لم يحصل زمان يتخلل الطلاق والحيض صح الطلاق؛ لوقوعه في الطهر المعتبر. ولم يعتد بذلك الطهر؛ لأنه لم يتعقب الطلاق، ويفتقر إلى ثلاثة أقراء مستأنفة بعد الحيض.
فرع: لو اختلفا، فقالت: كان قد بقي من الطهر جزء بعد الطلاق وأنكر، فالقول قولها لأنها أبصر بذلك، والمرجع في الحيض والطهر إليها.
الفصل الثالث: في ذات الشهور
وهي التي لا تحيض وهي في سن من تحيض، تعتد من الطلاق والفسخ - مع الدخول - بثلاثة أشهر إذا كانت حرة. واليائسة والتي لم تبلغ لا عدة عليهما. وحد اليأس: أن تبلغ خمسين سنة، والقرشية ستين سنة.
ولو كان مثلها تحيض اعتدت بثلاثة أشهر، وهذه تراعي الشهور والحيض، فإن سبقت الأطهار فقد خرجت من العدة، وكذا إن سبقت الشهور. ولو رأت في الثالث حيضاً لا يجب عليها أن تصبر تسعة أشهر، وتخرج من العدة بتمام الشهر الثالث.
ولو رأت الدم مرة، ثم بلغت اليأس أكملت العدة بشهرين. ولو استمر بالمعتدة الدم مشتبهاً رجعت إلى عادتها في زمان الاستقامة واعتدت به. ولو لم تكن لها عادة اعتبرت صفة الدم، واعدت بثلاثة أقراء. ولو اشتبه رجعت إلى عادة أمثالها، ولو اختلفن اعتدت بالأشهر. ولو كانت لا تحيض إلا في ستة أشهر، أو خمسة أشهر، اعتدت بالأشهر. ومتى طلقت في أول الهلال اعتدت بثلاثة أشهر أهلة. ولو طلقت في أثنائه اعتدت بهلالين، وأخذت من الثالث بقدر الفائت من الشهر الأول.
تفريع:
لو ارتابت بالحمل بعد انقضاء العدة والنكاح لم يبطل، وكذا لو حدثت الريبة بالحمل بعد العدة وقبل النكاح. وأما لو ارتابت به قبل انقضاء العدة لم تنكح ولو انقضت العدة. وعلى التقديرات لو ظهر حمل بطل النكاح الثاني؛ لتحقق وقوعه في العدة.
مسألة: يجب على المطلقة التي تحتمل الحمل التأكد من أنها غير حامل إذا كانت تريد الزواج من ثان بعد انقضاء العدة وقبل مضي تسعة أشهر على طلاقها، ويمكنها التأكد من ذلك بالفحص الطبي المتيسر.
الفصل الرابع: في الحامل
وهي تعتد في الطلاق بوضعه، ولو بعد الطلاق بلا فصل، سواء كان تاماً أو غير تام ولو كان علقة، بعد أن يتحقق أنه حمل، ولا عبرة بما يشك فيه. ولو طلقت فادعت الحمل، صبر عليها أقصى الحمل، وهو عشرة أشهر، ثم لا يقبل دعواها. ولو كان حملها اثنين أو أكثر لا تبين إلا بوضع الجميع.
ولو طلق الحائل طلاقاً رجعياً ثم مات في العدة استأنفت عدة الوفاة، ولو كان بائناً اقتصر على إتمام عدة الطلاق.
فروع :
الأول: لو حملت من الزنا، ثم طلقها الزوج اعتدت بالأشهر لا بالوضع. ولو وطئت بشبهة ولحق الولد بالواطئ لبعد الزوج عنها ثم طلقها الزوج، اعتدت بالوضع من الواطئ، ثم استأنفت عدة الطلاق بعد الوضع.
الثاني: إذا اتفق الزوجان في زمان الطلاق، واختلفا في زمان الوضع كان القول قولها؛ لأنه اختلاف في الولادة، وهي فعلها. ولو اتفقا في زمان الوضع، واختلفا في زمان الطلاق، فالقول قوله؛ لأنه اختلاف في فعله، هذا إذا لم يوجد الشهود أو بينة يعمل بها.
الثالث: لو أقرت بانقضاء العدة، ثم جاءت بولد لستة أشهر فصاعداً إلى أقصى الحمل (عشرة أشهر) منذ طلقها، يلحق به.
الفصل الخامس: في عدة الوفاة
تعتد المنكوحة بالعقد الصحيح أربعة أشهر وعشراً إذا كانت حائلاً، صغيرة كانت أو كبيرة، بالغاً زوجها أو لم يكن، دخل بها أو لم يدخل. وتبين بغروب الشمس من اليوم العاشر، لأنه نهاية اليوم.
ولو كانت حاملاً، اعتدت بأبعد الأجلين، فلو وضعت قبل استكمال الأربعة أشهر وعشرة أيام، صبرت إلى انقضائها.
ويلزم المتوفي عنها زوجها الحداد، وهو ترك ما فيه زينة من الثياب والادهان، المقصود بهما الزينة والطيب، وتستوي في ذلك الصغيرة والكبيرة، والمسلمة والكتابية، والحرة والأمة. ولا يلزم الحداد المطلقة، بائنة كانت أو رجعية.
ولو وُطِئت المرأة بعقد شبهة ثم مات، اعتدت عدة الطلاق حائلاً كانت أو حاملاً، وكان الحكم للوطء لا للعقد؛ إذ ليست زوجة.
تفريع:
لو كان له أكثر من زوجة فطلق واحدة لا بعينها فلا طلاق، ولو عين قبل الموت انصرف إلى المعينة، وتعتد من حين الطلاق لا من حين الوفاة. ولو كان رجعياً اعتدت عدة الوفاة من حين الوفاة.
والمفقود إن عرف خبره، فلا خيار لها، ولو جهل خبره ولم يكن من ينفق عليها، فإن صبرت فلا بحث، وإن رفعت أمرها إلى الحاكم (المعين من الإمام)، أجلها مدة أقصاها أربع سنين، وتفحص عنه. فإن عرف خبره صبرت وعلى الإمام أن ينفق عليها من بيت المال. وإن لم يعرف خبره أمرها بالاعتداد عدة الوفاة، ثم تحل للأزواج، ولا يجوز أن يأمرها بالاعتداد عدة الوفاة قبل مضي عام على فقد الزوج.
والمفقود إن جهل خبره ولكن أنفق على زوجته وليه، فعليها أن تصبر سنة، ثم يكون لها الخيار أن تصبر، أو أن ترفع أمرها إلى الحاكم. ولو جاء زوجها ، وقد خرجت من العدة ونكحت ، فلا سبيل له عليها ، وإن جاء وهي في العدة ، فهو أملك بها . وإن خرجت من العدة ولم تتزوج ، فلا سبيل له عليها .
فروع :
الأول: لو نكحت بعد العدة، ثم بان موت الزوج كان العقد الثاني صحيحاً ولا عدة، سواء
كان موته قبل العدة أو معها أو بعدها؛ لأن العقد الأول سقط اعتباره في نظر الشرع، فلا حكم لموته كمالاً حكم لحياته.
الثاني: لا نفقة على الغائب في زمان العدة ولو حضر قبل انقضائها.
الثالث: لو طلقها الزوج أو ظاهرها، واتفق في زمان العدة صح؛ لأن العصمة باقية. ولو اتفق بعد العدة لم يقع؛ لانقطاع العصمة.
الرابع: إذا أتت بولد بعد مضي ستة أشهر من دخول الثاني لحق به، ولو ادعاه الأول، وذكر أنه وطأها سراً لم يلتفت إلى دعواه.
الخامس: لا يرثها الزوج لو ماتت بعد العدة، وكذا لا ترثه. ولو مات أحدهما في العدة يرثه الآخر.
الفصل السادس: في اللواحق
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لا يجوز لمن طلق رجعياً أن يخرج الزوجة من بيته إلا أن تأتي بفاحشة، وهي أن تفعل ما يجب به الحد، فتخرج لإقامته. ويحرم عليها الخروج ما لم تضطر. ولو اضطرت إلى الخروج خرجت.
ولا تخرج من حجة مندوبة إلا بإذنه، وتخرج في الواجب وإن لم يأذن. وكذا فيما تضطر إليه، ولا وصلة لها إلا بالخروج. وتخرج في العدة البائنة أين شاءت.
المسألة الثانية: نفقة الرجعية لازمة في زمان العدة، وكسوتها ومسكنها يوماً فيوماً، مسلمة كانت أو كتابية. أما الأمة، فإن أرسلها مولاها ليلاً ونهاراً فلها النفقة والسكنى؛ لوجود التمكين التام، وإن منعها ليلاً أو نهاراً فلا نفقة؛ لعدم التمكين التام. ولا نفقة للبائن ولا السكنى ، إلا أن تكون حاملاً، فلها النفقة والسكنى حتى تضع. وتثبت العدة مع الوطء بالشبهة، ولا تثبت النفقة ولو كانت حاملاً.
فروع في سكنى المطلقة:
الأول: لو انهدم المسكن أو كان مستعاراً أو مستأجراً فانقضت المدة، جاز له إخراجها، ولها الخروج؛ لأنه إسكان غير سائغ.
الثاني: لو طلقها ثم حجر عليه الحاكم، فهي أحق بالسكنى؛ لتقدم حقها على الغرماء، أما لو حجر عليه ثم طلق كانت أسوة مع الغرماء؛ إذ لا مزية لها.
الثالث: لو طلقها في مسكن لغيره استحقت السكنى في ذمته، فإن كان له غرماء ضربت مع الغرماء بأجرة مثل سكناها. فإن كانت معتدة بالأشهر فالقدر معلوم، وإن كانت معتدة بالإقراء أو بالحمل ضربت مع الغرماء بأجرة سكنى أقل الحمل أو أقل الإقراء. فإن اتفق وإلا أخذت نصيب الزائد. وكذا لو فسد الحمل قبل أقل المدة رجع عليها بالتفاوت.
الرابع: لو مات فورث المسكن جماعة لم يكن لهم قسمته إذا كانت حاملاً إلا بعد الوضع.
الخامس: لو أمرها بالانتقال فنقلت رحلها وعيالها، ثم طلقت وهي في الأول اعتدت فيه. ولو انتقلت وبقي عيالها ورحلها، ثم طلقت اعتدت في الثاني. ولو انتقلت إلى الثاني، ثم رجعت إلى الأول لنقل متاعها، ثم طلقت اعتدت في الثاني؛ لأنه صار منزلها. ولو خرجت من الأول، فطلقت قبل الوصول إلى الثاني اعتدت في الثاني، لأنها مأمورة بالانتقال إليه.
السادس: البدوية تعتد في المنزل الذي طلقت فيه. فلو ارتحل النازلون به رحلت معهم، دفعاً لضرر الإنفراد. وإن بقي أهلها فيه أقامت معهم ما لم يتغلب الخوف بالإقامة. ولو رحل أهلها وبقي من فيه منعة يجوز لها الانتقال معهم، دفعاً لضرر الوحشة بالانفراد.
السابع: لو طلقها في السفينة، فإن لم تكن مسكناً أسكنها حيث شاء، وإن كانت مسكناً اعتدت فيها.
الثامن: إذا سكنت في منزلها، ولم تطالب بمسكن، فليس لها المطالبة بالأجرة؛ لأن الظاهر منها التطوع بالأجرة. وكذا لو استأجرت مسكناً فسكنت فيه؛ لأنها تستحق السكنى حيث يسكنها لا حيث تتخير.
المسألة الثالثة: لا نفقة للمتوفى عنها زوجها، ولها أن تبيت حيث شاءت.
المسألة الرابعة: لو تزوجت في العدة لم يصح، ولم تنقطع عدة الأول، فإن لم يدخل بها الثاني فهي في عدة الأول. وإن وطأها الثاني عالماً بالتحريم فالحكم كذلك، حملت أو لم تحمل، ولو كان جاهلاً ولم تحمل أتمت عدة الأول؛ لأنها أسبق، واستأنفت أخرى للثاني. ولو حملت ، وكان هناك ما يدل على أنه للأول، اعتدت بوضعه له، وللثاني بثلاثة أقراء بعد وضعه. وإن كان هناك ما يدل على أنه للثاني، اعتدت بوضعه له، وأكملت عدة للأول بعد الوضع. ولو كان ما يدل على انتفائه عنهما، أتمت بعد وضعه عدة للأول، واستأنفت عدة للأخير.
المسألة الخامسة: تعتد زوجة الحاضر من حين الطلاق أو الوفاة، وتعتد من الغائب في الطلاق من وقت الوقوع، وفي الوفاة من حين البلوغ ولو أخبر غير العدل، لكن لا تنكح إلا مع الثبوت، وناشدته الاجتزاء بتلك لعدة. ولو علمت الطلاق، ولم تعلم الوقت، اعتدت عند البلوغ.
المسألة السادسة: لو طلقها بعد الدخول، ثم راجع في العدة، ثم طلق قبل المسيس لزمها استئناف العدة؛ لبطلان الأولى بالرجعة، ولو خالعها بعد الرجعة كذلك. ولو خالعها بعد الدخول، ثم تزوجها في العدة، وطلقها قبل الدخول يلزمها العدة؛ لأنها لم تكمل العدة للأول.
المسألة السابعة: وطء الشبهة يسقط معه الحد، وتجب العدة. ولو كانت المرأة عالمة بالتحريم وجهل الواطئ، لحق به النسب، ووجبت له العدة، وتحد المرأة ولا مهر.
المسألة الثامنة: إذا طلقها بائناً، ثم وطأها بشبهة ، تتداخل العدتان؛ لأنهما لواحد، حاملاً كانت أو حائلاً.
المسألة التاسعة: إذا نكحت في العدة الرجعية وحملت من الثاني، اعتدت بالوضع من الثاني، وأكملت عدة الأول بعد الوضع، وكان للأول الرجوع في تلك العدة دون زمان الحمل.
* * *
كتاب الخلع والمباراة
والنظر في: الصيغة، والفدية، والشرائط، والأحكام.
أما الصيغة:
فأن يقول: خلعتك على كذا، أو فلانة مختلعة على كذا. ويقع بمجرده ولا يحتاج أن يتبع بالطلاق، والخلع طلاق بائن، ويقع الطلاق مع الفدية بائناً وإن انفرد عن لفظ الخلع.
فروع:
الأول: لو طلبت منه طلاقاً بعوض، فخلعها مجرداً عن لفظ الطلاق يقع. ولو طلبت خلعاً بعوض، فطلق به يلزم البذل، ويقع الطلاق بائناً.
الثاني: لو ابتدأ، فقال: أنت طالق بألف، أو عليك ألف، صح الطلاق رجعياً، ولم يلزمها الألف، ولو تبرعت بعد ذلك بضمانها، ودفعتها إليه كانت هبة مستأنفة، ولا تصير المطلقة بدفعها بائنة.
الثالث: إذا قالت: طلقني بألف، كان الجواب على الفور، فإن تأخر لم يستحق عوضاً، وكان الطلاق رجعياً.
النظر الثاني: في الفدية
كل ما صح أن يكون مهراً صح أن يكون فداء في الخلع، ولا تقدير فيه، بل يجوز ولو كان زائد عما وصل إليها من مهر وغيره. وإذا كان غائباً فلابد من ذكر جنسه ووصفه وقدره. ويكفي في الحاضر المشاهدة. وينصرف الإطلاق إلى غالب نقد البلد، ومع التعيين إلى ما عين.
ولو خالعها على ألف ولم يذكر المراد ولا قصد فسد الخلع. ولو كان الفداء مما لا يملكه المسلم كالخمر فسد الخلع، ولا يقع بائناً ولا رجعياً إلا إذا اتبع بالطلاق.
ولو خالعها على خل فبان خمراً صح، وكان له بقدره خل. ولو خلع على حمل الدابة، أو الجارية لم يصح. ويصح بذل الفداء منها، ومن وكيلها، وممن يضمنه بإذنها، ولا يصح من المتبرع. ولو خالعت في مرض الموت صح، وإن بذلت أكثر من الثلث وكان من الأصل.
ولو كان الفداء رضاع ولده صح مشروطاً بتعيين المدة، وكذا لو طلقها على نفقته بشرط تعيين القدر الذي يحتاج إليه من المأكل والكسوة والمدة. ولو مات قبل المدة كان للمطلق استيفاء ما بقي، فإن كان رضاعاً رجع بأجرة مثله، وإن كان إنفاقاً رجع بمثل ما كان يحتاج إليه في تلك المدة، مثلاً أو قيمة. ولا يجب عليها دفعه دفعة، بل أدواراً في المدة، كما كان يستحق عليها لو بقي.
ولو تلف العوض قبل القبض لم يبطل استحقاقه، ولزمها مثله، وقيمته إن لم يكن مثلياً. ولو خالعها بعوض موصوف، فإن وجد ما دفعته على الوصف، وإلا كان له رده والمطالبة بما وصف. ولو كان معيناً فبان معيباً، رده وطالب بمثله أو قيمته، وإن شاء أمسكه مع الأرش. وكذا لو خالعها على عبد على أنه حبشي فبان زنجياً، أو ثوب على أنه نقي فبان أسمر. أما لو خالعها على أنه إبريسم فبان كتاناً صح الخلع وله قيمة الإبريسم، وليس له إمساك الكتان؛ لاختلاف الجنس.
ولو دفعت ألفاً، وقالت: طلقني بها متى شئت، لم يصح البذل، ولو طلق كان رجعياً والألف لها. ولو خالع اثنتين بفدية واحدة صح، وكانت بينهما بالسوية. ولو خالعها على عين ، فبانت مستحقة يبطل الخلع.
النظر الثالث: في الشرائط
ويعتبر في الخالع شروط أربعة: البلوغ، وكمال العقل، والاختيار، والقصد. فلا يقع مع الصغر، ولا مع الجنون، ولا مع الإكراه، ولا مع السكر، ولا مع الغضب الرافع للقصد. ولو خالع ولي الطفل بعوض لم يصح.
ويعتبر في المختلعة أن تكون طاهراً طهراً لم يجامعها فيه إذا كانت مدخولاً بها، غير يائسة، وكان حاضراً معها. وأن تكون الكراهـية من المرأة. ولو قالت: لأدخلن عليك من تكرهـه لم
يجب عليه خلعها، بل يستحب.
ويصح خلع الحامل مع رؤية الدم، كما يصح طلاقها. وكذا التي لم يدخل بها، ولو كانت حائضاً. وتخلع اليائسة وإن وطأها في طهر المخالعة.
ويعتبر في العقد: حضور شاهدين دفعة، فلو افترقا لم يقع. وتجريده عن شرط.
ويصح الخلع من المحجور عليه لتبذير أو فلس.
النظر الرابع: في الأحكام
وفيه مسائل:
الأولى: لو أكرهها على الفدية فعل حراماً، ولو طلق به صح الطلاق، ولم تسلم إليه الفدية وكان له الرجعة.
الثانية: لو خالعها والأخلاق ملتئمة، لم يصح الخلع ولا يملك الفدية. ولو طلقها والحال هذه بعوض لم يملك العوض ، وصح الطلاق وله الرجعة.
الثالثة: إذا أتت بفاحشة جاز عضلها ؛ لتفدي نفسها.
الرابعة: إذا صح الخلع فلا رجعة له، ولها الرجوع في الفدية ما دامت في العدة، ومع رجوعها يرجع إن شاء.
الخامسة: لو خالعها وشرط الرجعة لم يصح، وكذا لو طلق بعوض.
السادسة: المختلعة لا يلحقها طلاق بعد الخلع؛ لأن الثاني مشروط بالرجعة. نعم، لو رجعت في الفدية فرجع، جاز استئناف الطلاق.
السابعة: إذا قال أبوها: طلقها وأنت برئ من صداقها، وطلق صح الطلاق رجعياً، ولم يلزمها الإبراء ولا يضمنه الأب.
الثامنة: إذا وكلت في خلعها مطلقاً اقتضى خلعها بمهر المثل، نقداً بنقد البلد. وكذا الزوج إذا وكل في الخلع فأطلق، فإن بذل وكيلها زيادة عن مهر المثل بطل البذل، ووقع الطلاق رجعياً، ولا يضمن الوكيل. ولو خلعها وكيل الزوج بأقل من مهر المثل بطل الخلع، ولو طلق بذلك البذل لم يقع؛ لأنه فعل غير مأذون فيه.
* * *
وأما المباراة
فهو أن يقول: بارئتك على كذا فأنت طالق. وهي تترتب على كراهية كل واحد من الزوجين صاحبه. ويشترط إتباعه بلفظ الطلاق. فلو اقتصر المباري على لفظ المباراة لم يقع به فرقة.
ولو قال: بدلاً من بارئتك، فاسختك أو ابنتك، أو غيره من الألفاظ، صح إذا اتبعه بالطلاق؛ إذ المقتضي للفرقة التلفظ بالطلاق لا غير. ولو اقتصر على قوله: أنت طالق بكذا صح، وكان مباراة؛ إذ هي عبارة عن الطلاق بعوض، مع منافاة بين الزوجين.
ويشترط في المباري والمبارأة، ما شرط في المخالع والمخالعة. وتقع الطلقة مع العوض بائنة ليس للزوج معها رجوع، إلا أن ترجع الزوجة في الفدية، فيرجع لها ما دامت في العدة. وللمرأة الرجوع في الفدية ما لم تنقض عدتها.
والمباراة كالخلع، لكن المباراة تترتب على كراهية كل واحد من الزوجين صاحبه، ويترتب الخلع على كراهية الزوجة. ويأخذ في المباراة بقدر ما وصل إليها منه، ولا تحل له الزيادة، وفي الخلع جائز. وتقف الفرقة في المباراة على التلفظ بالطلاق، وفي الخلع ليس كذلك.
* * *
كتاب الظهار
والنظر فيه يستدعي بيان أمور أربعة:
الأول: في الصيغة
وهي أن يقول: أنت عليّ كظهر أمي. وكذا لو قال: هذه، أو ما شاكل ذلك من الألفاظ الدالة على تميزها. ولا عبرة باختلاف ألفاظ الصلات، كقوله: أنت مني أو عندي.
ولو شبّهها بظهر إحدى المحرمات، نسباً أو رضاعاً، كالأم أو الأخت يقع الظهار. ولو شبّهها بيد أمه، أو شعرها أو بطنها لا يقع الظهار. ولو قال: أنت كأمي، أو مثل أمي، لا يقع الظهار وإن قصده.
ولو شبّهها بمحرمة بالمصاهرة، تحريماً مؤبداً، كأم الزوجة، وبنت زوجته المدخول بها، وزوجة الأب والابن، لم يقع به الظهار. وكذا لو شبهها بأخت الزوجة، أو عمتها، أو خالتها. ولو قال: كظهر أبي، أو أخي، أو عمي، لم يكن شيئاً. وكذا لو قالت هي: أنت عليّ كظهر أمي وأبي. ويشترط في وقوعه حضور عدلين يسمعان نطق المظاهر. ولو جعله يميناً لم يقع. ولا يقع إلا منجزاً، فلو علّقه بانقضاء الشهر، أو دخول الجمعة لم يقع. ويقع في إضرار وموقوفاً على الشرط. ولو قيده بمدة كأن يظاهر منها شهراً أو سنة لا يقع.
فروع:
الأول: لو قال أنت طالق كظهر أمي، وقع الطلاق ولغي الظهار، قصد الظهار أو لم يقصده.
الثاني: لو ظاهر إحدى زوجتيه إن ظاهر ضرتها، ثم ظاهر الضرة، وقع الظهاران.
الثالث: ولو ظاهرها إن ظاهر فلانة الأجنبية، وقصد النطق بلفظ الظهار صح الظهار عند مواجهتها به، وإن قصد الظهار الشرعي لم يقع ظهار.
الثاني: في المظاهر
ويعتبر فيه: البلوغ، وكمال العقل، والاختيار والقصد. فلا يصح ظهار الطفل، ولا المجنون، ولا المكره، ولا فاقد القصد بالسكر أو الإغماء أو الغضب. ولو ظاهر ونوى الطلاق لم يقع الطلاق؛ لعدم اللفظ المعتبر، ولا الظهار؛ لعدم القصد. ويصح ظهار الخصي، والمجبوب، وكذا يصح الظهار من الكافر، ويصح من العبد.
الثالث: في المظاهرة
ويشترط أن تكون منكوحة بالعقد الدائم أو المنقطع أو موطوءة بالملك. ولا يقع بالأجنبية ولو علّقه على النكاح.
وأن تكون طاهراً طهراً لم يجامعها فيه، إذا كان زوجها حاضراً، وكان مثلها تحيض. ولو كان غائباً صح، وكذا لو كان حاضراً وهي يائسة، أو لم تبلغ.
ويشترط الدخول، ومع الدخول يقع ، صغيرة كانت أو كبيرة مجنونة أو عاقلة. وكذا يقع بالرتقاء والمريضة التي لا توطأ.
الرابع: في الأحكام، وهي مسائل:
الأولى: الظهار محرم.
الثانية: لا تجب الكفارة بالتلفظ، وإنما تجب بالعود، وهو إرادة الوطء. ويحرم الوطء حتى يُكفِّر. ولو وطأ قبل الكفارة، لزمه كفارتان. ولو كرر الوطء تكررت الكفارة.
الثالثة: إذا طلقها بعد الظهار رجعياً، ثم راجعها لم تحل له حتى يكفر. ولو خرجت من العدة، ثم تزوجها ووطأها، فلا كفارة. وكذا لو طلقها بائناً، وتزوجها في العدة، ووطأها. وكذا لو ماتا، أو مات أحدهما، أو ارتدا، أو ارتد أحدهما.
الرابعة: إذا قال : أنت عليّ كظهر أمي إن شاء زيد، فقال: شئت، وقع، ولو قال: إن شاء الله، لم يقع ظهار به.
الخامسة: لو ظاهر من أربع بلفظ واحد، كان عليه عن كل واحدة كفارة. ولو ظاهر من واحدة مراراً، وجب عليه بكل مرة كفارة، فرّق الظهار أو تابعه. ولو وطأها قبل التكفير لزمه عن كل وطء كفارة واحدة.
السادسة: إذا أطلق الظهار حرم عليه الوطء حتى يكفر، ولو علّقه بشرط جاز الوطء ما لم يحصل الشرط، ولو وطأ قبله لم يكفر. ولو كان الوطء هو الشرط يثبت الظهار بعد فعله، ولا تستقر الكفارة حتى يعود.
السابعة: يحرم الوطء على المظاهر ما لم يكفر، سواء كفر بالعتق أو الصيام أو الإطعام. ولو وطأها في خلال الصيام استأنف. ويحرم عليه ما دون الوطء كالقبلة والمساحقة.
الثامنة: إذا عجز المظاهر عن الكفارة، أو ما يقوم مقامها عدا الاستغفار يجزيه الاستغفار.
التاسعة: إن صبرت المظاهرة فلا اعتراض، وإن رفعت أمرها إلى الحاكم، خيّره بين التكفير والرجعة أو الطلاق، وأنظره ثلاثة أشهر من حين المرافعة. فإن اقتضت المدة، ولم يختر أحدهما ضيق عليه في المطعم والمشرب، حتى يختار أحدهما. ولا يجبره على الطلاق تضييقاً، ولا يطلق عنه.
* * *
ويلحق بهذا:
النظر في الكفارات:
وفيه مقاصد:
الأول: في ضبط الكفارات
وقد سبق الكلام في كفارات الإحرام، فلنذكر ما سوى ذلك. وهي: مرتبة، ومخيرة، وما يحصل فيه الأمران، وكفارة الجمع.
فالمرتبة: ثلاث كفارات: الظهار، وقتل الخطأ، ويجب في كل واحدة: العتق فإن عجز، فالصيام شهرين متتابعين، فإن عجز فإطعام ستين مسكيناً. وكفارة من أفطر يوماً من قضاء شهر رمضان بعد الزوال: إطعام عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام متتابعات.
والمخيرة: كفارة من أفطر في يوم من شهر رمضان مع وجوب صيامه بأحد الأسباب الموجبة للتكفير، وكفارة من أفطر يوماً نذر صيامه، وكذا كفارة الحنث في العهد. والواجب في كل واحدة: عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً.
وما يحصل فيه الأمران: كفارة اليمين، وكفارة نذر غير الصيام، وهي: عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإن عجز صام ثلاثة أيام.
وكفارة الجمع: وهي كفارة قتل المؤمن عمداً ظلماً، وكفارة إفطار يوم من رمضان بمحرَّم، وهي: عتق رقبة، وصيام شهرين متتابعين، وإطعام ستين مسكيناً.
المقصد الثاني: سبع مسائل
الأولى: من حلف بالبراءة من الله تعالى أو الرسول أو أحد الأئمة أو المهديين أو الأنبياء (ع) يأثم ولا كفارة، وهو غير قسم البراءة.
الثانية: في جز المرأة شعرها في المصاب: عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً.
الثالثة: تجب على المرأة في نتف شعرها في المصاب، وخدش وجهها، وشق الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته كفارة يمين.
الرابعة: تجب كفارة الوطء في الحيض مع التعمد، والعلم بالتحريم والتمكن من التكفير.
الخامسة: من تزوج امرأة في عدتها فارقها واستحب له التكفير بخمسة أصوع من دقيق.
السادسة: من نام عن العشاء حتى جاوز نصف الليل استحب له أن يصبح صائماً.
السابعة: من نذر صيام يوم فعجز عنه أطعم مسكيناً مدين، فإن عجز تصدق بما استطاع، فإن عجز استغفر الله.
المقصد الثالث: في خصال الكفارة
وهي: العتق، والإطعام، والصيام.
القول في العتق:
ويتعين على الواجد في الكفارة المرتبة، وكفارة الجمع. ويتحقق الوجدان بملك الرقبة، أو ملك الثمن مع إمكان الابتياع. فإن لم يجد انتقل إلى ما بعدها في المرتبة، وفي الجمع يدفع ثمن الرقبة - إن كان يملكه - للإمام، وللإمام تقدير الثمن وإسقاطه أو بعضه.
القول في الصيام:
ويتعين الصيام في المرتبة مع العجز عن العتق. ويتحقق العجز: إما بعدم الرقبة، أو عدم ثمنها، وإما بعدم التمكن من شرائها وإن وجد الثمن. ولا يباع المسكن، ولا ثياب الجسد. ويباع ما يفضل عن قدر الحاجة من المسكن.
ويُستغنى عن الخادم على المرتفع عن مباشرة الخدمة، إلا مع المرض المحوج إلى الخدمة. ولو كان الخادم غالياً بحيث يتمكن من الاستبدال منه ببعض ثمنه يلزم تبديله؛ لإمكان الغناء عنه. وكذا المسكن إذا كان غالياً وأمكن تحصيل البدل ببعض الثمن.
ومع تحقق العجز عن العتق يلزم في الظهار والقتل خطأ صيام شهرين متتابعين. وعلى المملوك صيام شهر، فإن أفطر في الشهر الأول من غير عذر استأنف، وإن كان لعذر بنى. وإن صام من الثاني ولو يوماً أتم، ولا يأثم مع الإفطار.
والعذر الذي يصح معه البناء: الحيض، والنفاس، والمرض، والإغماء، والجنون. أما السفر، فإن اضطر إليه كان عذراً، وإلا كان قاطعاً للتتابع. ولو أفطرت الحامل أو المرضع خوفاً على أنفسهما لم ينقطع التتابع، وكذا لو أفطرتا خوفاً على الولد لا ينقطع.
ولو أكره على الإفطار لم ينقطع التتابع، سواء كان إجباراً كمن وجر الماء في حلقه، أو لم يكن كمن ضرب حتى أكل. ولو عرض في أثناء الشهر الأول زمان لا يصح صيامه عن الكفارة كشهر رمضان والأضحى، بطل التتابع.
القول في الإطعام:
ويتعين الإطعام في المرتبة مع العجز عن الصيام. ويجب إطعام العدد المعتبر لكل واحد مد، والأفضل مدان. ولا يجزي إعطاء ما دون العدد المعتبر وإن كان بقدر إطعام العدد. ولا يجوز التكرار عليهم من الكفارة الواحدة مع التمكن من العدد، ويجوز مع التعذر.
ويجب أن يطعم من أوسط ما يطعم أهله. ولو أعطى مما يغلب على قوت البلد جاز. ويستحب أن يضم إليه أداماً ، أعلاه اللحم، وأوسطه الخل، وأدونه الملح. ويجوز أن يعطي العدد متفرقين ومجتمعين، إطعاماً وتسليماً. ويجزي إخراج الحنطة والشعير والدقيق والخبز. ولا يجزي إطعام الصغار منفردين، ويجوز منضمين. ولو انفردوا احتسب الاثنان بواحد. ويستحب الاقتصار على إطعام المؤمنين ومن هو بحكمهم كالأطفال.
ويجوز إطعام المسلم الفاسق، ولا يجوز إطعام الكافر، وكذا الناصب العداء (سواء للأئمة أو المهديين أو شيعتهم لأنهم يشايعونهم).
مسائل أربع:
الأولى: كفارة اليمين مخيرة بين العتق والإطعام والكسوة. فإذا كسا الفقير يجزي الثوب الواحد مع الاختيار، والأفضل أن يعطيه ثوبين مع القدرة.
الثانية: الإطعام في كفارة اليمين مد لكل مسكين ولو كان قادراً على المدين، والأفضل مدان.
الثالثة: كفارة الإيلاء مثل كفارة اليمين.
الرابعة: من ضرب مملوكه فوق الحد استحب له التكفير بعتقه.
المقصد الرابع : في الأحكام المتعلقة بهذا الباب
وهي مسائل:
الأولى: من وجب عليه شهران متتابعان، فإن صام هلالين فقد أجزأ وإن كانا ناقصين، وإن صام بعض الشهر وأكمل الثاني اجتزأ به وإن كان ناقصاً، وأكمل الأول ثلاثين.
الثانية: العبرة في المرتّبة بحال الأداء لا بحال الوجوب، فلو كان قادراً على العتق فعجز، صام ولا يستقر العتق في ذمته.
الثالثة: إذا كان له مال يصل إليه بعد مدة غالباً لم ينتقل فرضه، بل يجب الصبر. ولو كان مما يتضمن المشقة بالتأخير كالظهار ينتقل فرضه.
الرابعة: إذا عجز عن العتق فدخل في الصيام، ثم وجد ما يعتق لم يلزمه العود وإن كان أفضل. وكذا لو عجز عن الصيام فدخل في الإطعام، ثم زال العجز.
الخامسة: لو ظاهر ولم ينو العود فأعتق عن الظهار لا يجزيه ؛ لأنه كفر قبل الوجوب .
السادسة: لا تدفع الكفارة إلى الطفل؛ لأنه لا أهلية له، وتدفع إلى وليه.
السابعة: لا تصرف الكفارة إلى من يجب نفقته على الدافع، كالأب والأم والأولاد والزوجة والمملوك؛ لأنهم أغنياء بالدافع، وتدفع إلى من سواهم وإن كانوا أقارب.
الثامنة: إذا وجبت الكفارة في الظهار وجب تقديمها على المسيس، سواء كفّر بالإعتاق أو بالصيام أو بالإطعام.
التاسعة: إذا وجب عليه كفارة مخيرة كفر بجنس واحد، ولا يجوز أن يكفر بنصفين من جنسين.
العاشرة: لا يجزي دفع القيمة في الكفارة إلا مع العجز عن إيجاد الرقبة في كفارة الجمع، فإن قيمتها تدفع للإمام، أو من نصبه الإمام.
الحادية عشرة: من قتل في الأشهر الحرم وجب عليه صيام شهرين متتابعين من الأشهر الحرم، وإن دخل فيهما العيد وأيام التشريق.
الثانية عشرة: كل من وجب عليه صيام شهرين متتابعين فعجز صام ثمانية عشر يوماً، فإن لم يقدر تصدق عن كل يوم بمد من طعام، فإن لم يستطع استغفر الله تعالى ولا شيء عليه.
* * *
كتاب الإيلاء
والنظر في أمور أربعة:
الأول: في الصيغة
ولا ينعقد الايلاء إلا بأسماء الله تعالى مع التلفظ، ويقع بكل لسان مع القصد إليه. واللفظ الصريح: "والله لا أدخلت فرجي في فرجك"، أو يأتي باللفظة المختصة بهذا الفعل، أو ما يدل عليها صريحاً.
والمحتمل كقوله: لا جامعتك أو لا وطأتك، فإن قصد الايلاء صح. ولا يقع مع تجرده عن النية. ولو قال: لا أجمع رأسي ورأسك في بيت أو مخدة، أو لا ساقفتك، يقع مع القصد. ولو قال: لا جامعتك في دبرك لم يكن مولياً.
ويشترط تجريد الايلاء عن الشرط، فلو علقه بشرط، أو زمان متوقع كان لاغياً.
ولو حلف بالعتاق أن لا يطأها، أو بالصدقة، أو بالتحريم لم يقع ولو قصد الايلاء. ولو قال: إن أصبتك، فعليّ كذا، لم يكن إيلاء.
ولو آلى من زوجة، وقال للأخرى: شركتك معها لم يقع بالثانية ولو نواه، إذ لا إيلاء إلا مع النطق باسم الله. ولا يقع إلا في إضرار، فلو حلف لصلاح اللبن، أو لتدبير في مرض لم يكن له حكم الايلاء، وكان كالإيمان.
الثاني: في المولى
ويعتبر فيه: البلوغ، وكمال العقل، والاختيار، والقصد. ويصح من المملوك، حرة كانت زوجته أو أمة، ومن الكتابي ومن الخصي، ويصح من المجبوب.
الثالث: في المولى منها
ويشترط: أن تكون منكوحة بالعقد لا بالملك، وأن تكون مدخولاً بها. ويقع بالمنكوحة بالعقد المنقطع. ويقع بالحرة والمملوكة.
والمرافعة إلى المرأة لضرب المدة، ولها بعد انقضائها المطالبة بالفئة ولو كانت أمة، ولا اعتراض للمولى. ويقع الايلاء بالكتابية كما يقع بالمسلمة.
الرابع: في أحكامه
وهي مسائل:
الأولى: لا ينعقد الايلاء حتى يكون التحريم مطلقاً، أو مقيداً بالدوام، أو مقروناً بمدة تزيد عن أربعة أشهر، أو مضافاً إلى فعل لا يحصل إلا بعد انقضاء مدة التربص يقيناً أو غالباً، كقوله - وهو بالعراق -: حتى أمضي إلى بلد الترك وأعود، أو يقول: ما بقيت. ولا يقع لأربعة أشهر فما دون، ولا معلقاً بفعل ينقضي قبل هذه المدة، يقيناً أو غالباً أو محتملاً على السواء.
ولو قال: والله لا وطأتك حتى أدخل هذه الدار لم يكن إيلاء؛ لأنه يمكنه التخلص من التكفير مع الوطء بالدخول، وهو مناف للايلاء.
الثانية: مدة التربص في الحرة والأمة أربعة أشهر، سواء كان الزوج حراً أو عبداً.
والمدة حق للزوج، وليس للزوجة مطالبته فيها بالفئة ، فإذا انقضت لم تطلق بانقضاء المدة، ولم يكن للحكام طلاقها. وإن رافعته فهو مخير بين الطلاق والفئة، فإن طلق فقد خرج من حقها، وتقع الطلقة رجعية، وكذا إن فاء. وإن امتنع من الأمرين حبس وضيق عليه حتى يفئ أو يطلق. ولا يجبره الحاكم على أحدهما تعييناً.
ولو آلى مدة معينة ودافع بعد المرافعة حتى انقضت المدة سقط حكم الايلاء، ولم يلزمه الكفارة مع الوطء. ولو أسقطت حقها من المطالبة لم تسقط المطالبة؛ لأنه حق متجدد، فيسقط بالعفو ما كان لازماً لا ما يتجدد.
فروع:
الأول: لو اختلفا في انقضاء المدة، فالقول قول من يدعي بقاءها. وكذا لو اختلفا في زمان إيقاع الايلاء، فالقول قول من يدعي تأخره.
الثاني: لو انقضت مدة التربص لها المطالبة وإن كان هناك ما يمنع من الوطء كالحيض والمرض. ولو تجددت أعذارها في أثناء المدة لا تنقطع الاستدامة، كما لا تنقطع المدة بأعذار الرجل ابتداء، ولا اعتراضاً، ولا تمنع من المرافعة انتهاء.
الثالث: إذا جن بعد ضرب المدة احتسبت المدة عليه وإن كان مجنوناً، فإن انقضت المدة والجنون باق تربص به حتى يفيق.
الرابع: إذا انقضت المدة وهو محرم ألزم بفئة المعذور، وكذا لو اتفق صائماً. ولو واقع أتى بالفئة وإن أثم. وكذا في كل وطء محرم، كالوطء في الحيض، والصيام الواجب.
الخامس: إذا ظاهر، ثم آلى صح الأمران، وتوقف بعد انقضاء مدة الظهار. فإن طلق فقد وفى الحق، وإن أبى ألزم التكفير والوطء؛ لأنه أسقط حقه من التربص بالظهار، وكان عليه كفارة الايلاء.
السادس: إذا آلى ثم ارتد تحتسب عليه مدة الردة.
المسألة الثالثة: إذا وطأ في مدة التربص أو بعد المدة لزمته الكفارة.
الرابعة: إذا وطأ المولي ساهياً ، أو مجنوناً، أو اشتبهت بغيرها من حلائله، بطل حكم الايلاء، ولا تجب الكفارة.
الخامسة: إذا ادعى الإصابة فأنكرت، فالقول قوله مع يمينه.
السادسة: المدة المضروبة من حين الايلاء .
السابعة: فئة القادر غيبوبة الحشفة في القبل، وفئة العاجز إظهار العزم على الوطء مع القدرة. ولو طلب الإمهال مع القدرة أمهل ما جرت العادة به، كتوقع خفة المأكول أو الأكل إن كان جائعاً، أو الراحة إن كان متعباً.
الثامنة: إذا آلى من الرجعية صح، ويحتسب زمان العدة من المدة. وكذا لو طلقها رجعياً بعد الايلاء وراجع.
التاسعة: لا تتكرر الكفارة بتكرر اليمين، سواء قصد التأكيد أو لم يقصد، أو قصد بالثانية غير ما قصد بالأولى إذا كان الزمان واحداً.
* * *
والحمد لله رب العالمين
0 تعليق على موضوع "شرائع الإسلام - الجزء الثالث كتاب النكاح والطلاق وتوابعهما"
الإبتساماتإخفاء